}

مجزرة غزة تطغى على أجواء المعرض الدولي للكتاب بالجزائر

هنا/الآن مجزرة غزة تطغى على أجواء المعرض الدولي للكتاب بالجزائر
من صفحة المعرض على فيسبوك

لطالما كان المعرض الدولي للكتاب في الجزائر عرسًا ثقافيًا بامتياز، ينتظره الكتّاب والقرّاء بحماس ويقبلون عليه بشغف، للاحتفاء بإصداراتهم، كتّابًا، ولاقتناء مؤلفاتهم المفضلة، قرّاءً. وعلى هامش ذلك، خلق شبكة علاقات تنتقل من أروقة المعرض باختتامه إلى مواقع التواصل الاجتماعي لتتوسع وتتعمق، ويتوسع معها النقاش والنقد لأبرز الأعمال المشاركة فيه.

وعلى خلاف دوراته السابقة، حرم العدوان الإسرائيلي على غزة الجزائريين، الكتّاب والقرّاء، من الاحتفال بهذا العرس في دورته السادسة والعشرين، التي اختتمت في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، حيث غابت أجواء الفرح والبهجة والشغف، بين كتّاب ألغوا جلسات بيع بالإهداء لأعمالهم، وآخرين عرضوا إصداراتهم على استحياء، وقرّاء مرّوا مرورًا سريعًا على دور النشر، اقتنوا خلالها كتبهم المفضلة وغادروا في صمت.

"ضفة ثالثة" تواصلت مع بعض الكتاب والقراء الجزائريين ونقلت ما عاشوه خلال المعرض، الذي يعتبر حدثًا سنويًا بارزًا في الساحة الثقافية في الجزائر، شهد هذه السنة مشاركة أكثر من ألف ومائتي ناشر قدموا من واحد وستين بلدًا، لعرض كتب أدبية، فكرية، تاريخية وعلمية.

أشجان بين الكتب ورائحة غزة في الأروقة

نسيبة عطاء الله، واحدة من الكاتبات الجزائريات اللاتي تواصلت معهن "ضفة ثالثة"، شابة مفعمة بالحياة، تحب الجمال والأدب وتكتب الشعر، صدر لها ديوان شعري بعنوان "أورجازم"، تصف مشاركتها في المعرض الدولي للكتاب، في ظل العدوان الإسرائيلي على غزة قائلة: "لم أقم بجلسة توقيع رسمية واكتفيت بزيارة المعرض بصفتي كاتبة، فقط أوقّع لمن يحضر لأجلي. كنت أنوي اقتناء الورد وطبع لافتة كبيرة بصورتي مع الكتاب وتحديد يوم للتوقيع لكن لم يعد للأمر أي معنى بعد ما حدث في غزة.  شخصيًا تأثرت بشكل كبير ومرضت لفترة طويلة لدرجة أني بقيت في غرفة الفندق طريحة الفراش ليومين آخرين بعد انتهاء المعرض. وكان موظفو الاستقبال يجلبون لي الدواء ويطمئنون عليّ كل فترة".

وتضيف نسيبة، في حديثها لـ"ضفة ثالثة"، حول ما فعلته بها الصور والأخبار الواردة من غزة: "أنا حساسة جدًا وعاطفية لدرجة تفوق الوصف وأفقدتني الأخبار التي كنت أصطبح وأنام عليها مناعتي، بمجرد أن أفيق أشغّل البثّ المباشر للفضائيات وأنزف من سويداء قلبي وصميم روحي، أحرقتني الحمّى وبكيت طويلًا، وكان يؤلمني صوت محمود درويش بمدخل قاعة الكونكورد بالجناح المركزيّ للمعرض، وأنا أسمع صوته في ليال شديدة الظّلام. إنّ لقصائده مزاجًا حزينًا جدًا. طبعًا الحياة لا بدّ منها، كنّا نلتقي ونقتني الكتب ولكن نستحي من الضّحك حتّى".

وعن مقتنياتها من الكتب، تسرد نسيبة: "شخصيّا خصّصت أغلب ميزانيّتي للأدب الفلسطيني وغزّة بالتحديد، واحتفيت بكتاب الشّاعرة صبا الشرقاوي "أرني أنظر إليك" مع ديواني الجديد "أورجازم" لأدخل الفرح إلى قلب الكاتبة المقيمة بغزّة والتي نشرت كتابها في دار جزائريّة وربّما لولا الحرب لكانت معنا في هذه الطبعة الحزينة. لا أزال حتى الآن أحاول استعادة نفسي وصحّتي، وأبتعد قدر المستطاع عن الأخبار والصّور ومشاهد القتل وأكتفي بالدّعاء والاطمئنان على أصدقائي الكتٌاب في غزّة من خلال رسائلهم ومنشوراتهم".

نسيبة تجمعها علاقات صداقة مع كتّاب من غزة، تتواصل معهم وهم في حالة هلع وينتقلون من مكان لآخر بحثًا عن الأمان، منهم من فقدوا أحبابًا لهم ومع ذلك يستمرّون في التّعبير كلّ بطريقته، هناك من يكتب بيأس وهناك من يكتب بقوّة وهناك من يكتب بأمل، على حد تعبيرها.

نسيبة عطاء الله وحاج أحمد الزيواني 


الحرب على غزة تؤجّل أفراح الكتاب بمواليدهم الجدد

الصديق حاج أحمد الزيواني، كاتب جزائري، وصلت روايته الأخيرة "منا... قيامة شتات الصحراء" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية دورة 2023، يتحدث معنا عن العدوان الإسرائيلي على غزة الذي تزامن مع المعرض الدولي للكتاب قائلًا: "يمكن القول إن كل أفراح العرب باتت مؤجّلة بسبب العدوان الإسرائيلي على غزّة وأطفالها، تنتابني أحيانًا على الفيسبوك بعض المتاريس الأخلاقية، في نشر بعض المتابعات لأعمالي، فأجد نفسي منقبضًا أحيانًا في نشرها، وفي أحايين أخرى قد أتجاوزها وأعيش اللّحظة؛ غير أن أكثر هذا التفكير القابض، انتابني بشدّة خلال أتون القصف على مستشفيات الأطفال، ولعلّ معرض الكتاب الدولي للكتاب بالجزائر، تزامن مع تلك الأحداث هذه السنة، وهو ما جعل أفراح الكتّاب بمواليدهم الجدد مؤجّلة، أو على الأقل الاحتفاء بها يمرّ على استحياء".

ويضيف الكاتب: "رغم هذا وذاك، ومع ميلي إلى مشاركة إخواننا الفلسطينيين معاناتهم، وعدم إظهار بشائر الفرح في وجوههم، وهم يواجهون هذا الدمار، الذي تجرّمه كل أعراف الحروف ومواثيقها الإنسانية؛ فإن الحياة لا تتوقّف، شئنا أم أبينا... ثمّة ظاهرة استشرت بين الكتّاب، على الميديا وفي معارض الكتب، لا يمكن أخذها كمعيار حقيقي لتبني فكرة ما أو الانخراط تحت مبدأ، إذ النفاق والمجاملات، أصبحا هما الصورة المستهلكة بين هذا اللّفيف أو ذاك، طبعًا دون تعميم؛ لكن نحن نتحدث عن الغالب والشائع من قرائن الأحوال وفي اللاّوعي للأفعال، ومن هذه الزاوية، قد لا يكون حجب الاحتفاء أو إظهاره، مقياسًا ومؤشّرًا على بيان الموقف، وبالمقابل لا يمكننا اعتبار من احتفى بمنجزه بالمعرض غير مكترث بما يحدث لأطفال غزّة. أعتقد أن الأمر أخلاقي بالأساس، ولا تحكمه المظاهر أو الأقوال، بقدر ما تحكمه الأفعال الإيجابية والصادقة".

حرب الإبادة في غزة اغتالت أحلامنا الثقافية أيضًا

تضامنًا مع غزة، خصص فضاء على مستوى جناح وزارة الثقافة والفنون لفلسطين، تضمن عرض إصدارات وبورتريهات لوجوه بارزة وزعماء المقاومة الفلسطينية. وحول هذه النشاطات يقول الكاتب عمار بورويس، صاحب رواية "ليالي سردينيا": "تميز المعرض بعدة أنشطة ثقافية للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وقد كان ذلك أقل ما يمكن فعله". وعن مشاركته في المعرض يضيف: "برمجت لي دار الوطن اليوم للنشر أمسية للبيع بالتوقيع، حضرتها طبعا، وحضر الكثير من القراء والأصدقاء لكي أوقع لهم روايتي ’ليالي سردينيا’، غير أن قلوبنا كانت بعيدة عن معرض الكتاب، كانت هناك في غزة، تحاول أن تمسح الحزن عن إخوتنا الفلسطينيين، وتربت على أكتافهم".

عمار بورويس وأسماء جزار 


من جهتها تعرّف أسماء جزار، كشابة جزائرية، بشغفها بالقراءة بشكل عام والأدب بشكل خاص، ويعتبر معرض الكتاب حدثًا مهمًا بالنسبة لها مثل كل عشاق الكتب الذين لا يفوّتون الفرص التي تجمعهم بها، لا سيّما إذا كان الحدث دوليًا وجسرًا يربطهم بالضفاف الأخرى من العالم ويريهم عن كثب ما يحدث فيها من ثورات في صناعة الفكر والثقافة. تتحدث أسماء لموقع "ضفة ثالثة" عن علاقتها بمعرض الكتاب قائلة: "لا يمكنني أن أغفل المواعيد الدافئة خلال المعرض مع الأصدقاء الذين كنت أتواصل معهم في العالم الافتراضي، ولا لقاءات الصدف مع أناس كنت أراهم من خلف الشاشات".

وعن الدورة الأخيرة من المعرض الدولي، تقول أسماء إنها انتظرتها بشغف مضاعف، عندما كانت تعد الأيام والساعات، وتوضح أكثر: "ضبطت قائمة الكتب التي أحتاجها ودونت في مفكرتي اللقاءات المرتقبة لأصدقاء اشتقت إليهم وآخرين كنا سنلتقي لأول مرة، لكن تاريخ السابع من أكتوبر المتزامن مع معركة طوفان الأقصى ثم حرب الإبادة التي شنها الاحتلال الصهيوني على إخواننا في غزة والتي لم تميز بين أجنة في بطون الأمهات وأطفال خدج في المستشفيات، غيّر كل شيء. هذه الحرب أطفأت بداخلي أشياء كثيرة كنت أحياها بشغف عاشق فصرت أراها لا شيء أو بالأحرى مبتذلة".

تواصل أسماء سرد تفاصيل ما فعلته الحرب على غزة بتطلعاتها من معرض الكتاب الذي كانت تنتظره بشغف، فتقول: "مرّ معرض الكتاب وكأنه لا حدث، وتلاشى كل شيء مرتبط به على غير العادة، بينما ما زالت صور أطفال غزة تسيطر على تفكيري، صورة يوسف الأبيضاني صاحب الشعر "الكيرلي"، وصور من تكتب أسماؤهم على سواعدهم خوفًا من ضياعهم أثناء القصف، وصورة تلك الطفلة التي تتساءل ما إذا كان حلمًا أو بجد".

في ظل هذه الإبادة، تصر أسماء على أن الفعل الثقافي بمظاهره كتابة، مسرحًا، سينما، ندوات ومعارض هو الصوت البديل لصرخات من هم تحت الركام ومن استهدفتهم أيادي القتلة، وعلى خلاف ما كانت تتمنى لم تكن دورة المعرض الدولي للكتاب لهذه السنة في مستوى تطلعاتها، وتصف ذلك بقولها: "مرت الدورة بنفس الصورة المكررة المعبرة عن ركود المشهد وقصور الفعل الثقافي الذي لم يستوعب بعد أن الحرب ثقافية ودعائية مخطط لها بدقة قبل أن تكون حرب إبادة وسرقة وطن.  أنظروا إلى الهولوكوست كيف تم توظيفه في أعمال أدبية وسينمائية وصدرت على خلفيته القوانين والتشريعات، بينما لم نفعل نحن شيئًا غير إعادة تدوير قصائد محمود درويش وأغاني فيروز، واختصرنا حاجات غزة في الغداء والدواء".  

وأسماء مثلها مثل غيرها الكثير من القراء والكتاب الجزائريين الذي حرمهم العدوان الإسرائيلي من الاحتفاء بالكتاب في أكبر حدث سنوي بالبلاد، والذين يتطلعون إلى دورة مقبلة تملأ فيها الأفراح قلوبهم كما تملأ قلوب الأشقاء في غزة وفي مناطق الحروب والصراعات.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.