إلى حدّ ما، صحّت التوقعات والتكهنات التي سبقت الإعلان عن جائزة نوبل للآداب لهذا العام. فمن تابع الصحف والمواقع الغربية التي تابعت الموضوع، قبل إعلان الجائزة، لوجدها أنها توقعت فوز كاتب (كاتبة) من خارج نطاق دائرة الأدباء الأوروبيين أو الأميركيين الشماليين، الذين يشكلون أصحاب حصة الأسد في الفوز، على مرّ تاريخ الجائزة. كانت هناك تكهنات بفوز كاتبة صينية، أو كاتب من أفريقيا، أو كاتبة روسية منشقة، حتى أن البعض تحدث عن فوز محتمل لكاتب عربي، بما أن هذه اللغة لم تعرف منصة التتويج بعد الكاتب المصري نجيب محفوظ، وغيرها من الآداب التي تبدو "مظلومة".
كل الأسماء التي طرحت وتداولت، ذهبت أدراج الرياح، لتمنح الأكاديمية السويدية جائزتها هذا العام للكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ، لتشكل على عادتها "مفاجأة ما"، إن جاز التعبير، على الرغم من كون هانغ مترجمة إلى العديد من اللغات، من بينها العربية (لها ثلاث روايات بالعربية، جميعها صادرة عن "دار التنوير"). وبهذا الفوز، تكون الكاتبة المكللة بغار نوبل، هي من خارج دائرة الأوروبيين والأميركيين الشماليين، كما أنها المرة الأولى التي يُحتفى بها باللغة الكورية؛ من هنا يمكن لنا القول، إن الجائزة هذه السنة، تكافئ لغة أكثر مما تكافئ أدب شخص معين. والجدير ملاحظته، أيضا، أن الفائزة لا تزال كاتبة شابة، إذ تبلغ من العمر 53 عاما، بينما اعتدنا لفترات طويلة أن تكون الجائزة من نصيب من هم أكبر سنّا، كما حدث مثلا قبل سنتين مع الفرنسية آني إرنو (وغيرها) التي حظيت بهذا الشرف بعد أن تخطت الثمانين من عمرها.
والملاحظ أيضا أنه بعد "الفضائح" الجنسية والمالية التي هزت أركان اللجنة الملكية السويدية من سنوات، بدأنا نجد تناوبا في عملية المنح، أي هناك سنة يفوز بها كاتب، وفي السنة التالية، كاتبة. من هنا، أتت هان كانغ لتخلف النرويجي جون فوس الفائز في عام 2023، وهي كاتبة وشاعرة، تعرف شهرة كبيرة في بلادها كما في الكثير من الدول الأوروبية؛ إذ سبق لها أن حازت جائزة ميديشي الفرنسية عن أفضل رواية مترجمة إلى الفرنسية، كما جائزة "مان بوكر" البريطانية.
وفي حيثيات بيان منح الجائزة، نقرأ أن عمل هان كانغ "يتميز بهذا التعرض المزدوج للألم، والتوافق بين العذاب العقلي والعذاب الجسدي المرتبط ارتباطًا وثيقًا بالفكر الشرقي". ويضيف البيان: "لديها وعي فريد بالروابط بين الجسد والروح، الأحياء والأموات، وبأسلوبها الشعري والتجريبي، أصبحت مبتدعة في النثر المعاصر". وبذلك أصبحت كانغ المرأة الثامنة عشرة من بين 116 فائزًا بجائزة نوبل للآداب.
***
ولدت هان كانغ عام 1970 في غوانغجو، كوريا الجنوبية. وهي ابنة الكاتب هان سيونغ وون، وقد نشأت هان الصغيرة محاطة بالكتب. ففي حديث لها مع صحيفة الغارديان العام الماضي، قالت: "بالنسبة إليّ، كانت تلك الكائنات نصف الحيّة تتكاثر باستمرار وتوسع حدودها". وتضيف: "عندما كنت مراهقة، التهمت أستريد ليندغرين، وباسترناك، ودوستويفسكي... ومما لا شك فيه أن هذه الرفقة المبكرة جعلتني أرغب في الكتابة".
بدأت كانغ مسيرتها الأدبية كشاعرة ثم نشرت روايتها الأولى "النباتية" في سن الرابعة والعشرين، التي توجت بجائزة البوكر الدولية وهي التي جعلتها معروفة على الساحة الأدبية العالمية. وهي مؤلفة عشر روايات. في فرنسا، حصلت روايتها الأخيرة "الوداع المستحيل" على جائزة ميديشي الأجنبية عام 2023. وقد وصفتها يومها صحيفة "لوفيغارو ليترير" بالقول: "هناك شيء واحد مؤكد، وهو كتاب لا يُنسى ويطاردك لفترة طويلة بمجرد إغلاقه".
***
تأتي رواية "النباتية" (ترجمة محمود عبد الغفار) على شكل لوحة ثلاثية حول يونغ - هي، المرأة التي تريد أن تصبح نبتة؛ وفي مسار هذا المسعى نتبع زوجها، وهو مدير تنفيذي عادي صغير، ثم صهره، فنان فيديو مهووس بصبغة يونغ - هي المنغولية، وأخيرا أخت يونغ - هي، التي تساعدها في عملها في اللحظات الأخيرة، وبطريقة ما، تتفوق عليها.
ثلاثة أجزاء، هي في الواقع ثلاث شخصيات تدور شخصية واحدة تتلاشى بلا هوادة. "النباتية" رواية رائعة فعلا، حسيّة ومدمرة، مؤلمة ومحررة، تمنحنا قراءة لا تنسى (على الأقل بالنسبة إليّ).
يتميز عالم هان كانغ، في كتابها هذا، بقوة بالبوذية، وهو ذو أسلوب مترحل، تأملي وراقي، قريب من شامانية ما. غالبًا ما تتعامل الكاتبة مع شخصياتها من خلال أجسادهم، من خلال فشلهم، الذي قد يقود أو لا يقود على مسارات أخرى. ومع ذلك، فإن كتابة هان كانغ راسخة في وقتها، في زمنها الحاضر، حيث تنظر فيه إلى القضايا السياسية الحاسمة في كوريا، مثل التحول الديمقراطي في التسعينيات والليبرالية الجامحة اليوم.
تبدأ رواية هان كانغ الثانية التي نقلت إلى العربية وهي بعنوان "الكتاب الأبيض" (ترجمة محمد نجيب)، أثناء إقامة خارج بلادها، حيث تكتب بضع كلمات على قطعة من الورق، وكلها مرتبطة باللون الأبيض. بياض بطانية الأطفال، بياض الملح أو الثلج، بياض القمر، وبياض زهرة الماغنوليا. من خلال كلّ كلمة من هذه الكلمات، تتقدم في ذاكرتها، وفي تاريخها.
وبهذه الطريقة المتفردة، نجدنا نتقدم معها على سطح الزمن الحاد، على حافة منحدر شفاف. نضع إحدى قدمينا على النهاية الخطيرة العائدة للحياة، بينما نتقدم بالقدم الأخرى في الفراغ. لا يعني ذلك أننا شجعان، لكن ليس لدينا خيار آخر. وفي تلك اللحظة بالذات نشعر بهذا التهديد الذي يلفها: مغامرتها "بكتاب لم أكتبه بعد، بزمن لم أختبره بعد".
روايتها هذه أشبه برحلة عبر منظر طبيعي من الثلج والنعومة، نحو المشاعر الأكثر حميمية للمرأة تجاه نفسها.
أما ثالث كتبها الذي نقل إلى العربية فهو "أفعال بشرية" (ترجمة محمد نجيب)، حيث تعيدنا عبره إلى خضم الانتفاضة الطلابية العنيفة التي عرفتها كوريا الجنوبية، حيث يُقتل صبي صغير يدعى دونغ هو بطريقة صادمة.
عبر هذا الفعل الفظيع، تتوالى أحداث هذه الحلقة المأساوية في سلسلة من الفصول المترابطة، حيث يواجه الضحايا والمفجوعون القمع والإنكار والألم الذي يتردد صداه في نفوسهم بسبب المذبحة التي ارتكبتها السلطة. لتمر عبر الأحداث المتسلسلة من أفضل أصدقاء دونج هو الذي يلقى نهايته المشؤومة إلى محرر يكافح الرقابة؛ ومن سجين وعامل مصنع، كل منهما يعاني من ذكريات مؤلمة إلى والدة دونج هو الحزينة؛ ومن خلال هذا الحزن الجماعي وهذه الأعمال المليئة بالأمل، تروي الرواية قصة شعب تعرض للوحشية كان يبحث عن صوته.
"أفعال بشرية" كتاب مثير للجدل وحائز على جوائز، وهو عبارة عن صورة خالدة ونقطية لحدث تاريخي لا تزال تداعياته محسوسة حتى يومنا هذا، ويتتبع بالتناوب الواقع القاسي للقمع والشعر المذهل والرائع للإنسانية.
لكن هان كانغ ليست روائية فقط، فهي أيضا قاصة، كتبت العديد من النوفيلا (الروايات القصيرة) التي جاءت وفق وصف النقاد بعيدًا عن تقاليد الأدب الكوري، "إذ قدمت لنا فيها الكاتبة وجهًا جديدًا لهذا الأدب، وجها مفاجئًا ومثيرًا". ففي قصتها الطويلة "الكلاب عند غروب الشمس"، تترك الكاتبة لنفسها وبعنف أن تقدم شهادة حول فكرة كسر النظام الأبوي التقليدي. فمعها نكتشف المزيد من أصوات النساء الكوريات، كما في قصتها "كوكتيل وسكر". لا بدّ أن يثير هذا العرض القصير والمكثف للقصص التي كتبتها نساء اليوم إزعاجا ما عند القارئ ويهزه (وبخاصة لمن أدمن مشاهدة المسلسلات الكورية على "النيتفليكس")، حيث يسقط فجأة هذا العالم الذي يعرفه ويتجاهله في نفس الوقت: لأنه إذا كان الأمر يتعلق بالحياة اليومية، فإن قصص الحب وخيبة الأمل هذه لها معنى. ثمة قوة استحضارية جسدية مكثفة، تهتم باللحظة وكأنها راسخة في الذكريات.
في نوفيلا "الكلاب عند غروب الشمس"، هناك أولا وآخرا عنف الشهادة وفظاظة الإلهام التي بدورها مثيرة للشفقة، حيث نرافق فيها تلك الفتاة الصغيرة المتروكة لأب يغرق في اليأس والبؤس والسكر.
لا أعرف فعلا ما قيمة الجوائز الأدبية، لكن وبعيدا عن نوبل وما ستحمله من نقد واستيهامات، تبدو هان كانغ كاتبة جديرة بالقراءة، وبخاصة أنها تفتح أمامنا أفقا، لم نعتد عليه في الكتابة الروائية، التي تمثل بالنسبة إلينا "تلك الدوائر المغلقة" التي تحدثت عنها بعض المواقع الأدبية، طيلة الأسبوع الماضي، الذي سبق إعلان الجائزة.
*****
في عام 2016، وبعد صدور رواية "ارحل، الريح تهب" في ترجمة فرنسية، أجرت مجلة Keulmadang وهي أدبية مختصة بالأدب الكوري تصدر باللغة الفرنسية، حوارا مع كانغ، تطرقت فيه إلى عملها هذا. هنا ترجمة لمقتطفات منه، يتيح لنا أكثر الإطلالة على عالم الروائية كما على كتابتها.
(*) في كتاب "ارحل، الريح تهب"، هناك العديد من المقاطع المخصصة لفهم قوانين الكون. ولكن من خلال محاولة فهم هذا الكون، هل لا تزال الشخصيات قادرة على فهم نفسها؟
حين كنت أكتب "ارحل، الريح تهب"، كنت منغمسة في قراءة كتب عن العلوم الطبيعية والفيزياء الفلكية وما إلى ذلك. سألت نفسي مرة أخرى نفس السؤال الذي كنت أطرحه على نفسي منذ فترة طويلة: كيف سنتمكن من البقاء على قيد الحياة في هذا العالم، في هذا الكون، في هذا الفضاء؟ كذلك قدمت هذه التأملات المادة اللازمة لرواية أخرى من رواياتي: "النباتية". في هذا الكتاب ترفض الشخصية حالتها كإنسان. يأكل الإنسان اللحوم ليعيش، ولكن لكي يحصل على هذا الطعام عليه أن يرتكب أعمال عنف ضد الحيوانات. ولهذا السبب لا ترغب الشخصية في أكل اللحوم، لمقاومة هذه الفكرة. في نهاية القصة، يعتبر نفسه بمثابة نبتة وينتهي به الأمر برفض الأكل. ومع ذلك، يتم تذكيره بحقيقة الحالة الإنسانية: لا يمكن للبشر أن يعيشوا مثل النباتات. طوعًا أو كرها، يجب علينا أن نعيش في هذا الكون ونقبل حالتنا. أردت أن أوضح هذا الوعي الصعب، هذا الواقع القاسي الذي يفرض نفسه علينا ويتجاوز نطاق فهمنا: كيف تم خلق هذا الكون، وكيف يعمل؟ في النهاية، اعتقدت أنه يمكننا العثور على معنى الوجود في العالم الحقيقي لأن هذا هو العالم الذي ننتمي إليه جميعًا. ما أردت إظهاره في هذه الرواية هو النقطة التي يجتمع فيها الكون والحالة الحزينة للإنسان الذي أجبر على العيش داخل هذا العالم.
(*) ومع ذلك، يبدو لي أن "ارحل، الريح تهب" هي في النهاية رواية عن اللا تواصل، عن استحالة التواصل، واستحالة أن يفهمك الآخرون، كما أن تفهم الآخرين.
تحقق هذه الشخصية، جيونج -هي، في وفاة صديقتها لتثبت أنها لم تكن انتحارًا. في هذا التحقيق، تضطر لمواجهة موت وحياة صديقتها في نفس الوقت الذي تواجه فيه حياتها وموتها. وشيئًا فشيئًا تصل إلى حالة من عدم الفهم واستحالة التواصل. يمكننا التقاط صورة القمر الذي ننظر إليه في السماء. نحن لا نرى سوى نصف القمر، ولا نرى الجانب الآخر. نحن هنا في ما لا يمكن فهمه. نحن نكافح من أجل أن نفهم، وفي أغلب الأحيان من دون جدوى. نقرر أن نعيش برغم كل شيء، مثل الشخصية في نهاية هذه الرواية. هذا هو مصيرنا. إن استحالة التواصل واللا تواصل هو أمر مهم بالنسبة لي. لقد ناقشت ذلك في كتاب "النباتية" وأيضًا في قصة "الدرس اليوناني". في هذه الأخيرة هناك شخصيتان، رجل كفيف وامرأة بكماء.
يتواصلان عن طريق تمرير أصابعهم على راحتي أيدي بعضهم البعض، كما لو كانوا يكتبون. يتبادلون الكلام من خلال حرارة الجسم. إن صعوبة واستحالة التواصل هي الموضوع الذي ساد عملي منذ بداياتي الأدبية.
(*) هذه الشخصيات التي لا تستطيع فهم بعضها البعض تسعى إلى حبّ بعضها البعض. ما تقولينه عن الحب فظيع! لديك رؤية متناقضة للحب: إنه مستحيل ولكنه الإمكانية الوحيدة. جميع الأجساد مصابة بكدمات. البطلة مريضة، وقد أصيبت صديقتها أثناء ممارسة الرياضة...
أثناء كتابة هذه الرواية، غيرت العنوان إلى "الحبر والدم". أردت أن أمثل العالمين بالحبر الأسود والدم. الحبر الأسود هو الرمز الذي يمثل عالم عم إن - جو. يشير هذا العالم عبر النجوم إلى أغلى فكرة لدينا، على سبيل المثال، فكرة بداية الكون ونهايته. ومن الجانب الآخر، عالم الدم هو العالم الذي نعيش فيه. فيه الحب والألم. هذه هي حال البشر. بين العالمين، هناك مشكلة وصراع. وهذا ما فكرت فيه عند كتابة هذه الرواية، كما يوحي عنوان الفصل الثالث: "الحبر أحمر والدم أسود". الحبر والدم يختلطان ويزعجان بعضهما البعض.
بالحديث عن الشخصيات المريضة، منذ أن كنت صغيرة، كنت مهتمة بالولادة والمرض والموت. لقد كبرت مع هذه الفكرة. وفقا لكتاب قرأته، فإن تجربة الألم والمعاناة هي دليل متناقض على الحياة. لا يمكننا أن نتحدث عن الوجود من دون أن نأخذ بعين الاعتبار ما ينطوي عليه من معاناة وألم.
(*) أعطتني هذه الرواية شعورًا بأن الشخصيات كانت دائمًا في صراع دائم مع الزمن الذي يمضي. الشخصية الرئيسية هي شخصية خائفة في أعماقها، خائفة طوال الوقت، من كل شيء، ولهذا السبب غالبًا ما تشير إلى الكون. إنها طريقة لدمج خوفها في عالم أكبر. فجأة، يصبح ذلك قوة الشخصية. في نهاية المطاف، الخوف هو القوة الرئيسية للشخصية.
كانت هناك صورتان كبيرتان مسيطرتان في بداية كتابة هذه الرواية. المتاعب والقتال. "ارحل، الريح تهب" لا يعني أبدا "ارحل في اتجاه الريح"، بل "مع اشتداد الريح، ارحل". في الرواية هناك فقرات مكتوبة بخط مائل. وكأن السمات المائلة تتقاتل، هناك دائمًا صراع ضد الزمن، ضد الخوف وضد الموت. ولهذا السبب تحارب "جيونغ - هي" الكتاب الذي كتبته الشخصية الأخرى، ضد الحقيقة، وتتساءل عمّا إذا كانت هذه هي الحقيقة أم لا. المعارك من بداية الكتاب إلى نهايته هي الصورة الأولى والأساسية لهذه الرواية.
(*) لكن هذه الشخصية التي تبحث عن الحقيقة طوال الرواية، بفضول شديد، لم تعد تبحث عنها كثيرًا في النهاية.
لأن الحقيقة في حدّ ذاتها مفككة. اضطربت الحقيقة كما اضطربت الشخصية، فلم تعد تعرف ما الذي يناضل من أجله.
(*) لكن الشخصية تبحث عن حقيقتها. ولم تعد تطلب الحقيقة من صديقتها.
مهما كان عليه الأمر، يجب علينا أن نعيش لنقترب من الحقيقة: هذه هي الخاتمة.
(*) عليها أن تعيش لتدفع حقيقتها إلى النهاية مهما كان عليه الاتجاه. وهذا يعني أن هذه الشخصية ستكون قادرة على العيش حتى النهاية حتى لو كان الأمر في الخطأ.
أساس هذه الرواية هو "التحقيق" الذي تقوده جيونج - هي لاكتشاف حقيقة حياة وظروف وفاة صديقتها إن - جو. بينما نقرأ، ندرك أن التركيز ينصب على ماضي جيونج - هي وحياتها وموتها؛ سوف يمتصنا الصراع الداخلي لجيونج - هي حتى نهاية الرواية.
(*) أعتقد أن ما تبحث عنه من خلال الحقيقة هو الحب. في النهاية، لا يهم ما إذا كان هذا الحب يتعلق برجل أو امرأة. ما تريد معرفته هو شدة الحب النقي.
تضحي "جيونغ - هي" بنفسها من أجل صديقتها وعم صديقتها وطفلها. بالنسبة لها، الثلاثة يملكون نفس المعنى. إنها تقاتل من أجل هؤلاء الثلاثة بينما تسمح لنفسها بالانجراف بطريقة ما. ومن أجل هذه المعركة يجب أن تعيش. ومن وجهة النظر هذه فأنا أتفق معك.
(*) عندما تكرس نفسها لهذه الشخصيات الثلاث، تنسى نفسها. وعندما تكرس نفسها لحقيقة وفاة صديقتها، فهي تبحث عن نفسها. وهذا يدل على أن لديها احتياطيًا مهمًا جدًا من الحب الذي لا نؤمن به.
هناك فكرة مهمة في هذه الرواية: حجر أزرق صغير. في حلمها، يشعر عم "إن - جو" بالارتياح بعد وفاتها. لكنه يذرف دموع الحزن لحظة اكتشافه حصاة زرقاء جميلة جدًا، لأنه سيتعين عليها العودة إلى الحياة لالتقاطها. يتناول هذا الحلم العديد من النقاط التي أردت التطرق إليها في هذه الرواية: الحب والحياة وغيرها.
(*) عنوان "ارحل، الريح تهب" قد يعني "عودة العذرية". عندما تهب الرياح تجرف كل شيء، وتصفو السماء، وتصبح صافية، مع إمكانية الرحيل إلى حياة جديدة.
بالضبط، إن- جو تحلم بذلك. على أنقاض الحياة، تود أن تبدأ من الصفر؛ إنها ترغب في إصلاح روحها الجريحة لتبدأ من جديد. ولهذا السبب تهتم جميع الشخصيات بشدة ببداية الكون. هناك وادي ميسيريونغ، وهو مكان مهم جدًا في هذه الرواية؛ ذهبت "إن - جو" لرؤية المكان الذي توفيت فيه والدتها، لتمنح نفسها الفرصة للبدء من جديد.
(*) إنها رواية الندم والأمل. رمزية الطائر حاضرة جدًا. ما المعنى الذي تعطيه في هذه الرواية؟
ليس فقط في هذا الكتاب، ولكن أيضًا في "النباتية" و"الدرس اليوناني" وبعض القصص القصيرة الأخرى. عندما أريد أن أتحدث عن النساء، من دون وعي، أتحدث على الفور عن الطيور. الطائر هو صورة أساسية بالنسبة لي، صورة المرأة، لكنه يأخذ أحيانًا معاني أخرى، كما هي الحال في "الدرس اليوناني"، عندما يظهر أثناء اللقاء بين الشخصيتين الرئيسيتين. في الواقع، ليس من السهل جدًا شرح رمزية الطائر في عملي. في بداية "ارحل، الريح تهب" ثمة طيور تختفي. في هذه الحالة، إنها لا ترمز إلى النساء أو الرجال. ويبدو لي أن هذه هي الصورة التي تظهر عندما أفكر في الروح.
(*) وربما يكون رمزا لهشاشة الشعور. في كتاباتك عندما يكون الطير جميلا يكون الشعور جميلا وعندما يكون الشعور أسود يصبح الطير أسود أيضا.
مع مرور الوقت، أصبحت على قناعة بأن هناك علاقة كبيرة بين هشاشة المشاعر وشفافيتها. في إحدى قصصي الأخيرة، جمعت بين موت امرأة وموت طائر أبيض. بالنسبة لي، الطائر الأبيض له أهمية خاصة.