}

مهرجان المربد: بين صناعة الجمال وانتقادات التنفيذ

علي لفتة سعيد 22 فبراير 2024
هنا/الآن مهرجان المربد: بين صناعة الجمال وانتقادات التنفيذ
لافتة في المهرجان (964media.com)

 

انتهت قبل أيام فعّاليات مهرجان المربد في دورته الخامسة والثلاثين التي أطلق عليها دورة الشاعر أحمد مطر. ولأن المربد يمثّل واجهةً ثقافيةً وجماليةً للواقع العراقي الذي يعد منبت الشعر العربي، سواء في جنسه العمودي أو التفعيلة وحتى قصيدة النثر، فإن انعقاد المهرجان بحدّ ذاته هو انتصار للثقافة والحياة الثقافية، وسط كبت السواد والسياسة التي لا تريد للجمال أن يمشي على ساقيه، بل هو كما يراه البعض قوّةً وليس عكّازًا، وإن انعقاده يعني التحدّي من أجل إشاعة الجمال ومواجهة الضغط السياسي وغير السياسي، وكذلك يعني مهر وختم الإصرار وهذا وحده انتصار ونجاح.

المهرجان الذي استمر أربعة أيام افتتح لأوّل مرة على أرض المدينة الرياضية، بعد أن كان طوال سنوات انعقاده يقام في القاعات المغلقة، شارك فيه أكثر من 400 شخصية من العراقيين بينهم 37 مغتربًا و50 عربيًا بينهم وزيرة الثقافة الليبية، وكانت ضيف المهرجان دولة فلسطين. وشهد انعقاد أربع جلساتٍ نقدية، الأولى: أحمد مطر شاعرًا وإنسانًا. والثانية: جدل العلاقة بين الأدب والسلطة. والثالثة: الواقع الافتراضي وأثره في الشعر العراقي الراهن. والرابعة: قصيدة النثر العراقية- الواقع وآفاق المستقبل.

وكما في كل دورة من دورات المهرجان التي عقدت ما بعد عام 2003 وعودته من البصرة إلى بغداد، يكثر الكلام والتقاطعات بين مؤيدٍ ومعارض، بل بين مندفعٍ لإقامته، وساخط سواء عبر إيجاد أيّة ثغرةٍ من أجل التنويه عن الرأس المخالف، بما فيها أسماء المدعوين، سواء من الداخل العراقي أو البلدان العربية. وهو الأمر الذي يعدّه البعض أمرًا طبيعيًا لأن لا عمل بلا نقصٍ أو هفوات.

يقول الأديب زكي الديراوي إن أحمد مطر معارض عراقي من مواليد البصرة/ التنومة 1950، هرب للكويت وتم إبعاده إلى بريطانيا ويعيش هناك، وهو حاليًا مصاب بسرطان الدم منذ 30 عاما. وأضاف أن العرب يعرفونه أكثر من العراقيين، وهو شاعرٌ وطني لم يجامل ولم يوافق على العديد من العروض لتسنم أي منصب. ولذا فإن التسمية جاءت من اتحاد الأدباء في العراق لمواقفه الوطنية وعدم تنازله عنها، ولأنه كان صوت المواطن ضدّ الظلم. ولفت إلى أن أحمد مطر شكر بنفسه رئيس الوزراء محمد السوداني الذي أوعز بإحضاره بطائرة خاصة إن استطاع. ونقل الشاعر تحياته لضيوف ومنظمي المهرجان وتمنياته بالنجاح واعتذاره عن الحضور لسوء حالته الصحية. وبيّن أن الاعتراض شيء مهم، لكنه لا يجب أن يكون بطريقة الانتقاص من القامات والجهود. 

كانت دولة فلسطين ضيف المهرجان 


ويقول الناقد الدكتور علي حسين يوسف إن المهرجان محاولة ناجعة لإبراز الوجهِ المعاصرِ للثقافة الأدبيّة في العراقِ والتعريف بها، مثلما كان محطّةَ استراحةٍ للشعريةِ العراقيةِ لتتأمّل ذاتها وتعيد تفحّص مقولاتها لتواصل المسير مجدّدًا. وأضاف: إنّه رسالة ثقافيّة عراقيّة موجّهة إلى شعوب العالم كافّة، حملت طابع الرّوح العراقيّة الأصيلة وهي ترتدي ثوب الشّعر والثّقافة، ولقد سمعنا شعرًا نوعيًّا ممتازًا وآخر دون ذلك، ولمسنا اجتهادات واعدة ممكن أن تترك بصمتها مستقبلًا على جسد الحياة الأدبيّة العراقية، فالنّصوص المشاركة لم تكن كلّها بمستوى واحد من الناحيّة الشّعريّة وهو أمر طبيعيّ لكنّها على الرغم من ذلك عكست في الأعمّ الأغلب صورة الشّعر العراقيّ المعاصر وبعضًا من خصائصه الرؤيوية والفنيّة. وعن تسمية المهرجان قال الدكتور يوسف إن أحمد مطر يُعدّ ببساطتهِ وجرأتهِ ظاهرةً فريدةً في الشعر العراقي؛ بساطة الشعر وجرأة الطّرح عنده كانتا مدعاة لانتقادات كثيرة كان مضمونها المبالغة في شأن أحمد مطر الشعريّ وبالتالي التسرّع في اطلاق اسمه على هذه الدّورة، فقد رمي الشّاعر بالنّثريّة والوضوح المملّ وبالانشغال بالسّباب والشّتائم وبالإسفاف، دون الأخذ بنظر الاعتبار أن الشّعر العربي، قديمه وحديثه، شهد شعراء أكثر بساطةً وأشد جرأةً وإيغالًا في الشّتم من مطر نفسه. واستدرك بأن الجلسات النّقديّة عكست وعيًا ممتازًا في المقولات النّقديّة الحداثويّة، مثلما شهدت نقاشات جادّة عكست ثقافة النّاقد العراقيّ المعاصر على الرغم من هيمنة عدد من الإشكاليات التاريخيّة التي يعاني منها النقد العربي المعاصر بصورةٍ عامة، فما زالت مشكلات المصطلح النقدي وسيادة التنظير على التطبيق ماثلة في نقاشاتنا النقدية حتى الآن. 

فيما رأى الأديب عماد مجيد المولى أن الاعتراضات وصلت إلى حدّ جلد الذات والإساءة لشاعرٍ إنتهج أسلوبًا ما في منجزه الشعري التحريضي... ويضيف: لا أعلم على أية اعتبارات تم ذلك وهي بنفس الوقت ليست مشكلة أو (ذنب) الشاعر نفسه، بل المشكلة كما يقول حين تحوّل الموضوع إلى عملية تسقيطٍ لهذا أو ذاك من شعراءٍ مشهودٍ لهم بالريادة وتاريخ منجزهم الشعري تجاوز المحلية، وكتبت عنهم مباحث وأطاريح ودراسات، وتركوا بصمةً في الشعر، سواء استسغنا شعرهم أم لم نستسغه. ويشير: لقد وصل الأمر إلى حدّ التخوين والعمالة والانحطاط. وتساءل باستغراب: كيف لنقّادٍ تعمّقوا في دراسة الأدب وتاريخه ومجالاته أن يمسحوا منجز شاعرٍ بأكمله؟. معتبرًا ذلك العيش في معضلة أزلية وهي أن المتلقّي يريد من الشاعر أن يكون ملاكًا  مطهرًا من كلّ دنس، ولا يتذكرون قول السيد المسيح (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر).

اعتراضات

مهرجان هذا العام حمل الكثير من الآراء المعارضة والمنتقدة، وقد طاولت حتى على من أطلق اسمه على المهرجان الشاعر أحمد مطر كونه ليس شاعرًا، بل كاتب يافطاتٍ سياسية.

يقول الأديب والصحافي عبد الستار البيضاني أن لا إحصائية عن المهرجانات الثقافية في البلدان العربية، لكنّي أعتقد أن العراق هو أكثر بلدٍ عربيّ يقيم مهرجانات ثقافية محلية ومركزية يدعى لها ضيوف من الخارج. وأضاف: إن تنظيم المهرجانات في العالم يعتمد على مفاهيم ونظريات علمية، ولا أدري إن كانت مؤسساتنا الثقافية الرسمية والمهنية قد سمعت بشيء اسمه (الهندسة الثقافية) التي يُعتمد عليها في إقامة المهرجانات مثل أيّ بناءٍ لعمارةٍ أو تخطيطٍ لمدينةٍ جديدة تقوم على النظريات، وتُهيئ لها الخرائط  ومواد البناء والخبرات المناسبة، ويرى أن أغلب المهرجانات هي مناسبة اجتماعية للعلاقات النفعية، والسبب أن أغلب من  يقوم بتنظيمها أسماء بلا خبرة ولا تاريخ، فهي إما (فازت) بمنصب في هذا الاتحاد أو تلك النقابة بالطريقة المعروفة بعد الفوضى التي ضربت البلاد بعد عام 2003، أو أنها تعينت بمنصب حكومي، بحكم المحاصصة الطائفية والحزبية، وزاد في القول إن إعطاء الأولوية في الدعوات والاحتفالات (للمسؤولين) في الاتحادات والنقابات  في المحافظات  التي تقيم مهرجانات أخرى من أجل تبادل المنفعة، والأمر كما يروى غير مقتصر على الداخل العراقي فقد رصدنا في العام الماضي اسماء عربية دُعيت للعراق نحو أربع مرات، وعندما استفسرنا من أحد القريبين من مطابخ المهرجانات، قال إنهم اصحاب مناصب ومواقع في بلدانهم ويصلحون لـ (ادعيني وادعيك). وهو الأمر الذي يؤثر على جودة المهرجان وأهدافه.

وقال الشاعر حميد قاسم إن أحمد مطر ليس شاعرًا بل نظّام هتافات وشتائم، ويزيد بقوله للتأكيد: إن شعر مظفر النوّاب بالعربية الفصيحة ليس شعرًا ولا يرقى إلى عشر شعره بالعامية العراقية، وهما من أشهر الشعراء وليس من أشعر الشعراء.  وأضاف أن الجمهور العربي يحب أن يشتم أحد ما الحاكمَ الذي يضطهده، نيابةً عنه ويعشق (المراجل)... وأشار إلى أن شعر أحمد مطر يندرج في هذا الاتجاه، ولو كانت الشهرة مقياسًا، فإن هناك نساءً أشهر من نازك الملائكة، معتبرًا أن هذه الدورة من المربد لم توفّق في اختيار الاسم.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.