}

الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.. هل ينصفهم القانون الدولي؟

حسام أبو حامد حسام أبو حامد 19 سبتمبر 2021
هنا/الآن الفلسطينيون في السجون الإسرائيلية.. هل ينصفهم القانون الدولي؟
علم فلسطيني أمام سجن عوفر قرب رام الله(12/7/2021/فرانس برس)
تنظر الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية لأسرى الحرب، مدنيين وعسكريين، بوصفهم أشخاصًا يتمتعون بحماية القانون الدولي الإنساني، والهدف من اعتقالهم، أو أسرهم، ليس نزع صفة الإنسانية عنهم، وإنما الحيلولة دون مشاركتهم في القتال. الدول المتحاربة ودول الاحتلال لطالما انتهكت القانون الدولي الذي أسهمت في صياغته وتعاقدت عليه. وتعدُّ دولة الاحتلال الإسرائيلي من أكثر تلك الدول انتهاكًا للقانون الدولي بسبب طبيعتها العنصرية، وطول فترة احتلالها للأراضي الفلسطينية التي تعد أطول مدة لاحتلال في التاريخ الحديث. ووفق نادي الأسير الفلسطيني (غير الحكومي) يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، حتى 6 سبتمبر/ أيلول الجاري، نحو 4650، بينهم 40 أسيرة، ونحو 200 طفل، إضافة إلى 520 أسيرًا إداريًا (من دون تهمة، أو محاكمة).
أعاد فرار ستة محتجزين فلسطينيين من سجون دولة الاحتلال، والتضامن الشعبي معهم، تسليط الضوء على واقع هؤلاء المعتقلين، والانتهاكات التي يتعرضون لها. ومع أن الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين تلقى إدانة دولية واسعة، إلا أن قضيتهم لا تزال عرضة للغموض القانوني والسياسي، الأمر الذي يعوق السبيل نحو حقهم في نيل حريتهم.



أسرى الحرب والقانون الدولي

فنان فلسطيني يرسم جدارية للأسرى الفلسطينيين الستة الذين فروا من سجن جلبوع الإسرائيلي قبل أسبوعين تقريبًا، في مدينة غزة (18/ 9/ 2021/Getty)        


خضع مفهوم الأسير للتطوير والتوضيح، فعرّفت اتفاقية لاهاي (1907م) أسرى الحرب بأنهم الأشخاص الذين يقعون تحت سلطة العدو، من أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع، وأعضاء الميليشيات، وفرق المتطوعين في هذه القوات، وأفراد الميليشيات الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركة المقاومة المنظمة المنتمية لطرف في النزاع، والعاملون داخل، أو خارج، أراضيهم، حتى لو كانت الأراضي محتلة، شرط أن تكون هذه الميليشيات، أو فرق المتطوعين، بما فيها حركات المقاومة، تحت قيادة شخص مسؤول؛ لها علامة مميزة تُعرَف بها عن بعد؛ تحمل السلاح بشكل ظاهر وتقوم بعملياتها وفقًا لقوانين وتقاليد الحرب. أما اتفاقية جنيف (1929) فوسّعت مفهوم أسرى الحرب بأنهم جميع الأشخاص في القوات المسلحة للأطراف المتنازعة الذين يقعون في قبضة الخصم أثناء العمليات الحربية، والأسير أيضًا هو كل شخص من الأعداء محتجز، لا لجريمة ارتكبها، وإنما لأسباب عسكرية. غطّت هذه الاتفاقية معاملة أسرى الحرب خلال الحرب العالمية الثانية.




اتفاقية جنيف الثالثة (1949) عرّفت أسرى الحرب بأنهم الأشخاص الذين يقعون في قبضة العدو وينتمون للفئات المذكورة سابقًا في اتفاقية لاهاي (1907) وجنيف (1929)، بالإضافة إلى أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة، والأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة من دون أن يكونوا جزءًا منها، كالمدنيين الموجودين ضمن أطقم الطائرات الحربية، والمراسلين الحربيين، ومتعهدي التموين، وأفراد وحدات العمال، أو الخدمات المختصة بالترفيه عن العسكريين، والمصرّح لهم جميعهم من قبل القوات المسلحة التي ترافقها، بالإضافة إلى أفراد الأطقم الملاحية للسفن التجارية والطائرات المدنية التابعة لأطراف النزاع، وسكان الأراضي المحتلة الذين يحملون السلاح من تلقاء أنفسهم عند اقتراب العدو لمقاومته، حتى لو لم يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات نظامية، شرط حملهم السلاح علنًا، ومراعاة قوانين وتقاليد الحرب.
في المجمل، تنص الاتفاقيات الدولية بخصوص أسرى الحرب على أنه لا يجوز محاكمة أسير الحرب لمشاركته في العمليات العسكرية المباشرة، أو غير المباشرة، ضد الخصم، طالما لم تثبت إدانته بجرائم حرب، كما لا يجوز بأي حال من الأحوال ممارسة التعذيب، سواء البدني، أو المعنوي، أو أي شكل من أشكال الإكراه لاستخلاص المعلومات من الأسرى. كما يجب على الدولة التي تحتجزهم إعاشتهم وتقديم الرعاية الصحية لهم، من دون مقابل، مع التمييز الإيجابي على أساس المرتبة العسكرية (على خلاف العسكريين لا يجوز تكليف الضباط بأعمال السخرة التي يجيزها القانون الدولي، وليس لها طابع أو غرض عسكري، مثل الزراعة والصناعة الإنتاجية واستخراج الخامات وأعمال البناء)، والجنس (أفضلية المعاملة للنساء)، كما لا يجوز لدولة الاحتلال منع الأسرى من ممارسة شعائرهم الدينية، وعليها السماح باستلام وإرسال البريد، والتواصل مع ذويهم ومحاميهم.


المعتقلون المدنيون
لم توفّر اتفاقية جنيف (1929) الخاصة بأسرى الحرب حماية للمدنيين منهم قياسًا بالعسكريين، ولم يحظ المدنيون بحماية القانون الدولي إلا مع دخول اتفاقية جنيف الثالثة (1949) حيز التنفيذ، والتي شملت بعض المدنيين الملحقين بالقوات المسلحة، وأصبحت اتفاقية جنيف الرابعة (1949) الاتفاقية الخاصة بحماية المدنيين رغم ما يشوبها من غموض قانوني. أجازت هذه الاتفاقية اعتقال المدنيين زمن النزاعات المسلحة، إلا أنها قيّدت ذلك بالضرورة القصوى على أساس اعتبارات الأمن (تبقى بكل حال اعتبارات فضفاضة)، ولم تضع تعريفًا محددًا للمعتقل على عكس الأسير في الاتفاقيات السابقة، لكنها ربطت بين المدنيين والمعتقلين ليُفهم منها أن المعتقلين هم من يقعون من المدنيين في قبضة العدو، وتحدد من تشملهم بأنهم أولئك الذين يجدون أنفسهم في لحظة ما، وبأي شكل كان، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه، أو دولة احتلال ليسوا من رعاياها.




نصّت أيضًا على أنه في حالة قيام نزاع مسلح ليس له طابع دولي في أراضي أحد الأطراف المتعاقدة يلتزم كل طرف في النزاع بالمعاملة الإنسانية للأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية، بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض، أو الجرح، أو الاحتجاز، أو لأي سبب آخر، وينبغي عليها ألا تمارس بحقهم تمييزًا ضارًا على أساس العنصر، أو اللون، أو الدين، أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد، أو الثروة، ولا على أساس أي اعتبار آخر. وأكد البروتوكول الأول (1977) الملحق باتفاقيات جنيف في مادته (50) أن المدنيين هم الأشخاص الذين لا ينتمون إلى القوات المسلحة النظامية، وإذا ما أثير شك حول شخص ما في كونه مدنيًا أو عسكريًا فإنه يعد مدنيًا.



الموقف الإسرائيلي
تنطوي اتفاقية جنيف الرابعة على عيوب وثغرات، وتتناقض بنودها مع حقوق أخرى يقرّها القانون الدولي الإنساني. فهي تنص على جواز اعتقال أي شخص يلحق الضرر بدولة الاحتلال، أو يعتدي على قوّاتها المسلحة، أو يشكل خطرًا جماعيًا، أو يعتدي بشكل خطير على الممتلكات التابعة لقوات دولة الاحتلال (رغم تقييده ذلك بالضرورة التي لا ينبغي أن تؤخذ على إطلاقها أو التوسع بها)، كما تجيز محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية (رغم اشتراطها بأن تكون العقوبة متناسبة مع الذنب المقترف أخذًا بالاعتبار عدم كون الشخص المتهم من رعايا دولة الاحتلال ولا يدين بالولاء لها). تلك البنود تتناقض مع حق الشعوب المحتلة في المقاومة والنضال من أجل تحررها وتقرير مصيرها، ويتفاقم هذا التناقض في حالة الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد.

الأسير الفلسطيني يعقوب قادري يحاصره ضباط شرطة إسرائيليون في محكمة الصلح في الناصرة بعد إعادة أسره (11/ 9/ 2021/ الأناضول)


أطلقت إسرائيل بعد احتلالها للأراضي الفلسطينية عام 1967م على المعتقلين الفلسطينيين تسمية "السجناء الأمنيين"، ولم تعترف بهم أسرى حرب بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، ورغم أنها تميل للتعامل معهم إعلاميًا من خلال اتفاقية جنيف الرابعة، إلا أنها تفرض قوانينها الخاصة، ولا تعترف باحتلالها لتلك الأراضي، بل تعبرها أراضٍ متنازع عليها، الأمر الذي يعقّد من الوضعية القانونية للمحتجزين الفلسطينيين. لم تخضع إسرائيل إلا للمعايير الدولية الخاصة بتبادل الأسرى بين طرفين متحاربين (جنيف الثالثة) بعد صفقات التبادل التي فرضتها عليها الفصائل الفلسطينية، عدا ذلك فهي لم تفرج عن هؤلاء المحتجزين إلا بعد انتهاء محكوميتهم، وحتى بعد انسحابها من غزة في 12 سبتمبر/ أيلول 2005، وإعلانها إنهائها لاحتلال القطاع، لم تطبّق إسرائيل المادة 77 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أن يسلّم الأشخاص المحميون الذين اتهموا أو أدانتهم محاكم الدولة المحتلة، مع الملفات المتعلقة بهم، إلى سلطات الأراضي المحررة، ولا للمادة 18 من اتفاقية جنيف الثالثة التي تنص على الإفراج عن أسرى الحرب وإعادتهم إلى أوطانهم من دون تأخير عند توقف الأعمال العدائية الفعلية، واستمرت إسرائيل في اعتقال 750 من أبناء القطاع. سعت إسرائيل، بشكل ممنهج، للتهرب من التزاماتها الدولية كدولة احتلال بموجب أحكام القانون الدولي والإنساني، وعملت على محاولة تبرير سياسة الاعتقال بحق الشعب الفلسطيني وقياداته بحجج أمنية، ومارست القتل خارج نطاق القانون، وغيرها من جرائم الحرب، وسياسة الاعتقال الإداري، والاعتقال التعسفي ضد النساء والأطفال.


الأسرى بعد أوسلو
عند توقيع اتفاق أوسلو عام 1993، بلغ عدد الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين والعرب 11315 أسيرًا، ولم تعالج الاتفاقية قضية الأسرى، وكانت توقعات الفلسطينيين، والأسرى منهم خصوصًا، أن تفرج عنهم دولة الاحتلال الإسرائيلي بموجب اتفاقية جنيف الثالثة، بعد "اتفاقية سلام" أعلنت توقف الأعمال القتالية العدائية بين الطرفين المتحاربين، لكن إسرائيل ماطلت في الإفراج عن الأسرى واستمرت في سياسات الاعتقال، وبقيت القضية تحت توصيف ما يسمى بإجراءات بناء الثقة بين السلطة وإسرائيل. وتحت بند إجراءات الثقة، في المادة عشرين من اتفاقية القاهرة (غزة أريحا) عام 1994، تعهدّت إسرائيل بإطلاق سراح 500 أسير فلسطيني على أن يبقى هؤلاء مقيمين في غزة أو أريحا حتى انتهاء فترة محكوميتهم. ومع ذلك، أفرجت إسرائيل فقط عن 3800 فلسطيني دون الباقين، من بينهم 400 سجين جنائي، وعلّلت الامتناع عن إطلاق سراح بقيّة الأسرى المتفق عليهم برفض هؤلاء التوقيع على وثيقة يتعهدون فيها بالامتناع مستقبلًا عن أعمال الإرهاب والعنف ضد إسرائيل. لاحقًا، أفرجت إسرائيل عن أعداد أخرى من الأسرى بموجب اتفاقيات طابا (1995)، وواي ريفر (1998)، وشرم الشيخ (1999)، لكنها باستثناء سبعة من المقدسيين أفرجت عنهم بعد مذكرة تفاهم شرم الشيخ، حرصت على عدم الإفراج عن أسرى من فلسطينيي القدس والأراضي المحتلة عام 1948، وساوت بين الأسرى والسجناء السياسيين، وانتقت الأسماء بنفسها، وليس بناء على قوائم تقدمت بها السلطة الفلسطينية، كما كان غالبية المفرج عنهم من ذوي الأحكام الخفيفة، وقاربت مدة محكومية كثيرين منهم على الانتهاء. غاب المركز القانوني للأسرى الفلسطينيين في اتفاقيات السلطة مع إسرائيل، ولجأت حكومة الاحتلال إلى تشريعاتها وقوانينها على حساب القانون الدولي، وخضعت معايير الإفراج عن هؤلاء إلى موافقات الكنيست والحكومة الإسرائيلية والمؤسسات القضائية والأمنية الإسرائيلية، وكذلك إلى متاهات القوانين الإسرائيلية.




للأسف، فإن كثيرًا من الفلسطينيين المحرومين من حريتهم في السجون الإسرائيلية اليوم (حوالي النصف؟) اعتقلتهم سلطات الاحتلال بعد توقيع إعلان المبادئ عام 1993، أما الترتيبات الأمنية في أوسلو الثانية عام 1995 فمنحت إسرائيل الامتيازات لاعتقال، ومحاكمة، وسجن الفلسطينيين، في المنطقتين "ب" و "ج" من الضفة الغربية، كما تسمح الثغرات الموجودة في النص لإسرائيل بمواصلة الاحتجاز الإداري للفلسطينيين، حتى من المناطق الواقعة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية. تدهورت ظروف الاعتقال والاستجواب منذ أوسلو الثانية، مع انتكاسات في معايير النظافة والغذاء، وقيود صارمة على حقوق الزيارات العائلية التي تم الحصول عليها من خلال سلسلة من الإضرابات عن الطعام في الثمانينيات وأوائل التسعينيات.


أسرى أم معتقلون؟

(عماد حجاج)                                                                                                                                                                                                    

بالنسبة لمنظمات حقوقية وإنسانية دولية، على رأسها الصليب الأحمر الدولي، ينظر إلى الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية على أنهم معتقلون لا أسرى، ويبرر الصليب الأحمر الدولي ذلك بكون أفراد المقاومة الفلسطينية لا ينتمون إلى دولة بأركان ثلاثة (الإقليم والشعب والسيادة) ينطبق عليها القانون الدولي، ولا يتمتعون بصفة مقاتلين في جيش نظامي، كما أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن طرفًا في حرب عام 1967، فهؤلاء الفلسطينيون محرومون من حريتهم لأسباب أمنية وقائية، وتشملهم اتفاقية جنيف الرابعة. على خلاف ذلك، فإن التوجه الفلسطيني، العام والرسمي، هو التعامل مع هؤلاء الفلسطينيين بوصفهم أسرى حرب، وتطالب السلطة الفلسطينية سلطات الاحتلال بالإفراج عنهم باعتبار أن مقاومة الاحتلال حق مشروع في الأعراف والمواثيق الدولية، كما أن المقاومة الفلسطينية تنطبق عليها صفة المقاومة المنظمة وشروطها بموجب لاهاي (1907)، وجنيف (1929)، وجنيف الثالثة، من جهة وجود شخص مسؤول يقودها، وأن لها علامات مميزة، وتحمل السلاح بشكل ظاهر، وتلتزم في عملياتها بقوانين الحرب. لذلك، تطالب السلطة المجتمع الدولي بالضغط على دولة الاحتلال للإفراج عنهم بعد توقف القتال، والامتناع عن التحقيق معهم، ومحاكمتهم بحجة حمل السلاح أو الضغط عليهم للإدلاء باعترافات او معلومات.


الحق في الهروب

تنتصر في الإنسان غريزة حفظ البقاء، سواء أكان حرًا، أو معتقلًا، أو أسيرًا، والهروب من السجن سلوك موجه بتلك الغريزة. تمكّن ستة أسرى فلسطينيين من الهرب من داخل سجن جلبوع المحصّن عبر نفق حفروه بأدوات شخصية بسيطة، وشكل ذلك فضيحة من العيار الثقيل لإسرائيل، وكان متوقعًا أن تنتقم إسرائيل من الأسرى، فنكّلت بالأسرى الأربعة لحظة إعادة القبض عليهم، ومنعتهم من لقاء محاميهم، ووجهت لهم تهمًا جديدة. لم يسلم بقية الأسرى من العقاب الجماعي، حيث قررت سلطات السجون الإسرائيلية تفريق أسرى حركة الجهاد الإسلامي، التي ينتمي إليها خمسة من الأسرى الهاربين، من الأقسام والغرف التي يعيشون فيها، إلى أقسام وغرف الأسرى من باقي الفصائل، لمنع اجتماعهم. وتخشى منظمات حقوقية وشخصيات فلسطينية من أن تستكمل سلطات الاحتلال عقوباتها الثأرية بحق بقية الأسرى. وقد صرح خالد محاجنة، محامي الدفاع عن الأسيرين محمد العارضة ويعقوب القادري، المعاد اعتقالهما، لوكالة الأناضول، أن القانون الإسرائيلي يفرض عقوبة قد تصل إلى خمس سنوات على تهمة الهروب، لكن في حال توجيه لائحة اتهام فيها تهمة أمنية قد يكون الحكم أكثر.




نصت المادة من اتفاقية لاهاي (1907) على أن أسير الحرب الذين يحاول الهروب، ثم يقبض عليه قبل أن ينجح في ذلك، ينال عقوبات تأديبية، أما في حالة نجاحه في الهرب، ثم جرى أسره من جديد، فلا يتعرض لأية عقوبة بسبب الهروب السابق. وأعادت اتفاقية جنيف لعام 1929، في المادة 50، التأكيد على ذات النص الذي ورد في اتفاقية لاهاي. ونصت المواد 91 ـ 94 من اتفاقية جنيف الثالثة (1949) ـ صادقت عليها أكثر من 190 دولة، بما في ذلك إسرائيل ـ على عدم جواز معاقبة الهروب الناجح، أما محاولات الهروب الفاشلة فيمكن أن تؤدي إلى عقوبة تأديبية فقط، وربما مراقبة خاصة كإجراء وقائي (المادة 92). أما السجناء الآخرون الذين ساهموا في تسهيل هروب سجناء، والتي لا تنطوي على أي عنف ضد الحياة، فيستحقون عقوبة تأديبية فقط (المادة 93). أما في حال كان الأشخاص الذين تم اعتقالهم من قبل قوة الاحتلال مدنيين، تم اعتقالهم مثلًا لمخالفتهم لأوامر عسكرية معينة، أو لانتهاك القانون الجنائي في البلد الذي يعيشون فيه تحت الاحتلال، فهؤلاء، بموجب المادة 120 من اتفاقية جنيف الرابعة، لا يخضعون، في حال أعيد القبض عليهم بعد هروبهم، أو أثناء محاولتهم الهروب، إلا لعقوبة تأديبية، ويمكن فرض مراقبة خاصة عليهم، شرط ألا يكون لهذه المراقبة تأثير ضار على حالتهم الصحية، وأن تجرى في أحد المعتقلات، وألا يترتب عليها إلغاء أي ضمانات تمنحها لهم هذه الاتفاقية. كما لا يتم تعريض المعتقلين الذين ساعدوا في الهروب، أو محاولة الهروب، إلا لعقوبة تأديبية.


خاتمة
قضية الأسرى أحد أهم أركان القضية الفلسطينية، ورمزها الأول في سبيل الحرية والتحرر، لكن قضيتهم يتهدّدها غموض قانوني منشأه الأول هو محاولة تنصّل إسرائيل من كل الاتفاقيات الدولية التي تلزمها بوصفها دولة احتلال، بالإضافة إلى طول أمد هذا الاحتلال، وتعدّد مراحله التاريخية، وتعقيداته الديموغرافية. أيضًا، تتنوع وجهات نظر المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية حول تصنيفهم بموجب الاتفاقيات الدولية وتطبيقها على الحالات الفلسطينية المتنوعة بتنوع أساليب النضال الفلسطينية. وكما تقدم، فإن التوجه الغالب فلسطينيًا هو التعامل معهم بوصفهم أسرى حرب تنطبق عليهم الاتفاقيات ذات الصلة، لا سيما جنيف الثالثة.
الوضع القانوني لهؤلاء الفلسطينيين المحتجزين متشابك ومتنوع في الوقت نفسه، فليس جميع المحتجزين الفلسطينيين مقاتلين حملوا السلاح لمقاومة الاحتلال، بل هنالك مدنيون شاركوا في عمليات المقاومة الاحتجاجية المدنية، وهنالك مختطفون، بمن فيهم نساء وأطفال وقياديون اختطفهم الاحتلال الإسرائيلي لخلق فراغ قيادي بين الفلسطينيين، وهنالك مختطفون من غزة لم تفرج عنهم دولة الاحتلال حتى بعد إعلانها إنهاء احتلالها للقطاع. ويذهب كل من عبد الرحمن أبو النصر، وأسامة سعد، إلى أن التعـاطي مـع الفلسـطینیین داخـل السـجون الإسرائيلية كمعتقلين يعني الإقرار بحق سـلطة الاحـتلال في اعتقال أفراد الشعب المحتل، ومحاكمتهم إذا ما حملوا السلاح ضده، مما يعني تناقضـًا مع حق الشعوب الخاضعة للاحتلال في المقاومة، أما التعــاطي مــع هؤلاء كأســرى حــرب، فلــه العديد مــن الأسانيد القانونية، وهــو أفضــل لأفــراد المقاومــة المسلحة، لكــن يؤخذ علــى هــذا التوجــه أن اتفاقية جنيف الثالثة تــمّ تنظيمها لحـالات الاحـتلال والنزاعـات المسـلحة القصيرة، والتـي يفرج عـن أسير الحـرب بموجبهـا بعـد انتهاء النزاع المسلح، أما في الحالة الفلسطينية فإن الأسير بموجـب هـذه الاتفاقية قـد يبقى فـي الأسـر. هنـالك جـزء مـن الأسـرى هـم بمثابـة مختطفين، وهـؤلاء هـم القيادات السياسية والشعبية الذين اعتقلتهم إسرائيل إداريًا، لمنع تواصلهم مع شعبهم، ومحاولة خلق فراغ قيادي لدى الشعب الفلسطيني، وكذلك اعتقلت إسرائيل الأطفال والنساء، وتستمر في سجن فلسطينيي قطـاع غـزة الذين ألقت القبض عليهم قبل إعلانها إنهاء احتلالها للقطاع. جميع ذلك بمثابة خطف وجريمة حرب. ويقترحان أن يُشمَل هؤلاء باتفاقية نيويورك لاحتجاز واختطاف الرهائن لعام 1979، والبروتوكول الأول لعام 1977 الملحق باتفاقيات جنيف لعام 1949، والتي استند إليها قرار مجلس الأمن رقم 687 لعام 1991، الذي عد الكويتيين في السجون العراقية مختطفين(*)، وذلك يسقط شرعية حـــق دولـــة الاحـــتلال فـــي اعتقـــال المدنيين واحتجازهم، وهو أكثـر انســجامًا مـع حـق الشــعوب الخاضـعة للاحـتلال بالنسبة لمقاومي القطاع، خاصـة بعـد الانسـحاب الإسرائيلي.
الأسرى الفلسطينيون لا يدفعون فقط ثمن الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته، بل أيضًا غموض القانون الدولي وثغراته.


هامش:
(*) يعتقد الدكتور مصطفى أبو الخير أن التكييف القانوني الصحيح لوضع المحتجزين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أنهم مختطفون تنطبق عليهم اتفاقية نيويورك 1979م التـي جرمـت الخطـف وأخـذ الرهـائن، وليس اتفاقية جنيف الثالثة بشأن أسرى الحرب، لأن اتفاقية نيويورك أعطت الحق لأفـراد حركـات التحرر الوطني والشعوب التي تكافح الاحتلال لنيل الاستقلال وحق تقرير المصير فـي القبض علي جنود وقادة قوات الاحتلال ومحـاكمتهم على أسـاس أنهـم مجرمو حرب، من دون أن يعد ذلك جريمة حرب، لأنه تنفيذ لفعل مباح، وهـو حـق الـدفاع الشـرعي وحق تقرير المصير.

إحالات:
1 عيسى قراقع، الأسرى في السجون الإسرائيلية بعد أوسلو 1993 ـ 1999 (جامعة بيرزيت، 2001):
https://bityl.co/8j6W
2- عبد الرحمن أبو النصر، وأسامة سعد، "مكانـة أســرى الحــرب والمعتقلین في القانون الدولــي الإنسانـي: دراسة تطبیقیة للفلسطینیین في سجون الاحتلال"، مجلة الجامعة الإسلامیة للدراسات الإسلامیة، المجلد الثاني والعشرون، العدد الأول، ص473 ـ ص519، ینایر 20: 2014
3- إحسان عادل، الهروب من السجن: حق للسجين، أم جريمة تستوجب العقاب، أم واجب أخلاقي وقانوني؟، مدونة قانونية، 8 سبتمبر 2021، منصة "القانون من أجل فلسطين": https://bityl.co/8j5b
4- عوض الرجوب، كيف تعاقب إسرائيل المعتقلين الفارين ومن يحاول التحرر من الأسر؟ (تقرير لوكالة الأناضول)، 14 سبتمبر 2021: https://bityl.co/8j5g
5- نص اتفاقية جنيف الثالثة: https://bityl.co/8j5j
6- البروتوكول الأول الإضافي إلى اتفاقيات جنيف، 1977: https://bityl.co/8j5o
7- اتفاقية لاهاي 1907: https://bityl.co/8j6c

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.