}

هل يكون القرن الـ 21 قرن الكوارث؟

ضفة ثالثة ـ خاص 8 أكتوبر 2023
ترجمات هل يكون القرن الـ 21 قرن الكوارث؟
زلزال المغرب (Getty)
شهد عام 2023 عددًا من الحرائق، وأمواج التسونامي، والعواصف... إلخ، وانتشرت الكوارث في كل مكان. ووفقًا للأمم المتحدة نفسها، سيزداد عدد هذه الكوارث في السنوات المقبلة. فكيف يمكننا، إذًا، أن نفهمها بشكل أفضل؟ بالنسبة للباحث الفرنسي بونوا جيري، يمكن للأدبيات الاجتماعية المتخصصة في هذا الموضوع أن تقدم بعض الإجابات المحتملة على هذا السؤال الحساس. فبناءً على التحقيقات التي تم إجراؤها حول هجمات وحوادث صناعية وزلازل، وحتى أعاصير، قام هذا العالم السوسيولوجي بتجميع خلاصات دراسة معمقة حول هذا الموضوع، في كتابه الأخير بعنوان "سوسيولوجيا الكوارث". في هذا العمل الموجز القصير، يعود بونوا جيري، وهو أيضًا محاضر في معهد العلوم السياسي في مدينة رين الفرنسية، وباحث في مختبر المركز الوطني للبحث العلمي في أرين، إلى مناقشة الطريقة التي اتخذ بها علم الاجتماع من الكوارث موضوعًا للدراسة تدريجيًا.  وانطلاقًا من هذا الكتاب، يمكننا أن نسأل أنفسنا: ما الذي يمكن أن يقوله علم الاجتماع عن الكوارث؟
للإجابة عن هذا السؤال، وأيضًا لمعرفة ما تكشفه الكوارث عن العالم الذي نعيش فيه اليوم، أجرت مجلة "أوزبيك وريكا" الفرنسية حوارًا مع السوسيولوجي المتخصص بونوا جيري، هنا ترجمته الكاملة:

[ترجمة وتقديم: نجيب مبارك]

(*) ضرب زلزال بقوة 7 درجات على مقياس ريختر المغرب ليلة الجمعة 8 سبتمبر/ أيلول، مما أسفر عن مقتل آلاف عدة من الأشخاص وفقًا للتقارير الأولية.  هل ردود الفعل السياسية والاجتماعية التي لاحظتَها خلال الأيام القليلة الماضية تتفق مع الدروس الرئيسية المستخلصة من بحثك؟
من الصعب التعليق على مثل هذا الحدث.  ليس لدي سوى المعلومات التي تم تداولها في وسائل الإعلام، وكما حاولت أن أبيّن في الكتاب، فإن التغطية الإعلامية لهذا النوع من الأحداث غالبًا ما تتأثر بالتحيزات المنهجية (خطاب الفوضى، تسليط الضوء على مواد التدمير، تمجيد الأبطال، أو على التشهير المعاكس بالجناة، وما إلى ذلك).
مثلًا، وعلى خلاف بعض المعلقين، لم ألاحظ "ذعرًا لدى الأهالي" في الفيديوهات النادرة للحدث. من الواضح أن السكان كانوا يركضون محاولين الابتعاد عن مناطق الخطر، لكنهم لا يتزاحمون مع بعضهم البعض بالمعنى الدقيق للكلمة، بل إنهم أحيانًا يحاولون مساعدة أنفسهم، فيعودون إلى الموقع للاستفسار عن حالة الأسرة التي انهار منزلها... لقد أظهر علم اجتماع الكوارث بشكل كبير أن ظواهر الذعر الحقيقي نادرة.
علاوة على ذلك، فإن الكارثة تكون دائمًا نتاجًا مشتركًا لـ "عامل" (في هذه الحالة، زلزال)، ومجموعة من العوامل تسمى "نقاط الضعف" التي تعجل بحدوث الكارثة (الظروف المادية للحياة، والممارسات الاجتماعية، والسياسات العامة، وما إلى ذلك). وهنا يبدو أن الصحافة تشير إلى أن السلطات في بعض القرى الريفية منعت البناء بالإسمنت لصالح المساكن الترابية التقليدية الأكثر هشاشة، وذلك من أجل الحفاظ على الطابع الخلاب للقرى، وتشجيع صناعة السياحة. من هذا المنطلق، يوضح الزلزال المغربي مرة أخرى القاعدة التي بموجبها ندير بشكل جماعي الظروف التي تحول القوى إلى كارثة.
وأخيرًا، لا يبدو لي مفاجئًا أن الدولة المغربية اختارت اللجوء المحتشم للمساعدات الخارجية. لقد قيل كثير عن حالة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وفرنسا، ولكن، بشكل عام، ليس من السهل على الإطلاق أن تطلب دولة ما المساعدة.  إن الكارثة هي اختبار يجب على الدولة، ككيان سياسي، أن تثبت خلاله قدرتها على إدارة إقليم ما، أكثر حتى مما كانت عليه في الأوقات العادية.  وبهذا المعنى، يبدو من المنطقي إلى حد ما أن الدولة المغربية حافظت على سيطرتها، واختارت بعناية المساعدات التي تتلقاها.

(*) تتساءل في المقدمة هل سيكون القرن الحادي والعشرون قرن الكوارث، ويبدو أنك تجيب بالإيجاب في الختام: "أراد الكارثي أن يعيش في عالم الكوارث؛ نحن محكومون علينا بذلك. ربما يجب علينا أن نتعلم كيفية التعامل معها".  ماذا تقصد بذلك؟
في العقود الأخيرة، شكل عدد معين من الأيديولوجيات السياسية من الكارثة أفقًا محتملًا، بل وفي بعض الأحيان أفقًا مرغوبًا ينبغي أن نساعد على تحققه. ومع ذلك، فمن الناحية الإحصائية، نلاحظ بالفعل زيادة في عدد الكوارث. وهذا يحدث سواء أحببنا ذلك أم لا، وسواء كنا نطمح إليه أم لا، وسواء أثبتنا صحة بعض هذه النظريات "الألفية"، أو النظريات الكارثية، إلى حد ما. ومهما حدث، فسوف يتعين على مؤسساتنا أن تتكيف مع هذا الوضع الجديد.
في هذا السياق، ما الفائدة التي يمكن أن تقدمها العلوم الاجتماعية؟ لعل دور علم الاجتماع لا يتمثل في محاولة منع هذه الأحداث، بل في دعم المؤسسات التي ستجعل من الممكن التعامل معها. كتبت الباحثة ريبيكا إليوت كتابًا جميلًا جدًا حول هذا الموضوع، بعنوان "تحت الماء"، يوثق لما تسميه "تجربة الخسارة". وهي توضح كيف يضطر الأفراد إلى الحداد على المكان الذي يعيشون فيه بعد مرور الإعصار، حيث أن التقسيم الجديد الذي خططت له السلطات السياسية صنف أحياءهم على أنها مناطق فيضانات.




ونتيجة لهذا، فإن هؤلاء الأشخاص أنفسهم لم يعد في وسعهم التأمين على منازلهم، إلا على حساب زيادة كبيرة في بوليصة التأمين، وعلى هذا فلا بد وأن يحزنوا على خسارة منزل الأسرة، أو الحي، أو أسلوب الحياة. ربما يمكن لعلم الاجتماع أن يساعد في بناء المؤسسات لدعم هؤلاء الأشخاص بشكل أفضل، خاصة في سياق من المرجح أن تتضاعف فيه هذه الأحداث.

(*) هل تتفق مع الفيلسوف جان بيير دوبوي الذي دعا منذ عام 2002 إلىى "الكارثة المستنيرة"، أو مواجهة "حتمية الكارثة وليس احتمالها البسيط"؟
بالنسبة لجان بيير دوبوي، تُكتب الكارثة بصيغة المفرد، وبـ"أل" التعريف. بالنسبة له، سيكون ذلك مرادفًا للانهيار العالمي، وتهديدًا وجوديًا للحضارة، وحتى للجنس البشري.  إن انحيازه هو للإصرار على ضرورة التصرف "كما لو أنها واقعة"، أي فرض حتمية الكارثة كقيد عام لأي شكل من أشكال العمل السياسي.
تشير الكوارث التي تمت مناقشتها في عملي إلى الاضطرابات الشائعة نسبيًا في الحياة الاجتماعية، والتي أصبحت غير عادية بسبب المعاملة التي تتلقاها. وبكل بساطة، لست متأكدًا من أن جان بيير دوبوي يحمل المفهوم نفسه للكارثة، بالمعنى الدقيق للكلمة، مثل تلك التي يمكن أن نحصل عليها في العلوم الاجتماعية.

ضرب إعصار أندرو أميركا عام 1992

ومع ذلك، مع ظاهرة الاحتباس الحراري، واستنزاف الموارد الطبيعية، والتلوث العالمي، وزعزعة الاستقرار الجيو ـ سياسي الحالي، يبدو من المعقول تمامًا الاعتقاد بأن الكوارث سوف تصبح عائقًا عامًا في تنظيم الحياة الاجتماعية.
واليوم، تشير قاعدة البيانات الكبيرة من جامعة لوفان، التي اعتمدت عليها، إلى أن 200 مليون شخص تأثروا سنويًا في جميع أنحاء العالم، إما لأنهم ماتوا، أو لأنهم أصيبوا، أو لأنهم فقدوا منازلهم. إن الكوارث موجودة بالفعل، وقد يزيد عددها في المستقبل بسبب كل الاضطرابات التي ذكرتها للتو. ولذلك أقترح الانخراط في ما يسمى "الكارثة المستنيرة" لجان بيير دوبوي، بشرط فهمها على أنها تأخذ في الاعتبار حتمية هذه الأحداث.

(*) كيف يمكن التمييز بين
 "الكوارث الطبيعية"، و"غير الطبيعية"؟ بماذا يمكن أن يفيدنا علم الاجتماع بحسب وجهة النظر هذه؟
هذه التصنيفات غير موجودة بالقدر الذي قد يتصوره المرء. وهذا أيضًا موضوع جدل فلسفي قديم جدًا بين فولتير وروسو، في ما يتعلق بزلزال لشبونة عام 1755. في ذلك الوقت، أكد الأول أن الكارثة كانت نتاج عناية عبثية، من"طبيعة" لا يمكن للعقل الوصول إلى تصميمها؛ ويرد الثاني بأن العشرين ألف منزل المكونة من 6 أو 7 طوابق التي انهارت لم يتم تشييدها عن طريق العناية الإلهية، أو "الطبيعة"، وأن الكارثة هي أيضًا، بهذه الطريقة، نتاج الأنشطة البشرية.
في أعقاب روسو، أصرت العلوم الاجتماعية، وما زالت تصر، على الطبيعة الأساسية لنقاط الضعف والكوارث، باعتبارها منتجًا اجتماعيًا. غالبًا ما يركز النقاش على أصول نقاط الضعف هذه: فبعضها يسلط الضوء على المسؤوليات السياسية، وأنواع معينة من أنظمة الحياة الاجتماعية؛ ويشير آخرون إلى التنظيم الدولي للرأسمالية. في رأيي، يمكننا التطرف في وجهة النظر هذه من خلال إظهار أن "عوامل" الكوارث هي أيضًا، جزئيًا على الأقل، نتاج النشاط البشري. تعد الهجمات الإرهابية، أو الحوادث الصناعية، أمثلة واضحة إلى حد ما.  




وعلى نحو مماثل، ترتبط الأحداث المناخية المتطرفة التي نشهدها اليوم مباشرة بالانحباس الحراري العالمي الناتج عن الأنشطة البشرية. ولذلك، فمن المناسب التخلي عن هذا الانقسام بين الكوارث الطبيعية وغير الطبيعية. ينبغي الانحياز إلى التفكير فيما يتعلق بالتركيبة الأنثروبولوجية للكارثة، المهمة إلى حد ما، أي لدرجة أهمية النشاط البشري والمؤسسة الاجتماعية في إنتاج الكارثة.
ومع ذلك، يجب أن ندرك أن هذه التصنيفات لا تزال لها استخدامات اجتماعية وسياسية مهمة للغاية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالسعي إلى المسؤولية بعد الكوارث. في كتابه "قانون الآلهة"، يوضح المؤرخ تيد شتاينبرغ أنه حتى لو لم يكن هذا الانقسام منطقيًا، فإن أول رد فعل للقادة السياسيين في حالة وقوع كارثة هو الإشارة إلى السبب الطبيعي، أو الطارئ ـ وبالتالي البعيد عن متناولهم ـ للكوارث.

(*) هل هناك قوانين اجتماعية تتعلق بردود فعل الإنسان تجاه الكوارث؟ على سبيل المثال، يدافع المؤلف بابلو سيرفيني عن فكرة أن "المساعدة المتبادلة" هي التي تظهر بشكل منهجي في أوقات الكوارث فهل تم التحقق من ذلك على أرض الواقع؟
في مقالتها "جنة مبنية في الجحيم"، تدعم الكاتبة ريبيكا سولنيت أيضًا الأطروحة التي بموجبها تُبرز الكوارث أفضل ما في البشر، بل إنها تذهب إلى حد القول إن الكوارث تكشف أهمية الأطروحات الفوضوية، التي بموجبها لا نحتاج إلى مؤسسات سياسية لتنسيق النشاط البشري بطريقة فاضلة.
وجهة نظرها هي أنه في حالات الطوارئ هذه، تكون المؤسسات السياسية ناقصة، حيث تظهر المجتمعات البشرية، على العكس من ذلك، قدرتها على مساعدة بعضها البعض، والتنظيم الذاتي، وما إلى ذلك.  ويعتمد تفكيرها على عدد كبير من الأعمال الاجتماعية التي تظهر أنه، على عكس ما يلمح إليه الإطار الصحافي والسياسي القوي إلى حد ما، نادرًا ما تكون الكوارث مسرحًا للسلوك المعادي للمجتمع، مثل النهب، أو النضال من أجل البقاء.
ومع ذلك، سيكون من غير الدقيق القول بأن هذه المساعدة المتبادلة منتظمة.  وقد تم توثيق حالات النهب، أو العنف بين الأشخاص، على نطاق واسع، خلال بعض الكوارث الأخيرة. على سبيل المثال، في ميامي، بعد مرور إعصار أندرو في عام 1992، كانت هناك زيادة في طلبات المساعدة على خطوط الهاتف المخصصة للعنف المنزلي. وفي أعقاب إعصار كاترينا في عام 2005، لوحظ تضاعف معدل جرائم القتل في نيو أورليانز في العامين التاليين. إن "الجماعة المعالِجة" التي يتحدث عنها بعض علماء الاجتماع لا تعمل دائمًا أو في كل مكان.
يُظهر علم الجريمة الخاص بالكوارث أيضًا أن السلوك المنحرف يتم تفضيله من خلال عدة عوامل، أولًا وقبل كل شيء عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية: فكلما كانت أكبر قبل وقوع الكارثة، زاد احتمال أن تؤدي إلى أعمال النهب، أو العنف.  هنالك عامل مهم آخر، وهو انسحاب الدولة: فكلما كان انسحاب الدولة أكثر وضوحًا وسرعة، قلّ تدخل الخدمات العامة، وزاد خطر ظهور هذه السلوكيات.

(*) تم تخصيص الجزء الأخير من كتابك للشعبية المتزايدة لمصطلح "المرونة"، والذي يعني "مساعدة السكان من خلال الاستفادة من قدراتهم على التنظيم الذاتي، وتحقيق اللامركزية في صنع القرار". ما رأيك في ظهور هذا المصطلح في النقاش العام؟
إن "القدرة على الصمود" فكرة معقدة وصعبة، لأنها غامضة على نحو مضاعف. أولًا، يجب أن نميز بين استخداماتها العلمية والسياسية. في الأدبيات العلمية، تم تداول المصطلح في مجالات عدة، وليس حصرًا في العلوم الاجتماعية، أو العلوم الإنسانية.

كارثة فوكوشيما في اليابان عام 2011

على المستوى السياسي، تعد القدرة على الصمود عملة ذات وجهين: بالنسبة للبعض، قد تكون شعارًا نيوليبراليًا من شأنه أن يحث الأفراد على التكيف من خلال تنظيم انسحاب الدولة؛ وبالنسبة للآخرين، ستكون القدرة على الصمود تقدمية لأنها ستمكن من الاستفادة من الظروف التي توفرها الكارثة لتحسين المؤسسات الاجتماعية والسياسية للمجتمع.  لذلك هنالك غموض أساسي في مفهوم المرونة.
وفي العلوم الاجتماعية، لنفترض أن الاتجاه العام يميل إلى حد ما نحو التشكيك، على الأقل في ما يمكن أن يعنيه ذلك كمشروع سياسي. لأن ما نلاحظه في الممارسة العملية هو أن تعبئة فكرة المرونة غالبًا ما تكون بمثابة نوع من الأوامر، من السلطات العليا إلى السلطات الأدنى ـ على سبيل المثال الدولة التي تأمر أراضيها بأن تكون مرنة.
في كتابه "ضد القدرة على الصمود"، يوضح المؤلف تييري ريبولت بوضوح أنه في المجتمعات المتضررة من الكوارث النووية، مثل كارثة فوكوشيما، يتبين أن الأمر الزجري بالمرونة غير عادل على الإطلاق.  على الرغم من أننا قمنا بتنظيم عدم صلاحية هذه المساحات للسكن لقرون، بل لآلاف السنين، إلا أننا نود أن تصبح "مرنة"... إن دراسة إعادة بناء مساحات ما بعد الكارثة، مثل عمل لورا سينتيميري في كارثة سيفيزو، توضح مدى صعوبة هذا المشروع.

*أجرى الحوار بابلو مايّي ونشر في موقع مجلة "أوزبيك وريكا"، يوم 16 سبتمبر/ أيلول 2023.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.