}

حسن يوسف: السينما المصرية تودع "الولد الشقيّ"

إيهاب محمود 5 نوفمبر 2024
هنا/الآن حسن يوسف: السينما المصرية تودع "الولد الشقيّ"
(Getty)


في كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، وقبل عشرة أشهر فقط من الآن، كان الفنان المصري حسن يوسف يعلن بشكل رسمي اعتزاله فن التمثيل، بعد أن تأثرت حياته الشخصية بوفاة ابنه عبد الله غرقًا في عام 2023، لافتًا في تصريحات إعلامية إلى أن هذه الحادثة تركت في داخله حزنًا عميقًا، ما جعله غير قادر على تقديم الأدوار كما اعتاد جمهوره، مفضلًا التفرّغ للقراءة، وقرب نهاية العام نفسه، يرحل يوسف عن عمر يبلغ التسعين، بعد أن قضى نحو عام كامل اعتزل فيه الفن، وانغلق على نفسه، وأخلص لفراق ابنه وانكب على حزنه يلاصقه، وهو يرحل محملًا بقدر كبير من دراما تليق تمامًا بفنان تعلق به الجمهور على نحو لافت.

90 عاما كاملة كانت عمرًا مناسبًا للغاية لحياة صاخبة بكل شيء، عاشها الفنان المصري حسن يوسف الذي وافته المنية قبل أيام قليلة. لم يكن "الولد الشقي" ليعيش أعوامًا هادئة أو قليلة، بل اختار له القدر عمرًا مديدًا يلائم طاقته الجبارة على المستويين الفني والإنساني، بالرغم من انقطاعه أعوامًا طويلة للغاية عن التمثيل، غير أن أخباره ظلت محط أنظار الجمهور والوسط الفني على السواء.

تدرج حسن يوسف سريعًا في عالم الفن، وتميّز بوسامته وأدائه الكوميدي والرومانسي، فشارك في العديد من الأفلام التي أصبحت رموزًا للسينما المصرية. كان من أشهر أفلامه "الخطايا" و"التلميذة" و"شفيقة القبطية" و"أم العروسة"، وشارك سعاد حسني في عدة أفلام ناجحة حيث شكّلا ثنائيًا مميزًا على الشاشة، مثل "الثلاثة يحبونها" و"للرجال فقط" و"فتاة الاستعراض" و"الزواج على الطريقة الحديثة" واشتهر بلقب "الولد الشقي" بين الجمهور والنقاد.

وفق تصريحات للناقد السينمائي طارق الشناوي، فإن حسن يوسف هو أكثر أبناء جيله قربًا من الجمهور الشباب منذ منتصف الخمسينيات، "حيث كان من السهل أن يشعر الشباب حينها بقربهم ليوسف، خاصة إذا كانوا لا يمتلكون جاذبية عمر الشريف أو القوة الجسدية لفريد شوقي أو وسامة كمال الشناوي ورشدي أباظة، بالتالي الأغلبية تشبه حسن يوسف بروحه المرحة البسيطة، خاصة مع تلقائيته وعفويته بدون أي تكلف".

لم يكن حسن يوسف من النجوم الباحثين عن تأصيل أدوار تبقى في التاريخ لكنه قدّم موضوعات اجتماعية مختلفة تعبر عن جيله في مراحل مختلفة، ولذلك تعتبر أدواره في فيلم "في بيتنا رجل" وفيلم "خان الخليلي" أحد أوجه التحول الدرامي في العمل حيث البطولة الجماعية تمثل جزءًا رئيسيًا في السينما المصرية حينها، وكانت أعماله الفنية تعكس روحه وشخصيته ومعايشته للعصر.

في الوقت الذي انتشرت فيه مدارس فنية عدة في الزمن الذي ظهر فيه حسن يوسف والفترة التالية عليه، انشغل هو فقط بمغازلة الجمهور. نجح في هذا الأمر بكفاءة بالغة تلفت نظر المتابع بكل سهولة، فاختار أدوارًا لا تغازل المدارس الفنية ولا آراء النقاد ولا الاتجاهات الأكاديمية في التمثيل، بقدر ما انحاز للجمهور، الجمهور العادي للغاية، تمامًا كما يشبهه، يسير كما يفعلون، ويأكل وفق رغباتهم، وينشغل بالقضايا ذاتها، البسيطة حد العمق، والعميقة حدّ البساطة، ليحقق نجومية طاغية في زمن شهد أساطير السينما المصرية في عصرها الذهبي على شاكلة رشدي أباظة، فريد شوقي، عمر الشريف، وكمال الشناوي.

قبل عامين من الآن، وتحديدًا عام 2022، صرّح يوسف في آخر لقاءاته التلفزيونية بأنه يفتقد أصدقاء عمره، ويتوق لمقابلتهم والحديث معهم عن الفن والحياة والأحوال. بدت في نبرة الرجل الذي رحل عن تسعين عامًا، مسحة هائلة من ألم وفقد، فلم تعد الأيام كما كانت، ولم يعد رفاق الأمس موجودين، بل ابتعدت المسافات وتفاوتت الأقدار.

لم تقتصر تجربة حسن يوسف على السينما فقط، وإن حازت على نصيب الأسد في أدواره واهتماماته الأكبر، غير أنه شارك في أعمال خالدة في مكتبة الدراما المصرية، وعلى رأسها مسلسل "ليالي الحلمية" بشخصية "توفيق البدري" التي لاقت نجاحًا جماهيريًا نقديًا واسعًا. وفي عام 2002، اختار يوسف تجسيد سيرة الشيخ محمد متولي الشعراوي في مسلسل "إمام الدعاة"، إذ اقترب خلال تلك الفترة من عالم الصوفية وابتعد إثرها عن العمل في الفن، ولكنه تحمس للشيخ الشعراوي حيث يمثل الوسطية الدينية بالنسبة له ولو اختلفت معه بعض التيارات في عدة مسائل فقهية، وبالتالي حب الناس الشديد للشعراوي وفكره الوسطي تناسب مع فكر حسن يوسف في هذه الفترة وأعاده للساحة الفنية مرة أخرى بقوة، ليضيف إلى رصيده السينمائي ويراكم المزيد من الزخم الإبداعي الذي حققه الرجل عبر مسيرة حافلة ونهاية درامية بامتياز. 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.