}

حنظلة الفلسطيني أيقونة معرض العراق الدولي للكتاب

وارد بدر السالم وارد بدر السالم 29 فبراير 2024

 

(1)

ينفرد العراق من دون غيره من الدول العربية بإقامة ما لا يقل عن سبعة معارض سنوية دولية للكتاب، في أربيل والسليمانية والنجف وكربلاء والبصرة. أما في بغداد وحدها فيُقام معرضان دوليان في الصيف والشتاء لمؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون، واتحاد الناشرين العراقيين، كل منهما بشكل منفرد. ومع هذه الوفرة من المعارض فلا بد من أنها تشكل صفحة ثقافية وواجهة اعتبارية للثقافة العربية من بابها العراقي، وموردًا من موارد الوعي العام بما يرمز إليه وجود معارض بهذا الكم المتنوع وفي محافظات متقاربة ومتباعدة شمالًا وجنوبًا.

(2)

انتهى معرض العراق الدولي للكتاب بنسخته الرابعة الذي أقامته مؤسسة المدى، والذي اختلف جوهره عن المعارض العربية في هذا العام، إذ كانت القضية الفلسطينية هي المحور الأساسي الذي شكّل بؤرة جاذبة للزائرين، بدءًا من التصاميم الخارجية للمعرض في البوسترات والملصقات، وحتى الندوات التي ضاعفت من وجودها وهي تناقش الفضاء الفلسطيني أدبًا وفنًا وسياسةً ووعيًا وفولكلورًا. لهذا يمكن للزائر أن يميز التصميم العام للمعرض وشعاره المرفق بالعبارة الشعرية "صارت تسمى فلسطين" لمحمود درويش، مع وجود مجسم خشبي لحنظلة الفلسطيني كأيقونة للمعرض، وهو التوقيع الذي رسمه الفنان الراحل ناجي العلي، الذي صار ملمحًا بارزًا في مداخل القاعات ورمزًا فلسطينيًا حيًا يتجدّد في لقاءاتٍ كهذه. إضافة إلى كل هذا فثمة أعمال تشكيلية في الهواء الطلق وفي داخل قاعة القدس، تشير إلى المقاومة الفلسطينية في غزة، والتقاطات انسانية عن معركة طوفان الأقصى بقيت شاهدة طوال أيام المعرض كشهادات حية للصمود الفلسطيني.


(
3)

تسميات القاعات العارضة للناشرين تجددت بأسماء: قاعة غزة. قاعة جنين. قاعة نابلس. قاعة القدس (وهي خاصة بالمحاضرات والندوات)، بدلًا من الترقيم المعتاد في مناسبات معرضية كهذه، مما أعطى جوًا شخصيًا فلسطينيًا حقيقيًا كان من الواضح أن ينتمي العراقيون اليه جميعًا بمختلف الفئات والطبقات التي دخلت المعرض، سياسيين وعامّة الناس، بإحساس حميمي إلى القضية الفلسطينية وتداعيات حرب غزة في طوفان الأقصى، الذي أعاد معادلات الصراع العربي الإسرائيلي إلى الواجهة العربية والعالمية.

(4)

إشاعة الكوفيّة الفلسطينية لزوار المعرض بسعر رمزي، كانت تذكيرًا بشعبية الفلسطيني الذي تميز بهذه الكوفية بوصفها رمزًا للمقاومة الطويلة ضد الاحتلال الصهيوني. ومن الواضح أن نشاهد الأطفال والنساء العراقيات على وجه الخصوص وهنّ يضعنها على أكتافهنّ أو يشددن بها رؤوسهنّ، تثمينًا واعتزازًا بهذه الرمزية العالية التي تمثّلها الكوفيّة المرقطة باللونين الأسود والأبيض، مما يعيد ذاكرة العراقيين إلى هذه الرمزية المتميزة التي اكتسبت في وعي العراقيين حضورًا قديمًا، يتجدد هذه المرة عبر المعرض، وفي معركة طوفان الأقصى القائمة حتى اليوم.

(5)

ولتقديم صورة تقريبية عن الأرض الفلسطينية بعطاءات الزيتون، كشجرة مقدسة قديمة، وما تحمله من رمزية تاريخية، تم زرع شجرة زيتون في مقابل قاعات العرض. وهي إشارة واضحة إلى التجلي العربي الفلسطيني على أرض الرافدين وخصوبتها. بمعنى أن المعرض كله تكرس لفلسطين وقضيتها الأزلية. ونعتقد بهذا أن المعرض نشر رموزًا فلسطينية واضحة على مدار عشرة أيام، كانتماء عربي للقضية وتفريعاتها في السياسة والأدب والفولكلور والوعي والأفكار الإيجابية. وهو ما ميّز هذه التظاهرة المكتبية عن غيرها من التظاهرات المشابهة في العالم العربي في مواسم معارض الكتب.


(
6)

هذا هو المتن العام للمعرض بشكل مختصر، وهو المتن الرئيس الذي كرسته هذه الدورة بثقلها الوطني الثقافي الشعبي لنصرة فلسطين وطوفان غزة والأقصى، تحاذيه بشكل يومي فعاليات أدبية وإعلامية وسياسية معظمها كُرّس لهذه الحالة التي رأى فيها المحاضرون من داخل وخارج العراق إسهامة جدية في توفير أجواء عربية منتصرة للأدب الفلسطيني وفنونه ومرجعياته التراثية والفولكلورية.

في قاعة القدس قال الروائي الكويتي سعود السنعوسي، الحائز على جائزة البوكر، إن معظم رواياته لم تتخلّ عن القضية الفلسطينية وإنه يكتب من الداخل الفلسطيني و(الرواية حلمُنا بانتصار فلسطين) مؤكدًا انتماءه للقضية وتاريخيتها المعروفة. في حين أشار الروائي العراقي شاكر الأنباري إلى أن معظم الروايات العربية والفلسطينية التي تناولت القضية كرّست جهودها الاعتبارية والفنية لتناول ثيمات الشتات الفلسطيني، وقال إن المحتوى العام لروايات غسان كنفاني (عائد إلى حيفا) و(رجال في الشمس) و(ما تبقى لكم) هي هذه الأفكار التي شغلته فنيًا، في ما أكد الناقد شجاع العاني على صعوبة تناول القضية الفلسطينية روائيًا، وعدّها من أصعب الموضوعات التي يمكن للروائي العربي الوقوف عندها، بسبب (البعد المكاني والحواجز المادية التي تقلل من دقة التصوير الروائي) فالبيئة المحلية الوطنية تلعب دورًا كبيرًا في تقريب الصورة الروائية والتعامل معها. وذكّر بأن من أهم الروايات العراقية التي كتبت عن فلسطين هي رواية عبد الخالق الركابي (مقامات إسماعيل الذبيح) ورواية (حرب العاجز) لزهير الجزائري.

وفي ندوة تالية تمت فيها مناقشة موضوعة المقاومة الفلسطينية في الأدب العربي تحدث د. سمير خليل ود. جاسم الخالدي ود. فاطمة بدر التي أكدت أن أول من أوجد مصطلح "المقاومة" هو الروائي غسان كنفاني في عام 1966 عندما كتب دراسة عن المقاومة في الأدب الفلسطيني. وهذه الذاكرة الأرشيفية يمكن لها أن تفتح جدلًا موضوعيًا حول المصطلح ونشأته عربيًا، بعيدًا عما ألفناه في الترجمات الأجنبية، من أدب مقاومة نشأ مع التعسكر الاحتلالي وضروب المقاومة المحلية في الحروب العالمية والأهلية التي نعرفها التي ناهضت ذلك التعسكر والاحتلال في وجوهه القبيحة.

كانت ندوة (فلسطين موجّهًا سرديًا) لقاء مع د. عبد الكريم المصطفاوي والناقد حميد العطار والروائي خضير فليح الزيدي، فما ذكره المصطفاوي عن عدم مواكبة الأدب الفلسطيني للمقاومة، أعاده إلى تقسيم مراحل الأدب الفلسطيني منذ عام 1948 لغاية 1967 (كُتبت فيها حوالي 60 رواية) كمرحلة انتهت بهزيمة حزيران/ يونيو، على أن المرحلة التالية قد توقفت في عام 1991 بصدور عدد من الأعمال الروائية والقصصية، أعقبتها آخر مرحلة طوفان الأقصى، القائمة حتى الآن. بينما كان خطابا الزيدي والعطار منفعلين، انتصارًا لغزة، من دون أن يقدما ملامح نقدية للسرد الفلسطيني في مراحله الكثيرة التي أشار اليها المصطفاوي.

أما الندوة المكرسة لمنحى القصيدة المغناة للمقاومة ودورها في التضامن مع القضية الفلسطينية، فكانت لقاء مفتوحًا تحدث فيه الناقد الفني ستار ناصر قائلًا إن القصيدة المغناة تعد تاريخيًا بوصلة للتحدي والتصدي للعدوان الاسرائيلي، والأغاني الفلسطينية استمدت قوتها من الفولكلور المحلي كونه فولكلورًا أصيلًا لم ينقطع عنه الفلسطينيون بالرغم من عوامل التاريخ ومستجداته وتطوراته السريعة على الأصعدة كلها، وبالرغم من وحشية الكيان الصهيوني ولا إنسانيته غير الخافية على أحد.

أما اللقاء الشعري الذي حمل عنوان "فلسطين تنبض في سماء القصيدة" والذي أداره د. زين حسين، فقرأ فيه الشعراء يحيى الرحال وحماد الشايع وآية ضياء بعضًا من القصائد المتوشحة بالحس الفلسطيني، فجاءت متباينة المستويات، ولا تخلو من الهاجس الانفعالي المتوقع في مناسباتٍ كهذه.


قرأ حماد الشايع قصيدته "طوفان الأقصى" ومما جاء فيها:

الآنَ في غزةَ الأرواحُ تزدلفُ

ومشهدُ الموتِ منهُ الموتُ يرتجفُ

وأمّةٌ من رزاياها اقشعرّ فمي

بالذل والعارِ والخذلانِ تلتحفُ.

وجاء في قصيدة آية ضياء:

حتّى الأشجار جميعنا أبناء لها بالفطرة/ في جيبي حربٌ أتلاعبُ في صورتها/ أنزعُ عنها ثوبًا طرّزهُ الراحلون/ فيتنفّس جلدها حصتي من الهواء.

ومن قصيدة يحيى الرحال "حبال الصمود":

لأنَ الصبرَ لا يُحصى بحربٍ

فلا زيتون يخضعُ بالقتالِ

ولا قصفٌ سترعب منه دارٌ

لآن الدارَ حتمًا لا تبالي...




استدراكات:

  • نجا فخري كريم، رئيس مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون ورئيس المجلس العراقي للسلم والتضامن، من محاولة اغتيال في منطقة القادسية ببغداد، في أثناء عودته إلى منزله، قادمًا من معرض العراق الدولي للكتاب. ونفذ محاولة الاغتيال، في حوالي الساعة التاسعة من مساء 22 شباط/ فبراير 2024 مسلحون مجهولون كانوا يستقلون مركبتين من نوع (بيك آب)، حيث اعترضوا الطريق لإيقاف سيارة رئيس مؤسسة المدى ثم قاموا بإطلاق الرصاص على سيارته من أسلحة رشاشة ولاذوا بالفرار. وتؤكد محاولة الاغتيال الفاشلة أن قوى الظلام والتخلف، المسؤولة عن الخراب العراقي الماثل، لا يسرها أن ترى العراقيين فرحين متفاعلين مع حدث ثقافي كبير ومؤثر مثل معرض العراق الدولي للكتاب.
  • شاركت حوالي 350 دار نشر عربية وأجنبية، وهو عدد قليل لمعرض دولي في بغداد، بسبب انشطار دور النشر إلى شطرين سنويين، إما مع مؤسسة المدى أو مع اتحاد الناشرين العراقيين. فأية دار نشر تشارك في هذا المعرض لا يحق لها المشاركة في معرض الناشرين، والعكس أيضًا، مما أضعف عدد دور النشر المشاركة، كما لو هو انتماء سياسي، إما إلى اليسار وإما إلى اليمين. ويمكن قراءة هذا التشظي في معارض الجهتين المتنازعتين التي أقيمت على أرض المعارض ببغداد. وهذا التشتت يقوله صراحة مديرو دور النشر المشاركة صراحةً باستياء في كثير من الأحيان. وتلمسه الجماهير الشعبية والثقافية التي ترتاد كلا المعرضين.
  • اللبناني فواز طرابلسي وقّع كتابه (زمن اليسار الجديد) الذي ناقش فيه اليسار ودور الاعلام في تحصين الناس ضد الظواهر السلبية في المجتمعات العربية.
  • أسبغ عازفا الكمان عدنان نزار وأيك حسين وفرقة family Dance أجواء طربية على فضاءات المعرض الخارجية، بتقديم ملامح من مقطوعات موسيقية عالمية.
  • لوحظ في المعرض انتشار كتب الجيب الصغيرة التي هجرتها القراءة منذ زمن طويل. غير أن بعض دور النشر العربية أعادت لها الاعتبار بطبعات أنيقة بما يتناسب مع القراءة الجديدة التي استولت عليها الإلكترونيات وسواها من مفاصل السوشيال ميديا.
  • الكاتبة النمساوية- العراقية سوزان علي كانت أحد ضيوف المعرض وتحدثت عن  القصيدة والاغتراب. وقرأت قصيدتها "مليون برميل نفط" بترجمة ريما الجبوري.
  • ساهمت وزارة الشباب والرياضة بإطلاق مبادرة الـ 1000 بطاقة وُزعت لزوار المعرض من فئة الشباب والتي تسمح لهم بالتبضع بقيمة 25 ألف دينار من دور النشر.
(الصور بعدسة كاتب المقال)

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.