}

"الكتب الفاخرة": مشروع لخدمة السياحة الثقافية في الجزائر

هنا/الآن "الكتب الفاخرة": مشروع لخدمة السياحة الثقافية في الجزائر
تعتبر سطيف من المدن الشرقية العريقة والغنية بالآثار الرومانية

 

مع دخول الربيع تنتعش عروض الوكالات السياحية في الجزائر وتبدأ الرحلات الاستكشافية في الارتفاع لتصل إلى ذروتها في موسم الصيف. وأمام التنوع الكبير الذي تتميز به السياحة الداخلية في الجزائر من جهة الخصائص الطبيعية أو التراث الثقافي أو الأماكن التي شهدت أحداثا تاريخية مهمة، يتطلب الترويج لكل هذا "كتبًا فاخرة" تتضمن نصوصًا توثيقية عن تفاصيل المدن الجزائرية وخصوصياتها، تخلق لدى القارئ تلك الرغبة الجامحة في زيارتها والوقوف على آثارها ومعايشة يوميات أهلها.

بدأت فكرة فهل ستتحقق؟

قبل أيام طرح الكاتب والمترجم الجزائري المعروف، بوداود عمير، فكرة طبع الكتب التي تتناول الجوانب التاريخية، الثقافية والسياحية للمدن الجزائرية، ضمن ما يعرف بـ"الكتب الفاخرة" التي تحقق رواجًا واسعًا في الغرب، بالنظر إلى قيمتها العالية ودورها في الترويج للسياحة بشكل عام والثقافية بشكل خاص، بحيث أصبحت تُمنح كهدايا في المناسبات والأعياد من طرف الأفراد أو الهيئات، وتحظى بعناية الإدارات والوكالات السياحية، ويُحتفظ بها في مكتبات المنازل.

إن النظر إلى اهتمام الكتاب الجزائريين بالجانب التاريخي والثقافي للمدن الجزائرية، يجعلنا ندرك أن فكرة المشروع المطروحة قابلة للتنفيذ فعلًا، مع وجود نصوص متعددة تتميز بعمق البحث وتنوع المصادر وموضوعية الطرح، تمكّن أصحابها من تقديم صورة واضحة عن مناطق مختلفة من الوطن، ولكنها طبعت ككتب عادية في ورق بسيط، لم يتم استغلالها من قبل الناشطين في مجال السياحة من أجل الترويج لعروضهم، ولم تصل إلى يدي السائح الذي لا تشبع المعلومات السريعة التي يقدمها المرشد السياحي على عجالة فضوله الكبير نحو المدينة.

ومن بين الأعمال التي تدعم تحقيق مشروع "الكتب الفاخرة" كتاب للباحث أحمد أرفيس، نشر تحت عنوان "ومضات من تاريخ بوسعادة الكبرى، نصوص توثيقية عن المدينة والناس"، عام 2024، وقد أشار إليه عمير عند طرح فكرته، أولًا لأنه يتحدث عن واحدة من أهم وأشهر المدن الجزائرية التي زارها كبار الكتاب وألهمت كبار الرسامين وصورت فيها العديد من الأفلام السينمائية زمن الاستعمار أو بعد الاستقلال، وثانيا لأنه يتضمن نصوصًا توثيقية لرحلات وزيارات ونصوص مؤرخين وباحثين من زمن الاستعمار، حول تاريخ المنطقة وموروثها الثقافي، مرفقة بصور ورسومات ومخطوطات مهمة.

إصدارات متنوعة عن المدن الجزائرية

وعلى غرار كتاب الباحث أحمد أرفيس، صدرت خلال العام الجاري العديد من الأعمال التي تتناول الأبعاد الثقافية والتاريخية للمدن والقرى الجزائرية، وعلى رأسها كتاب "الموروث التاريخي والثقافي لقرية أربيعة"، من تأليف محمد طالبي، يلخّص فيه موروث إحدى أقدم القرى الجزائرية التي يزيد عمرها عن عشرة قرون.

في المقابل، صدر للكاتب عبد الحليم بن خضير بوبكر كتابان، الأول بعنوان "مدخل إلى تاريخ العائلة البوبكرية بزمورة"، وهي عائلة عريقة لها إسهاماتها العلمية والروحية في المنطقة، ومن بين أفرادها البارزين سيدي عثمان بن سيدي امحمد وابن عمه سيدي علي بن سيدي الطاهر. والثاني تحت عنوان "زمورة العالمة". وتشتهر مدينة زمورة الواقعة في برج بوعريريج بأنها مدينة العلم، وتحدث فيه عن الشخصيات البارزة في المنطقة ونجح في التعبير عن عصرهم بحوادثه ونمط حياته ومفاهيم القوم فيه، كما تضمن ثمانين رسالة ذات قيمة تاريخية وأدبية تعبر عن الحياة الثقافية والتاريخية لأعلام المنطقة.

ومن بين المنشورات نجد مؤلف "التاريخ الثقافي لمنطقة سطيف" الذي صدر في ثلاثة أجزاء وساهم فيه العديد من الباحثين المنتمين إلى أكثر من عشر جامعات جزائرية. وتعتبر سطيف واحدة من المدن الشرقية العريقة والغنية بالآثار الرومانية. يقدم المؤلفون صورة شاملة عن سطيف من حيث هندستها، تاريخها، عادات وتقاليد أهلها، وأعلامها وأبرز زوارها وما قاله المؤرخون فيها. 

وفي الجنوب على سبيل المثال لا الحصر، يقدم كتاب "المرأة الحسانية وثقافة الجسد" للباحثة مباركة بلحسن، دراسة حول منطقة تندوف المشهورة بخصوصيتها الثقافية ومحافظتها على مقومات هويتها، ومكانة المرأة فيها من حيث العادات، التقاليد والتراث الشعبي وظاهرة الجسد كمعطى وخطاب اجتماعي.

وفي نفس السياق جاء كتاب "التاريخ الثقافي لإقليم توات" للدكتور الصديق حاج أحمد آل المغيلي، ليصوّر الحركة الثقافية والفكرية التي شهدها الإقليم والمراكز العلمية التي ظهرت فيه مع الإشارة إلى مواقعها الجغرافية، الأعلام الذين برزوا في كل واحد منها والعلوم التي اشتغلوا بها في حياتهم الثقافية والفكرية وأكثر من ذلك، الاطلاع على العلاقات الثقافية بين الإقليم والأقاليم المجاورة له.



خصوصية "الكتب الفاخرة"

إن جميع العناوين السالفة الذكر صدرت في طبعات متواضعة وورق ذي جودة عادية وأحجام متباينة، وجاءت خالية أو شبه خالية من الصور والرسومات والشواهد التوضيحية، رغم قيمتها التاريخية والثقافية التي كان يمكن أن تقدم إضافة حقيقية للسياحة الثقافية في الجزائر لو ظهرت في طبعات فاخرة وتم تسويقها جيدًا.

إن ما يميز "الكتب الفاخرة" جودة الورق واستخدام المؤثرات البصرية أثناء الطباعة من صور وألوان وأشكال جذابة، تمنح الكتاب مظهرًا جميلًا وتساعد القارئ على تشكيل صورة كاملة حول المدينة. وإذا أخذنا كتاب مباركة بلحسن الذي ذكر أعلاه، والذي تحدثت فيه عن الزي الحساني من حيث شكله ودلالاته الثقافية والتاريخية والتغييرات التي أدخلت عليه، ورمزيته أيضا، كان سيكون أكثر جاذبية لو صدر في طبعة فاخرة مدعمة بالصور والرسومات التوضيحية، خاصة عندما أشارت إلى حصر لون اللباس في الأبيض والأسود حيث يرمز الأبيض للسلام والأسود لحالة الحرب، بسبب الحياة غير المستقرة التي عاشتها قبائل المنطقة.  

وأكثر من ذلك تشير مباركة إلى التمايز بين اللباس المخصص للفتيات والمخصص للنساء، وكيف يشير لباس الملحفة إلى دخول مرحلة البلوغ والتلميح للحاجة إلى شريك الحياة، وكيف يظهر هذا الزي الرسمي جمال المرأة وتميزها وطبقتها. وهو ما يجعل القارئ يتخيل هذه التفاصيل ويتمنى لو بإمكانه مشاهدتها في صورة مرفقة أثناء القراءة.

ورغم التراث الثقافي الكبير الذي أشارت إليه الباحثة في هذا الكتاب بالتحديد، من أغان، رقص، ماكياج، حلي، وشم، رسم بالحناء ودلالاته وعلاقة هذا الأخير بتحقيق الذات لدى المرأة التيندوفية، لا نجد في الكتاب إلا رسمة واحدة تتضمن أربعة أشكال مختلفة من الحناء، عنونتها بـ"لوحة بيانية لأهم الرموز في الرسم بالحناء"، ولنا أن نتخيل حجم التنوع في هذه اللوحات لو صدر الكتاب في طبعة فاخرة.

يمكن إسقاط كل ما سبق على كتاب "التاريخ الثقافي لإقليم توات"، أين سيظهر فرق واسع بين شكل الكتاب في طبعته الحالية ولو طبع في نسخة فاخرة مدعمة بالخرائط والرسمات التوضيحية، خاصة فيما يتعلق بالمواقع الجغرافية للمراكز التابعة للإقليم، والتي ظهرت بقوة في المحتوى، إذ ركّز الباحث على توضيح أصل التسمية والخلفية الجغرافية للإقليم، تضاريسه، ثرواته والصراعات والحروب التي عرفها. وكذلك الطاعون الذي ألمّ به في مطلع القرن العاشر هجري، وطبيعة سكان الإقليم وتقسيماتهم، ونظام السكن والبيوت وتقسيمها إلى القصور والقصبات الزناتية البربرية والقصور اليهودية والكتاتيب ومناهجها، وتأثير الحياة الثقافية على الأوضاع السياسية فيه.

تحدّي الطبعات الفاخرة

من الواضح جدًا وجود محتوى ثقافي متنوع وثري عن المدن الجزائرية بإمكانه الترويج للسياحة الثقافية في البلاد على المستوى الداخلي أو الخارجي، لكن هذا المحتوى بحدّ ذاته بحاجة إلى تسويق لتحقيق هذه الغاية، ولعل أفضل طريقة لتسويقه ظهوره في "طبعات فاخرة" وتوفيرها في الوكالات السياحية، والأماكن الثقافية على غرار المسارح، المتاحف، المدن الأثرية وما إلى ذلك من أجل جذب القراء ولفت انتباه الزوار والسياح لها.

ومن هنا يتضح أن التحدّي الأول لتحقيق مشروع "الكتب الفاخرة" ليس غياب أو قلة المحتوى وإنما ارتفاع تكاليف الطباعة لهذا النوع من الكتب، ما يدفع دور النشر إلى العزوف عن الاهتمام بها والاكتفاء بالطبعات العادية، خاصة إذا أشرنا إلى غياب دعم من الهيئات الرسمية المختصة وانعدام فرص التعاون بين دور النشر والمؤسسات والوكالات الناشطة في القطاع والأهم من هذا عدم وجود خطة واضحة لتسويق هذه "الكتب" إذا طبعت إلى القارئ الذي ينجذب إلى جودة الطباعة من خلال لمس الورق عالي الجودة وجمال الرسوم التوضيحية أو الصور الفوتوغرافية التي تحول الكتب إلى لوحات فنية يخلق تصفحها الشعور بالبهجة والسرور والرضى ويعزز التفكير، الحلم والتخيل، وربما لهذا السبب يسود الاعتقاد بأن "الكتب الفاخرة" أفضل أنواع الهدايا، إذ يريد المشتري أن يرضي أحباءه بكتاب فاخر يحبونه ويستمتعون به. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.