}

السينما العربية في 2021.. الصدارة لقضايا النساء والاغتراب والهجرة

وائل سعيد 3 يناير 2022
هنا/الآن السينما العربية في 2021.. الصدارة لقضايا النساء والاغتراب والهجرة
ملصق الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي في جدة/السعودية



يُعدُّ انطلاق الدورة الأولى لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي من السعودية من أبرز الأحداث في ما يخص السينما العربية هذا العام، إلى جانب حصول أكثر من فيلم عربي على جوائز دولية، وترشيح عدد من الأفلام للمشاركة في مهرجانات عالمية. ربما لأن السعودية ظلت لعقود طويلة رهينة المحذورات، وبناء عليه أقصيت المرأة من المشهد العام، حتى أن حقًا بسيطًا كقيادة السيارة لم تنله إلا بمرسوم ملكي عام 2017. ولحسن الحظ يواكب هذا ظهور جيل من السينمائيين استطاع تقديم تجارب فنية جيدة تحمل من الرؤية والوعي ما يضمن لها التميز، وتأتي التجربة النسائية في مقدمتها.

الأنثى بصفتها إنسانًا







يطرح فيلم "بلوغ" المشكلة النسوية من منظور إنساني يخفف من جرأته الشديدة في التعامل مع قصص النساء، بتفاصيل غاية في الحميمية من شأنها أن تثير حفيظة المشاهد، كونها تكشف دهاليز مجتمع متحفظ. منها على سبيل المثال، أمٌّ تدخن السجائر، وخالة تشرب الشيشة، فوط صحية وعلاقات متوترة بين الأم وابنتها، عروس تفر من حفل زفافها... وهلم جرًا.
للعنصر النسائي البطولة المُطلقة، بداية من المُخرجات الخمس: نور الأمير؛ سارة مسفر؛ فاطمة البنوي؛ هند الفهاد؛ جواهر العامري، وحكايات أبطالهن، مرورًا بجميع العناصر الأخرى، من كتابة ومونتاج ومكياج وتصوير، وحتى الإنتاج. وقد سار السيناريو على ثيمة واحدة في عنصر التمثيل؛ حيث هنالك ثلاث نساء في كل قصة ترسم واقعًا من المعاناة قد يكون غائبًا عن المشهد الكلي.
تتجول القصص بين نماذج من النساء المدنية والقروية والشعبية أيضًا. لا وجود للرجل في تلك الحكايات، وإن لم يمنع ذلك من ظهور تبعات أفعاله، ففي القصة الثانية "الضُّبَاح"، من إخراج سارة مسفر، نلتقي امرأة أربعينية تعاني من غياب زوجها الذي يعمل في البحر، وهي من أميز القصص في الفيلم، فيما يتعلق بمساحات السكوت والبوح، وانتصارها في المشهد الأخير للأنثى بنوم الأم وابنتيها فوق السرير بشكل جنيني.






في السياق نفسه، يخوض المخرج الأردني، زيد أبو حمدان، تجربته الروائية الأولى في فيلم "بنات عبد الرحمن". عُرض الفيلم لأول مرة في مهرجان القاهرة السينمائي، وحصد جائزة الجمهور "يوسف شريف رزق الله".
عبد الرحمن رجل مُسن رحلت زوجته بعد أن أنجبت له أربع بنات، ومن أجل حلمه بالولد الذي لم يرزق به، يطلق على نفسه "أبو علي". تجتمع البنات بعد اختفائه المفاجئ، وخلال رحلة البحث عن الأب الغائب، تكتشف كل واحدة منهن مسارات جديدة للحياة.


عن الاغتراب والهجرة



هنالك فيلمان من لبنان يطرحان فكرة المكاشفة بين الأم وابنتها، من خلال استرجاع ماضي الحرب والتهجير، الأول فيلم "بيت اتنين تلاتة" للمخرجة رُبى عطية، الذي عُرض في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية الدورة 22، والثاني "دفاتر مايا"، سيناريو وإخراج الزوجين جوانا حاجي توما، وخليل جريج، المشارك في مسابقة آفاق السينما العربية في مهرجان القاهرة السينمائي في عرضه الأول في أفريقيا (العرض الأول في مهرجان برلين السينمائي الدولي 71)، وحصد جائزة سعد الدين وهبة لأحسن فيلم.




يعتمد الفيلم الأول على الخلط بين الذاتي والتخييلي، من خلال رحلة المساءلة التي تقوم بها المخرجة مع أمها لكشف ملابسات التهجير التي لحقت بعائلتهم وكثير من أهالي بيروت عام 1978 "كل الرجال رحلوا، هكذا رأيت جيلًا ينحرف"، وانتقالهم من بيت إلى آخر حتى "أصبح البيت قريبًا جدًا من البحر..".
وفي ليلة عيد الميلاد في مدينة مونتريال، يصل طرد غير متوقع إلى مايا، الأم العزباء، وهي برفقة أمها وابنتها المراهقة المتلصصة. يحمل الطرد مراسلات وصورًا وذكريات للأم فترة الثمانينيات مع صديقتها المقربة القديمة قبل الهجرة إلى كندا، وهي الصورة الأخرى الحالية للابنة "أليكس"، التي تحيا في ثقافة وزمن مختلفين، ولكن مع والدتها وجدتها الآتيتين من زمن غابر.



على جانب آخر، ومن داخل مخيم الزعتري للاجئين السوريين، تنطلق أحداث الفيلم التسجيلي "فقط المحيط بيننا" للمخرجتين مرح محمد الخطيب، والخالدية عامر علي، وهما من سكان المخيم. يتبادلان اليوميات مع آخرين من بيرو في أميركا الجنوبية يُعانيان أيضًا من ضياع البيت والتهجير. ترى كريستي ـ مصورة وناشطة ثقافية ـ أن هذا التواصل الافتراضي لا يختلف كثيرًا عن الواقع "فنحن نرى السماء نفسها". لذلك فالفيديوهات المتبادلة عُنيت بإظهار تفاصيل البيئة الخاصة بكل واحدة منهن، إلى جانب البوح عن معاناة الهجرة والاغتراب وهن يحكين بشكل تقريري مرتجل يحمل من الدهشة ما يجعل إحداهن تعترض على منعها من قبل الحراس لزيارة المكان الذي كان يحمل بيتها قبل الاستئذان "كيف نطلب الإذن لندخل بيوتنا"!. شارك الفيلم في مهرجان "كرامة لحقوق الإنسان" في دورته الثانية عشرة.


يوميات المهاجرين وصياديهم







الصمت هو البطل الحقيقي في الفيلم العراقي "أوروبا" لحيدر رشيد، ربما هو الصمت العاجز، أو المُنتظر، ردًا على التجاهل العالمي، ففي رحلة المهاجر الشاب العراقي بين الأدغال الواقعة على حدود أوروبا وبلغاريا؛ لا يوجد حوار يُذكر سوى بعض الجمل القصيرة، عبر مئة دقيقة لا نسمع سوى أنفاس الشاب اللاهثة، ومحاولاته الهروب ممن يُطلق عليهم "صيادو المهاجرين"، الذين يتتبعون اللاجئين على طريقة الصياد والفريسة، قبل سلب أموالهم على الحدود. وكما نفهم من الفيلم، فإن مجموعة من التنظيمات الخارجة عن القانون، بمعاونة من شرطة الحدود وبعض موظفي الدولة الكبار، هم من يتحكمون في تلك التجارة.
يكشف الفيلم وهم الخلاص المعشش في أذهان المهاجرين واللاجئين إلى أوروبا والدول الأجنبية. ربما في فترات قديمة كان ثمة خلاص ينتظرهم بالفعل داخل هذه الحدود، بعد أن ضاقت بهم حدود بلدانهم؛ إلا أن الأعداد المتزايدة جراء احتدام الأوضاع السياسية في البلدان العربية بلدًا تلو الآخر، وقفت حائلًا دون تحقيق ذلك. ومن البديهي أن يتصاعد الموقف عقب ثورات الربيع العربي، وما ترتب عليها من أوضاع مستجدة أطاحت بالعديد من مواطني البلدان العربية إلى مجاهل الهجرة وويلاتها، "لقد ابتلعهم الظلام، لا نعلم أين انتهي الأمر بهم، أو ما إذا كانوا لا يزالون على قيد الحياة..".
رشح الفيلم لتمثيل العراق رسميًا في الأوسكار، الدورة 94، إلا أنه خرج من القائمة النهائية التي خلت من أي فيلم عربي. حصل الفيلم على جائزتي أفضل إخراج وتمثيل في مهرجان البحر الأحمر في دورته الأولى.
من فلسطين، يُقدم المخرج رشيد مشهراوي الفيلم الوثائقي "يوميات شارع جبرائيل" في عرضه الأول في مهرجان القاهرة السينمائي. ورغم أن مشهراوي يُعد من أوائل المخرجين الذين عملوا على أفلامهم داخل الأراضي المحتلة؛ فقد صور فيلمه الجديد في فرنسا، وقت الإعلان العالمي عن الغلق العام، عقب ظهور فيرس كورونا، وأثناء تواجد المخرج في باريس، الذي أصبح محاصرًا خلال فترة الحجز الأولى الطويلة.
يستعيد المخرج ذكرياته الفلسطينية من خلال التصوير الارتجالي بكاميرا موبايل، وليس كاميرات احترافية، موثقًا بذلك الحالة المستجدة على البشرية؛ فلم يستيقظ العالم بين يوم وليلة على إجراءات حاسمة لمواجهة تداعيات الفيروس؛ بل تخبطت التفسيرات داخل كل بلد، وتعددت الآراء حول إمكانية الإصابة من عدمه، وبالتالي خلق هذا تصاعدًا في تلك الإجراءات، بدءًا بالتعليق، ثم الإلغاء التام، لينتهي بالحجر المنزلي.
يوميات أخرى يُقدمها المخرج الشاب أمير فخر الدين في فيلمه الروائي الأول "الغريب". شارك الفيلم في مسابقة أسبوع النقاد في مهرجان القاهرة السينمائي، وحصد جائزة شادي عبد السلام لأفضل فيلم. لا شك في أن اسم الفيلم يستدعي الرواية الشهيرة لألبير كامو، وهو ما يتماس معه سيناريو الفيلم، خصوصًا على مستوى المشاعر الداخلية للبطل عدنان، الطبيب السابق الذي يجد نفسه غريبًا في قريته في هضبة الجولان المحتلة، حيث يتصارع بين أزمته مع الزوجة والأسرة وحرمانه من الميراث، بجانب الصراع مع جنود الاحتلال الإسرائيلي.


الحديث عن السودان
عانت السينما السودانية خلال العقدين الماضيين من اختفاء كامل للفيلم الروائي الطويل، حتى ظهر فيلم "ستموت في العشرين"، لأمجد أبو العلا، الذي حصد عددًا من الجوائز الدولية والعالمية. في العام نفسه، عُرض الفيلم الوثائقي "الحديث عن الأشجار" لصهيب الباري، ولم يكن يقل جمالًا أو فنية عن فيلم أبو العلا.
عن تلك الفترة من الركود السينمائي، يقول المخرج والباحث، وجدي كامل، في كتابه "السينما هرم الدولة المقلوب ـ منشورات السودان" إن أهم المشكلات التي أعاقت إنتاج الأفلام في السودان: "غياب دور الدولة في التخطيط السينمائي، وعزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في هذا المجال، وانهيار دُور العرض في التسعينيات، فضلاً عن الافتقار للأجهزة والمعدات التصويرية الحديثة، وعدم وجود متخصصين خريجين في العديد من المجالات الدقيقة للإنتاج السينمائي، إضافة إلى وجود رقابة رسمية متزمتة".






في فيلمها الروائي القصير "الست"، تعود المخرجة سوزانا ميرغني إلى السودان بعد غربة دامت عشرين عامًا. ترسم سوزانا صورة عامة للمرأة السودانية المعاصرة من خلال ثلاثة أجيال: الجدة ـ الأم ـ الحفيدة، وتسلط الضوء على قصة الحب الرومانسية بين الفتاة الشابة نفيسة، وأحد شباب قريتها.
فاز الفيلم بعدد من الجوائز الدولية والعالمية، من بينها مهرجان كليرمون فيران الدولي للأفلام القصيرة في فرنسا، ومهرجان نيو أورليانز السينمائي الدولي، بالإضافة إلى جائزة أفضل فيلم روائي قصير في مهرجان الإسماعيلية الدولي للأفلام التسجيلية والقصيرة. ومنذ أيام، حصد جائزة أفضل فيلم روائي عربي من مهرجان القاهرة للفيلم القصير في دورته الثالثة.


الحقوق لا تسقط بالتقادم



تنويعات مختلفة من المُطالبة بالحق، كانت التيمة الرئيسية لثلاثة أفلام من ثلاث دول؛ "غُدوة" (تونس)، و"هيليوبوليس" (الجزائر)، و"عَلِّي صوتك" (المغرب). "غدوة" هو التجربة الإخراجية الأولى للممثل التونسي ظافر العابدين، يُجسد فيه البطولة أيضًا من خلال شخصية "حبيب"، المحامي الذي لا يزال يعاني من تبعات شرارة الربيع العربي المنطلقة من تونس عام 2010، جراء انتحار البوعزيزي بإشعال النار في نفسه، وهو ما أدى إلى الإطاحة بالرئيس السابق زين العابدين بن علي. إلا أن أعدادًا هائلة من المظلومين تُركوا معلقين دون نيل حقوقهم، الأمر الذي يدفع البطل إلى المطالبة بذلك طوال الفيلم، وترديد "الحقيقة والعدالة أولًا، ثم تأتي المُصالحة".



تأثر الإخراج في الفيلم بأساليب سينما هوليوود، مُفسحًا المجال لمساحات مطولة من الخطابية العالية، سواء على مستوى الحوار، أو الأداء التمثيلي، وهو ما لم نلحظه في الفيلم الثاني "هيليوبوليس"، لجعفر قاسم، في تجربته السينمائية الأولى، أيضًا.
يشترك قاسم وعابدين في خلفيتهما الفنية الدرامية في الأساس. تميز فيها الأول بالإخراج وكتابة السيناريو والإنتاج التلفزيوني، فيما برز الأخير في التمثيل. يعود قاسم إلى فترة منتصف الأربعينيات، عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، حين خرجت المظاهرات في الجزائر مطالبة بحقها في الاستقلال، بحسب وعد المحتل الفرنسي وقتها، وذلك من خلال الحياة اليومية لأسرة صغيرة.



وفي فيلم نبيل عيوش "عَلِّي صوتك"، نعيش مع رحلة بحث عن حق آخر، من خلال مغني راب يتم تعيينه بمركز لتنمية المواهب بأحد الأحياء الشعبية، ليعمل على مساعدة تلاميذه في رفع أصواتهم بالغناء. شارك الفيلم في المنافسة على السعفة الذهبية، ونجمة الجونة الذهبية، ولكن مخرجه فاز بجائزة الائتلاف الفرنسي للتنوع الثقافي هذا العام.. وذلك لـ"التزاماته الهادفة إلى تعزيز وحماية التنوع الثقافي في المغرب والمنطقة المتوسطية"، وهو الذي اشتهر بعوالمه عن المهمشين والطبقات الكادحة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.