}

كيف مرّ عام 2023 ثقافيًا على الجزائريين؟

هنا/الآن كيف مرّ عام 2023 ثقافيًا على الجزائريين؟
(رويترز)

 

شهد الجزائريون عام 2023 العديد من الأحداث، الفعاليات والظواهر الثقافية، في مجال الأدب، الشعر، الترجمة، السينما وغيرها من الفنون. وقد صدرت خلاله ترجمات أدبية، وتوّجت فيه أسماء بارزة بجوائز كبيرة، وصُوّرت أفلام تاريخية، ونشرت دراسات وكتب فكرية، والكثير من النشاطات الثقافية. وللحديث عن حصيلة العام ثقافيًا، تواصلت "ضفة ثالثة"مع كتاب وباحثين جزائريين ورصدت أبرز ما شهدوه ثقافيًا على المستويين الشخصي والعام خلال عام كاملة.

لميس سعيدي:

قاطعنا النشاطات الثقافية التي تدعمها الدول المشاركة في قتل الأبرياء

[لميس سعيدي: شاعرة ومترجمة جزائرية، تجيد اللغات العربية، الفرنسية، الإنكليزية والإسبانية. تُرجمت بعض نصوصها إلى الفرنسية، الإنكليزية، الهولندية، الإسبانية، الكتالونية والكرواتية. خلال العام المنصرم ترجمت رواية "آريس" للكاتبة الجزائرية الراحلة يمينة مشاكرة، حيث نجحت في استقطاب قراء العربية إلى النص الذي قدمته في ترجمة احترافية].

ثقافيًا وإنسانيًا، أستطيع أن أقول بأنّ عام 2023 كان عام هشاشة الحريات وقوّة الشِّعر. على المستوى الشخصي، صدرتْ الترجمة الإيطالية لديواني الشِّعري "كقزم يتقدّم ببطء داخل الأسطورة"، وبهذه المناسبة قمتُ بجولة أدبية في عدّة مدن إيطالية لتقديم هذه الترجمة بدعوة من ناشرتي المستعربة الإيطالية يولاندا غواردي، كما صدرتْ عن منشورات "الكلمة" بالجزائر ترجمتي إلى اللغة العربية لرواية "آرّيس" للكاتبة الجزائرية الكبيرة يمينة مشاكرة (1949-2013) بالإضافة إلى أنني ترجمتُ إلى اللغة الإسبانية ديوان الشاعرة الفلسطينية كارول صنصور والذي يحمل عنوان "في المشمش"، وهو ديوان عن فلسطين، من زاوية إنسانية حقيقية بعيدًا عن دوغمائية الشعارات. كنا سنقدّم قراءة مسرحية للديوان باللغتين العربية والإسبانية في المعهد الثقافي الإسباني ضمن مشروع يموّله الاتّحاد الأوروبي، لكن بعد بدء حرب الإبادة في أرض فلسطين، قرّرنا مقاطعة النشاطات الثقافية التي تدعمها الدول والمؤسسات التي تشارك بشكل مباشر أو غير مباشر في قتل الأبرياء وقصف المدارس والمستشفيات، والتي رفضت وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية، بالإضافة إلى ممارسة التضييق الإعلامي والثقافي على كلّ من يقف ضدّ الجرائم الشنيعة في حقّ الشعب الفلسطيني، حتى الكُتّاب والمبدعين المعترَف بهم عالميًا لم يسلموا من حملة الرقابة والتضييق على الحريات، وهذا ما شهدناه في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، حين سُحبت جائزة أدبية من الكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي في شهر أكتوبر الماضي عن كتابها "تفصيل ثانوي". لكن في مقابل بشاعة الحرب والتضييق على الحريات والفشل الجماعي للإنسانية، ثمّة شِعر هائل طلع إلينا من أرض فلسطين، شِعر حداثي، يعرف إيقاع عصره وإيقاع انتظار الموت وعبثية العالم، شِعر اللغة وليس شِعر الشعارات، خرج إلينا من غزة وصار متداولًا بلغات كثيرة، على غرار قصيدة رفعت العرعير الشهيرة "إذا كان لا بد أن أموت"، وقصائد هند جودة وحيدر الغزالي وبسمة الحسيني وناصر رباح وغيرهم. هذا الشّعر الذي قرأه المشاهير في العالم وردّدته ألسنة وقلوب كثيرة، هو بالنسبة إليّ أهم إنجاز ثقافي، لأنّ هذا الشِّعر يعيد إلى الإنسانية إيقاعها ويردّ على الدمار والبشاعة والوحشية بكلمات تبحث عن الدقّة وأناقة الإيقاع وشاهد الجَمال وأنفاس البحر الهادئة في لحظة عتمة هائلة.

لميس سعيدي وواسيني الأعرج 


واسيني الأعرج:

قانون الفنان أبرز حدث ثقافي في الجزائر ولقب "نوابغ العرب" مسؤولية كبرى

[واسيني الأعرج: روائي جزائري بارز، نجح في حصد العديد من الجوائز الأدبية المرموقة بفضل إنتاجه الأدبي الذي يفوق 30 رواية، آخرها جائزتا "السلطان قابوس" و"نوابغ العرب"]. 

أعتقد أن أهم حدث ثقافي في الجزائر عام 2023، على المستوى العام، هو مشروع قانون الفنان، وأعتبره لحمة ثقافية شديدة الأهمية، رغم أنه لم يحظ باهتمام النخبة ولم يناقش بالشكل المطلوب، لكن صدوره وتوقيع رئيس الجمهورية عليه، وتحوله إلى وثيقة رسمية يمثل أمرًا بارزًا بالنسبة لي. أؤكد أنه من شأن هذه الوثيقة أن تغيّر وضع ومستقبل الفنانين في الجزائر، الذين يعيشون ظروفًا قاسية وصعبة جدًا، في ظل غياب الضمان الاجتماعي والتقاعد، وأن تكفل لهم حياة كريمة، وتضمن لهم دخلًا ماديًا ثابتًا يحفظ كرامتهم، سواء كانوا من الفنانين المشتغلين في مجال الغناء والتلحين أو من الكتاب والممثلين وغيرهم.

قانون الفنان يتعلق بمستقبل وحياة فئة مهمة تعاني في صمت ولا ننتبه لها عادة. أذكر مثلًا الفنان الكبير أحمد وهبي، وهو يتمنى الحصول على كرسي متحرك بعدما فقد القدرة على الحركة. نهاية مأساوية كهذه لفنان كبير مثله، تدفعني للتأكيد على أهمية قانون الفنان، واعتباره بكل موضوعية أهم حدث ثقافي في البلاد.

على المستوى الذاتي، أعتبر فوزي في عام 2023 بجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب حدثًا مهمًا في مسيرتي، وهي مسابقة كبيرة جدًا وتشهد منافسة شديدة، غير أن فوزي مؤخرًا بجائزة "نوابغ العرب" في فئة الآداب والفنون يعتبر الحدث الأهم على الإطلاق، نظرًا لقيمة الجائزة ومكانتها وجديتها أو كما تسمى "نوبل العرب" من جهة، ونظرًا للمسؤولية التي تُحملها لصاحبها من جهة أخرى. الجائزة تضع الفائزين أمام مسؤولية المساهمة في تحريك الوضع العربي ثقافيًا، فلا يعقل أن تسافر كل الطاقات العربية الحيوية إلى الخارج لتجد مكانتها.

ومن هنا يمكنني القول إن الجائزة تثبيت للثقافة العربية في أمكنتها، وأنا أرى أن هذا المدلول والمفهوم مهم جدًا، ويمثل منظورًا استراتيجيًا للعلماء والفنانين والأدباء العرب للالتفات إلى ثقافتهم من خلال ما اكتسبوه من معارف ومن ثقافة.


لونيس بن علي:

لم يعد الكتاب جزءًا من الثقافة اليومية!

[لونيس بن علي: كاتب وأكاديمي جزائري متخصص في النقد الأدبي والأدب المقارن، صدر له عددٌ من الأعمال في النقد والفكر].

لم يعد الكتاب جزءًا من الثقافة اليومية، وإذا كانت حال الجامعة أنّ الطلبةَ لا يقرؤون، فكيف ستكون حال غيرهم ممن ينتمون إلى قطاعات أخرى؟ أصبح الوضعُ كارثيًا، لكن الكارثة الكبرى هي أن يكون الوضع الكارثي هو الوضع الطبيعي بالنسبة للغالبية من الناس، فلا يتحرجون من هجرة الكُتب، ويبررون ذلك بأنّ التقنية اليوم توفّر لهم ما يحتاجون إليه من الثقافة، وأنّ فيلما من 5 دقائق مثلًا يغنيهم عن قراءة كتاب من 200 صفحة.

هذا هو الوعي السائد اليوم؛ وعي تكاسلي، سطحي، مبتذل، يميل إلى تصديق أي شيء، وإلى النزوع نحو ما هو آني واستهلاكي سريع التلاشي.  لم يعد الكتابُ مرحّبًا به في حياة الأغلبية. بالنسبة لي، أقاوم هذه الثقافة، أقاوم مغرياتها، محبطاتها أيضًا. لذا، فإنّ قراءة كتاب بالنسبة لي هي فعل مقاومة لأشكال استلاب الفرد وتمييعه الثقافي والقيمي.

أقرأ باستمرار حتى لا تسحبني دوامة التخلف التي صنعتها التقنية. يا لها من مفارقة! كلما تطورت التقنية ازداد تخلف الإنسان على صعيد وعيه. قرأتُ العشرات من الكتب هذا العام، واقتنيتُ الكثير منها أيضًا. كتب كثيرة أعجبتني، لأني حريص على اختيار ما أقرأه، فلست من النوع الذي يقرأ أي شيء. بل إن الكتاب الذي لا يعجبني أتوقف عن قراءته مباشرة، فالحياة قصيرة كما أقول، ومن الأجدر عدم تضييع الوقت في قراءة ما لا يعجبني.

 عادتي أنّ الكتاب الذي يعجبني أقرأه كله، ثم أكتب عنه مراجعة، وبهذه الوتيرة راكمتُ العديد من المراجعات. إذ أنّ الكتابة تمنح إنتاجية أكبر للقراءة. آخر ما قرأته رواية (العشاء الأخير لكارل ماركس) للروائي فيصل الأحمر؛ رواية جميلة، إذا لم أقل إنها أفضل رواية جزائرية صدرت منذ سنوات، وأنا بصدد الكتابة عنها أيضًا.

لونيس بن علي وطاهر حليسي 


طاهر حليسي:

ميلاد دراما جزائرية مرتبطة بالواقع

[طاهر حليسي: كاتب وإعلامي جزائري، صدرت مؤخرًا روايته الجديدة "مزرعة الجونكيرا" التي نجحت في استقطاب القراء ولفتت انتباه النقاد والدارسين، واعتبرها الروائي المعروف سعيد خطيبي من "المفاجآت السارة لهذا العام"].

أهم الأحداث الثقافية الفردية بالنسبة لي كجزائري هو حصول الروائي سعيد خطيبي على جائزة الشيخ زايد للرواية عن مؤلفه "نهاية الصحراء"، وكذلك وصول رواية "منّا... قيامة شتات الصحراء" للصديق حاج أحمد الزيواني للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وكذلك فوز مصطفى بوري بجائزة كتارا للرواية العربية غير المنشورة، وطبعًا تتويج الجزائريين بجوائز أدبية دولية أهم شيء يمكن الاحتفاء به في نهاية كل عام، لأنه يدل على قدرة وصول الأسماء الجزائرية التي تكتب أدبًا مرتبطًا بالواقع الجزائري والإنساني. كذلك يشكل تصنيف "الراي" كتراث جزائري من بين الأحداث الثقافية الكبرى، نظرًا لما حققه هذا الفن الشعبي المتطور من عالمية كبيرة، وطبعًا يشكل هذا انتصارًا كبيرًا للجزائر بالنظر لما ارتبط من محاولة المغرب نسب هذا الفن لنفسه.

ما لفت نظري كذلك هو ميلاد دراما جزائرية مرتبطة بالواقع عبر مسلسلي "البطحة والدامة"، وحققت هذه المسلسلات الدرامية الرمضانية نجاحًا بسبب تعرّف الجزائريين على واقعهم عبر شخصيات الحارات الشعبية في إطار ما يمكن تسميته بدراما الواقع السحرية.

أما الحدثان السلبيان بالنسبة لعام 2023 اللذان لفتا النظر لغيابهما، هما إلغاء مهرجاني "تيمقاد" الدولي و"جميلة" العربي، وهو ما يشكل خسارة غير مبررة بالنظر إلى السمعة الكبيرة خاصة لمهرجان "تيمقاد" الذي انطلق عام 1969، وكانت أسباب غيابه إدارية بحتة جاءت على مخلفات عدم دفع مستحقات عاملين به خلال الدورة السابقة.

أحسن تليلاني:

تصوير فيلم الشهيد "زيغود يوسف" إنجاز ثقافي كبير ونحتاج إلى حراك دولي

[أحسن تليلاني: كاتب وأكاديمي جزائري، فاز في مسابقة كتابة سيناريو فيلم الشهيد "زيغود يوسف" الذي أجازته وزارة المجاهدين وذوي الحقوق، بعدما أخذ منه سنوات طويلة في البحث والكتابة والتدقيق لعرض سيرة كفاح رجل يمثل جيلًا عبقريًا من الشهداء والمجاهدين والأبطال، ويعتبره الجزائريون رمزًا وطنيًا خالدًا].

أعتقد أن أهم إنجاز ثقافي في عام 2023 هو تصوير فيلم الشهيد "زيغود يوسف"، وسيكون عرضه أهم حدث ثقافي في عام 2024، عدا ذلك لا توجد في الجزائر ظواهر أو نشاطات ثقافية كبيرة، ولكنها عادية على غرار معرض الكتاب، ومهرجان المسرح.

الثقافة الجزائرية تحتاج إلى حراك كبير، خاصة على المستوى الدولي، نحتاج إلى مشروع ثقافي يرافق المشروع الوطني الذي يقوده الرئيس، أين تصنع الثقافة الحدث العالمي. وكما هناك جهود لإعادة الجزائر إلى مكانتها الدولية، يجب أن ترافق الثقافة هذه الجهود وتقدّم صورة جيدة عنا، لأنها خير سفير للمجتمع والدولة. في رأيي الجزائر تراجعت كثيرًا ثقافيًا لأننا لم نستثمر في المجال الدولي، وبقينا منغلقين على أنفسنا، ولهذا يلزمنا حراك ثقافي دولي.

أحسن تليلاني ومحمد زاوي 


محمد زاوي:

في انهيار صورة جيرارد دوبارديو في فرنسا والعالم

[محمد زاوي: إعلامي ومخرج سينمائي جزائري مقيم في باريس، حصد فيلمه الوثائقي "آخر الكلام" نجاحًا كبيرًا، صوّر فيه اللحظات الأخيرة من حياة الروائيّ الراحل الطّاهر وطار].

على الصعيد الشخصي لي مع صديقي المنتج والإعلامي المخرج عبد الكريم سكار عمل سينمائي وثائقي بعنوان "بالي غيث بلوز". دام التفكير على هذا العمل أكثر من 15 عامًا. سنبدأ في تصوير الفيلم هذا العام، خاصة أن الفيلم حظي بدعم وزارة الثقافة الجزائرية مما يساعدنا على إنجاز فيلم جميل إن شاء الله.

وعلى المستوى العام، أبرز ظاهرة ثقافية لهذا العام بالنسبة لي هي فضيحة وحش السينما جيرارد دوبارديو بعد بث فيلم وثائقي في القناة الفرنسية الثانية وتصاعد الجدل حول أيقونة السينما الفرنسية. في هذا الفيلم الوثائقي، بحسب المتهمين، يدلي دوبارديو بتعليقات خسيسة وألفاظ جنسية دونية سجلتها الكاميرا وهو يتحدث مع مترجمته الكورية، ومع كل من يلتقيهم من النساء الكوريات في سفرته في العاصمة الكورية. هذا الفيلم أثار غضب الحركات والجمعيات النسوية وشخصيات المجتمع المدني الفرنسي، وكانت تداعياته كبيرة، الأمر الذي دفع بأصوات كثيرة للمطالبة بسحب "جوقة الشرف" من الممثل. مثلما سارعت ممثلات وعاملات في قطاع السينما بفرنسا وخارجها لرفع شكاوى ضد النجم السينمائي بتهمة ممارسة العنف الجنسي، ومن هذه الشكاوى جاءت شكوى وقائع حدثت في منتصف التسعينيات رفعتها الصحافية والكاتبة الإسبانية روت بازا، وأدلت كثير من الممثلات بشهاداتهن ضد النجم السينمائي.

وبذلك تراكمت المشاكل القانونية على الممثل الفرنسي الكبير البالغ من العمر 74 عامًا وتغيّرت نظرة العالم له وتسبّب ذلك في انهيار صورته في فرنسا وفي العالم. في هذا الفيلم يظهر الممثل في صورة الوحش، خاصة حينما كان يدلي بملاحظات جنسية فاحشة ضد فتاة صغيرة ابنة عشر سنوات كانت تركب الخيل في مزرعة بكوريا الشمالية. هذا الفيلم الوثائقي الفاضح أثار ضجة شديدة وقسّم الأسرة السينمائية، وأثار ردود فعل الطبقة السياسية الفرنسية بالرغم من الدعم الذي أبداه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي قلّل من الزلات اللسانية اللفظية وموقف الممثل تجاه النساء، وعارض فكرة مطاردة الممثل ولوّح بالحق في افتراض البراءة، وذهب الرئيس الفرنسي إلى حد التنصل من وزيرة الثقافة في حكومته التي عبّرت عن تضامنها مع إجراء تأديبي ضد الممثل وسحب "جوقة الشرف" منه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.