}

رحيل شوكت الربيعي: استلهم النايات والقصب وكتب في التشكيل

علي لفتة سعيد 10 يناير 2024
هنا/الآن رحيل شوكت الربيعي: استلهم النايات والقصب وكتب في التشكيل
شوكت الربيعي

بعد أن زيّن الجدران بألوان عشرات اللوحات من خلال المعارض العديدة التي أقامها منفردًا ومشاركًا، وبعد أن كتب العديد من الكتب النقدية المختصّة بالنقد الفنّي، يرحل الفنان العراقي شوكت الربيعي عن عمر ناهز 84 عامًا، مغتربًا في تركيا، بعد أن ضاقت به جدران الوطن، كما ضاقت بالكثير من المبدعين الذين لا يجدون الاهتمام خلال العقود الماضية، سواء كانوا من فنّاني الداخل أو الخارج.

شوكت الربيعي من مواليد 1940 باحثٌ في الفن وتاريخ الفنانين وفنّان تشكيلي عراقي، له العديد من المعارض المحلية والدولية. ولد في مدينة القادرية في محافظة ميسان جنوبي العراق وأكمل دراسته الابتدائية والثانوية فيها، تخرّج من قسم الرسم بمعهد الفنون الجميلة ببغداد عام 1963، حيث بزغ مباشرةً وهو طالب في المعهد، ليؤسّس مع عددٍ من الفنانين جماعة للفنون التشكيلية في مدينة العمارة أطلق عليها "جماعة الجنوب" وأقام معرضه الشخصي الأوّل في قاعة نقابة المعلمين في العمارة. وأنجز العديد من المعارض بين عامي 1970 و1973. مثلما شارك بتأسيس رابطة نقاد الفن (الإيكا) المبدئي عام 1975، حيث انتقل إلى بغداد ليحصل جرّاء موهبته الكبيرة على جائزة الفنون الإبداعية من وزارة الإعلام والثقافة العراقية مع نقابة الفنانين عام 1990، واشترك في معارض جماعية في جمعية الفنانين التشكيليين، واتّحاد الفنانين العراقيين والرابطة الدولية للفنون التشكيلية من ستينيات حتى تسعينيات القرن الماضي. لم يقتصر اهتمام وإبداع الربيعي على الرسم، بل كان كاتبًا للمقالات النقدية الفنية، ونشر العشرات من المقالات الأدبية والاجتماعية في الصحف والمجلات المحلية، مثلما أصدر عددًا من الكتب منها (مقدّمة في تاريخ الفن العراقي، 1970) و(الفن التشكيلي المعاصر في العراق، 1972) و(لوحات وأفكار، 1976) و(الفن التشكيلي في الفكر العربي الثوري، 1979) وكذلك (الفن التشكيلي في الخليج العربي، 1980) و(الفن العربي المعاصر، 1982) و(الفن التشكيلي المعاصر في الوطن العربي: 1885-1985) و(طائر الشوف الأصفر: سفر في رؤى الفن وتحرير الإبداع، 2000) وهو عضو في جمعية ونقابة الفنانين العراقيين، وعضو في الرابطة الدولية للفنون التشكيلية، وعضو في هيئة نقاّد الفن الدولية فضلًا عن عضويته في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

نعي وآراء

ونعت جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين المركز العام رحيل الفنان والناقد التشكيلي شوكت الربيعي، باعتباره واحدًا من الفنانين المؤسّسين للعديد من الروابط الفنية، مثلما نعى منتدى الأقلام الذهبية للمفكرين والمثقفين العرب الفنان الربيعي وعده واحدًا من أهم من أثرى الحركة التشكيلية العراقية بعشرات المعارض والكتب النقدية والتوثيقية.

ويقول الناقد الدكتور جواد الزيدي إنه برحيل شوكت الربيعي غابت منظومة معرفية كاملة لتشظّي محاور إنجازه الإبداعي بين الرسم والتوثيق والنقد والقص والرواية. وأضاف أنه يعد مرجعًا نقديًا حيث استطاع توثيق حركة التشكيل العراقي ومصاحبة منتجي خطابه الإبداعي بدءًا من جيل الريادات وحتى رحيله الصادم ورؤيته النقدية التي تلامس بصدق تلك التجارب من دون أدنى مجاملة، عادًّا ذلك ما يفيد الحركة ويضعها في مكانها الحقيقي، فضلًا عن واقعيته في الرسم العراقي وتحديدًا واقعه البيئي الجنوبي وتصوير الحياة الشعبية. ويعد الزيدي هذه الطريقة التي تقصّدها في قصصه ورواياته مكمّلةً للتصوير في إجناسيته الرسومية بما يخلق تكاملية العمل الذي يتبناه. ويرى أنه ظلّ مخلصًا لهمومه الإبداعية من دون أدنى تفريط في أيّ من اتجاهاتها، مشيرًا إلى أنه يعد من القلائل الذين يمتلكون سلطة التعبير باتجاهاتٍ إبداعيةٍ وفنيةٍ مختلقةٍ وبذات الألق والتميّز والانحياز للواقع الشعبي الذي يوصف بأنه الممثل الحقيقي لطبيعة المجتمع. وأفاد أنه على الرغم من مغادرته الوطن منذ تسعينيات القرن الماضي إلّا أنه ظلّ ممسكًا بخطّ سيره الأوّل في الكشف والتجسيد وصناعة أفقٍ جديدٍ للقراءة النقدية التحليلية في الفنون التشكيلية على أقل تقدير. 


وقال عنه الدكتور سعد ياسين يوسف الذي كان تلميذًا لدى الراحل، إنه مبدعٌ كبيرٌ أثرى الحركة التشكيلية العراقية والعالمية بمنجزه الإبداعي، فهو يستحق كل الاهتمام والتوثيق والدراسة الأكاديمية الجادة لإبداعه. وأضاف أنه برحيله فقدت الحركة الفنية والإبداعية عمومًا واحدًا من أكثر رجالات الفن. وذكر يوسف أنّ رحيله يعطي معنى أنّ المبدع العراقي يموت في غربته حسرةً على الوطن، ويموت في وطنه حسرة على الحياة. إنّها خسارات متوالية مؤلمة لأن الراحل كان مدرسة في الفن، وهو من استلهم من الناي والقصب والزوارق الجنوبية ووشم العماريات الروح العراقية الأصيلة المعطّرة بعنبر فضاءات الإبداع. وذكر أيضًا أن الراحل قد أسّس تجمعًا فنيًا باسم (جماعة الجنوب) وذلك عام 1964 وضمّ فنانين تشكيليين من العمارة والبصرة والناصرية وسعى إلى ترسيخ أهمية البحث الأكاديمي في الفن التشكيلي، مؤكدًا أنه لم يكن فنّانًا تشكيليًا فحسب، بل كان باحثًا مهمًّا في هذا الجانب من خلال مؤلّفاته وطروحاته الفنية والفكرية التي تناول فيها الفن التشكيلي العراقي والعربي وبرؤية نقدية فذة وكان كتابه (طائر الشوف الأصفر... سفر في رؤى الفن وتحرير الإبداع) واحدًا من روائع النقد الفني وتأمّلاته الفنية والفكرية. ونوّه إلى أنه برحيله ورحيل الفنان الكبير ماهود أحمد  قبله، فإن الفن التشكيلي العراقي والعربي فقد عمودين مهمّين من أعمدة صناعة وابتكار الجمال بسماته العراقية والإنسانية.

وقال عنه الدكتور صبيح كلّش: لقد عرفت الراحل في سنّ مبكّرةٍ فنانًا مبدعًا وزاملته بالعمل في وزارة الثقافة والإعلام حيث كان يعمل مديرًا للمعارض الداخلية وأنا كنت رئيسًا لقسم التصميم فيها، كما عرفت فيه روح التفاني وحب العمل. وأفاد أنه ذهب للدراسة في فرنسا لنلتقي في سلطنة عمان حيث عمل في الصحافة العمانية. وذكر أن الراحل فنان وناقد وكاتب مهم، ألّف العديد من الكتب التي أغنت المكتبة العربية والعالمية. وبين أن وفاة ابنته روى أثّرت عليه بشكلٍ كبيرٍ وقد أصيب بالإحباط، وأتعبه كذلك مرض السكري فاعتكف بشغف على الكتابة والتأليف والنشر.

أما الناقد والفنان التشكيلي فاضل ضامد فيقول إن رحيله قد يسبّب ضررًا في النقد وخصوصًا النقد التشكيلي لقلّة الممارسين والمتصدّين لهذا النوع النقدي، فهو الباحث والفنان والأكاديمي ولذلك كانت أهميته في توثيق الحركة التشكيلية في العراق وحصوله على جوائز عديدة بمثابة دليل على مكانته الرائعة والمبدعة. وأشار إلى أنه من الضروري جدًا إلقاء الضوء على كتبه وإعادة صياغتها وطبعها محليًا، كونها محمولاتٍ ثقافيةً مهمة. ولفت إلى أن ابتعاده عن العراق تسبّب بأن بقيت كتبه مخبوءة بدون معرفة أكثر النقاد والفنانين في دراسة بحوثه إلّا ما ندر، وعن إبداعه التشكيلي قال إنه تميّز ما بين الواقعية والتعبيرية وكان ديدنه في إنتاج أعماله بعيدًا عن هرطقة التجريد والتمظهرات الجديدة للحركة التشكيلية في العالم. لقد كان دؤوبًا في عمله رغم أنه هادئ، وساكن ومرّ كسحابةٍ أمطرت علينا بدون أن ندرك أهميتها. وأشار إلى أنه مات غريبًا عن وطنه لعدم وجود الاهتمام بالفنان العراقي الذي يعتمد على إمكانياته الذاتية وقدرته الإبداعية وتواصله مع الآخر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.