}

"حرير العنكبوت الذهبي": محاولة ترويض الأسطورة

هنا/الآن "حرير العنكبوت الذهبي": محاولة ترويض الأسطورة
من المعرض

تصوير- حسين بيضون

ظلت العناكب أحد الرموز القديمة للأساطير لدى مجمل ثقافات العالم، دون أن يخطر ببال أحد جعلها مجال استثمار كما وقع مع دودة القز الحشرة التي خدمت العالم القديم وأنشئ من أجلها "طريق الحرير".

ظلت العناكب تنسج أساطيرها عن قدرتها على النجاة من الانقراض والغواية، والمتاهة، والافتراس، والقوة التي تتظاهر بالوهن.

غير أن حلم العالم الفرنسي فرانسوا كزافييه بون أثمر أخيرًا في عام 1709، العام الذي سيمسك بيده حرير العنكبوت لأول مرة، علّه يكون منافسًا أو بديلًا للحرير الصيني المكتسح خزائن الملابس وغرف النوم الفاخرة في أوروبا.

في ذلك العام قدم بون للجمعية الملكية للعلوم في مونبلييه بفرنسا زوجين من الجوارب والقفازات من حرير العنكبوت. كانت تلك محاولة لترويض الأسطورة وجعلها جزءًا من ماكينة الإنتاج السلعي.

توقف الحلم

تحقق الحلم، لكن كان ينبغي أن يقف عند حده، بسبب التكلفة العالية، إذ يتطلب إنتاج غرام واحد من الحرير في العادة ما بين ستمئة إلى ألف عنكبوت، كما أن العناكب غير أليفة كدودة القز التي تأكل ورق الشجر وتنتهي حياتها على أيدي البشر الطامحين، يقتلونها ويأخذون خيوطها، لتبدأ دورة جديدة من الحياة والموت فالحرير.

العناكب فصيلة تعتز بتصنيفها العلمي "العنكبيات" مفترسة تصطاد الحشرات، وإناثها تأكل ذكورها، وهذا غير مناسب للعقل الاستثماري.

بعد هذه القرون قرر البريطاني سيمون بيرز والأميركي اليوناني نيكولاس جودلي توجيه تحية لهذا الحلم الذي قطع بضع خطوات، من خلال معرضهما "حرير العنكبوت الذهبي" ويستمر في متحف الفن الإسلامي (الدوحة) حتى السادس من يوليو/ تموز المقبل.


منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي، يعيش سيمون بيرز في دمشق، الوطن المثالي لهذه العناكب الكبيرة، قبل أن ينضم إليه رفيقه نيكولاس جودلي مطلع الألفية الجديدة، مؤمنين معًا بأن مشروعهما قد يدفع المختبرات المبتكرة حول العالم إلى إعادة إنتاج خصائص حرير العنكبوت صناعيًا، حيث يعتبر هذا الحرير أقوى مادة طبيعية معروفة، مما يفتح إمكانات هائلة في المجالات الصناعية والعلمية.

عرضوا هنا في الطابق الرابع من متحف الفن الإسلامي أربع منسوجات ورداءً صنعت كلها باستخدام حرير العناكب الذهبية غازلةِ النسيج الدائري والموجودة في مدغشقر، وتشمل معطفًا دون أكمام، ونسيج لامبا مقصّبًا، وشالًا من نسيج (تفتة) الشفاف، وشالًا منسوجًا من الساتان.

 إلى جانب ذلك هناك المخطوطات والأوراق التاريخية التي توثق هذه العملية، ومن ذلك المخطوطة المتعلقة بعالِم الحيوان الفرنسي دو ريومور وقد كلفته الأكاديمية الملكية للعلوم باستكشاف إمكانية تحويل حرير العنكبوت إلى صناعة، وما إذا كان من الممكن جعله أرخص وأوسع نطاقًا من حرير دودة القز.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 1710 قدم ريومور النتائج التي توصل إليها في باريس إلى الأكاديمية، وكشف أنه يلزم اثني عشر عنكبوتًا لإنتاج نفس كمية الحرير التي تنتجها شرنقة واحدة من دودة القز.

عشرون عامًا

تأتي القطع ثمار أكثر من عشرين عامًا من التجارب على هذه المادة.  فقد شرع الثنائي، في عام 2004، في هذا المشروع لإنتاج وتصنيع المنسوجات المشغولة من حرير العناكب.

يحتوي المعطف الذي يتوسط المعرض على حرير مستخرج من 1,2 مليون عنكبوت. وقد استغرق إنتاجه أكثر من عامين، بما في ذلك أكثر من 6000 ساعة من أعمال التزيين والتطريز.

أما اللامبا فهو الاسم الذي يطلقه أهالي مدغشقر على القماش المستطيل المنسوج. ويتكون هذا اللامبا الخاص من سبعة ألواح وشريطين منسوجين على الأطراف. وتتكون التصاميم من زخارف هندسية تشمل أزهارًا وطيورًا رقيقة، وهي مستوحاة من الحرير الملكي المصنوع في مرتفعات مدغشقر. واستغرق صنعه أربع سنوات وتطلب خيوطًا من 1,063,000 عنكبوت.

شال التفتة الشفاف يمثل المحاولة الأولى لنسج حرير العنكبوت على النول. جُمع الحرير من أكثر من 500 ألف عنكبوت غازل مداري ذهبي، علمًا بأن خيطًا رفيعًا واحدًا من هذه الخيوط لم ينقطع رغم تعرضها للشد أثناء عملية النسج، مما يؤكد المرونة والقوة غير العادية لحرير العنكبوت. تتميز هذه القطعة بالرشاقة والرقة وتبرهن على خفة الوزن التي يتميز بها حرير العنكبوت.

والشال المنسوج من الساتان أنتج باستخدام حياكة الساتان بدلًا من الحياكة العادية. وكان الهدف من هذا الاختيار إبراز جمال الحرير والتأكيد على بريقه بدلًا من خفته. كان الشال تجربة تسبق صنع معطف ببطانة أرق ونسيج خارجي أثقل.


حياكة الحكاية

وقد استحضر سيمون بيرز، مبتكر "حرير العنكبوت الذهبي"، في بيان لمتحف الفن الإسلامي حقيقة أن كل قطعة نسيج تحكي قصة معاصرة للغاية، وتمثل ملتقى للتيارات الثقافية العالمية والاستعارات الانتقائية. وأضاف: "أنتجت هذه القطع بعد عملية تفكّر ودراسة متأنية، وبمهارات اكتُسبت بعد وقت طويل ومجهود كبير. وبالتالي، هي إبداعات تتمثل رسالتها في الوسيط الذي صنعت منه".

وفي قاعة عرض فيديو يحكي بيرز عن هذه الخيوط الحريرية التي لا تكون إلا بلون الذهب، وهي كما يصفها تسحب من بطن العنكبوت إلى أن ينتهي الخيط، فيحل محله عنكبوت آخر. ولقد بدا له أن هذه العملية أقرب تشبيه لها هو حلب الأبقار، وهي مختلفة كليًا عن عالم دودة القز.

وبحسب ما أدلى به فإن العنكبوت كائن عجائبي ذكره الشعراء ومن بينهم جون كيتس، أحد شعراء الرومانتيكية، مندهشين من تحول شيء سريع الزوال إلى عالم دائم.

بل استعاد مع عناكبه قصص الألماني رامبيل ستيلتسكين، ولعله يعني هنا قصة ابنة الخباز التي كان عليها أن تذعن لأمر الملك بتحويل القش إلى ذهب كي تنجو من الحكم بالموت.

ويختم سيمون بيرز بأن المعرض محاولة لإحياء تلك القصة الاستثنائية التي عرضت جوانب منها في مجموعات عامة وخاصة منها: المتحف البريطاني في لندن، ومتحف متروبوليتان في نيويورك، ومعهد شيكاغو للفنون، والمتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي في نيويورك، ومتحف كليفلاند للفنون في أوهايو، متحف فاولر في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجليس، والمتحف الميداني في شيكاغو، والمتحف الوطني للفن الأفريقي في سميثسونيان بالعاصمة واشنطن، ومتحف الإثنوغرافيا في أوساكا باليابان.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.