}

مسلسلات وبرامج رمضان في العراق: نقد لاذع

علي لفتة سعيد 29 مارس 2024
أجندة مسلسلات وبرامج رمضان في العراق: نقد لاذع
البرامج التلفزيونية العراقية تثير الكثير من الجدل حولها
لم تشهد البرامج الرمضانية، ولا حتى المسلسلات العراقية، طوال السنوات الماضية، حجم انتقاداتٍ وصلت إلى النقد اللاذع جدًا، كما وصلت في هذه الدورة الرمضانية الحالية، وخاصّة البرامج الكوميدية التي وصفت بأنها هزيلة وخالية من الرسائل الهادفة، وحتى الإضحاكية، بل إنها وصلت إلى مرحلة الإسفاف، مثلما وجد الممثّلون أنفسهم وسط هذا الانتقاد الكبير لمسيرتهم، خاصة أن بعضهم مبدعون وأكاديميون ولهم بصمةٌ في تاريخ الدراما العراقية. لذا يبدو السؤال مهمًّا ومختصرًا: ما هي الأسباب، ولماذا هذه الموجة من النقد الكبير؟

الإجابة قد تكون كما هي دومًا عند الذين يناصرون الإبداع العراقي من أن النقد وصل إلى حد الانتقاص، وتحوّل من كونه تقويمًا إلى اعتباره صيدًا، وله قصدية. وربما يضيفون الجملة المشهورة: إن مطربة الحي لا تطرب، وإن السهام تصيب أيّ عمل. ويرى بعضهم في البرامج الفكاهية، كبرنامج "قط أحمر"، و"أبجد هوّس"، و"حامض حلو"، وبرامج أخرى، أنها وسيلة من وسائل الترفيه للعائلة العراقية. وهو ما يؤكده الكاتب حيدر العابدي، الذي يضيف: إن العمل الفنّي ليس سهلًا، لذا فإن اللجوء الى الدراما الجادّة في كلّ شيء لا يعني تقديم سلّة مهمّة للعائلة التي تحتاج دومًا إلى ما يجعلها تبتسم وسط الضجيج الكلّي للحياة. ويشير إلى أن العراقي مرّ بظروفٍ قاسيةٍ، من حروب وحصار واحتلال وإرهاب وفوضى سياسية وفسادٍ وسلاحٍ، وهذا كلّه يعني البحث عن ابتسامة، مستدركًا: نعم، فيها إسفافٌ، لكن العائلة البسيطة تتابعه، وحتى شركات الدعاية تختار هكذا برامج لبثّ إعلاناتها.
ويرى الكاتب محمد الأسدي أن هذه البرامج مفيدةٌ للترويح عن العائلة، رغم خلوها من الرسائل، ما جعل منها عملية تهريج. لكنْ لهذا أسباب، منها ضعف الكتابة والإخراج، وقلّة الإنتاج، وغير ذلك مما يتعلق بالواقع العراقي المرتبك. وكلها عوامل ساهمت بألّا يكون المشهد الدرامي عالي المستوى، لأن المنتج يريد كلفةً أقل، فضلًا عن ضعف الإمكانيات الفنية لكثير من الممثّلين الرواد الذين لا تزال الحركات المسرحية مسيطرةً على أدائهم، إضافة الى الخوف من الاقتراب من الأماكن المسكوت عنها بسبب الواقع العراقي، داعيًا إلى تفهّم هذا الواقع، وعدم اللجوء إلى الانتقاص المستمر. ويعترف الأسدي أن العائلة العراقية تريد البساطة والعمل الذي لا يحتاج إلى تفكيرٍ وتفاعلٍ ودموع، والفضائيات تدرك ما يريده البسطاء، لذا هي تقدّم له سلّةً من المضحكات.
أمام هذه المعطيات، فإن المسلسلات والبرامج الفكاهية تبقى في مدار الترقب والمتابعة والنقد في الوقت نفسه. لذا فإن الفضائيات العراقية تسعى في كلّ عام إلى تقديم ما تراه مناسبًا، وإن كانت هي قنوات معروفة تعيد إنتاج برامجها التي تعتقد أنها ناجحةٌ لتصل إلى الموسم الخامس في بعض البرامج.




يقول الكاتب والقاص حسن عبد الرزاق إن بعض الفضائيات تقدم أعمالًا دراميةً بصنفيها التراجيدي والكوميدي، لتفتح للمتلقّي باب المقارنة بين مستوى ما تنتجه قنواتنا من جهةٍ والقنوات العربية من جهةٍ أخرى، على مستوى الموضوعات والمعالجات والأداء التمثيلي وجماليات الإخراج. ويضيف أنه دائمًا ما نجد أن الكفّة تميل لصالح الأعمال العربية، كون أغلب تلك الأعمال تمثّل خطابات فنيةٍ تلامس حدود التكامل، لما يتوافر فيها من متعٍ بصريةٍ وسمعيةٍ وقيمٍ فكريةٍ تجتذب المشاهد منذ الحلقة الأولى إلى حلقة الختام. ويشير إلى أن السبب الأول في هذا الميل هو النجاح الفني العائد إلى توافر عنصر الإنتاج القوي الكفيل بنجاح أي مسلسل إذا ما حضرت فيه العناصر الأخرى المهمة، مستدركًا أن للمخيّلات التأليفية والإخراجية والأدائية دورًا كبيرًا في صنع أعمالٍ جاذبةٍ تستحوذ على اهتمام المشاهد، حتى وإن كانت الإمكانيات المادية فقيرة نوعًا ما، وهذا ما تفتقر إليه أغلب أعمالنا. ويرى عبد الرزاق أنه في هذا العام، كما في العام السابق، لم يطرأ أيّ تغيير على فن الكوميديا عندنا، فالنمط المقدّم لا يزال عبارةً عن برامج واسكيتشات، بعضها هزلي يخلو من المحتوى الجاد، وهدفه الضحك من أجل الضحك، وبعضها الآخر انتقادي ينتهج أسلوب (التلميح) بطريقةٍ سطحية، إلى أفعالٍ سلبيةٍ على المستوى الاجتماعي، أو السياسي، من دون الغوص في العمق. لذا يرى عبد الرزاق أن سبب سهام النقد الكثيرة الموجهة هذا العام راجعٌ إلى خيبة الأمل في رؤية أعمالٍ جديدةٍ تخلو من التكرار الممل لما سبق تقديمه من هزليات ما عادت تثير مشاعر البهجة والضحك لدى المشاهدين، ولا تحدث لديهم أيّ إبهارٍ أو دهشة، وهذه الحالة هي مؤشّر وقوعٍ في النمطية بسبب الخواء الإبداعي الذي قد يمهّد الى موت الكوميديا مستقبلًا، إذا بقيت تدور في الدائرة التقليدية من دون الخروج إلى فضاءٍ جديد ينعشها ويعيد لها أهميتها في الحياة.
ويقول الصحافي الفني عبد الجبار العتابي: إن البرامج والمسلسلات العراقية في كل موسم رمضاني تثير كثيرًا من الجدل حولها، خاصّة ما تقدمّه القنوات المعروفة. ويضيف: إن البرامج تعتمد الكوميديا، لكنها كوميديا مبنية على الإسفاف واللّعب على الألفاظ، وتقوم على المشاهد المكرّرة التي تتشابه في محتوياتها، ولا علاقة لها بالضحك والكوميديا بقدر ما هي ضحك على ذقون المشاهدين. فهي، كما يرى، بلا معنى و"يبدو أن سبب الاستمرارية في إنتاج هذه البرامج هو الربح المادي أكثر من كونها فنيةً ذات قيمة، حيث لا جديد ولا تجديد، والممثلون هم أنفسهم المسيطرون على هذه البرامج". وعن المسلسلات، يقول العتابي إن سوء الإنتاج يبرز واضحًا، من خلال الاعتماد على المنتج المنفّذ الذي يفكّر بالربح أكثر مما يفكّر في إنتاج عملٍ جيدٍ ومميّز، فضلًا عن كون العلاقات تتحكمّ في اختيار العمل والمخرج والمنتج. كما أن تصوير الأعمال يبدأ في وقتٍ متأخّر، ممّا يؤدّي إلى الاستعجال في إكمالها قبل حلول شهر رمضان، أو مع حلوله، فلا يكون هناك اهتمام باللقطة والمشهد والأداء، فالمهم أن المنتج يريد، أكثر من أي شيء آخر، أن يكتمل العمل. ويشير إلى وجود تفاوت في نوعية المسلسلات من جيدٍ إلى سيّء، حيث الأخطاء الكثيرة، والمواقف المفبركة الفانتازية، التي لا تمت إلى الواقع بصلة، وإن كانت فهي تتناول الألفاظ السوقية، وتنقل ما يحدث في الشارع إلى الشاشة، من دون تشذيب ولا تهذيب.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.