}

لا حصانة لأصحاب "الدروع الزرقاء" في حرب الإبادة بغزّة

أوس يعقوب 3 مارس 2024
هنا/الآن لا حصانة لأصحاب "الدروع الزرقاء" في حرب الإبادة بغزّة
قتلت إسرائيل حمزة، نجل الصحافي وائل الدحدوح (Getty)
"أنا إن سقطتُ فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح، واحمل سلاحي لا يخفكَ دمي يسـيل مـن السلاح، وانظر إلى شفتيّ أطبقتا على هوج الرياح، وانظر إلى عينيَّ أغمضتا عـلى نـور الصـبـاح، أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح، فاحملْ سلاحك يا رفيقـي واتجه نحـو القتـالْ، واقرع طبولك يستجب لك كلّ شعبك للقتال، وارعدْ بصوتك يا عبيـدَ الأرض هـبّوا للنضـال، يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال، ولتحملوا البركان تقذفه لنا حُمر الجبال، هذا هو اليوم الذي قد حدّدته لنا الحياة، للثورة الكبرى على الغيلان أعداء الحياة، فإذا سقطنا يا رفيقي في جحيم المعركة، فانظر تجد علمًا يرفرف فوق نار المعركة، ما زال يحمله رفاقك يا رفيق المعركة".
[معين بسيسو]

حتى يوم 16 من الشهر الماضي، سقط 132 صحافيًا وعاملًا فلسطينيًا في مجال الإعلام في حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها جيش الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزّة، منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، بعد مقتل 4 صحافيين جراء القصف الوحشي على أهداف متفرقة في القطاع، حسب المكتب الإعلامي الحكومي في غزّة.
تتعمّد دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ بدء العدوان استهداف الطواقم الصحافية والمراسلين والمصوّرين في القطاع، وكذلك عائلاتهم، حيث استهدف قصف الاحتلال منازل ما لا يقل عن 35 صحافيًا، مما أدّى إلى استشهاد عشرات من أفراد عائلاتهم، من ضمنهم الاستهداف المتعمّد لعائلة الصحافي وائل الدحدوح، مراسل قناة "الجزيرة"، الذي نتج عنه قتل زوجته، واثنين من أبنائه، وحفيده الأصغر.

الظهور الأخير... غياب الصوت والصورة وبقاء الأثر
زاد عدد الشهداء من أصحاب "الدروع الزرقاء" منذ بدء العدوان وحتى تاريخ كتابة هذه المقالة، على 132 صحافيًا وعاملًا فلسطينيًا في مجال الإعلام في إحصائية غير نهائية، ودُمّرت تقريبًا كلّ مقار الهيئات والوكالات والمؤسّسات الإعلامية العاملة في القطاع، ومنها مكاتب قناة "الجزيرة"، ووكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس"، وقناة "الشرق"، ووكالة الأنباء الفلسطينية "وفا"، وصحيفة "الأيّام"، ووكالة "شهاب"، فبلغ عدد المقار المدمّرة، كلّيًا أو جزئيًا، حتى تاريخ 1 فبراير/ شباط 2023، أكثر من 70 مقرًا.
نقيب الصحافيين الفلسطينيين، ناصر أبو بكر، أعلن في 12 من الشهر الماضي أنّ "إسرائيل قتلت ما يقارب 10 في المئة من صحافيي غزّة، بهدف منعهم من إيصال حقيقة ما يقع في القطاع إلى العالم". وبعدها بيوم، أعلنت قناة "الجزيرة" إصابة اثنين من صحافييها، وهما إسماعيل أبو عمر، وأحمد مطر، بجروح خطيرة في قصف إسرائيلي على مدينة رفح، جنوبي قطاع غزّة.
وقالت القناة: "إنّ طائرة مسيّرة إسرائيلية أطلقت صاروخًا واحدًا على الأقل باتجاه صحافييها في استهداف مباشر. أدّى ذلك إلى بتر ساق مراسلها إسماعيل أبو عمر اليمنى، وإصابة ساقه اليسرى إصابة بالغة، كما أصيب بجروح خطيرة في جسده بسبب الشظايا. فيما أصيب المصوّر أحمد مطر في يده إصابة بالغة، إضافة إلى جروح في جسده".
وتعرّضت طواقم صحافيي قناة "الجزيرة" في غزّة للاستهداف خمس مرّات منذ بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، كما استشهد اثنان من عامليها هما الصحافي حمزة وائل الدحدوح، الذي استهدف مع زميله مصطفى ثريا بغارة في يناير/ كانون الثاني الماضي، والمصوّر سامر أبو دقة الذي ديسمبر/ كانون الأول 2023.
وفي الضفة الغربية، أطلق جندي إسرائيلي النار على الصحافي والمصوّر رامز عواد، في 18 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، مما أدّى إلى إصابته في فخذه، بينما كان يغطي الاعتداءات الإسرائيلية في قرية جافنا شمال مدينة رام الله.
وفي 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، تعرّض مصوّر قناة "الجزيرة" الإنكليزية، جوزيف حنظل، للاعتداء من قبل مستوطنين إسرائيليين في بيت لحم. وفي اليوم نفسه، تعرّض مراسل قناة "تي آر تي" التركية ومراسلها للاعتداء على الهواء مباشرة، بينما كانا يغطيان اعتداءات القوّات الإسرائيلية على المصلين الفلسطينيين في المسجد الأقصى.
وفي 26 نوفمبر/ تشرين الثاني، أفاد عدد من الصحافيين بأنّهم تعرّضوا للاعتداء من قبل القوّات الإسرائيلية أثناء انتظارهم أمام سجن عوفر، المقام على أراضي بيتونيا غربي مدينة رام الله، لتغطية إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين كجزء من الهدنة المؤقتة حينها. 
وفي حادث منفصل خلال اليوم نفسه، استهدفت قوّات الاحتلال مراسل "التلفزيون العربي" فادي العصا وزميلين له بقنابل الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي من مواقعهم على سطح منزل في محيط سجن عوفر.
جرائم الاحتلال في القطاع شملت عائلات الصحافيين أيضًا، كما حدث مع مراسل تلفزيون "فلسطين" الرسمي، محمد أبو حطب، الذي استشهد مع 11 فردًا من أسرته، والصحافي في وكالة "وفا"، محمد أبو حصيرة، الذي استشهد أيضًا مع أكثر من 40 فردًا من عائلته، في قصف استهدف منزلَيهما.
وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول، فقد مدير مكتب قناة "الجزيرة" في غزّة، وائل الدحدوح، زوجته ونجله وابنته وحفيده، بغارة جوية إسرائيلية استهدفت مخيم النصيرات للاجئين. وفي 7 يناير/ كانون الثاني 2024، استشهد فرد خامس من أفراد أسرة الدحدوح، بعد استهداف القوّات الإسرائيلية لنجله حمزة الدحدوح، وهو صحافي ومصوّر في قناة "الجزيرة"، مع زميله مصطفى ثريا، أثناء عودتهما إلى مدينة رفح الجنوبية، بعد تصوير آثار غارة جوية إسرائيلية.
وفي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، استشهد 8 من أفراد عائلة المصوّر الصحافي ياسر قديح عندما قصف جيش الاحتلال الإسرائيلي منزلهم في جنوب غزّة بأربعة صواريخ. جاء هذا الاستهداف بعد 5 أيّام من تقرير نشرته منظمة "أونست ريبورتينغ" الإسرائيلية في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني، حرضت فيه على قديح و3 مصوّرين آخرين في القطاع، وزعمت أنّهم كانوا على علم مسبق بعملية "طوفان الأقصى". نفت كبرى المؤسّسات الإعلامية التي تتعاون مع هؤلاء المصوّرين، وبينها "رويترز"، و"سي إن إن"، هذه المزاعم. تراجعت المنظمة لاحقًا عن هذه الادّعاءات.




ووفقًا لتقارير إعلامية وحقوقية، قتل جيش الاحتلال 55 صحافيًا فلسطينيًا منذ عام 2000 وحتى السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بمن فيهم مراسلة قناة "الجزيرة" الصحافية شيرين أبو عاقلة، في مايو/ أيّار 2022.

الإعلام الفلسطيني في سياق استعماري استيطاني صهيوني
في ورقة بحثية نشرتها "مؤسّسة الدراسات الفلسطينية" أخيرًا، بعنوان "الإعلام في سياق استعماري: استهداف الصحافيين والقطاع الإعلامي بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول"، من إعداد الباحثة والصحافية الفلسطينية رولا سرحان، رئيسة تحرير صحيفة "الحدث" في الضفة الغربية، سلّطت فيها الضوء على الممارسات الاستعمارية التي استهدفت عن طريقها دولة الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الصحافيين الفلسطينيين والعمل الإعلامي في فلسطين، وتحديدًا بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
تجادل سرحان في ورقتها أنّ "قطاع الإعلام بصورة عامّة، والصحافيين الفلسطينيين بصورة خاصّة، مستهدفون بصورة ممنهجة ومقصودة نظرًا إلى كونهم حملة السردية الفلسطينية، ومدونيها، وموثقيها، لما هم عليه كشهود أوائل على أحداثها"، مشيرةً إلى أنّه لا يمكن فصل ما يحدث من استهداف للقطاع الإعلامي وللصحافيين الفلسطينيين بعد أحداث 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 عن السياق العامّ لنهج دولة الاستعمار الصهيوني القصدي والممنهج في استهداف الصحافيين الفلسطينيين وقطاع الإعلام، الذي يتبنّى منظومة من الأدوات الاستعمارية تستهدف محو الفلسطيني عبْر محو سرديته، بحيث يتمّ استهداف شاهدية الشهود على الفظائع والجرائم التي تُرتكب بحقّ الفلسطينيين بصورة عامّة، وبحقّ أهالي قطاع غزّة المحاصَر بصورة خاصّة، كي يتمّ تغييب الفلسطيني بتغييب صوته وروايته للأحداث، إذ سيكون المراقب أمام تجليات هذا التغييب والمحو، والذي أصبح أكثر كثافةً ووضوحًا إلى جهة القصدية، عن طريق الاستهداف المتعمّد للجسم الصحافي الفلسطيني بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول، وهو ما وصل في توصيف ما يحدث في قطاع غزّة إلى كونه "الأكثر فتكًا وقتلًا للصحافيين"، أو باعتباره "مقتلة للصحفيين الفلسطينيين عبر استهدافهم ومقار عملهم بشكلٍ ممنهج، في مسعى لفرض تعتيم إعلامي حقيقي وشامل على القطاع بأكمله".

في ديسمبر/ كانون الأوّل الماضي، استشهد المصور سامر أبو دقة على يد قوات الاحتلال (Getty)

ولفتت الصحافية والباحثة الفلسطينية إلى أنّ عدد الشهداء الصحافيين الفلسطينيين منذ عملية "طوفان الأقصى" يتخطّى، في بعض التقديرات، عدد القتلى من الصحافيين خلال سنوات الحرب العالمية الثانية، والتي امتدّت على الفترة (1939 ـ 1945)، والتي وُصفت بأنّها الأكثر دموية في تاريخ البشرية الحديث، إذ قُتل خلالها 69 صحافيًا.
وترى سرحان في بحثها، أنّ استهداف الصحافيين الفلسطينيين بصورة ممنهجة ومقصودة يتطلّب من الجهات والأطراف المعنية وقفة جادة لحمايتهم من الاعتداءات الإسرائيلية التي تشكّل جرائم موصوفة في القانون الدولي.

ترويع وترهيب الصحافيين لطمس الحقيقة
كما يشدّد جيش الاحتلال سياسة الاعتقالات التعسفية بحقّ الصحافيين في قطاع غزّة والضفة الغربية والقدس، ضمن حملة "ترويع وترهيب الصحافيين" و"محاولة فاشلة لطمس الحقيقة".
ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وحتى منتصف شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، اعتقلت قوّات الاحتلال 38 صحافيًا، وأطلق سراح 7 منهم، ليبقى 31 في السجون الإسرائيلية، بحسب تقرير صادر عن منظمة "مراسلون بلا حدود" الدولية. بينما تشير أرقام "نادي الأسير الفلسطيني" إلى أنّ حالات الاعتقال بين الصحافيين بلغت منذ عملية "طوفان الأقصى" 50 حالة، أبقى الاحتلال على 35 منها، وجرى تحويل 20 صحافيًا إلى الاعتقال الإداري.
وتتواصل جرائم الاعتقال والإخفاء القسري للصحافيين الفلسطينيين في قطاع غزّة والضفة الغربية، فالصحافي الغزّي مؤمن سامي الحلبي لا يزال معتقلًا منذ 12 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وربما لا يكون الصحافي الوحيد المعتقل من غزّة، بحسب "نادي الأسير الفلسطيني" ونقابة الصحافيين الفلسطينيين، اللذين أشارا إلى أنّه "قد تكون هناك أعداد أخرى لم نُبلغ عنها، ولا سيّما أنّ الاحتلال يواصل جريمة الإخفاء القسري بحقّهم، علمًا أنّ من بين المفقودين الصحافي نضال الوحيدي، الذي لم يتّضح مصيره منذ تاريخ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي". كذلك هناك صحافي مفقود آخر هو هيثم عبد الواحد، الذي فُقد الاتّصال به منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع.
وأيدت المحكمة العليا الإسرائيلية، أخيرًا، قرار جيش الاحتلال، رافضةً استئنافًا للكشف عن مصير الصحافيين.
تقرير "مراسلون بلا حدود" ذكر أنّ سلطات الاحتلال تقوم باعتقال الصحافيين إداريًا، "الذي بموجبه يجري احتجاز الشخص من دون إخطاره بأيّة تهمة على أساس أنّه كان ينوي خرق القانون. ويمكن أن يُسجن الموقوف لفترات تصل إلى ستة أشهر، ولا يمكن تجديدها إلّا بأمر من قاضٍ إسرائيلي".
لا يزال الصحافي محمد الريماوي معتقلًا منذ 22 ديسمبر/ كانون الأول 2023، حين دهمت القوّات الإسرائيلية منزله في مدينة بيت ريما في الضفة الغربية. كذلك لا يزال الصحافي حاتم حمدان معتقلًا منذ 16 ديسمبر/ كانون الأول. واعتقلت القوّات الإسرائيلية حمدان عند حاجز عورتا، جنوب مدينة نابلس في الضفة الغربية. الحال ذاته بالنسبة للصحافي طارق الشريف الذي اعتقل في رام الله في 19 نوفمبر/ تشرين الثاني.




وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني، اعتقلت قوّات الاحتلال الإسرائيلي الصحافي الفلسطيني إبراهيم الزهيري، من منزله في بلدة برهام، شمال مدينة رام الله. ولا يزال الزهيري معتقلًا.
وفي 8 من ذات الشهر، اعتقل جنود إسرائيليون الصحافي محمد الأطرش، بعد مداهمة منزله في مدينة الخليل في الضفة الغربية. ولا يزال الأطرش معتقلًا.
وفي اليوم ذاته، تمّ اعتقال المراسل الصحافي عامر أبو عرفة، بعد مداهمة منزله في الخليل. ولا يزال أبو عرفة معتقلًا.
وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني، اعتقل الصحافي أمير أبو عرام، بعد مداهمة جنود إسرائيليين منزله في بيرزيت. ولا يزال أبو عرام معتقلًا.
وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتقل الصحافي نواف العامر، خلال مداهمة لمنزله في بلدة كفر قليل في نابلس. ولا يزال العامر معتقلًا. والصحافي محمد بدر معتقل منذ 28 أكتوبر/ تشرين الأول. والصحافي بلال عرمان معتقل منذ 27 من الشهر ذاته. وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتقلت قوّات الاحتلال الصحافي رضوان قطناني من منزله في نابلس. ولا يزال قطناني معتقلًا.
وفي 20 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتقلت القوّات الإسرائيلية الصحافي والمنتج ثائر فاخوري. وهو معتقل إداريًا منذ ستة أشهر. وفي اليوم نفسه، اعتقلت القوّات الإسرائيلية الصحافي مصعب قفيشة، ثم وُضِع رهن الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر.
ومنذ 19 أكتوبر/ تشرين الأول، تعتقل قوّات الاحتلال الصحافي علاء الريماوي. وفي اليوم نفسه، اعتقل الصحافي والمعلق السياسي عماد أبو عوض في رام الله، ثم وُضِع رهن الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر.
وفي 16 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتقلت القوّات الإسرائيلية الصحافي عبد الناصر اللحام. وهو معتقل من دون تهمة في سجن عوفر.
وفي 6 أكتوبر/ تشرين الأول، اعتقل الصحافي معاذ عمارنة، الذي فقد عينه اليسرى برصاصة مطاطية إسرائيلية أثناء تغطيته للاحتجاجات عام 2019، ووضعه رهن الاعتقال الإداري لمدة ستة أشهر في 29 أكتوبر/ تشرين الأول، في سجن مجدو. وفي 15 من الشهر نفسه، اعتقل الصحافي صبري جبريل، ووُضِع لاحقًا رهن الاعتقال الإداري. وبعدها بيوم اعتقلت قوّات الاحتلال الصحافي مصطفى الخواجة، ووُضِع لاحقًا رهن الاعتقال الإداري لمدة 6 أشهر.
ويخضع ما لا يقل عن 19 صحافيًا حاليًا إلى الاعتقال الإداري. كما أنّ 10 صحافيين آخرين محتجزون على ذمة المحاكمة بتهم ملفقة بالتحريض على العنف... ويتعرّض بعض الصحافيين المحتجزين لمعاملة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة.
وفي 7 كانون الأول/ ديسمبر 2023 اعتقلت قوات الاحتلال مدير مكتب "العربي الجديد" في غزة ضياء الكحلوت، وأفرجت عنه يوم 9 كانون الثاني/ يناير 2024.
وقال الكحلوت بعد الإفراج عنه إنه منذ اللحظات الأولى للاعتقال كانت إجراءات جيش الاحتلال قاسية وصعبة إلى درجة لا توصف. وبيّن أن التحقيقات التي أجريت معه ركّزت على عمله في "العربي الجديد" بما في ذلك خلال أعوام ماضية.

توسيع ممارسة "حجب الظلّ"
أباح جيش الاحتلال الإسرائيلي كلّ أشكال الاعتداء والانتهاكات على الصحافيين، وعلى عائلاتهم وممتلكاتهم، ومعداتهم، لشل قدرتهم على مواصلة عملهم. ومن تلك الانتهاكات التي يتعرّض لها الجسم الصحافي الفلسطيني، بدا واضحًا منذ بداية حرب الإبادة الجماعية الاستهداف المُباشر لصنّاع المُحتوى الفلسطيني، عبر حظر صفحات الصحافيين الميدانيين على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب حظر أرقامهم على "واتساب".

استشهدت شيرين أبو عاقلة برصاص قوات الاحتلال في مايو/ أيار 2022 (Getty) 

ويأتي حظر "واتساب" أرقام الصحافيين في القطاع، في وقت تتّهم شركة "ميتا"، وهي الشركة المالكة لمنصّة التراسل الشهيرة، بتضييق الخناق على الفلسطينيين منذ اليوم الأول للعدوان، سواء من خلال حجب الصفحات والحسابات المناصرة لفلسطين عبر منصّتَي "فيسبوك" و"إنستغرام"، أو من خلال توسيع ممارسة "حجب الظلّ"، وهي الممارسة التي تقوم على إخفاء الحسابات المناصرة لغزّة وللفلسطينيين، من دون إبلاغ أصحابها بذلك، وهو ما يجعل التفاعل معها قليلًا جدًا، وغير ظاهر.
ويتسبب استهداف صفحات وأرقام الصحافيين الفلسطينيين، مع الانقطاع شبه الكامل للإنترنت والاتّصالات لأكثر من عشر مرّات منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بحالة من التشتت والبلبلة، خصوصًا في ظلّ اعتماد الصحافيين عليها بشكلٍ أساسي في عملهم، وفي أرشفة موادهم الإعلامية المكتوبة والمُصوّرة، إلى جانب كونها الوسيلة الوحيدة للتواصل مع الوسائل الإعلامية التي يعملون معها. ويؤدّي فقدان وحجب هذه الحسابات والأرقام إلى مضاعفة معاناتهم المهنية، في ظلّ تواصل العدوان الإسرائيلي الشرس على قطاع غزّة للشهر الخامس على التوالي.
من انتهاكات سلطات الاحتلال للصحافيين أيضًا، شنّ هجمات إلكترونية إسرائيلية على المواقع الإلكترونية الإعلامية الفلسطينية ومحاولات متكرّرة لاختراق لحسابات الصحافيين. ففي 10 نوفمبر/ تشرين الثاني، قالت المراسلة الصحافية الفلسطينية من قطاع غزّة، بلستيا العقاد، في تصريح صحافي، إنّها تعرّضت لحوادث اختراق متعدّدة لحسابها على "إنستغرام"، حيث كانت تنشر تغطياتها لحرب الإبادة التي تشنّها قوّات الاحتلال الإسرائيلي على شعبها في غزّة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول. كما بلَّغ عدد من الصحافيين الآخرين الذين ينشرون تقاريرهم من غزّة عبر "إنستغرام" عن محاولات اختراق.
وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني، أعلنت نقابة الصحافيين الفلسطينيين تعرّض موقعها الإلكتروني لهجمات إلكترونية. وأضافت النقابة أنّها تعتقد أنّه كان هجومًا متعمّدًا بسبب دورها في الإبلاغ عن جرائم الاحتلال الإسرائيلي المرتكبة ضدّ الصحافيين.
في الختام؛ لا يمكننا القول إلّا إنّه حينما يكون درع صحافيي فلسطين الأزرق مجرّد شعار لا يحميهم من العدوان الإسرائيلي، الذي يستهدف الصوت، والصورة، التي تكشف مدى فظاعة الجرائم المرتكبة بحقّ المدنيين، يصبح واجب كلّ العالم التحرّك لحمايتهم ومحاسبة الاحتلال على جرائمه بحقّهم وحقّ كافّة الفلسطينيين على امتداد الجغرافية الفلسطينية الممزّقة.

مصادر:
1)  رولا سرحان، ورقة بحثية بعنوان: "الإعلام في سياق استعماري: استهداف الصحافيين والقطاع الإعلامي بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول"، نشرت بموقع مؤسّسة الدراسات الفلسطينية 2024.
2)  تقارير صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزّة، ونقابة الصحافيين الفلسطينيين، و"نادي الأسير الفلسطيني" في رام الله، وعن منظمات إعلامية وحقوقية دولية.
3)  أخبار ومقالات نشرت بالمواقع الإلكترونية التالية: صحيفة "العربي الجديد"، ووكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية "وفا"، وقناة "الجزيرة"، وصحيفة "القدس العربي" في لندن.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.