يطرح بينالي "دوحة التصميم" في دورته الأولى التي افتتحت أول أمس الأحد مجالًا واسع الأرجاء ومتنوع الطبقات بما يدور من أفكار وصور بصرية ابتكارية بعضها تجريبي وبعضها الآخر تراثي، بينما يسعى آخرون لاستلهام كل ما يتاح من معارف بغية الوصول إلى توليفة بين التطبيق الوظيفي والتشكيل.

هذه دورة افتتاحية أولى قررت متاحف قطر التي أطلقت البينالي أن يكون كل عامين، بما يسمح كما شاهدنا مساحة واسعة على أرض مشيرب قلب الدوحة تضم عشرات المعارض في أماكن متعددة وفي يوم واحد.

وهو كذلك أسبوع للفعاليات، من حلقات نقاشية ومشاريع تعاونية، وبرامج توجيهية للفنانين، وورشات عمل يختتم اليوم الأربعاء، الثامن والعشرين من الشهر الجاري، غير أن المعارض ستبقى مفتوحة حتى مواعيد مختلفة أقصاها الخامس من أغسطس/ آب المقبل.

وبحسب بيان أصدره البينالي فإن رؤيته تطمح إلى خلق "منصة حوارية غنية وديناميكية لاستكشاف التأثير العميق للتصميم على جميع جوانب حياتنا".

رؤية البينالي

وبهذا يُظهر المنتدى الذي يعد جزءًا من رؤية البينالي التزامًا مفاهيميًا بالاستفادة من التصميم كقوة فعالة للتغيير الإيجابي، وتحقيق التأثير الاجتماعي، وتحسين الشامل للمدن والمجتمعات.

وبحسب البيان يهدف البينالي "إلى إلهام الحضور لتصوّر يكمن الهدف الأسمى للمنتدى في إلهام الحاضرين لتصور المدن كلوحات فنية حية حيث يكون التصميم أداةً للتواصل، والإلهام الفردي والمجتمعي، والنمو الاقتصادي، والتبادل الثقافي الحقيقي".

التصميم العربي

في جولة استمرت بضع ساعات منذ الصباح كان أضخم المعارض ومحور البينالي تحت عنوان "التصميم العربي الآن" والذي أقيم في مركز M7. قدم المعرض استعراضًا للابتكارات المعمارية والمادية من الحرف المعاصرة والأثاث والأزياء والرسومات وتصميم المُنتجات.

74 مصممًا عربيًا تشرف على معارضهم القيّمة الفنية رنا بيروتي، المهندسة المعمارية التي تكرس جهدها البحثي لدراسة وتوثيق الممارسات الاجتماعية في المنطقة.

ويوازن هؤلاء المصممون حين ينضوون تحت هدف "العربي" و "الآن" بين التصميم المعاصر والأساليب التقليدية المستمدة من تراث المنطقة، مع التركيز بشكل خاص على البيئي والمستدام.

ثمة بيت من الطين حافظ على الخامة التقليدية القديمة كما في النموذج المغربي المعروض من مزيج الطين والقش لكن مع تشكيلات هندسية مبتكرة، يستشعر المار بين جدرانه حساسية قديمة تستعيد حيويتها بعد عيش طويل مؤبد داخل مكعبات الإسمنت.

خيمة حجرية

وفي عرض آخر نصبت خيمة مثلثة غير قماشية، بل من الحجر المجلوب من مقالع قريبة من مدينة الخليل الفلسطينية، بهدف التعبير عن الحاجة للعودة إلى الحجر بوصفه عنصرًا إنشائيًا، لا كما جرت العادة باستخدامه لتلبيس الجدران الإسمنتية.

إذا ما استرجعنا البيوت القديمة فإن تقليدًا بقي متوارثًا حتى مع دخول الإسمنت وانتشاره الواسع، متمثلًا في حامل للحافات والبطانيات والفرشات والمخدات، وهو الذي يطلق عليه في بلاد الشام اسم "الدوشك" أو "المصفط". إما أن يكون جزءًا من الجدار أو مستطيلًا خشبيًا. وهو في المعرض يحضر بتصميم جداري من الأردن، وكما هو محفوظ في ذاكرة من عايشوه تغلب عليه تعددية الألوان، وفي النموذج المعروض تبدو غابة ألوان تخبئ داخلها خامة الصوف.

وفي الجوار لم تذهب مفردات التطريز إلى أقمشتها كما اعتادت أن تذهب، بل كان الشال رخاميًا معلقًا على الجدار، تتقدمه طاولة من الحجر والمعدن تعج بقطبات الثياب من أرياف فلسطين، مع طائرين يتواجهان بمنقاريهما، كناية عن الحماة والكنّة.

ألوان المدينة

ومن المعارض الأخرى التي في M7  "ألوان المدينة: قرن من العمارة في الدوحة"، ويسلط الضوء على "الآرت ديكو"، والأسلوب الكلاسيكي والحديث، بتركيز على الطرق التي تحوّلت وتطبعت فيها هذه الأساليب في قطر، وهي آتية من مهندسين وحرفيين من أوروبا، وأميركا، والشرق الأوسط وجنوب آسيا.

أما "نسج القصائد" فهو تركيب فني وتصميمي يستحضر الجو الإبداعي لصناعة النسيج على أيدي الأفغانيات، وبما ترتبط فيه من طقوس تتضمن تقديم النذر لإتمام أشغال النسيج الجماعية وإعداد الحلوى وخبز "نان سرخ" وأداء الصلاة، قبل الذهاب إلى النول والعمل المصاحب بالغناء وتداول القصائد الشعرية.

تاريخ بين الخيوط

أتاح معرض "تاريخ بين الخيوط" بدوره نافذة على تطور الفنون التطبيقية في أوزبكستان خلال القرن الماضي، بما في ذلك المصنوعات اليدوية مثل الطوابع الخشبية وصباغة الأقمشة وأقمشة بخارى "باخمال" المخملية التي تعود إلى القرن العشرين من متحف الدولة للفنون في أوزبكستان.

ويستخدم "النسيج البصري" في المعرض منطلقًا مفاهيميًا لدفع الصفات الجمالية والمكانية للمساحة، مع التركيز على اللون وإثارة الحواس. وتستخدم منهجية النسيج البصري تطبيقًا غير تقليدي للمعالجات السطحية للسماح بإيهام العمق والقدرة على تغيير اللون أثناء تحرك الزوار.

وعلى مقربة من مركز M7، مبنى غاليريا مشيرب، حيث تتقاسمه معارض مثل "مساحات منسية" الذي يقدم تجهيزات فنيّة من السجاد صُممت وطوّرت للنُسخة الأولى من بينالي دوحة التصميم، ومن بينها سجادة الزاوية، وسجادة المدخل.

أما معرض "حرفة ورمز: تطور التصميم المُعاصر في تركيا" فيطل على  السياق التاريخي للتصميم في تركيا، مع الإشارة إلى التحول من رفض الماضي والتقاليد والحرف اليدوية، نحو قبول ودمج العناصر الثقافية المحلية.

ويستخدم مصممون كويتيون في معرضهم "مركز التصميم الكويتي: النسيج البيئي الثقافي" الاستدامة في أعمالهم الممزوجة بالهوية العربية المعاصرة، ويقدمون منصة ينادون عبرها باندماج الوعي البيئي والتراث الثقافي في التصميم الحديث.

وبما يشبه هذا التوجه كان معرض التصميمات الداخلية من قطر الذي أبرز معالمه "المجلس" أو "المضافة" لكن بشكل دائري مغاير للشكل المستطيل المعهود، كأنه مستلهم من مسرح روماني. أما جلسة الطعام  التقليدية على الأرض فكانت تحيط بشكل قوسي بمطبخ مفتوح على النمط الأميركي.

لحظات تأملية

واستضاف متحف "بيت الشركة" عرض "اللحظات التأملية" وفيه يبرز المقعد المتفحم، وهو عنصر أساسي في البيئات الحضرية، يدعو المارة إلى التوقف للحظات. يعد الخشب المتفحم الكبير مظهرًا رمزيًا للاستبطان، ويحث الأفراد على التوقف والتفكير وأخذ برهة تأمل في ظل سرعة حياتهم.

كما يُعرض بشكل دائم عمل تركيبي صمّمه الكوري الجنوبي تشوي بيونغ هون في متحف قطر الوطني، أما الفنان الهولندي جوريس لارمان فجرى تكليفه بعمل تركيبي، اختار له عنوان "تنين الدوحة"، ومكانه حي الدوحة للتصميم في مشيرب.

وتنتظر مسابقة "أفضل مائة ملصق عربي" إعلان الفائزين الأربعة اليوم الأربعاء، وهي في أربع فئات تبتغي تعزيز المواهب الغرافيكية الجديد وتوثيق الثقافة البصرية المعاصرة في العالم العربي، وتبلغ قيمة كل جائزة 100 ألف ريال.

‎في الأثناء أعلن "ليوان"، وهو الاسم الذي تتخذه استديوهات ومختبرات التصميم التابع لمتاحف قطر، عن إصدار مطبوعته  "الجورنال" وذلك اليوم الثلاثاء قائلًا إنها  "منصة تمد جسور التواصل بين أصوات التصميم المحلية والعالمية وتُشجع التعاون في المسائل الإبداعية، والثقافية، والفكرية ‏والتعليق عليها".

من المعرض (تصوير: حسين بيضون)