}

مهرجان باريس للكتاب: دورة الرومانسية الشابة الجديدة

بوعلام رمضاني 21 أبريل 2024
هنا/الآن مهرجان باريس للكتاب: دورة الرومانسية الشابة الجديدة
من فعاليات مهرجان باريس للكتاب
لست من هواة الإثارة المجانية، بطبيعة سني ومزاجي، واختياري عنوانًا يعد مثيرًا في القاموس الصحافي يفرض عنوة في الوقت نفسه وقفة صحافية جادة بحكم سياق الإثارة المبّررة مهنيًا. إنها الحقيقة التي أعطت للدورة الثالثة من مهرجان باريس للكتاب (12 ــ 15 من الشهر الجاري) خصوصية غير مسبوقة تاريخيًا. بعد التشاور مع كل الجهات المعنية، وعلى رأسها دور النشر، تمّ نقل تظاهرة الحدث الثقافي الأول من منطقة "بورت دو فرساي" ـ غير العملية جغرافيًا ووظيفيًا بسبب كبر مساحة قصر المعارض الذي كان يحتضن التظاهرة تحت اسم الصالون، إلى "الغريه باليه" إفيمار (مؤقت)، الذي يطل على برج إيفل السياحي الأشهر من الجنرال ديغول فرنسيًا وعالميًا. وسيحتضن المكان المهرجان حتى تاريخ الانتهاء من أشغال ترميم "الغريه باليه" الأصلي. الخصوصية المذكورة التي تسببت في تدافع مراهقات أساسًا أمام كتب الرومانسية الجديدة (كما حدث في حفلات الراحلين مايكل جاكسون، وألفيس بريسلي، ومادونا، وريهانة)، يأتي في سياق دراسة جديدة تم نشرها على هامش مهرجان الكتاب بالشكل الذي يؤكد صحة تراجع القراءة عند الشباب بشكل خطير في صفوف الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة عشرة والثالثة والعشرين، حسب المحلل الاجتماعي جان فيار. هنا، تفاصيل وأرقام ومعلومات كمية ونوعية هامة عن مهرجان باريس للكتاب الذي شهد غيابًا شبه كلي للقراء والناشرين العرب، كما جرت العادة، بنسب متفاوتة لا تحجب مأساة ثقافية تقليدية. من بين الجمهور الذي تجاوز المئة ألف زائر، استطاع سمير، الأب الفرنسي المغربي الأصل، أن يرفع رؤوس أبناء جلدته بتجوله عبر أجنحة المهرجان بمساعدة ابنه حمزة: "جئت رغم الإعاقة تكريمًا لابني المحب للقراءة". خلافًا للجمهور المكوّن في معظمه من فرنسيين وأجانب أوروبيين، كان حضور معظم أعوان الأمن من الفرنسيين المنحدرين من أصول عربية وأفريقية من أجل ضمان سلامة غير العرب والأفارقة في معظم الحالات أيضًا. الروائي بوعلام صنصال، الشهير أيضًا بتسريحة شعره، افترش الأرض ليس بعيدًا عنهم في مدخل المهرجان، لكي يقرأ أمام عشرات آخرين فضلوا فتح الهاتف النقال بدل كتاب مثله. آخرون فعلوا في صالون القراءة الشيء نفسه. نار شاشات الهواتف النقالة مشتعلة أكثر من أي وقت مضى في علاقتها بالرواية الرومانسية، كما سنرى.

ماتيلد برانتوم أو عزلة كاتبة تضامنت معها
كتب "الرومانسية الجديدة" التي تقدم مقترنة بالفانتازيا والتشويق والسوداوية والبهجة والماء الوردي في الوقت نفسه، شكّلت تحديًا ذاتيًا وموضوعيًا للكتاب المتوجهين للكبار بوجه عام من الفرنسيين، ولكتاب كيبك، البلد الشرفي في المعرض، ولأصحاب روايات المحطات بوجه خاص، والمكتوبة بحبر وردي أيضًا هي الأخرى. الثلاثي الشهير غيوم ميسو، ومارك ليفي، وميشال بوسي، أضحى مهدّدًا أمام كتاب رومانسية جديدة تسببت في طوابير شابات سافرات ومحجبات صنعن الحدث، وأنا أحاول جاهدًا التقاط صورة وراء ظهورهن المكشوفة والأخرى المغطاة بالتمام والكمال مثل الأجزاء الجسمية الأخرى. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي زار المهرجان صبيحة يومه الأول، رفقة وزيرة الثقافة رشيدة داتي، يعي التحدي، ويسارع الزمن لمحاصرة العزوف عن القراءة الخارجة عن نطاق روايات "الرومانسية الجديدة التي لا يجب أن تحجب فيكتور هوغو، ومونباسو، وبروست"، حسب تعبير الكاتبة ماتيلد برانتوم، الممثلة لشراكة فرانكفونية في جناح الكيبك. ماتيلد التي ردّت على سؤال "ضفة ثالثة" المحرج حتمًا (ضاحكة أكثر من مرة للتخفيف من عزلتها المفجعة على بعد أمتار قليلة) عن جناح لبيع الكتب الرومانسية تحت شعار "والحياة تبدأ رومانسية" قائلة: "إنها روايات الرأسمالية والسينما التجارية. هذه لا تعد أدبًا إذا كانت خالية من الإبداع لغويًا". من باب التضامن معها، اشتريت كتابها "تحت سماء فارغة"، قبل أن أتركها معزولة لأتفرج على زبائن دار هوغو للنشر غير المعزولين في جناح دار هوغو. إنها واحدة من الدور الفرنسية التي تحولت إلى حاجّات مراهقات باسم الأدب، ومن الأسماء والعناوين التي تصدّرت رفوف جناحها نذكر سلسلة "أفتر" (200 مليون نسخة مباعة)، و"الصدمة" للكاتبة أنا طود (600 مليون مشاهدة على واتباد)، و"قانونيات جنسيات" لإيما شاص، و"رزنامة فتاة" لأدريه كارلان، وأس سي ستيفنس (وزان كولينس ستيفنس) وسامنتا يونغ، وسارين بويين، وتمارا باليانا، وفيرونيكا روت، وكيلند، وسنتيا هافدين، ومرسيدس رون الأرجنتينية (40 مليون مشاهدة على واتباد)، وفيكتور ديكسن الفرنسي صاحب  كتاب "حالة جاك سبارك"، وعلي هازلوود الدكتورة الإيطالية في علوم الأعصاب وصاحبة كتابي "فرضية الحب"، و"الحب فوق العقل"، وسارة ريفنس الجزائرية (7 ملايين مشاهدة على واتباد)، والتي باعت ملايين النسخ من كتابها "رهينة"، مثلها مثل مورغان موكوبل (500 ألف نسخة من كتابيها "تعال نحب"، و"خريف لكي أسمح لك")، ومود أنكاوا، وعشرات من رفيقات دربها.
عودة إلى الظاهرة الأدبية المستوردة من الولايات المتحدة الأميركية، واللصيقة بالثورة الرقمية وبسطوة الشاشة ــ كما جاء في كتاب "صناعة الأبله الرقمي" لميشال ديمرجيه، الطبيب في علوم الأعصاب ــ أكثر من ضرورة صحافية وفكرية بحكم بروزه مجددًا في سياق احتضان العاصمة الفرنسية لمهرجان الكتاب الذي سيطرت فيه روايات ورومانسية خارجة من صلب تاثير الشاشات التي تخفي صور إبادة غزة.

دعم فرانكفونية الكيبك قبل كل شيء
"أنا سعيد لتواجد كيبك كضيف شرف للمرة الثانية، بعد استضافته للمرة الأولى عام 1999 كبلد ترمز مشاركته إلى حفل فرانكفوني، ومتأسف في الوقت نفسه لعدم انتشار الأدب الكيبكي بالقدر الكافي عالميًا، كونه لا يقل إبداعية عن الأدب الإسكندنافي. بروزه اليوم في مهرجان باريس للكتاب دليل على جدارته بعد اختراقه جدار الانتظار"- إنها شهادة داني لافيريير، أشهر الكتاب المنحدرين من أصل هايتي، الكندي الجنسية والإقامة، وصاحب جائزة ميديشي لعام 2009 عن روايته "سر العودة"، وهو أكاديمي فرانكفوني يعتد برأيه.





مقال لافيريير الافتتاحي الذي نشر في عدد خاص لمجلة "أسبوعية الكتب" بمناسبة صالون باريس للكتاب، يكفي لتأكيد أهمية تمثيل 44 كاتبًا لجيل أدبي كيبكي تمّ تسويق كتاباته المختلفة وعلى رأسها الرواية، عبر 77 دار نشر. لافيريير الكندي الأول الذي دخل الأكاديمية الفرنسية، لم يكن الوجه الوحيد البارز هذه المرة، والصحافة الثقافية الباريسية لم تتأخر في الإشادة ببروز أسماء أدبية وفنية صنعت الفارق خلال الأعوام الأخيرة. مجلة مهرجان باريس للكتاب كانت السباقة في إبراز أهمها، من خلال الحديث الذي أدلى به لها فانسان مونتاني، رئيس النقابة الوطنية للكتاب، ورئيس التظاهرة، وجنفييف بيجو، رئيسة الجمعية الوطنية لناشري الكتب. الكتاب الذين نوهّ بهم لافيريير من منطلق الخصوصية الإبداعية هم أنفسهم الذين تمّ ذكرهم على لسان ضيفي مجلة المهرجان، ومن بينهم ميشيل جان ورواية "كوكوم"، وكيفين لامبير، وإريك شاكور، وهيلين دوريون، الذين برزوا أخيرًا، ناهيك عن ميشيل رباغلياتي، وجولي دوسيه، اللذين تألقا في مهرجان أنغولام الفرنسي الشهير للأشرطة المرسومة. الجناح الكيبكي الذي امتلأ بجمهور كبير على مدار ثلاثة أيام، مثله مثل الفضاءات النقاشية الفرنسية الأخرى، شهد في دوره على النقلة الأدبية والفكرية والفنية التي جسدتها كاتبات وكتاب جيل أدبي كندي "يكافح من أجل حيوية الفرانكفونية، من خلال الثقافة بوجه عام، والكتاب بوجه خاص"، على حد تعبير جنفييف بيجو، و"السماح لكل أنواع الكتابات الفرنكفونية بتعميق الشراكة الفرنسية الكيبكية"، على حد تعبير فانسان مونتاني (مثال نيل كيفن لامبير، صاحب جائزة ميديشي الفرنسية العام الماضي عن روايته "ليستمر فرحنا").

الكيبك الابن المدلّل
كاتب هذه السطور، الذي جال وصال، عبر كل أجنحة الكتب وفضاءات النشاطات الموازية (واستراح ليخّفف من وجع قدميه متابعا حلقة نقاشية في استديو قناتي فرانس كلتور وفرانس أنتير)، لاحظ الاهتمام الكبير الذي خصصه الإعلام الفرنسي للمشاركة الكيبكية ردًا على الملاحظة المذكورة للكاتب الكبير المؤثر دنيال لافيريير. المعلومات المستفيضة عن مقاطعة الكيبك الكندية كانت على حساب دور النشر الفرنسية الشهيرة(*)، وغير الشهيرة الرصينة التي تعاني من سطوة الشاشة الإلكترونية الأنجلوساكسونية المغذّية "لأدب" الرومانسية الجديدة التي غطت على الناشرين والكتاب الفرنسيين والكيبكيين الذين اضطروا للاصطياد تجاريًا في حقول دور الرواية الرومانسية. الكيبك الابن المدلّل في باريس الحماية والدعم والتوجيه، كشف عن أدبه الوجودي عبر عشرات الأسماء التي تحدثت أمام جمهور كبير في أجنحة خاصة بها عن مقارباتها للشبيبة (ماري بارغدجيان، وجان بوديروس، ونادين روبير)، وعن معنى جائزة فرنسا الكيبك الأدبية التي نالها ألان بوليو عن رواية "الملجأ" الصادرة عن دار "ليانا ليفي"، وعن التاريخ الكيبكي (إريك بيدار)، والأشرطة المرسومة (كريستيان كينال)، ناهيك عن الأدب البوليسي من خلال فيكتوريا شارلتون، ملكة الجريمة الحقيقية، حسب مجلة "أسبوعية الكتاب"، وجان ماري بواتييه، وغريغوار غودينو. قضايا الأرض والفن والعلم والحب والمتخيل والأشرطة المرسومة كرافد للأدب والهوية، والرواية البوليسية، والماء كتعبير متعدد التجليات والأبعاد، وتأثير الأماكن كمرجعيات للذاكرة، وتنوع  الكتابة الشعرية، كانت كلها محاور ومنطلقات نقاش لأسماء ترن في الأذن أكثر من أخرى، بغض النظر عن مستوى إبداعها أدبيًا ونقديًا، ومن بينها الأسماء التي نشرت أعمالها دور فرنسية  شهيرة، أو كيبكية بارزة، مثل سارة شيش "كيمائيات"، عند دار ساي، وإريك شاكور "ماذا أعرف عنك"، عن دار فيليب ري الكيبكية، وباتريك سينيكال "المتحضرون"، عن دار رامسيه، وجوي سورمان "الشاهد"، عن دار فلاماريون، وكلارا أرنو "وستمرون كالرياح المجنونة"، عن دار أكت سود، وغابريال بوليان ترمبلي "من ذات البنت" عن دار جان كلود لاتيس، وآن صوفي برازم "ماذا نصبح"، عن دار فلاماريون، وجوليا مالييه "لويزيانا"، عن دار ستوك، وبولان إسمار "مرآة أوديب"، عن دار ساي، ودونيز دوسوتال "الزاوية السوداء للفرح"، عن دار غاليمار.

مشاركة العالم العربي والإسلامي كانت شبه منعدمة

مشاركة العالم العربي والإسلامي كانت شبه منعدمة، والجزائر التي شاركت باسم الشركة الوطنية للفنون المطبعية (لا ندري لماذا) أنقذت الموقف بمشاركة قال عنها مسؤول جناحها من دون أن نسأله: "إنها إيجابية، وليست هناك سلبيات يمكن أن تذكر". لم تكن عناوين المكتبة الفلسفية الصوفية، وكتب الثقافة الأمازيغية، والتاريخ، والتراث، والرواية، أو الأدب، بوجه عام، ممّثلة بتوازن لمشهد النشر في الجزائر.




وكالعادة، لم تعرض الكتب المنشورة باللغة العربية بدعوى الهوية اللغوية للمكان والجمهور الذي لا يقرأ باللغة العربية كما قيل لنا قبل سنوات في التظاهرة نفسها. الجناح الجزائري راح بدوره ضحية الإقبال على أجنحة الرومانسية الجديدة، مثله مثل كل الدور الأكبر والأهم فرنسيًا وكيبكيًا. بوعلام صنصال الذي كان أحد نجوم دار غاليمار التي نشرت روايته الجديدة "العيش" مشيدة بمناهضته الأديان، لم يسلم من ملاحظة شابة عاملة في الجناح. الشابة الذكية الرافضة لما يفعله متطرفون صهاينة باسم الدين ضد فلسطينيين يدافعون عن أرضهم، قالت لي عنه: "لا أفهم لماذا يتحدث فقط عن التطرف الإسلامي". دولة الإمارات حضرت بجناحي "تراندس" أبو ظبي الذي لم أره، واكتشفت اسمه في قائمة دور النشر المسجلة في برنامج التظاهرة، وبجناح "تراندس للبحوث والاستشارات"، الذي جاور جناح هوغو للرواية الرومانسية. مقارنة بالجزائر المستاءة من دولة الإمارات حسب الرئيس عبد المجيد تبون، بلد العلم الوطني الجميل الذي شكلّ خلفية الجناح، أنقذ موضوعيًا، وليس ذاتيًا، العالم العربي والإسلامي من غياب شبه مطلق، رغم السلبية التي أشرنا إليها. وقفت عند الجناح الإماراتي الثاني محاطًا بأصحاب بذلات أنيقة من غير الجمهور، وعلى إيقاع دردشة مسؤولين جالسين على أريكة أنيقة أيضًا، ورأيت عناوين كتب تدور كلها حول خطر الإخوان المسلمين، والإسلام السياسي، فقط. لست ضد أي كتاب مهما كان مضمونه، لكنني لم أفرح كما كان منتظرًا، وأنا أقرأ لغة عبرية لست ضدها. أنا ضدها حتمًا مقترنة بإبادة غزة في زمن بنيامين نتنياهو، كما كشفت ذلك المقابر الجماعية امام مستشفى الشفاء، ورمي موتى مدنيين في المزابل، وقصف شبان لم يكونوا يهّددون عساكر الجيش الذي يقال إنه أخلاقي.

هامش:
(*) ننشر هذه الأرقام نقلًا عن مجلة مهرجان الكتاب. وتمثلت في 329 (الكتاب الذين حضروا)، 194 (عدد اللقاءات والنقاشات المختلفة بما فيها الكيبكية)، 914 (كاتبًا وكاتبة وقعوا كتبهم للجمهور من الفرنسيين والكيبكيين من دون تحديد عدد الكتاب الفرنسيين)، 6 فضاءات (لأنشطة ثقافية وفكرية وإعلامية مختلفة)، مهرجان العلم للجميع، مسابقة الإملاء الكبرى حول الألعاب الأولمبية، صالون للقراءة، نقاشات مع كتاب باسم مهرجان الكتاب في مدن كثيرة. بث مباشر من استديوهات قناتي "فرانس كلتور" (فرنسا الثقافة)، و"فرانس أنتير" الإذاعيتين.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.