}

في رحيل محمد درويش: رحلة الترجمة التي توقفت

علي لفتة سعيد 11 يوليه 2023
هنا/الآن في رحيل محمد درويش: رحلة الترجمة التي توقفت
محمد درويش


توفّي في مطلع الأسبوع الحالي المترجم العراقي محمد درويش الذي أنجز ترجمات لأفضل روايات لداري المأمون والآداب، ويُعدّ واحدًا من المترجمين العرب الذين ساهموا في نقل الثقافة الغربية إلى العربية كونه نقل أمّهات الكتب المهمة في مجال الأدب والروايات العالمية فضلًا عن الترجمات الأخرى.

ولد درويش في مدينة الموصل عام 1950 وحصل على شهادة البكالوريوس في اللغة الإنكليزية من كلية التربية/ جامعة بغداد عام 1971 وحصل على شهادة الماجستير في علوم الترجمة من كلية الدراسات الاقتصادية والاجتماعية بجامعة هيريوت وات/ المملكة المتحدة عام 1983، ثم حصل على شهادة الدكتوراه في فلسفة اللسانيات والترجمة من كلية الآداب في الجامعة المستنصرية/ بغداد عام 1998. اشتغل مدرسًا للغة الإنكليزية في الموصل في سبعينيات القرن المنصرم، وعمل بعدها مترجمًا في دار المأمون للترجمة والنشر منذ بدايات تأسيسها، وعمل مديرًا لتحرير مجلة "جلجامش" الصادرة باللغة الإنكليزية، كما عمل مديرًا لقسم الترجمة التحريرية، وخبيرًا في الترجمة منذ عام 2005.

له عدد كبير من المقالات المترجمة إلى اللغتين العربية والإنكليزية منذ عام 1970 والتي نشرت في معظم الصحف والمجلات الثقافية العراقية والعربية. حاز على جائزة وزارة الثقافة للإبداع في الترجمة بدورتها الأولى عام 2009، وعلى جائزة دار المأمون للإبداع في الترجمة، وكذاك جائزة مؤتمر بغداد الدولي الأول للترجمة، وجائزة المركز الوطني لحماية حق المؤلف والحقوق المجاورة، وأيضا جائزة بيت الحكمة للإبداع في الترجمة.

له العديد من الترجمات منها: (فن الرواية) لكولن ولسون و(المنفى المزدوج) لغاريث غريفش و(الخلود) و(شبه جزيرة العرب قبل محمد "ص")  وكذلك  (رحلات في الجزيرة العربية) و(التاريخ الطبيعي) و(الحلم الجميل) و(الأنثى) و(الجدتان)، وأيضًا ترجم (الحصار) و(سيرة غابرييل غارسيا ماركيز) و(مستر دام) و(الكفارة) و(قواعد العشق الأربعون) و(لقيطة إسطنبول) و(الأرض المطوية) و(تجارب في الكتابة) و(فن الشرق الأدنى القديم) و(السقوط الحر) و(مكان في القمة) و(امرأة الضابط الفرنسي) و(اتجاهات في النقد الأدبي الحديث) و(ذاكرة شكسبير) و(قوة الشعر)، إضافة إلى ترجمة (الديمقراطية) و(عندما تحكم الشركات العالم) و(السجن الملعون) و(قصص مختارة من الأدب العالمي الحديث) و(استنطاق النص) و(كيمياء الكلمات) و(صناعة الترجمة) و(رجل فقد الراحة) و(كيف نقرأ الأدب) و(أزمة الاقتصاد العالمي). 

من الكتب التي ترجمها محمد درويش 


حيوية الترجمة
"درويش أثرى المكتبة الأدبية بما يزيد عن ثلاثين عملًا مترجمًا في النقد والسرد ومختلف صنوف المعرفة الإنسانية، من عام 1970 إلى السنوات الأخيرة، إذ ظلّ الراحل مثابرًا في خدمة الحركة العلمية والثقافية"- بهذه الكلمات نعى درويش الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق.

ويقول رئيس الاتحاد، الناقد علي حسن الفواز، إن ثمة من يصفه بـ"الخبير" ومن يصفه  بـ"المغامر" لكن الأغلب يجمعون على أنه العارف بخفايا سحر الترجمة، والباحث في اللغة عن روح النص، وهذا يجعله شغوفًا بالتعاطي مع المفهوم الترجمي بوصفه مجالًا معرفيًا، لا يكتفي بالنقل اللساني بين اللغات، بل بتغذية هذا النقل بطاقة استعارية تجعل من الترجمة فنًا، ومسؤولية، فضلًا عن كونه جزءًا من برنامج ثقافي تواصلي يهدف إلى تعريف القارئ العربي بحيوية الأفكار التي يحرص على إبرازها في ترجماته، ويرى أنه هو في ذلك ينتمي إلى مدرسة المترجم الكبير جبرا إبراهيم جبرا الذي يرى في عالم الترجمة محاولة دائبة في تجديد النظر الآخر من خلال الأفكار. ويبين الفواز أن عمل الراحل في مؤسّسة "المأمون" العراقية أعطاه مساحةً لإنضاج العمل المؤسسي للترجمة، وترسيخ تقاليده الثقافية، فكان لحضوره الأثرُ الفاعل في توسيع عمل هذه المؤسّسة الرائدة، والتي ترجم من خلالها عشرات الكتب المهمة، أبرزها "فن الرواية" لكولن ولسون، و "السقوط الحر" لوليم غولدنغ، ورواية "الخلود" لميلان كونديرا، وغيرها من الكتب التي ترجمها من خلال عدد من دور النشر العربية لا سيما سيرة حياة ماركيز، وخمس روايات لأليف شفق. 

المدرسة الصامتة

كان درويش يعمل بصمت ولا يحب الظهور إعلاميًا.

يقول صديق المترجم الكاتب حمزة مصطفى إنه "كان يعمل بصمت وكان منذ البدء مخلصًا وجادًا ويتطلّع إلى المستقبل البعيد في عالم الترجمة. وحين تقطّعت السبل بعد سنين مضت إذا به يترجم روايات أليف شفق وأهمها "قواعد العشق الأربعون" لصالح دار الآداب في بيروت. وكنا نعتقد أن مترجمًا عربيًا يحمل ذات الاسم قد ترجمها، لكن أسلوبه كان واضحًا وقد اتصلنا به في حينها ليؤكّد أنه من ترجم الروايات، كاشفًا أنه عاش بصمتٍ ومات بهدوء، تاركًا كل هذا الأثر الأدبي في تغذية الثقافة العربية". 

ويرى المترجم العراقي، كامل عويد العامري، أن درويش هو سليل المدرسة العراقية للترجمة، وبرحيله فقدت هذه المدرسة واحدًا من أهم أركانها في القرنين العشرين والحادي والعشرين. ويضيف أن هذه المدرسة بدأت في العصر العباسي، ونالت فيه حظوة عظمى، في عهد الخليفة المأمون، لتنبثق بعدها مدرسة بغداد (بيت الحكمة) التي تعتبر من أهم وأبرز المدارس العربية للترجمة. ويرجع السبب في تسمية المدرسة بـ"بغداد" إلى انبثاقها من مكتبة بغداد التي كانت مركزًا إشعاعيًا ثقافيًا، تميّزت بتخصّص المترجم. ويرى أن الراحل كان سليل هذه المدرسة بغزارة إنتاجه النوعي، وكانت دار المأمون للترجمة والنشر هي محطّته التي تعتبر وريثة لمدرسة بغداد في الترجمة، مساهمًا في الثراء الفكري من خلال ترجمات ترسي دعائم الثقافة العربية المعاصرة، باتباع نهج وأساليب معاصرة في الترجمة واحترام ركائزها ومقوّماتها، جعلت من ترجماته تتّصف بصدق النقل ومطابقة المعنى وصحّة التعبير مع مراعاة حسن التبويب وإيضاح الهدف. ويشير إلى إنه كان زميل الراحل وصديقّا مقرّبًا، "لا تشغلنا المؤسّسات والوظيفة بقدر ما كنا نبحث وفق مجسّاتنا عن الاختيارات غير المطروقة والمعرفية"، عادًّا إيّاه مؤسّسةً بحدّ ذاته، "ففي كل جلساتنا ما كان يشغل تفكيرنا هو ماذا نقدّم إلى الثقافة، وكيف نرتقي بها". 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.