}

أغاني الطوفان: مَوْسَقَةُ فلسطين وتلحينُ اللحظة التاريخية الكبرى

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 23 ديسمبر 2023
هنا/الآن أغاني الطوفان: مَوْسَقَةُ فلسطين وتلحينُ اللحظة التاريخية الكبرى
طفل فلسطيني في رفح جنوب غزة (22/12/2023/Getty)
التْقط الناس في المُنعطف التاريخيّ الذي نحياه منذ طوفان الأقصى مفرداتٍ انتشرت بينهم كالوميضِ المَديد، ردّدوها كما هِيَ، لحّنوها، موْسقوها، صارت بينهم مثلًا وأغنياتٍ وأكاليلَ حياة: "معلش"، "روح الروح"، "وإنه لجهاد نصر أو استشهاد"، "لا سمح الله"، "المسافة صفر"... وهو ما ينطبق، كذلك، على صور ورسومات ودلالات وحكايات، مثل رسْم المثلث الأحمر المقلوب، أو حكاية يوسف (الأبيضاني الحلو اللي شعره كيرلي)، أو حكاية الصغار الذين (ماتوا على جوع بطونهم)، أو (أولادي ناموا جوعى وارتقوا إلى ربهم جوعى)، أو دلالة (الميركافا) التي تحوّلت إلى رمزية حديدٍ (خُردة)... وهلمّ جرًّا.

مَعْلِششش..


هذه المفردة بالتّشديد العنيدِ الكاظمِ على الغيظِ، وعلى حرف الشّين، التي قالها الزميل وائل دحدوح، وهو يقبّل ابنه الشهيد محمود، الذي ارتقى في إحدى مجازر مخيم النصيرات، وهي كثيرة، مع شقيقته شام، وَوالدته أمّ حمزة، زوجة الزميل وائل، ومعهم الرضيع آدم حفيد وائل، وشهيدات وشهداء آخرين من أقاربه الأصول، تحوّلت مع باقي كلماته فور وصوله جثمان ابنه الشهيد (بينتقموا منّا في الأولاد... بينتقموا منّا في الأولاد... مَعْلِششش)، إلى أيقونة لها معنى، وَلها امتدادٌ وجدانيٌّ بليغ الأثر، ولعلّ هذا ما شجّع إذاعة "حُسنى" الأردنية أن تُنتجَ من وحي هذه الكلمات أغنية حملت اسم "مَعْلِش"، بصوتِ المجموعة ولحنٍ حركيٍّ هادر وتوزيعٍ موسيقيٍّ إلكترونيٍّ (تقريبًا) يتضمّن آلات مثل الأورغ والكمنجات والإيقاعات (الدرامز على وجه التحديد) وبعض الهوائيات. تترافق الأغنية بفيديو كليب لِمشاهد من المَقْتلة الكبرى في غزّة، ومُقتبسات (مداخلات) لغزّيين يروون قصصهم ويؤكدون صمودهم، مثل قول أحدهم مع خفوتِ صوتِ موسيقى الأغنية: (بنتي بعد 12 سنة جبتها الوحيدة إلي، استشهدت لكن فِدا القدس)، أو قول إحداهنّ وهي واقفة في شبّاك بيتها المقصوف ترفع علامة النصر وحولها صغيرات وصغار تشع عيونهنّ وعيونُهم بالتحدّي: (ما بنطلع من بلادنا ولا بنطلع من أراضينا ولا من دُورنا... اللي بدهم ياه يسووه). أما كلمات الأغنية، فرغم أنها لا تزيد على واقع الحال، لكنّها مع لحنها وأجوائِها ومشهدياتِها، تحقق أثرًا بالغ الدلالة في هذه الأوقات من تاريخ المنطقة وفلسطين:
"ما بقدروا عا رجالنا بنتقموا من الاولاد
والله ما نترك دارنا إحنا أهل البلاد
مَعْلِش كلّه فدا فلسطين... مَعْلِش لو سالت دموع العين
مَعْلِش تحت القصف واقفين... مَعْلِش إحنا المنتصرين
لو قتّلوا أطفالنا... لو هدّموا البيوت...
إحنا بضهر رجالنا.. نوقف بوجه الموت
بدها صبر رغم القهر خلّوا العزايم فوق
الله وعدنا بالنصر مهما الألم بنذوق
مَعْلِش كلّه فدا فلسطين... مَعْلِش لو سالت دموع العين
مَعْلِش تحت القصف واقفين... مَعْلِش إحنا المنتصرين".
في دقيقتيْن و41 ثانية، قالت الأغنية كل شيء، ووثّقت نفسها كمساهمةٍ فنيةٍ سريعةِ التفاعلِ صادقةِ النبْرة صادحةِ التّحدي.
إذاعة "حسنى" أصدرت، إضافة إلى "مَعْلِش" أغنية أخرى من وحي طوفان الأقصى، حملت عنوان "صبرًا يا غزّة صبرا".

روح الروح...


من حيث لم نتوقّع، من مصر جاء التفاعل الثاني، عندما أصدرت فِرقة "مسار إجباريّ" المصرية أغنية حملت عنوان "روح الروح"، في تفاعل عميق مع مفردتيّ الشيخ الغزّيّ خالد نبهان، الذي يودّع حفيدته ريم التي استشهدت وأخوها طارق في قصف إسرائيلي، يحتضنها ويفتح عينها ليقبّلها، وقبل أن يسلّمها للمُكفّنين يقول مكررًا جملته الشهيرة "هذه روح الروح"، في حين أنه يبدو ثابتًا ومتقبّلًا حقيقة استشهاد حفيديه.
"روح الروح" العبارة التي انتشرت بشكلٍ استثنائيٍّ غير مسبوق عابرة قارات ومواقع تواصل وضمائر العالم الحُر (إن كان بقي ثمّة عالم حُر)، صارت، إذًا، أغنية من كلمات أمار مصطفى وألحان هاني الدّقاق وتوزيع فِرقة "مسار إجباريّ"، Mix & Master معتز ماضي، Recorded By بيتر أيمن، Character Artwork جنّة رشيد، Design عصام عادل، Animation أحمد زكي، وDigital Producer كريمة مهران:
"إحنا صحاب الأرض
إحنا السكان الأصليين
وجذور بتمد لعاشر جد
بتهتف فلسطين
لو عامل نفسك يعني نسيت
أنا متهزتش أنا صاحب بيت
أنا صوت لا بيسكت ولا بيموت
أنا وعد يقين
وعينيا لو اتقفلت ببارود حتفتّح جوّه عيون ملايين
حتحرّر روحهم وتزلزل قلب الزنازين
والورد حيرجع وحيطرح في قلوب تانيين
وساعتها الدنيا حتعرف مين بيحرّر مين
ويا روح الروح يا حتّة من الجنة على الأرض
لو عمري يروح أنا عمري ما حَتْعَب ولا حَتْهَد
أنا هنا على أرضي بموت والضحكة ما فارقتنيش
أنا طفل اتعلم منه العالم إنّه يعيش".
وكما هي حال أغنية "مَعْلِش"، تقول "روح الروح" في دقيقتيْن و40 ثانية كل شيء، تؤكد حق السكّان الأصليين بسرديّتهم وأرضِهم وذاكرتِهم وأحلامِهم ويقينِهم، تهتف لِفلسطين، وترى أن الورد الذي يستشهد يطرح، حتمًا، ورودًا جديدة حمراء ثِمارها مثل دم الإِباء، وخضراءُ غصونها مثل أرض القصائد.

تلك قضيّة


ومن مصر أيضًا، وأيضًا، عبّرت فِرقة "كاريوكي" عن تفاعلها مع طوفان الأقصى بأغنية حملت عنوان "تلك قضية" (خمس دقائق و55 ثانية)، تجلت القيثارة كعنصرٍ رئيسي من عناصر تكوينها، وكاستهلالٍ جميل، بلحنٍ وئيدٍ وديعٍ واعدٍ، يمنح التلقّي فرصة تأمّل كلمات الأغنية العميقة الوجودية:
"ينقذ في سلاحف بحرية
يقتل حيوانات بشرية
تلك قضية وتلك قضية
كيف تكون ملاكًا أبيض؟
يبقى ضميرك نص ضمير
تنصف حركات الحرية
وتنسف حركات التحرير
وتوزع عطفك وحنانك
ع المقتول حسب الجنسية
وتلك قضية وتلك قضية
كيف تكون إنسانًا راقي؟
ومطابق للإشتراطات
كل كلامك لابس واقي
وبتحضن كل الشجرات
بتقول ع البواب الحارس
وجنبك جيش بيهد مدارس
وإما بتقفش نفسك لابس
دم... تقول الكل ضحية
وتلك قضية وتلك قضية
كيف أصدق هذا العالم
لما بيحكي عن الإنسان؟
شايف أم بتبكي ضناها
علشان مات في الغارة جعان
ويساوي المقتول بالقاتل
بشرف ونزاهة وحيادية
وتلك قضية وتلك قضية
كيف أنامَ قريرَ العينِ؟
وأضع سدّادة أذنين
والعيلة المدفونة ف بيتها
ممنوع حد يخش يغيتها
وكأن الأرض اللي فوقيهم
مش تبع الكورة الأرضية
وتلك قضية وتلك قضية
كيف تعيش في سجنٍ واسع؟
زنازينه من نار ورماد
وتقوم من تحت الأنقاض
تتشعلق ف رقاب القاتل
تجمع أشلاءك وتقاتل
وتوري الدنيا الكدابة
كيف يسير قانون الغابة
من أين طريق الحرية
ومن أين تؤتى الدبابة
مش فارقة العالم يتكلم
موت حر وما تعيش مسلّم
تلهم جيل ورا جيل يتعلم
كيف يعيش ويموت لقضية
بنّادي على عالم مين
علشان يستنكر ويدين
دِن كما شئت فأي إدانة
لما يجري جوا السلخانة
مش هتخف بارود الدانة
ولا قادرة ترجع له صباح
تلك قضية
وهذا كفاح".
التوزيع الموسيقي في الأغنية ساحر تتخلّله آلاتٌ تضفي على اللحن والكلمات أجواء مفعمة بصوفيةٍ وإنسانيّة فذّة، وكما في أغنية "روح الروح" لفرقة "مسار إجباريّ" المصريّة، تضع فِرقة "كاريوكي" ترجمة باللغة الإنكليزية، أنجزتها ولاء كمال، تحت كلمات الأغنية باللغة العربية من تأليف مصطفى إبراهيم. وفي حين اكتفت أغنية "روح الروح" برسمة ثابتة رافقت الأغنية لطفلة محاطة بوردٍ كثير، فإن "تلك قضية" اكتفت برسم له وجهان كل منهما في اتجاه معاكس للآخر؛ وجه تمثال الحرية الأميركي، يقابله من الجهة الأخرى وجه شيطان له قرون.

راجعين


ذروة التفاعل مع الطوفان غنائيًا جاء من خلال أغنية "راجعين"، التي جمعت من أجل إنجازها 25 فنانًا عربيًا بأصواتِهم ولهجاتِهم ومشاعرهِم. تميّزٌ آخر سجّلته "راجعين" هو تعدد خياراتها الموسيقية واللحنيّة والمَقامية، منتقلةً من أقصى الطرب الشرقيّ في مقاطع (كما، على سبيل المثال، في مقطع المغنية والملحنة المصرية دينا الوديدي: "إلهي رفعت يدي إليك... بأن تفك كربي وهمي وأنت المستجيب...")، إلى أبعد مكامِن "الراب" الذي يقترب كثيرًا من الكلام السريع المتدفّق غير الملحّن ولا المموسَق في مقاطع أُخرى.




ولِطول مغناة "راجعين" التي تقترب من أن تكون أوبريتًا غنائيًا (مدّتها ثماني دقائق ونصف الدقيقة)، سأكتفي بإدراج لازِمتها الغنائية بصوت المغني الفلسطيني/ الأردني عصام النجار والمجموعة:
"مفتاح البيت بقلبي
وأنا راجع وبإيدي ولدي
ولو كل العالم كان ضدي
أنا راجع يا بلادي راجع
مفتاح البيت بقلبي
وأنا راجع وبإيدي وِلْدي
ولو كل العالم كان ضدي
أنا راجع يا بلادي راجع".
يشارك في "راجعين" الفنانون الشباب (بحسب ترتيب مشاركتهم):
المغني الأردني سيف الصفدي، المغنية الفلسطينية/ الأردنية دانا صلاح، المغنية التونسية/ البلجيكية غالية بنعلي، المغني المصري أحمد محمد عبد المجيد (الشهير بِـ عفروتو)، المغني التونسي مروان الجَبالي (نوردو)، المغني الأردني سيف شروف، المغني الأردني الأخرس (لم أستطع الوصول إلى اسمه الأول)، مغني الراب التونسي محمد صالح بلطي، المغني وعازف الجيتار المصري أمير عيد، المغني الفلسطيني/ الأردني وسام قطب، المغنية والملحنة المصرية دينا الوديدي، المغني الأردني سيف بطاينة، المخرج والمصوّر السينمائي الفلسطيني عمر رمّال (مشاركة غير ملحّنة وبما يقترب من الراب: Sorry إني مش من أوكرانيا... Sorry أن بشرتي مش بيضا... Sorry لأولادي... Sorry إني جيبتكم على دنيا منافقة ومش عادلة... Sorry لحلمٍ طويل يابا)، مغنيا الراب السعوديان اليونغ وراندر (اسم الثاني بندر)، مغني الراب الكويتي Vortex (اسمه عبد العزيز)، مغني الراب المغربي Small X (اسمه عبد الصمد المرق)، مغني راب التونسي من فرقة A.L.A، المغني الليبي فؤاد القريتلي، المغنية المصرية دنيا وائل بمشاركةٍ طربيّة فصيحة، المغنية الشابة زين (أرجح أنها مصرية)، مغني الراب المصري مروان موسى، مغني الراب المصري مروان بابلو، ومغني الراب المصري عمر دافِن شي.
رغم أن توثيق أسماء الشباب الذين شاركوا في مغناة "راجعين" استغرق وقتًا وإطالة للموضوع، إلا أن ذلك كان من حقوقهم علينا، فهم عكسوا بأعمارهم العشرينية مشاعر عروبية إنسانية صادقة نحو فلسطين وقضيّتها ومِحْنتها، وفي بعض مقاطع المغناة وصل الأمر إلى تأكيد حقوق الشعب الفلسطيني منذ 75 عامًا، وليس منذ 75 يومًا فقط، ما يعني أن طوفان الأقصى أعاد الأمور إلى نصابها المتمثلة بأن فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر مستعمرةٌ صهيونيًا، وأن الظلم الذي وقع عليها ليس بعد الطوفان، بل قبل عقود كثيرة، ومنذ مطالع القرن العشرين.
أما قفلة المغناة فتعكس وعيًا مضافًا لدى مغنّيها الشباب ومتابعةً لعيونِ الغناء الوطنيّ العربيّ الملتزم، إذ خَتَموها بمقطعٍ من أغنية الفنان السوري المقيم في فرنسا سميح شقير "لو رحل صوتي ما بترحل حناجركم/ عيوني على بكرة وقلبي معكم/ لو راح المغني بضّل الأغاني/ تجمع القلوب المكسورة وِل بِتعاني"، مكتفينَ بمطلع المقطع "لو رحل صوتي ما بترحل حناجركم" مُكررًا مرّات كثيرة بعدّة مستويات أدائية وطبقات غنائية مع تصاعد الموسيقى وتسارع المشهدية المرافقة لِلمغناة من نضالات الشعب الفلسطيني، ومواجهاته، ومعاناته.

كمان... وكمان...
لا يتوقّف التفاعل الموسيقيّ الغنائيّ مع الطوفان عند ما أوردناه أعلاه، بل يمتدّ ليشمل أعمالًا كثيرة أخرى؛ أُغنيات وَقصائد وَمقاطع وَفواصل، منها، على سبيل المثال، أن المغنية الفلسطينية ناي البرغوثي المقيمة في أوروبا أعادت نهاية شهر تشرين ألول/ أكتوبر الماضي، الأغنية الفلسطينية الشهيرة "يمّا مويل الهوى... يمّا مويليّا... ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا" بشاشتيْن؛ شاشة لها وَلوجهها، وشاشة لمشاهد من الجرائم الصهيونية المرتكبة بحق الشعب الفلسطينيّ في غزّة، خصوصًا مشاهد لِمجزرة المستشفى المعمدانيّ.
تفاعلٌ لافتٌ آخر حقّقه المغني المصري الشاب المعتزل فارس حميدة الذي اشتهر بعد مهرجان وكليب "مفش صاحب بيتصاحب... مفش راجل بقى راجل"، عندما أصدر بعد الطوفان أغنية باللغة العربية الفصيحة حملت عنوان "أنا الطوفان"، مرتديًا خلال تأديتِها دشداشةً عربيةً بيضاء (جلابية باللهجة المصرية)، وواضعًا حول رقبته كوفية حمراء. الأغنية من كلمات: أحمد عبد المنعم، وتوزيع عادل كرم، وألحان فارس نفسه: "إذا هدّدتَ أوطاني... إذا ما كنتَ سجّاني... فمَن منّا هو الجاني ولستُ جبان... أنا الطوفان".



المنشد اللبناني الجنوبيّ قاسم حمّادي أصدر أنشودة عنوانها "طوفان أقصانا" بلحن كرنفاليّ صاخبٍ وتوزيعٍ موسيقيٍّ لبنانيّ ثقيل (اللحن والتوزيع للموسيقي اللبناني علي قليط، والكلمات لشاعر أطلق على نفسه لقب: شاعر فلسطين): "الرعب أقبل والرّدى... فالضّيف قد لبّى النِّدا.. وعذاب ربّك قد بدا... مع صيحة الفجرِ... طوفان أقصانا هدر... عهدًا سَنصليهم سقر... نحن العقاب لا مفر... من ضمّة القبرِ".
أمّا عبارة "لا سمح الله" التي قالها أبو عبيدة الناطق الإعلامي لكتائب عزّ الدين القسّام تهكمًا بحكّامنا أنّه لا يطلب منهم معونة عسكرية (لا سمح الله) بل بِأقلها أن يقوموا بواجب الإغاثة الإنسانيّ، فقد بنى عليها مغني الراب التونسي أحمد بن أحمد (الملقب بِكلاي بي بي جي، بالفرنسية: Klay BBJ) أغنية باللهجة التونسية فهمتُ منها أنه مجروحٌ من الخذلان غاضبٌ على (العُربان). وفيها يقتبس من قصيدة للشاعر العراقيّ الراحل مظفّر النّواب مقطع: "القدس عروس عروبتكم فلماذا أدخلتم كل زناة الليل إلى حجرتها... ووقفتم تسترقون السمع وراء الأبواب لصرخات بكارتِها..." إلى آخر هذا المقطع.
وتحت عنوان "طوفان الأقصى" أصدر المنشد السوري عماد رامي، من ألحانه، وكلمات عبد الله المؤمن، وتوزيع وإخراج هيثم الحموي، أنشودة جديدة له بتاريخ 14 أكتوبر/ تشرين الأول 2023. ويظهر في الأغنية بعض الاستعجال، فَكلماتها تخلو، تقريبًا، من الشعرية، إضافة إلى تضمينها بعض الهتافات التي يجري ترديدها في المظاهرات مثل (للقدس رايحين شهداء بالملايين)، ورغم ذلك فإنها تعكس، بالتأكيد، حرارة المشاعر وسرعة الاستجابة لِما أطلقته المقاومة من عنوان لِعمليتها التي غيّرت، وسوف تغيّر، مجرى التاريخ وأحداثه اللاحقة.

المغني الأردني نجم السلمان أصدر بعد الطوفان أغنية بعنوان "الأقصى أقصانا" بلحنٍ أقرب لِلألحان الشعبية.
المغنون الشعبيون المصريون حمو بيكا، وعلي قدورة، ونور التوت، أصدروا قبل أقل من شهرين أغنية "نفديك يا فلسطين".
المُقرئ المصري رمضان الطوخي أصدر بصوته الجهوريّ المؤثّر نهاية شهر أكتوبر الماضي مع مجموعته أغنية "إحنا ولادك يا فلسطين".
المطرب التونسي لطفي بوشناق أصدر أيضًا نهاية شهر أكتوبر الماضي أغنية "واأمّتاه"، من ألحانه وكلمات الشاعر فيصل الشريف: "واأمّتاه الصمت قد أردانا... إنّا سئمنا الجور والطغيانَ... سَفَكَ العُداة دماءَنا في غزّةٍ... والغرب قد كانوا لهم أعوانا".
المنشد السوري الشاب محمد العثمان أصدر أنشودة "سلام الله يا غزّة".
الشابة رولا قادري أصدرت "لا تبالي يا غزة".
فرقة "تلاتة إخوات" المصرية أصدرت مطلع نوفمبر الماضي أغنية "سيدي الرئيس" يشكون فيها ما آلت إليه أحوال غزّة، ويوثّقون آلامها.
المؤتمر الشعبي لِفلسطينيي الشّتات في تركيا أنتج من كلمات أنور حسام وَألحان وتوزيع الموسيقار أحمد رامي أوبريت "كُلنا فلسطين" شارك فيه غناءً الفنانون: السوري يحيى حوّى، الكويتي عثمان الإبراهيم، الجزائري عبد الرحمن بو حبيلة، العراقي بلال الكبيسي، الأردني حارث الفواز والمصري حمزة عزام.
الفنان المصري المقيم في المَنافي حمزة نمِرة أصدر في الأول من نوفمبر الماضي أغنية "يا إسرائيل": "يا إسرائيل أنا مش حكومة ومش نظام... ومنيش رئيس، ولانيش ملك حواليه بوليس يضرب سلام... أنا كلمة يمكن عمرها عمر البشر عام بعام...". إلى أن يقول: "عارفة قبله أبقى مين... أبقى كلمة كل عصر... اسمي إيه وبكل فخر... اسمي أعظم اسم... اسمي.. اسمي مصر". الأغنية من كلمات أحمد يسري، وألحان نبيل البقلي.
المفارقة أن حمزة نمرة كان أصدر قبل عاميْن أغنية حملت عنوان "مَعْلِش" حقّق عبرها أكثر من 23 مليون متابعة، وهي أغنية وجدانية عتابية، تحمل كلماتها على كلمة "معلش" التي تواصل الحبيبة قولها له عند كل تأزّمٍ بينهما، ولا علاقة لها بِـ"مَعْلِش" طوفان الأقصى.
المغني المصري الشاب مُسْلِم (أو أحمد كما اسمه في الوثائق) أصدر بصوته الشجيّ المعطوفِ على بحّة عذبة، أغنية حملت عنوان "أنا عربي" من ألحانه وكلمات محمد إبراهيم: "أنا الطفل اللي شيّبتوه وسيّبتوه تراب أرضه... وكل ما تقتلوه تلقوه في غيره بيتولِد برضه".
فرقة "راب شارع Black B" المصرية أصدرت أغنية طويلة (23 دقيقة و31 ثانية)، حملت عنوان "أرض كنعان، أنا فلسطين"، لم تخل من سلاطة اللسان نحو المحتل المعتدي ونحو دولة الكيان. وكما معظم من أصدروا أغاني بعد طوفان الأقصى، أعلن القائمون على فرقة "راب شارع" أنهم في وقوفهم مع الشعب الفلسطيني لا يملكون إلا أصواتهم، وأنهم يتبرّعون، بالتالي، بريْعِ أغنيتهم الجديدة كاملًا للأهل في غزّة.
"فلسطين بلادي" عنوان أغنية صدرت بعد الطوفان (تحديدًا في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023) للمغنّي الكويتي حمود الخضر من ألحانه وَكلمات عجلان ثابت توزيع ومكس وماستر: صهيب العوضي وإخراج باسل ناصر. ولعل مشاهدات أغنية الخضر من أعلى مشاهدات أغاني الطوفان، إذ وصلت إلى حوالي 10 ملايين مشاهدة:
"القدسُ وعكّا نحنُ إلى يافا
في غزّةَ نحنُ وقلبِ جِنين
الواحدُ منّا يُزهرُ آلافا
لن تَذبُل فينا ورقةُ تين
ما هان الحقُّ عليكِ ولا خافَ
عودتُنا إيمانٌ ويقين".
وهل أجمل من جملة "عودُتنا إيمانٌ ويقين" أختم فيها موضوعنا الطويل هذا، من دون أن أدّعي أنني أحطتُ بكل ما أُنْتِجَ من أغانٍ بعد اندلاع الطوفان، إذ يبدو أنه طوفان حتى بأغانيه وفنونه وَمختلف تجلياته.
ومن دون أدنى مبالغة، فإن كل هذا الذي رصدته من أغنيات ما بعد الطوفان، يشكّل غيضًا من فيض أغنياتٍ صدرت على مواقع التواصل، وفي المقدمة منها قنوات موقع يوتيوب، ومن خلال فواصِل في القنوات الفضائية الإخبارية وغير الإخبارية، أو جرى تقديمها للجمهور مباشرة، في مظاهرات، أو فعاليات مختلفة. ولعل الرقم يصل، والله أعلم، إلى زهاء 100 أغنية، وربما أكثر، صدرت خلال الشهرين الماضيين خصيصًا حول طوفان الأقصى وأشكال تفاعل الفن الموسيقيّ الغنائيّ معه.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.