}

عن تحوّل مثقفين إلى "صهاينة صامتين"

بوعلام رمضاني 25 يناير 2024
هنا/الآن عن تحوّل مثقفين إلى "صهاينة صامتين"
محمد سيفاوي أدهش برنار هنري ليفي


قال لي الكاتب والصحافي الفرنسي الإسباني الأصل إيناسيو رامونيه ومدير تحرير صحيفة "لوموند ديبلوماتيك" سابقًا بعد الحرب الأميركية على العراق: "الحادي عشر من سبتمبر (2001) حوّل الكثير من المثقفين إلى بوشيين" (نسبة إلى الرئيس الأميركي السابق جورج بوش). عدت لرأيه المنشور في كتابي "11 رؤية عن 11 سبتمبر"، في سياق إبادة إسرائيل لغزة بدعوى محاربة الإرهاب، تمامًا كما فعلت أميركا في العراق تحت الذريعة نفسهـا، والتي أضحت لاحقًا كذبة ملفقة في شكل خطة استعمارية استهدف أصحابها تدمير العراق كبلد متقدم على أكثر المستويات، وتحديدًا للنجاح التنموي، وليس لإزاحة صدام حسين ونشر الديمقراطية في بلده الدكتاتوري. ما أشبه اليوم بالأمس، وما أشبه مواقف الكثير من المثقفين اليساريين والعلمانويين باسم العلمانية يومها بمواقف نظرائهم حاليًا، علمًا أن هناك من ما زال حيًا من بينهم مؤمنًا بأن تأييد الحرب ضد الإرهاب كما برمجتها واشنطن وتل أبيب أكثر من واجب أخلاقي وإنساني كالروائي الجزائري ياسمينة خضرا الذي قال: "إن من يفرح لما فعلته حماس يوم السابع من أكتوبر ليس إنسانًا"، معززًا مواقف رفقاء دربه الطاهر بن جلون وكمال داوود وبوعلام صنصال وكتاب آخرين كثر فضلوا الصمت الناطق والمريع.

الصمت الناطق

هذه الطائفة من الكتاب غير المثقفين ـ إذا عرفنا مفهوم المثقف عند المفكر أنطونيو غرامشي 1891ـ1937 (نسبة إلى مفهوم المثقف العضوي المنخرط وسط مجتمعه وليس القابع في الصالونات المكيفة والمخملية)، والذين أصدروا رواياتهم منشورة بعدة لغات أوروبية، يخاطبون سادتهم الذين يحنون على العصابات الصهيونية على حد تعبير الراحل الكبير الطاهر وطار، وهم السادة الذين منعوا رواية "تفصيل ثانوي" للكاتبة الفلسطينية عدنية شبلي من الاحتفاء بها في صالون فرانكفورت الأخير للكتاب، وأبرزوا الكتب التي يؤيد أصحابها الصهيونية. خلافًا للراحل وطار الذي قال لي في باريس قبل وفاته بسنوات: "كان باستطاعتي أن أصبح نجمًا في باريس لو كتبت عن ما يرضي العصابات الصهيونية" وأضاف: "دور نشر فرنسية قالت لي: رواياتكم لا تهم الرأي العام الفرنسي". مثال صارخ يفضح اليوم الكتاب المنتسبين للعلمانية المعطوبة أو الرثة على حد تعبير المفكر برهان غليون في كتابه الجديد "سؤال المصير"، ويضعهم على محك محنة وجودية قد يندمون عليها في الوقت البدل الضائع بعد اعتناقهم الفكر العنصري، عن وعي أو غير وعي، مثلهم مثل ألبير كامو الذي خرج من معطف جول فيري وتوكفيل وقبلهما أرنست رينان، مدافعًا عن الحضارة الغربية، كما أبرزت ذلك رواياته التي غيّبت عرب الجزائر، وأشادت ببحرها وشمسها ونجومها وقمرها في عز الليل الإستعماري.


ممثلو هذه الطائفة يعيشون في تصوري تمزقًا سيزداد مع مرور سيناريو إبادة غزة، واقعين أسرى تأويل خاطئ لتاريخ ومفهوم الإرهاب، ومجترين مقولات ينشرها الأقوى إعلاميًا وسياسيًا بتواطؤ أنظمة عربية قامت على القمع والدموية وتدّعي محاربة الإسلاميين القمعيين والدمويين. إن صمت هؤلاء، وخروج بعضهم من جحور الصمت الناطق والتردد المحتشم والمخزي موقعين على عرائض، ومن بينهم الكبير المبدع أدونيس، سوف يؤديان إلى أن يفقدوا صوابهم قريبًا، حينما يدركون أن صمتهم التراجيدي بحجم مأساة أهلنا في غزة، لم يكن سوى تشجيع لظالمين تاريخيين رفعوا لواء الديمقراطية في صفوف شعوبهم، وراحوا يحرمون الشعوب التي استعمروها من الحرية، ويفرضون نمط تفكيرهم عليها كما قال الفيلسوف ميشال أوفري الذي يتخبط مثلهم غير حر وأسير منظومة فكرية لا تعترف بالآخر المختلف باسم أنوار أضحت ظلاما دامسا في حالات كثيرة.

محمد سيفاوي كبيرهم الأضعف

الطاهر بن جلون الذي لم يعد يؤثّر أمام بروز روائيين جدد غطوا عليه، على حد تعبير ألان غريش، وكمال داوود كبير الروائيين الجزائريين تزلفا لأتباع برنار هنري ليفي، وبوعلام صنصال، ورواد صالون "مغرب مشرق للكتب"، أصبحوا في خبر كان، والتزامهم بالصمت الناطق حتى تباد غزة عن آخرها بشهادة جبلها الصحافي وائل الدحدوح الذي أبهر البشر والحجر، لم يعد يحتمل بعد أن سحب الكاتب محمد سيفاوي بساط التنافس من تحت أرجلهم جميعًا طمعًا في جائزة تغطي على شهرتهم بتصريح لم يصدقه صحافي الإذاعة الفرنسية الناطقة بلسان الجالية اليهودية (راديو جي) في باريس، إذا استندنا إلى تحليل سميولوجي لرد فعله ولمحياه وهو يستمع لسيفاوي. الكاتب الجزائري الذي اشتهر هو الآخر على ظهور الإسلاميين الذين أضحوا تخصّصَ الكثير من الساعين وراء الربح المالي السهل بكيفيات غير مهنية، لم يصدم كاتب هذه السطور. ببساطة لأنه يعرف اجتهاده الدؤوب، بغرض الارتقاء إلى مستوى عرب خدمة سبقوه بعقود إلى ميدان المزاد الأدبي العلني من غير الجزائريين. وفق سيفاوي، في تكتيك توفير الجهد على نفسه، لكي يشتهر بسرعة قياسية تغطي على شهرة أدونيس وأمين معلوف الذي سقط  من أعلى في فخ التدجين المبرمج بقبوله منصب تمثيل اللغة الفرنسية في أكاديمية دخلها الكاتب فارغاس يوسا، لكنه خدمها سفيرًا لها بشكل عابر للقارات بتمجيده لغة موليير الذي لم يكتب رواية واحدة بها. عرف محمد سيفاوي كيف يضرب بالثقيل متجاوزًا خضرا وبن جلون وداوود وحتى برنار هنري ليفي بقوله: "على نتنياهو قتل ما أمكن من مقاومي حماس" مقارنًا إياهم بداعش، مثله مثل آلان فينكروت وإريك زمور، خلافًا لما يقوله محللو السياسة برصانة من أمثال برترا بديع أو بادي، كما ينطق اسمه باللغة الفرنسية وإنياس لوفالوا التي رمت بتكتيك شد العصا من الوسط في البحر. بتصريحه المذكور، يكون محمد سيفاوي قد أدهش برنار هنري ليفي الذي لن يقبل تخطيه من طرف جزائري نرجسي أكثر منه. والكلام نفسه ينطبق على رفقاء دربه من المثقفين المزيفين الذين يقتاتون بظهورهم في شاشات التضليل وليس بكتبهم المكدسة على حد تعبير الكبير أوليفييه روا في تصريح لكاتب هذه السطور قبل أكثر من عقدين: "برنار هنري ليفي تاجر كتب لا تُقرأ". سيفاوي غير المعروف تلفزيونيًا مثل ممثلي الطائفة العتيقة، أضحى بتصريحه المذكور سفير مثقفين قضوا نهائيًا على الصراع الأيديولوجي الذي قام لعقود بين اليمينيين واليساريين على حد تعبير إيناسيو رامونيه بعد أن أصبح العديد من اليساريين يؤيدون الحرب مثل أعدائهم في الضفة الأيديولوجية اليمينية واليمينية المتطرفة. لا شك في أن ضربة سيفاوي ضربة معلم ستلعب دورًا في تأجيج الصراع بين الباحثين عن الشهرة والمال في ديار غرب تعرى للإنسانية بوجهه الأقبح كما لم تعرفه الإنسانية قبل اليوم.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.