}

أيام فلسطين السينمائية: "معًا ضدّ الإبادة"

وائل سعيد 30 سبتمبر 2024
هنا/الآن أيام فلسطين السينمائية: "معًا ضدّ الإبادة"
ملصق مهرجان "أيام فلسطين السينمائية"

قبيل نهاية العام الماضي بأشهر قليلة، انشغلت إدارة مهرجان "أيام فلسطين السينمائية" بوضع اللمسات النهائية لنسخته العاشرة، التي أُعد لها برنامج حافل يليق باحتفالية العشرية الأولى من عمر المهرجان. حمل البوستر الرسمي للدورة صورة أيقونية لطائر الشمس الفلسطيني ليكون بمثابة "عصفور هجين ينطلق في أرجاء السماء للتأمل في قصص الناس وتوثيقها وسردها عبر السينما". وكما هي الحال مع كل السياسات الغاصبة عبر التاريخ؛ وقف المحتل الصهيوني أمام مسيرة الطائر معرقلًا فعاليات الدورة، بهجومه على قطاع غزة في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
رغم هذا، صدر بيان عن إدارة المهرجان يؤكد على أهمية انطلاق الدورة رغم الإبادة وتنامي شعور الجميع بالعجز، ورد فيه: "لا نملك إلا سرديتنا التي خلقت التضامن الشعبي العالمي". لهذا انطلقت النسخة العاشرة بعدد من العروض التضامنية التي تُعنى في المقام الأول بالسردية الفلسطينية، ردًا على الروايات المتواترة والمتكررة التي يروج لها الكيان الصهيوني في محيط المجتمع الدولي. واقتصرت الأفلام المختارة على عدد قليل من الدول: فلسطين ــ لبنان ــ اليمن ــ السودان، فيما تنوعت الأفلام بين روائي وتسجيلي وقصير. اللافت في الأمر أنه، وبرغم الظروف العصيبة في الأرض المحتلة، شهدت معظم الحفلات إقبالًا جماهيريًا امتد على طول فعاليات الدورة، التي انطلقت من مدينة غزة في الثامن عشر من سبتمبر/ أيلول الجاري، وبالتوازي في عدد من المدن الأخرى، ومنها: القدس ــ رام الله ــ بيت لحم ــ حيفا، رغم ذلك اضطر الفريق لإلغاء بعض الحفلات في القدس وفي الداخل بسبب بعض المضايقات.
ومن السينما التسجيلية، اختارت الإدارة فيلم "السبع موجات" لعرضه في الافتتاح، وهو من إخراج الفلسطينية الشابة أسماء بسيسو، ليكون أيضًا بمثابة "شهادة حب لغزة"، كما تم الاحتفاء به؛ حيث صورت أحداثه من داخل قطاع غزة قبل أحداث الإبادة الجارية. يوثق الفيلم شهادة بصرية لبحر غزة، وحكايات وأساطير الصيادين مع البحر، ويمزج برهافة الموروث الشعبي الثقافي للأهالي بالحياة العصرية تحت وطأة الاحتلال. وذلك من خلال اشتراك بعض الفتيات في سباق "الحسكات" كما يسمى في غزة؛ وهي رياضة تشبه التجديف في الماء، ولكن بشكل فردي. كما ينتصر الفيلم لفكرة العيش في كل الظروف، كدعوة للنبش والبحث عن الحياة، أو اقتناصها أينما وجدت، بما يتوافق مع شعار المهرجان المتكرر في أكثر من بيان: "معًا ضدّ الإبادة، والفصل العنصري، والاحتلال".

صور للذاكرة الهشة

من فيلم "السبع موجات" للمخرجة الفلسطينية أسماء بسيسو، الذي صُوِّر في قطاع غزة قبل "طوفان الأقصى"


يقوم على تنظيم الأيام السينمائية "فيلم لاب ــ فلسطين"، وهي مؤسسة فلسطينية نبتت فكرتها من داخل مخيمات اللاجئين في الأرض المحتلة، لتكون بمثابة فعل مقاومة من خلال السينما، وإتاحة العرض لعدد كبير من الأفلام العربية والعالمية داخل المخيمات ومن خلف الأسوار المغلقة، وذلك بالتعاون مع اثنتين من منظمات المجتمع المدني هما: "أفلامنا ــ أفلام سين Seen Films" من بيروت ومصر. بحسب تصريح علا سلامة، المدير التنفيذي للمهرجان، فقد حظيت بعض الأفلام المشاركة في برنامج هذا العام بأهمية بالغة، نظرًا لما سُجل فيها من مشاهد حية للأماكن والبشر على حد سواء بوصفه توثيقًا فريدًا للهوية البصرية الفلسطينية.
اقتصرت فئة الفيلم الروائي الطويل على ثلاثة أفلام من السودان وفلسطين واليمن: "وداعا جوليا/ محمد كردفاني ــ علم/ فراس خوري ــ المرهقون/ عمرو جمال"، وتناقش في مجملها موضوعات الفصل العنصري والهوية والتهجير القسري، فيما احتوت فئة الأفلام التسجيلية على سبعة أفلام، من بينها فيلم "الوعود الثلاثة" باكورة أعمال المخرج الشاب يوسف السروجي، وفيه يمزج السروجي الشخصي بالعام، حيث يعتمد على الأرشيف الفوتوغرافي للعائلة متتبعًا الأحداث والمواقف منذ انطلاق الانتفاضة الثانية للقضية الفلسطينية.





شملت فئة الفيلم القصير 14 فيلمًا تنوعت بين الروائي والتسجيلي، مثل فيلم "ذبذبات من غزة" إنتاج مشترك فلسطين ــ كندا، وإخراج رحاب نزال. يُسلط الفيلم الضوء على الأوضاع المعيشية لأطفال القطاع من الصم، لذلك لم يغفل السيناريو الاستعانة بلغة الإشارة في سرد الأحداث، أو الحوار. وفي سياق مشابه يأتي فيلم "سكون" لدينا ناصر، وهي مخرجة فلسطينية ــ أردنية تتناول في فيلمها حادثة انتهاك لاعبة كاراتيه تعاني من إعاقة في حاسة السمع، أما المخرج محمد حرب فيتناول في عمله "سمكة غزة" قصة كفاح مادلين؛ أول فتاة بالقطاع تخرج للعمل في الصيد بعد أن استشهد والدها في هجوم إسرائيلي، ولم يكن أمامها سوى التصدي للدور الجديد رغم مخاطر إعالة أفراد أسرتها.
من ضمن البرنامج فيلم "مار ماما" للمخرج مجدي العمري، الذي حصل على جائزة أفضل فيلم روائي قصير من مهرجان الإسماعيلية التسجيلي في دورته الأخيرة. يدور الحدث الرئيسي في الفيلم حول لحظة حصار أب وابنته داخل منزلهما، ومحاولات الأب لإلهاء صغيرته عن صوت القصف المتوالي في الخارج مع وعدها بالحماية، الأمر الذي لا يخيل إليها بعدما أدركت أن تلك الوعود لا وجود لها على أرض الواقع؛ حيث فقدت أمها في غمضة عين وإثر غارة من تلك الغارات.

الثاني من نوفمبر

ملصق الفيلم السوداني "وداعا جوليا" للمخرج محمد كردفاني 


على الرغم من إلغاء دورة العام الماضي، إلا أن المهرجان صادف عددًا من الشاشات حول العالم تضامنت بالترحيب لاستضافة العروض التي كان من المزمع عرضها في فلسطين، لتأتي حصيلة ذلك على غير المتوقع ــ خاصة مع حالة الصمت العالمي ــ حيث غرد الطائر الفلسطيني في فضاء أكثر من أربعين دولة عربية وأجنبية بمعدل 171 عرضًا لتسعة أفلام من فلسطين، وعنها. الأمر الذي شجع الإدارة على التوسع في التجربة هذا العام بتكرارها على نحو أشمل، من خلال استمارة المشاركة التي أطلقها المهرجان مخاطبًا الأفراد والمؤسسات أو الجهات علي حد سواء، رسالة موجهة للإنسان أينما كان وتحت أي ظروف... "انضمّوا إلى الحركة العالميّة لاستعادة السرد، استضيفوا أيام فلسطين في مجتمعاتكم"، وذلك من خلال تنظيم عروض للأفلام في جميع أنحاء العالم، مع التأكيد على أن... "جميع الأماكن والمساحات مُرحب بها، سواء كانت غرفة المعيشة الخاصة بكم، مطعمكم، مسرح، أو أي مكان ترغبون في إقامة عرض سينمائي فيه".




من المتوقع أن يتضاعف عدد الشاشات والدول الداعمة عن العام الماضي، فالتعاطف العالمي مع الحرب في غزة يزداد يومًا بعد يوم على المستويات كافة، حتى أن المخرجة الأميركية سارة فريدلاند استغلت لحظة صعودها المسرح لاستلام جائزة أفضل مخرجة عن فيلمها "اللمسة المألوفة" ضمن الدورة 81 لمهرجان البندقية السينمائي، لتعلن تضامنها مع الشعب الفلسطيني... "كفنّانة أميركيّة يهوديّة تعمل في مجال الصّناعة، أشير إلى أنني أحصل على هذه الجائزة في اليوم الـ 336 من الإبادة الجماعيّة التي ترتكبها إسرائيل في غزّة، والعام الـ 76 من الاحتلال". كما طالبت سارة زملاء المهنة من صُناع الأفلام بمواجهة ما وصفته بـ "إفلات إسرائيل من العقاب على السّاحة الدّوليّة".
خصصت إدارة المهرجان لتلك الدعوة ثمانية أفلام تسجيلية، من المزمع عرضها عالميًا من خلال تلك الحركة في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، اليوم الذي يُصادف الذكرى الـ 107 لـ "وعد بلفور" المبرم بين من لا يملك ومن لا يستحق. من بين هذه الأفلام: "نائلة والانتفاضة/ جوليا باشا ــ عائدة/ كارول منصور ــ فلسطين الصغرى/ عبد الله الخطيب"، بالإضافة إلى فيلم "11 يوم في مايو"، وهو إنتاج مشترك فلسطيني ــ بريطاني، وإخراج محمد الصواف، ومايكل وينتربوتوم، وتشترك في البطولة الممثلة الأوسكارية كيت وينسيلت.
يتعرض الفيلم لأحداث اشتباكات مايو/ أيار 2021، التي حصدت أرواح المئات نتيجة حملة قصف جوي شنها جيش الاحتلال على القطاع، والتي لم تنقطع على مدار 11 يومًا، ومن خلال مجموعة من الشهادات الحية من بعض الناجين، أو أسر وأقارب الضحايا، وعدد كبير من الأطفال، يبني الفيلم عالمه كوثيقة تُسجل الجُرم الإنساني لسياسات المحتل، ولتكن صكًا مرئيًا للإدانة لن يغفله التاريخ والأجيال القادمة.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.