}

"1970": روايتان مصرية وبرازيلية ضد الديكتاتورية من عالمين مختلفين

سارة عابدين 29 أبريل 2024
هنا/الآن "1970": روايتان مصرية وبرازيلية ضد الديكتاتورية من عالمين مختلفين
صنع الله إبراهيم وإنريكي شنايدر (تصوير: محمد الكاشف)

ضمن فعاليات الدورة السادسة لملتقى القاهرة الأدبي، والذي أقيمت فعالياته في مبنى قبة الغوري التاريخي في القاهرة الإسلامية، عقدت ندوة بعنوان "التقارب رغم الاختلاف بين روايتي "1970" للكاتب المصري صنع الله إبراهيم، والكاتب البرازيلي إنريكي شنايدر". صدرت رواية "1970" للروائي المصري صنع الله إبراهيم عام 2019 عن دار الثقافة الجديدة، القاهرة، بينما صدرت ترجمة عربية لرواية "1970" للكاتب البرازيلي إنريكي شنايدر عام 2023 عن دار صفصافة في القاهرة.
جاء التقارب في الروايتين من كون عام 1970 عامًا محوريًا في البلدين، حيث فازت البرازيل بكأس العالم للمرة الثالثة في ذلك العام، بينما في مصر كان عام موت الرئيس السابق جمال عبد الناصر. تدور كل من الروايتين حول الديكتاتوريات العسكرية، وحكايات عامة الشعب، كما تتماس كل منهما مع أحداث تاريخية حقيقية.
بدأ الروائي المصري صنع الله إبراهيم الندوة مذكرًا الحضور بالحرب الدائرة في قطاع غزة، والإبادة والتجويع اللذين يحدثان لأهلها. بعد ذلك أجاب على سؤال يتعلق بكتابته، قائلًا إنه يكتب معتمدًا على ذاكرته الشخصية التي رآها شاملة قادرة على تذكر كل التفاصيل، خاصة في وقت سجنه بين عامي 1959 و1964، في إطار الحملة التي شنها الرئيس السابق جمال عبد الناصر على اليسار المصري. رغم ذلك، لم ينف إبراهيم أهمية الخطوات التي قام بها جمال عبد الناصر لتأسيس الاتحاد الاشتراكي المصري، وتطبيق تصوره الخاص عن الاشتراكية الذي أكسبه حب وثقة شعبه والشعوب العربية وشعوب العالم الثالث.
جاءت إجابة الروائي البرازيلي إنريكي شنايدر عن سؤال الذاكرة إجابة مغايرة لإجابة إبراهيم، حيث قال إنه ولد عام 1963، أي أنه كان صغيرًا لا يذكر شيئا، لكنه اعتمد على البحث والتوثيق والتقصي في ذاكرة الشعب وذاكرة المدينة التي باحت له بأسرارها. يذكر شنايدر أن رواية "1970" جزء من ثلاثية روائية منفصلة تضم ثلاث روايات، الأولى هي "1970"، وهي عن التعذيب، وقد حصلت على جائزة بارانا للأدب، الثانية بعنوان "عزلة الغد" (صدرت حديثًا)، وتدور حول الديكتاتورية وتبعاتها، أما الثالثة فهي رواية "الرقابة"، التي لا تزال قيد الكتابة.




تدور أحداث الروايات الثلاث في فترة الديكتاتورية الصعبة في البرازيل بين عامي 1964 و1985، أثناء فترة حكم كل من هومبرتو كاستيلو برانكو، وكوستا إي سيلفا، وحكم المجلس العسكري عام 1969، ثم إميليو ميديسي، وإرنستو جيزل، وأخيرًا جواو فيغيريدو، الذي انتهى حكمه عام 1985.
يؤكد شنايدر في حديثه أن الديكتاتورية لا تؤثر في السياسيين، أو المشاهير فقط، لكنها تؤثر في المجتمع بالكامل، وهو عندما يذهب في ندوة إلى كلية، أو مدرسة، يقول لهم إن أحداث الروايات ليست خيالية، بما فيها من ظلم واستبداد وتعذيب، بل إن الواقع أكثر قتامة من المكتوب في الروايات.
أما عن الجانب الأرشيفي والتوثيقي في رواية "1970" لصنع الله إبراهيم، فيقول عنه إبراهيم إنه في تلك الفترة كان هنالك كثير من الصحف والأخبار، وكان يجب أن يجد آلية مناسبة لاختيار الأخبار التي تعزز رؤية الرواية، ومن ضمن هذه الصحف كانت صحيفتا "الأهرام"، و"المؤيد"، وغيرهما من الصحف والوثائق التي كان يجمعها من أجل الكتابة، حتى أن زوجته كانت غاضبة من أكوام الصحف المكومة في أركان المنزل، ما دفعه إلى أرشفة الصحف وتنظيمها والاحتفاظ فقط بالأخبار التي تساهم في رسم شخصية جمال عبد الناصر داخل الرواية. على سبيل المثال، عندما كان  ناصر يزور الخنادق التي حفرت أثناء حرب الاستنزاف، وجد صورة تشي غيفارا معلقة داخل أحد الخنادق، فكان له رد فعل أولي يشبه تساؤلًا غير مصرح به، وهو "لماذا لا تعلقون صورتي أنا؟"، يستطرد إبراهيم قائلًا: "يعد هذا التساؤل رد فعل طبيعيًا لشخص كان وقتها متوجًا كزعيم لبلاد العالم الثالث بالكامل، وتحكم الفردية أغلب تصرفاته".
بالعودة إلى رواية "1970" البرازيلية، يجد فيها القارئ مشهدًا للسجان وهو يحتفل بعيد ميلاد ابنه، كإنسان عادي يعيش مع أسرته، ويحاول إدارة حياته وحياة أسرته، وهو يتعجب من أعداء الوطن الذين يسعون لهدم قيم الأسرة والدين. يحيل هذا المشهد لفيلم "البريء"، للمخرج المصري الراحل عاطف الطيب، حين كان البطل أحمد زكي ينظر إلى جاره وابن بلدته وهو يعذب في السجن، بعد أن أخبروه أنه من أعداء الوطن.
لكن ما الذي دفع الشعب البرازيلي ليصدق في تلك الفترة المظلمة من تاريخه، والتي استبد بها الحكم العسكري، أن الشيوعية هي ضد دينه وقيمه؟
ردًا على هذا السؤال، يؤكد شنايدر أن أبطاله أشخاص عاديون، وبطل رواية "1970" البرازيلية هو موظف عادي في بنك، يحب كرة القدم، لكنه تعرض للتعذيب على يد شرطة الديكتاتور متمثلة في السجان الذي كان بالفعل شخصًا لطيفًا مع أسرته، لأقول هنا إن الشر ليس مطلقًا، ولا يرتكبه الأشخاص الأشرار فقط، لكنه يظهر في تصرفات الأشخاص العاديين، وربما الطيبين.
لماذا حارب ناصر الشيوعيين؟ هل لأنهم ضد أفكاره القومية في بناء الدولة الكبرى؟
يجيب صنع الله إبراهيم على هذا السؤال قائلًا إنه سؤال متداول وخطر على عقل كثيرين في أوقات مختلفة: هل هي مشكلة عقائدية بين أفكار ناصر التي لا تتفق مع أفكار الشيوعية، أم أن الأمر أكبر من ذلك؟ يستطرد إبراهيم قائلًا: الموضوع شديد التعقيد، لأن هنالك عناصر متعددة أثرت في علاقة ناصر بالشيوعيين، منها دخول الجانب المحافظ والمتشدد دينيًا، بالإضافة إلى خطط السفارة الأميركية التي لم تتوقف لحظة من أجل إحباط النزوع الشيوعي، سواء بالتهديد، أو الرشوة. وهنالك جانب آخر لا يمكن إغفاله يخص شخصية ناصر ورؤيته لنفسه كزعيم للعالم العربي والعالم الثالث، وإعجابه بنفسه وأفكاره، ويقينه أن من يخالفه هو شخص يقف ضد مصلحة الوطن، وذلك بسبب تعقيد العلاقة السلطوية والأفكار التي تغذيها.
كانت أخبار وبرامج الراديو في ذلك الوقت تهاجم الشيوعيين بشراسة، وتصفهم بأنهم خونة ومأجورون وعملاء. تغير ذلك الوضع تدريجيًا عندما أدرك ناصر في لحظة أنهم جزء من النسيج الوطني، بالإضافة إلى أن ملابسات هزيمة 1967 أظهرت ضعف وهشاشة النظام، تلك الهشاشة التي لم يكن لها حل سوى الديمقراطية التي لا يمكن أن يقبلها ناصر، ولا توجد في قاموسه، حيث أنها تعني حرية اختيار الشعب للزعيم، الأمر الذي لا يمكن أن يقبله أبدًا، لأنه لا يرى زعيمًا سواه.
في نهاية الندوة، شدّد إنريكي شنايدر على أنّ الأنظمة الديكتاتورية تتشابه في كل العالم، وغياب الذاكرة والتوثيق يقلقه تمامًا كغياب الديمقراطية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.