}

الثقافة على "زووم".. هل تُغني المنصات الافتراضية عن الواقع؟

ضفة ثالثة ـ خاص 6 يناير 2021
هنا/الآن الثقافة على "زووم".. هل تُغني المنصات الافتراضية عن الواقع؟
"من محاسن كورونا أن جعلتنا نطور أدواتنا الثقافية تقنيا"

فتحت جائحة كورونا نافذة لم يكن لها أن تُفتح على نحو أوسع مما كانت عليه قبل اندلاعها عند التباشير الأولى لعام 2020 المنصرم، بأهواله وعزلاته وفتوحاته الرقميّة. فتحت وطأة العزلة، تداعت إلى الواجهة الإلكترونية نشاطات وملتقيات ثقافية اتخذت من منصة (زووم) نافذة للالتقاء بالجمهور، ضمن تجربة جديدة تكرس لـ"الثقافة الافتراضية البديلة" ولـ"التقنية" في خدمة الثقافة.
في هذا الملف الخاص سألنا أدباء ومُدوِّنين ونقادًا أكاديميين وفاعلين ثقافيين عربًا كانت لهم تجربة مع المنصات البديلة (زووم على نحو خاص) عندما اجتاحت العزلة الأرواح والأصقاع، في ظروف جائحة كوفيد- 19، المستمرة حتى الآن: هل تغني المنصات البديلة عن الواقع؟، وفي سياق فكرة "الثقافة الافتراضية" (بعيدًا عن الخوض في مسائل تتعلق بالحماية الأمنية لحسابات المستخدمين وحفظ خصوصياتهم): كيف نقرأ حاضر ومستقبل المنصات التفاعلية البديلة؟ 
(صدام الزيدي)


*****

عبد الرزاق الربيعي (شاعر وكاتب مسرحي عراقي/ عُمان):
اكتشفنا خصائص تقنية في هواتفنا

منذ دخولنا دوّامة الحجر المنزلي، واشتداد أوار معركتنا الشرسة الصامتة مع فيروس "كورونا" الذي كان من أهم أسلحتنا لمواجهته استخدام سلاح آلية التباعد الاجتماعي، التي أملت بدورها علينا البحث عن منافذ أخرى بديلة، لإعادة اللحمة الثقافية، والتواصل مع المثقفين، والجمهور، وجد الكثيرون ضالتهم في برنامج "زووم"، وأول من نبّهني عليه هو المخرج خليفة الحراصي، لحضور ورشة عمل مسرحية أقامتها فرقة مسرح هواة الخشبة، في الأيام الأولى للزومنا البيوت، وتوقف الأنشطة، وسرعان ما نجحت في تنزيله، وفي الوقت المحدد لبدء الورشة، حدث خلل فني في جهازي، لم أتمكن رغم استعانتي بمختصين من إصلاح ذلك الخلل، وبعد أيام دعاني الباحث بدر العبري للمشاركة في برنامج حواري يعده ويقدمه وكان محور الحلقة "المسرح ودوره التنوري في المجتمع"، وحين سألته عن البرنامج الذي سيجري من خلاله الحوار معي قال: "زووم"، حاولت الاعتذار من العبري لكنه أصر وأخيرا اتفقنا على إجراء الحوار وتم الأمر بنجاح، بعد ذلك هدأت معركتي مع العزل، وفتح لي" الزووم" نوافذ جديدة فقرّب لي الكثير من المسافات، وحلّ لي الكثير من المشكلات التي حال التباعد الاجتماعي دون إنجازها.
هذه المنصة يمكن الاستعانة بها ليس فقط في الأنشطة الثقافية، بل حتى في الجلسات العائلية، فهذه البرامج والتطبيقات، دخلت علينا فجأة، وفرضت وجودها، وصرنا لا يكاد يمر يوم دون أن نتلقى دعوة لمتابعة أمسية، أو استضافة من خلال جلسة حوارية، أو ندوة، أو ورشة عمل أو الاكتفاء بمكالمة فيديوية.
من محاسن كورونا أن جعلتنا نطور أدواتنا ونستكشف الخصائص التقنية الموجودة في هواتفنا دون أن نحسن استخدامها، ووفرت علينا الشكوى من عدم وجود جمهور وجعلتنا نضمن وجود جمهور لم تكن تستوعبه قاعاتنا لو حضر بشكل غير افتراضي، كذلك جعلتنا نطمئن إلى ضمان توثيق الفعاليات، صورة وصوتا عبر اليوتيوب، كما أنها اختصرت علينا الكثير من الوقت الذي كنا نهدره في الذهاب والعودة للمكان الذي تقام فيه تلك الفعاليات، وربّما دخولنا هذه العوالم الافتراضيّة سيرافقنا، حين نغادر البيوت، والتباعد الاجتماعي، بعد الحدّ من تفشي الجائحة، وعودة الحياة إلى طبيعتها، لنضيف مرفقا جديدا لحياتنا الثقافية، والاجتماعية، كنتيجة عرضيّة، ونستفيد منها في اللقاءات الثقافية التي يتعذّر علينا عقدها لبعد المسافات، وربما تستمر الاستضافات، وورش العمل، التي لا تتعدى الجانب النظري، وبذلك نكسب الوقت، مع عدم الاستغناء عن اللقاءات، والفعاليات التي تقام في القاعات، فنجمع الجانبين مثلما سيجري في التعليم المدمج، فتحلق الفعاليات بجناحين: افتراضي، وواقعي، وتبقى التطبيقات رفيقة رحلتنا، بعد الجائحة مثلما هي في أيامها ولياليها.   



عبد الحميد الحسامي (ناقد وأكاديمي يمني)
:
"زووم" أعادت فتح نوافذ كبحتها كورونا

على كل حال، هناك أحداث تهز التاريخ، ومنها حدث كورونا، الذي حوّل مجرى التاريخ والجغرافيا، وانشغالات الذات الإنسانية. هذه الأحداث أدت إلى تأطير الظاهرة الثقافية. فمن ذلك أنها مثلًا، حجّمت شراء الكتاب الورقي ودفعت بالقارئ إلى التسوق الإلكتروني. أيضًا جعلت بعض الكتّاب يلوذون بمنصة (زووم) لتكون منطلقًا لكتاباتهم ولمحاضراتهم ولأنديتهم، فظهرت المنتديات الثقافية بشكل لافت، وجرى اجتياح العالم الرقميّ اجتياحًا لا يقل عن اجتياح كورونا للحياة.
تطبيق زووم أو "الثورة الزوومية" جعلت كثيرا من الفعاليات الثقافية فعاليات ذات وفرة في الحضور، لأنها شكّلت متنفّسًا حياتيًا ونفسيًا وثقافيًا واجتماعيًا. فتحت نوافذ التواصل التي كبحتها كورونا وتمكنت من عملية تعويض وإحداث تعويض كبير، فكان التفاعل كبيرًا، وكان الحضور يفوق أحيانًا أضعاف الأضعاف مما كان عليه الحضور في الندوات والمؤتمرات والفعاليات الثقافية الواقعية، أي أن منصة زووم وأخواتها، كانت منصات ثقافية تمكنت من كسر الحواجز والحدود لتجعل الظاهرة الثقافية أكثر انتشارًا، فأصبحنا نلتقي بالمثقفين في المغرب ونلتقي بالمثقفين في المشرق، نلتقي بالمثقفين حتى خارج الوطن العربي عبر هذا التطبيق لمناوشة الظاهرة الثقافية.
وبما أن التقنية أتاحت فضاءات جديدة للفعل الثقافي، فقد لجأ بعض الكتّاب إلى كتابة أعمال أدبية تفاعلية. بل إن بعض الكتّاب أخذوا يكتبون مذكرات سمّيت "مذكرات العزلة"، وهذه ظاهرة ثقافية لم تقتصر على كاتب معين ولا على أديب ومثقف معين.
في عام 2020 كان هناك توجه لكتابة النصوص التي تستثمر الحدث، وتعبِّر عنه، وتنطلق في كتابة ما يتعلق به وبتداعياته، فتشكلت قصيدة الألم، قصيدة المرض، قصيدة الجائحة. كذلك نستطيع أن نقول "أدب الجوائح" بشكلٍ عام، من قصة ورواية. وجدنا عددًا من الروايات التي تعنون بـ"كورونا" أو تلامس القضية من قريب أو بعيد. وكذلك القصص، فضلًا عن النصوص الإبداعية، والنصوص البصرية التي أنجزها المبدعون من الرسّامين والنحّاتين وغيرهم.
2020 كان عامًا استثنائيًا.. توقفت معارض الكتاب، توقفت المناشط الجماعية الحضورية.. توقفت اللقاءات الأدبية، توقفت دور النشر عن النشر الورقيّ، وهذه ظاهرة جديرة بالتقدير، لأنها لا تحسب حساب الربح والخسارة وتلقّي الجمهور الغائب والمحاصر في سجون كورونا. وفي المقابل شهدنا في عام الجائحة اندلاع الثورة الزوومية.


فتحية دبش (روائية ومترجمة تونسية/ فرنسا):
ديناميكية جديدة متجاوزة للجغرافيا 

إن ما يعيشه العالم منذ الثلث الأول من سنة عشرين وألفين من ارتباك واضطراب وتخبط جراء الجائحة حتّم على الجميع إعادة النظر في ترتيب الحياة، والثقافة لم تكن بمعزل عن ذلك بل لعلها كانت من أكثر القطاعات اضطرابا وتضررا بسبب إلغاء التظاهرات الثقافية والأدبية، وحدت من الفعل الثقافي أيما حد.
كان من الضروري إعادة خلق الفضاءات فكانت التكنولوجيا وممكناتها غير المحدودة بل المتنوعة تنوعا كان سريعا سرعة الجائحة، فازدهرت المنصات الافتراضية التي تسمح بعقد الندوات والاجتماعات عن بعد، ولعل زووم وصالون الفيسبوك وغيرهما من التطبيقات خير دليل على سرعة الانتقال بالفعل الثقافي من الواقع إلى الافتراضي.
هذه المنصات البديلة ساهمت في خلق ديناميكية جديدة وفتحت سبل التفاعل متجاوزة الجغرافيا وإكراهاتها، فجمعت بين المتفاعلين والمساهمين في اجتماعاتها على بعد المسافات وضيق الأوقات. حتى وإن لم تكن هذه المنصات تغني عن الواقع إذ يظل الحضور المباشر ذا سحر خاص في علاقة الثقافة والمثقف بالمتلقي إلا أنها مثلت قفزة نوعية في مجالات التواصل وكسر العزلة التي فرضتها الجائحة ولا تزال.
هذه المنصات حتى وإن ازدهرت مع الجائحة إلا أنني لا أعتبرها منتوجا كورونيا بامتياز، بل هي منتج كان ظهوره بديعيا في ظل الاستخدام المكثف للوسائط التكنولوجية من أجل تقريب الخدمات والفعل الثقافي من الجميع في كل أصقاع العالم.
كانت لي جملة من المشاركات عبر منصات الزووم والواتساب والصالون الفيسبوكي في نشاطات ثقافية وأدبية، منها مشاركتي في كلمة الفائزين بكتارا في دورتها السادسة التي أقيمت عن بعد هذه السنة، وكذلك ندوات نقدية تعلقت بالرواية والقصة القصيرة جدا وكذا دور الجوائز في مسيرة الكاتب. كانت هذه المشاركات غنية جدا رغم كونها تدور من خلف الشاشات، وهذا في حد ذاته ما هو بالهين من حيث الاستعداد التكنولوجي وكذلك الالتزام بالوقت وما إليه.
أعتقد أن الفضاء الافتراضي لن يكف عن مفاجأتنا وزعزعة طمأنينة الفعل الكلاسيكي في التواصل والتعامل وخلخلة المسافات الفاصلة بين الناس وسوف تزدهر هذه المنصات بتأصيلها في الفضاء العام وتجويد خدماتها من أجل استقطاب العدد الأكبر من المستخدمين.


حمزة قريرة (أكاديمي ومُدوِّن جزائري مهتم بـ"الأدب والفن التفاعلي"):
دائرة ضيقة واتصالات غير محمية
لعل من حسنات 2020 أنها أدخلتنا إلى العالم الافتراضي قسرا، خصوصا في العالم العربي الذي لم تواكب جماهيره التطوّرات الرقمية على المستوى التواصلي إلا متأخرًا، سواء على مستوى عموم الجماهير أو الأوساط الثقافية، ومع العزلة المفروضة أصبح البحث عن بديل تواصلي أمرا ضروريا، فتنافست المنصات لتوفير نوافذ ومساحات تضمن الاتصال السريع والفعال والآمن والأقل تكلفة، وهي معادلة يصعب تحقيقها إلا مع عمالقة الاتصال. ومن بين ما برز خلال هذه الفترة الحرجة منصة زووم التي احتلت في فترة وجيزة مقاعد الصدارة من حيث الاستخدام، فاحتضنت آلاف الندوات والمحاضرات، وقُدّمت على نوافذها ملتقيات وأقيمت اجتماعات هامة، لكن السؤال المطروح، هل تعد المنصة بديلا عن الواقع خصوصا في العالم العربي؟
هذا ما لا أراه محققا رغم تغطيتها جانبا مهما من التظاهرات الثقافية والفنية، والسبب الرئيس لذلك هو اقتصارها على عدد بسيط من الجمهور وهو نوعي بدرجة كبيرة، فالكثير من التظاهرات الثقافية الكبيرة لم يتتبعها إلا المشاركون فيها فعلا، وهذا يجعل من المنصة منغلقة على فئة محددة ولا تقدّم بديلا عن الواقع. كما رصدنا منصات أخرى فاقت زووم في الانتشار والاستخدام منها Google Meet أو غرف الفيسبوك، ولعل انتشار المنصتين راجع لكثرة استخدام التطبيق الأصلي للجيميل أو الفيسبوك من طرف المستخدم العربي، مما سهّل الانتشار أكثر، كذلك سهولة الولوج والمشاركة.
أما عن استمرارية هذه التطبيقات فأراها أمرا واقعا مع ما فرضته الجائحة، لكن من أجل توسيع دائرتها يجب عليها الاقتراب أكثر من الدائرة الأوسع للجمهور بتسهيل الاتصال وتوفيره والتقليل من تعقيدات التسجيل. كذلك فرض حماية أكثر للاتصال، خصوصا من الاختراقات وسرقة البيانات.


سعد التميمي (ناقد وأكاديمي عراقي، مدير منصة "إبداع" في بغداد):
فرصة للتفاعل المعرفي
مما يتداول أن الحياة ما بعد كورونا ليست مثلما قبلها، لكن المخاض الحقيقي تمثل بالعيش تحت وطأة جائحة كوفيد- 19، فهو من سيخلق نمطا مختلفا في شتى مجالات الحياة. قبل كورونا كان التفاعل في العلم والمعرفة والثقافة مباشرا مما يضفي حيوية وإيجابية خاصة، وقد كانت المنصات الالكترونية مثل غوغل ميت وكورسيرا وادكس وزووم ومباشر الفيس وغيرها موجودة قبل الجائحة، لكن في إطار ضيق. ومع حلول الجائحة كانت البديل الذي سمح باستمرار عجلة التعليم والأنشطة الثقافية والابداعية المختلفة، لكنها بالتأكيد لم تغن عن التفاعل المباشر إذ يفتقد هذا التواصل إلى الحيوية.
التقنية كانت حاضرة في الثقافة قبل وبعد الجائحة إلا أنها سيطرت على نوافذ الفعاليات الثقافية وأصبحت الحل الوحيد لاستمرارها في ظل الإغلاق التام أو الخوف من تبعات التواصل المباشر والرغبة في استمرار الأنشطة الثقافية، إذ حاول المثقفون والمؤسسات الثقافية أن يتخذوا من المنصات الافتراضية فضاء ثقافيا فاعلا استقطب العديد من المبدعين والمتابعين على حد سواء.           
نحن في منصة إبداع في بغداد، كانت لنا تجربة في الانتقال من المنصة المباشرة في قاعة المدينة إلى الفضاء الافتراضي من خلال منصة زووم بالتعاون مع الجامعة المستنصرية. استثمرنا الفضاء الافتراضي في التواصل مع المبدعين العراقيين المقيمين في المنفى، أيضًا، فضلا عن المبدعين العرب، وبذلك تكون المنصات الإلكترونية قد قدمت إضافة نوعية، فإذا كان الحضور في الغالب محليا ومحدودا في النشاط المباشر، فإنه في الفضاء الافتراضي كان متنوعا وواسعا شمل معظم البلدان العربية، واتساع الجمهور من العالم.         
تعد منصة زووم من أهم المنصات الجاذبة للثقافة (مؤسسات وأفرادًا) لما توفره من خدمات تتمثل في سهولة التواصل واتساع مساحة الحضور من المتابعين للفعاليات الثقافية، فضلا عن مميزات أخرى مثل البث المباشر عبر الفيسبوك واليوتيوب، ولذلك كانت طوق النجاة للاستمرار في الفعاليات الثقافية وما زالت.                                         
من خلال منصة زووم، في ظروف جائحة كوفيد- 19، لاحظنا نجاح هذه التجربة ومباركة المبدعين في الداخل والخارج، وشجعنا ذلك على التفكير في إبقاء (منصة إبداع) حتى بعد زوال الجائحة، لما تقدمه من إمكانات يصعب تحقيقها في الواقع، مثل استضافة المبدعين المقيمين في أقاصي العالم.
هذه المنصات قربتنا من ثقافتنا العربية (مبدعين وجمهورًا) من خلال الندوات والمؤتمرات والمسابقات العربية، وغيرها.                                       
أعتقد أن منصة زووم ستبقى نافذة فاعلة للأنشطة العلمية والمعرفية والثقافية، وفي حال انتهاء الجائحة ستكون نافذة مساعدة في تنظيم الأنشطة ولن تختفي تماما.                          هناك منصات مثل غوغل ميت، وفري كونفرينس، وستريميارد، وغيرها من المنصات التي توفر فرصة للتفاعل العلمي والمعرفي والثقافي، وستظهر منصات أخرى في عالم يتوزع بين جائحة فرضت قيودا على التواصل المباشر وفرص جديدة توفرها هذه المنصات توسع المشاركة من قبل المبدعين والمهتمين بالثقافة.


ميلاد فايزة (شاعر ومترجم تونسي، أستاذ بجامعة براون/ أميركا):
أصواتنا تحت رحمة موجات الإنترنت 
حين بدأ الحديث عن انتشار فيروس كورونا في الولايات المتحدة وبادرت بعض الجامعات العريقة إلى تعليق الدروس خلال شهر مارس/ آذار 2020، شعرتُ أن الأحداث تتسارع بوتيرة يُصعب استيعابها. بدا الوضع غامضا وغير مفهوم ولكن كان هناك في الآن نفسه شيء من الشعور بالراحة بسبب قرار تأجيل الدروس لأسبوعين على أن يتمّ استئنافها على منصة زووم.
لقد كانت لتلك المفردة في ذلك الوقت هالة سحرية وبدت وكأنها ستتكفّل بحمايتنا من الفيروس وستمنحنا نافذة على العالم. خلال أيام قليلة بدأنا نتدرّب على كيفية استخدام منصة زووم، الأساتذة في الجامعة وطلاب المدارس بمن في ذلك الأطفال الذين ما زالوا غير قادرين على التركيز على الشاشة لأكثر من ربع ساعة ليسرحوا بعدها مع خيالاتهم بعيدا عن حياة الكبار وفيروساتها. لقد منحتنا زووم نوافذ لنتواصل بها مع بعضنا البعض ووفرت لنا غرفا صغيرة للدردشة والعمل في مجموعات صغيرة ولكنها لم تستطع أن تمنحنا ذلك الإحساس الحقيقي بالتواصل مع بعضنا البعض.
أصبحت أصواتنا محكومة بأزرار تكتمها وترفعها وتحت رحمة موجات الإنترنت في تردداتها الضعيفة والقوية. لقد استطعت شخصيا كأستاذ أن أقدم محاضراتي وأن أستضيف شعراء وكتابا عربا ليتحدثوا مع طلابي حول أدب الهجرة والمنفى ولكن هذه المساحات الرائعة من الحديث والدردشة لم تكن قادرة على استبدال الفضاء الحقيقي الذي يمكن فيه الحديث بالإشارة وإيماءات الجسد.
أما على المستوى الثقافي فقد شاركت في أمسية شعرية من خلال أمسيات مجلة "نصوص من خارج اللغة" كما حضرت أيضا محاضرات حول الكتابة والترجمة ما كان لي أن أحضرها لولا منصة زووم، ولكن لم تكن بنفس حرارة المحاضرات الحقيقية. لذلك توقفت عن متابعة محاضرات وندوات أخرى بسبب تعبي وخاصة أثناء الفصل الأكاديمي. لقد أصبحت زووم مرادفة للإرهاق والتعب والشعور بنوع من اللاجدوى أحيانا.
لا بد من الإشارة في الآن ذاته إلى أن منصة زووم أثارت جدلا واسعا حول موضوع حرية التعبير والحرية الأكاديمية، حين قامت بإلغاء محاضرة مناصرة للقضية الفلسطينية بجامعة سان فرانسيسكو الحكومية في شهر سبتمبر/ أيلول 2020، بإيعاز من بعض المجموعات المناصرة لإسرائيل. هذا التدخل الذي ما كان يمكن أن يحدث لو كانت المحاضرة تجري في سياق عادي مباشر، ما جعل الكثير من الأكاديميين والمهتمين بموضوع القضية الفلسطينية والقضايا العادلة بشكل عام يتساءلون عن مستقبل الحرية الأكاديمية وحرية التعبير التي يكفلها الدستور الأميركي في سياق تتحكم فيه منصات التواصل وشركات التكنولوجيا العملاقة.
ويبدو لي من خلال تجربتي كأب لأطفالٍ درسوا الربيع الماضي على منصة زووم، وكأستاذٍ جامعي وكاتب، أنّ زووم ستبقى، لكنها لن تصبح البديل للتدريس المباشر سواء في المدارس أو الجامعات ولن تستطيع أن تعوّض حرارة وتلقائية الندوات والورشات التي يجلس فيها المشاركون مع بعضهم البعض في نفس الغرفة يتبادلون الأفكار ويتحاورون ويتهامسون ويعبرون أحيانا عن أفكارهم وآرائهم من خلال الكلمات والإيماءات ولغة الجسد. لقد تعب الطلاب من زووم وأصبحوا يشعرون بالإرهاق والملل من الجلوس خلف شاشات مسطحة يصيبها العطل أحيانا وتتوقف كلما انقطع التيار الكهربائي أو ضعفت ترددات موجة الإنترنت.
إلى ذلك، ستبقى زووم ما بقيت الجائحة ولكنها ستتراجع حين يختفي هذا الفيروس.. فالناس في كل أنحاء العالم في حاجة إلى حياتهم الطبيعية التي يستطيعون فيها أن يتواصلوا بشكل مباشر وأن يرقصوا معا مثل راقصي التانغو وأن يتكلموا بأصوات عالية مقتربين من بعضهم البعض على طريقة رواد مقهى في تونس أو صقلية.


رامز رمضان النويصري (كاتب ليبي):
إعادة تشكّل العمل الثقافي
بدايةً، هذا الطرح يقودنا إلى سؤال مرجعي عن العلاقة بين الثقافة والتواصل، وكون العملية الإبداعية (ثقافيا) هي عملية اتصال وتواصل، بالتالي فإنها تخضع لنظريات الاتصال، وهذا ما يؤكده الواقع المعاش، وما يحدث الآن من تحول المناشط والفعاليات الثقافية لاستخدام منصات التواصل كمنصة (زووم) على سبيل المثال، هو أمر يشبه كثيرا التواصل عن طريق بث الراديو، ومن بعد البث التلفزيوني، حتى البث الفضائي، بالتالي ما يحدث هو في الأساس عملية إحلال واستبدال وسيط بآخر. بالمثل يشبه هذا الأمر النشر الإلكتروني بتحول الوسيط من ورقي إلى رقمي. لكن المهم في هذا الطرح، هو فهم ماهيته والتعامل معه خارج منظور الاستخدام العادي، إلى الاستخدام المبتكر.
لقد أثبتت جائحة كورونا أن الإنسان كائن اجتماعي، يحتاج بقوة إلى الاتصال والتواصل مع الآخر، وفي ظرف التباعد؛ كانت وسائل التواصل الإلكترونية من خلال الشبكة (الإنترنت) وسيلته للتحدث ونقل الأفكار وإيصال الرسائل ونشر الإبداع، بل إن الكثير من المنصات التي تعمل من خلال الشبكة عملت على الكثير من التطويرات والتحديثات ومنها (زووم)، فزووم قبل كورونا ليست زووم أثناء إجراءات الحجر الصحي.
في ظني أن منصات التواصل الافتراضية هي من تستأثر بالمشهد، خاصة بعدما أحدثته من تحديثات أخيرة، تختص بالعدد، والبث، والتكامل فيما بينها، وهذا سيكون أثره كبيرا ثقافيا، وسيعيد تشكل العمل الثقافي.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.