[بين "براسلمانس" و"غرونبيرغ"... أين تقف حدود حريّة التعبير؟]
صباح السادس من أغسطس/ آب 2024، ظهر في الأسواق البلجيكية العدد الجديد من مجلة Humo الفلمنكية الأسبوعية واسعة الانتشار، وما هي إلّا ساعات قليلة حتى انتشرت صور الكاتب والروائي البلجيكي هرمان براسلمانس (66 عامًا) على مواقع التواصل الاجتماعي، مصحوبة بعبارات تهاجمه بشدة بسبب ما ورد في عموده الصحافي المنشور في العدد الجديد من المجلة ذاتها، حول الحرب الإسرائيلية على قطاع غزّة.
تناقلت الشاشات مقطعًا مُحدّدًا من العمود الصحافي يقول فيه براسلمانس: "سوف ينفجر الشرق الأوسط كلّه، مع عواقب وخيمة على بقية العالم، هي حرب عالمية ثالثة قادمة. (...) أشاهد صورة لصبي فلسطيني يبكي ويصرخ بجنون وهو ينادي أمّه التي لا تزال تحت الأنقاض، وأتخيّل أن هذا الصبي هو ابني رومان، وأنّ الأم هي صديقتي لينا، فينتابني الغضب المروّع، لدرجة أريد معها لو أغرز سكينًا مدبّبة في حلق كلّ يهودي أقابله! بالطبع عليك أن تفكر دائمًا: ليس كلّ يهودي "قاتل دنيء"، ولكي أرسّخ هذه الفكرة، كنت أستعيد صورة جاري اليهودي المسنّ وهو يسير متثاقلًا عابرًا الشارع الذي أقطن فيه، مرتديًا قميصًا مغسولًا وبنطالًا من قطن مصنّع وصندلًا عتيقًا، فأشعر بالأسف عليه حتى لتكاد تدمع عيناي".
وفي مقطع آخر، نال الكثير من الإدانات، يقول براسلمانس: "تستخدم إسرائيل حتى اليوم الأساليب نفسها التي استخدمها الألمان لتدمير عرق بأكمله، بل ويتمّ وصف أفراد هذا العرق بأنهم "جرذان" و"حشرات" لا تستحقّ سوى السحق، يحدث كل هذا بطريقة علنية مرعبة، من سجن وتعذيب للأطفال، ودفن للرجال أحياء، واغتصاب للنساء بشكل متكرّر، وتحويل جميع الممتلكات إلى ركام، حتى أن مقاطع الفيديو تظهر الجنود الإسرائيليين وهم يضربون الأبرياء العزّل بفخر، وينهبون المحال التجارية وهم يضحكون، ولو سألت العابرين في شوارع إسرائيل نفسها اليوم عن سلوك جيشهم هذا، فسوف تجدهم يشيدون به ويرفعونه إلى عنان السماء، واصفين الفلسطينيين بالوحوش الذين لا يجب أن يُتركوا أحياء".
في صباح اليوم التالي، كانت جميع وسائل الإعلام البلجيكية تنشر أخبارًا مفادها أن الرابطة اليهودية الأوروبية، والمعروفة اختصارًا بـ EJA، وهي المنظّمة الجامعة للجاليات اليهودية في أوروبا، إلى جانب مركز المساواة بين الاتحادات الفدرالية البلجيكية الثلاثة، والمعروف اختصارًا بـUnia، قد تقدّما بالفعل بشكوى قضائية ضد الكاتب الفلمنكي، وهو ما أكدته Unia لاحقًا على لسان المتحدّث باسمها، والذي صرّح لوسائل الإعلام قائلًا: "وفقًا لـ Unia، فإن الكاتب في عموده بمجلة Humo الأسبوعية كتب ما يندرج تحت نطاق معاداة السامية، لأن ما جاء في عموده يتعارض مع حدود حرية التعبير، خاصة بالنظر إلى السياق الذي أعقب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عندما هاجمت حماس إسرائيل".
وقالت كارولين بونسين، المتحدّثة باسم الرابطة اليهودية الأوروبية EJA، لوسائل إعلام بلجيكية: "فيما يتعلّق بنا، هناك ما يكفي من العناصر التي تجعلنا نتقدّم نحن أيضًا بشكوى منفصلة، والأمر الآن متروك للمحكمة، لترى ما إذا كان ما كتبه السيد براسلمانس يدخل تحت دائرة الجرائم التي تستوجب العقاب أم لا"!!!
مقال الكاتب الفلمنكي، المعروف عنه آراءه الصريحة ولغته المباشرة، أثار أيضًا حفيظة العديد من السياسيين البلجيكيين، حيث هاجمه السياسي اليهودي في حزب التحالف الوطني مايكل فرايلخ (44 عامًا) على موقع X قائلًا: "إن براسلمانس لا يميّز - مرّة أخرى - بين اليهود والإسرائيليين، لا يمكنك أن تفلت من "الهجوم" إذا كنت تنشر مثل هذه الدعوات المثيرة للاشمئزاز، لممارسة العنف ضد مجموعة سكانية ما". وواصل السياسي هجومه قائلًا: "أعتقد أن ما كتبه براسلمانس خطير، فعليه أن يعلم أن الجالية اليهودية تعيش في ظلّ تهديد إرهابي متزايد في السنوات الأخيرة، وقد كانت هناك بالفعل هجمات بالسكاكين ضد اليهود في مدن بلجيكية مختلفة قبل بضع سنوات، لذا أن تكتب اليوم لتقول إنك غاضب لدرجة تريد معها طعن كل يهودي تراه بسكين، فهذا ليس مجرد "غباء"، بل أمر خطير، وفوق ذلك، فيه خلط مشوّه بين إسرائيل واليهود؛ فنحن لا نحمل الجنسية الإسرائيلية، نحن يهود بلجيكيون، وهذا تحريض على العنصرية وكراهية اليهود، باختصار معاداة للسامية"!
أما هرمان براسلمانس نفسه، فقد أعرب عن صدمته من الضجّة التي أعقبت نشر عموده عن الحرب بين إسرائيل وحماس، وقال لصحيفة "ده مورخن" الفلمنكية إنه يتلقّى تهديدات بالقتل عبر وسائل التواصل الاجتماعي منذ ظهر المقال صباح 6 آب/ أغسطس، معبرًا عن دهشته قائلًا: "أي شخص سيقرأ عمودي سيضع ما جاء فيه من نقاط في سياقها الأوسع، تقتل إسرائيل كل يوم المئات ممّن تسمّيهم "إرهابيين"، في الحرب التي تشنّها ضد قطاع غزة، لكن إلى جانب هؤلاء "الإرهابيين" (بين قوسين) يُقتل الكثير من الأبرياء، هذا ببساطة هو الواقع الذي يجد الآلاف من الفلسطينيين أنفسهم فيه اليوم، لقد قُتل أطفالهم فيما لا تزال أجساد ذويهم تحت الأنقاض... يمكنني أن أتخيل جيدًا هؤلاء البسطاء - وقد خسروا كل شيء - يفكرون في الانتقام، وهذا هو بيت القصيد في ما كتبته، هي ليست دعوة للعنف، بقدر ما هي دعوة لوقف حمّام الدم في غزة، ثم مَنْ هم هؤلاء الإسرائيليون حتى يزعجوا أنفسهم بما كتبته، وقد قتلوا بأنفسهم آلاف الأبرياء في غزة وغيرها"؟!
بيان الرابطة اليهودية الأوروبية على موقع إكس حول ما كتبه الكاتب البلجيكي هرمان براسلمانس وصورة من الجمل التي أثارت غضب يهود بلجيكا في عمود براسلمانس الصحافي عن غزة |
من جانبها، اهتمت العديد من المواقع والصحف اليهودية والإسرائيلية بمقال هرمان براسلمانس، حيث أعلنت مجلة Jüdische Allgemeine الألمانية، وكذلك موقع ynet الإخباري الإسرائيلي، ومعهد "عبر الأطلسي" Transatlantic Institute التابع للجنة اليهودية الأميركية American Jewish Committee، والمعروفة اختصارًا بـ AJC، أعلنوا جميعًا عن غضبهم مما جاء في المقال، حتى أن معهد "عبر الأطلسي" لا يريد مقاضاة هرمان براسلمانس وحده، بل "كامل هيئة تحرير الصحيفة الأسبوعية"، مطالبًا في بيانه: "نحن ندعو الشرطة البلجيكية إلى القيام بذلك"!
هذه الدعوة شجعت الرابطة اليهودية الأوروبية (EJA)، بدورها، على مطالبة المجلة الفلمنكية بـ"الاعتذار وتعليق عمل براسلمانس ككاتب عمود فيها". وقال الحاخام مناحيم مارغولين، رئيس جمعية الصحافيين الأوروبيين، في رد فعل عنيف على صحيفة "ده مورخن"، التي سخرت من الضجة اليهودية حول المقال: "نعلم أن سلوك هذا الصحافي "صادم" على الدوام، لكنه هذه المرة قد تجاوز الحدود، فالتعبير علنًا عن رغبته في ذبح كل يهودي يقابله أمرٌ ينمّ عن إصابته باختلال عقلي، ونظرًا لشعبيته وشهرته السيئتين، فإن ما كتبه يمثل أيضًا دعوة للآخرين لفعل الشيء نفسه"!
كما دانت عيديت روزنتسفايغ - آبو، السفيرة الإسرائيلية لدى بلجيكا، العمود الصحافي وكاتبه، وكتبت على صفحة السفارة الإسرائيلية على موقع X قائلة: "ماذا لو قال أحدهم في الصحافة البلجيكية: ’أنا غاضب جدًا لدرجة أنني أريد أن أغرز سكينًا في رقبة كل مسلم أقابله’"؟
ووفقًا لما قاله هرمان براسلمانس لصحيفة "ده مورخن"، فإنّ عموده الصحافي يدور فقط حول نقطة مركزية مفادها: "أن لدى حماس سياسة انتقامية مشروعة، ذلك لأنّ الفلسطينيين يتعرّضون للاضطهاد منذ عقود، لنفترض أنني كنت أعيش في غزة وقصفت إسرائيل بيتي الذي أسكنه مع ابني وزوجتي، لنجد أنفسنا في العراء، ثم لاجئين في مثل هذه المخيمات، عندها بالطبع سأرغب في الانتقام، وأعتقد أن هذا شعور طبيعي وموجود لدى البشر من أي جنس أو لون، ولكن إذا سألتني: هل تريد بالفعل طعن أعناق الجميع؟ فبالطبع لا. هذه تسمى ‘استعارة‘، ولكن من الواضح أن بعض الناس لا يفهمون ذلك، لذا أتساءل: أين ذهبت قدرة اليهود على وضع الأمور في نصابها الصحيح، لأنهم اعتادوا أن يكونوا جيدين في مثل هذه الأمور"!
بهذه السخرية اللاذعة، أعلن هرمان براسلمانس قبوله المعركة القضائية مع المؤسسات اليهودية التي تقدمت بشكاوى قضائية ضد ما جاء في عموده الصحافي، بل زاد على ذلك حين قال: "لديّ شعور بأن اليهود صاروا يتحسسون سريعًا من أي انتقاد يوجه إليهم، ولا أعرف حقًا لماذا؟ اعتدت أن أكون مولعًا جدًا بالثقافة اليهودية، ويرجع الفضل في ذلك جزئيًا إلى وودي آلن ومسلسل "ساينفيلد" الكوميدي، لكن كل هذا الولع اختفى تمامًا مع ما يحدث في غزة الآن، حسنًا: يمكنك القول إن اليهود في أميركا مثلًا ليسوا كيهود إسرائيل، لكن الكثير من هؤلاء يواصلون دعم سياسات بنيامين نتنياهو، فإذا كنت تعتقد أن التفجيرات والدمار الشامل لا بأس بهما، فلا يسعني إلا القول بأنني سئمت من اليهود وكل ما له علاقة بهم".
ويختتم براسلمانس حديثه للصحيفة بدعوته لوقف ما يحدث في غزة فورًا: "يجب أن تتوقف هذه الحرب ضد فلسطين، على الرغم من أننا لا نستطيع أصلًا أن نسمّي ما يحدث في غزة حربًا، خاصة حين يملك أحد المعسكرين جيشًا حقيقيًا، فيما الفصيل الآخر مجرد مقاتلين فرادى، إذًا فالأمر يتعلق أساسًا بإبادة "الإرهابيين"، أمّا مئات الآلاف من الضحايا المدنيّين فيتمّ وصفهم بـ"الأضرار الجانبية"، إنهم يخلقون جيلًا سيرغب في الانتقام للسنوات الخمسين القادمة، إذا كان هذا ما تحسّس منه اليهود في عمودي، فها أنا أكررها، ولا أهتم أبدًا بآرائهم، لهم الحرية في الرد، ولكني لا أعتقد أنهم قادرون على إنكار حقي في الانتقام لو حدثت مثل هذه الجرائم الفظيعة بحق طفلي أو زوجتي".
مجلة Humo التي نشرت العمود الصحافي، قامت بدورها بنشر رد شديد اللهجة على موقعها الإلكتروني مساء 7 أغسطس/ آب، سخرت فيه من الضجة حول مقال براسلمانس، وقالت: "إن ما كتبه براسلمانس جزء من عمود ساخر، وليس مقال رأي أو مقابلة صحافية"، كما توقفت المجلة في ردّها أمام كلمة "مختلّ عقلي" التي قالها الحاخام مناحيم مارغولين، وقالت: "إن الفقرة التي أزعجت البعض لا تعبّر عن أي "اضطراب نفسي أو عقلي"، وليس من شأنها التحريض على القتل، وسيفهم كلّ من يقرأ المقال أن براسلمانس لم يقصد الجملة حرفيًا".
وبالرغم من هذا الدفاع الواضح من المجلة عن كاتبها ومحتوى عموده الصحافي، إلّا أن هذا لم يستمر طويلًا، حيث قامت المجلة بحذف المقال من موقعها الإلكتروني بعد ساعات قليلة من نشر ردها، ما فسره الإعلام البلجيكي بدخول الأمور إلى ساحة القضاء فعليًا، وهو ما تأكّد صباح الأربعاء (14 آب/ أغسطس)، بإعلان "ليزا دي ويلده"، المتحدّثة الرسمية باسم المدّعي العام في إقليم فلاندر الشرقية، عن فتح تحقيق في عمود الكاتب هرمان براسلمانس، بعد تلقّي مكتب المدعي العام أربع شكاوى قضائية ضد الكاتب، الأولى من مركز المساواة Unia، إضافة إلى ثلاث منظمات يهودية، من بينها الرابطة اليهودية الأوروبية (EJA)، و"منتدى المنظمات اليهودية". كما أشارت "ده ويلده" إلى أن التحقيق الذي تم فتحه: "ليس قضائيًا بعد، لذلك من السابق لأوانه الحديث عن العواقب".
الكاتب الهولندي أرنون غرونبيرغ كتب مقالًا حادًا ضد هرمان براسلمانس في صحيفة "ده ستاندارد" البلجيكية اتهم فيه زميله "بالتحريفية" |
جاء قرار المدّعي العام بعد يوم واحد فقط من صدور عدد أحدث من المجلة الأسبوعية صباح 13 آب/ أغسطس، حاملًا بين صفحاته العمود الجديد لهرمان براسلمانس، ما يعني أن المجلة تؤكّد قرارها باستمرار النشر للكاتب، وعلى موقعها الإلكتروني، وضعت المجلة إشارة بارزة تقتبس فيها عبارة "لا تزعج أحدًا بغضبك، وإلّا فسوف تُسحق بالاحتقار ويهزمك عدم الفهم"، ممهورة باسم براسلمانس، وبالضغط عليها يظهر عمود الكاتب الذي بدأه قائلًا: "أعتقد أنني سأنسحب من مسار العالم، فالكلمات التي تقولها أو تكتبها ليست سوى صرخات جافة من فم بلا لسان"، ويستطرد: "يمكنك أن تثور، أن تشعر بالألم، أن يسيطر عليك الغضب وتقع فريسة لليأس، من الأفضل لك أن تعاني كل هذا داخل جدرانك الأربعة في حيّك الخاص، لا تزعج أحدًا إلّا أحبّاءك، لأنّك إن فعلت فسوف تُسحق بالاحتقار ويهزمك عدم الفهم، حين يدفعك إلى زاوية لم تكن تستحقها أبدًا". ويختتم براسلمانس عموده قائلًا: "دعني إذًا ‘أثرثر‘ عن أشياء أخرى"، قبل أن ينتقل بالفعل إلى مواضيع مختلفة مثل الطبيعة والأدب والطقس، في أسلوب ساخر يحترفه براسلمانس ويؤكّده عنوانه الذي انتقاه لعموده الأخير: "جاف أينما كنت لاحقًا"!
لم يمرّ إصرار المجلة على مواصلتها نشر أعمدة هرمان براسلمانس مرورًا عابرًا تحت عيني "جاره" في الأسبوعية ذاتها، الكاتب الهولندي اليهودي آرنون غرونبيرغ، فكل منهما كاتب عمود ثابت في المجلة الأسبوعية منذ 25 عامًا، والذي كتب مقالًا حادًا ضد براسلمانس في صحيفة "ده ستاندارد" البلجيكية اتهم فيه زميله "بالتحريفية"، وقارن ما كتبه براسلمانس بأغنية نازية من ثلاثينيات القرن الماضي كانت تدعو إلى "إراقة دماء اليهود"، مشيرًا إلى أن إزالة العمود المذكور من موقع المجلة ليس إلّا "ذرًا للرماد في العيون" و"حفظًا كاذبًا للمظاهر"، ليتحوّل غرونبيرغ إلى مهاجمة المجلة وإدارة تحريرها، لدفاعهم عمّا جاء في عمود براسلمانس من "تحريفية تستخدم موضوع غزة لإعادة إحياء معاداة السامية"، مختتمًا مقاله بأنه: "غير راضٍ عن هذا المسار"!
وبعد ساعات قليلة من ظهور مقال آرنون غرونبيرغ على موقع "ده ستاندارد"، جاء الرد عليه من ماتياس فاندراسبويلدن، نائب رئيس تحرير المجلة الأسبوعية، وعلى موقع الصحيفة ذاتها كتب يقول: "غرونبيرغ كاتب عمود مهم في مجلتنا، لكنني أرى أنه تناول الأمور على محمل شخصي للغاية (...) وددت لو عرض علينا مناقشة الأمور أولًا قبل أن يشن هجومه هكذا"، وكرّر فاندراسبويلدن ما سبق أن تضمّنه بيان المجلّة من دفاع عن الكاتب وعموده، وهو ما لم يعجب غرونبيرغ، الذي كتب على الفور رسالة مفتوحة نشرتها "ده ستاندارد"، يعلن فيها توقفه "عن كتابة عموده في مجلة Humo الأسبوعية بعد 25 عامًا بتفعيل فوري"، وجاء في رسالته: "أؤيد أوسع مفهوم ممكن لحرية التعبير، سأدافع عن حقّ النازيين الجدد في التظاهر، لكن هذا لا يعني أن أسير معهم في المظاهرة، أنتم أحرار في التقليل من شأن التحريفية والترحيب بها في مجلتكم، ولكن هذا لا يعني أنني أرغب في النشر إلى جانب التحريفيين". واختتم غرونبيرغ رسالته قائلًا: "لم أكن أعتقد أنني سأكتب هذا أبدًا، لكن هناك حد أدنى، وقد تم الوصول إليه، وبهذا تنتهي مشاركتي في مجلتكم الأسبوعية، ومشاركتي في مجتمعكم الساخر، بتفعيل فوري كما يقولون"!
من هو هرمان براسلمانس؟
- روائي وكاتب صحافي ووجه إعلامي بلجيكي من مواليد 1957، له عشرات الأعمال الروائية والقصصية، ويعد أحد كتاب الأعمدة المعروفين بسخريتهم اللاذعة وانتقائهم موضوعات استفزازية بلغة نابية، اشتهر بغزارة إنتاجه وكتاباته التي تنشر باستمرار في الصحف البلجيكية والهولندية، تحتوي أعماله على الكثير من السخرية الذاتية والعبثية ولا يخجل في كتاباته من تناول الموضوعات الشائكة، وغالبًا ما يكتب عن الموضوعات اليومية البسيطة بطريقة مباشرة، ولكن مع وجود طبقة أعمق من النقد والتأملات الفلسفية.
- حصلت رواياته وأعماله الأدبية على عدد من الجوائز المهمة سواء في هولندا أو بلجيكا، من أهمها جائزة "البومة الذهبية" عام 2008 عن روايته "سيرة جون موتس". ومن أعماله الروائية الأخرى: "الرجل الذي وجد عملًا" (1985)، "نهاية البشرية عام 1967" (1989)، "بوبي وإيدي" (2016)، كما نشر براسلمانس كتابًا نقديًا ساخرًا عام 1990 تحت عنوان "الكاتب السابق"، قدم فيه رؤى ساخرة وكاشفة للوسط الأدبي في بلجيكا كما في هولندا.
- اكتسب براسلمانس شهرة واسعة النطاق في أوائل ثمانينيات القرن الماضي كجزء من الجيل الجديد من الروائيين الفلمنكيين الشباب، وتميز بينهم بموضوعاته الجريئة حول الجريمة والجنس والعنف والإدمان على الكحول والمخدرات، وبسبب لهجته الهجومية فقد شهدت مسيرته الصحافية العديد من الدعاوى القضائية، كان أشهرها الدعوى التي رفعتها مصممة الأزياء البلجيكية آن ديموليميستر ضده عام 2005، بشأن ملاحظة مهينة عنها في أحد الكتب التي شارك بها براسلمانس، ما أدى إلى سحب الكتاب من الأسواق البلجيكية آنذاك، وتسبب بخسارة فادحة للناشر.
- درس براسلمانس فقه اللغة الجرمانية، لكنه عاشق لكرة القدم التي احترفها في شبابه، ما جعله ضيفًا دائمًا على برامج التحليل الرياضية، كما قدم برنامجه التلفزيوني الخاص، ما ساهم في زيادة شهرته الإعلامية.
من هو آرنون غرونبيرغ؟
- روائي وكاتب صحافي وناقد هولندي ولد في أمستردام عام 1971، نشأ في عائلة ألمانية يهودية مهاجرة، كانت أمه إحدى الناجيات من معسكر الاعتقال أوشفيتز الشهير، ظهر غرونبيرغ لأول مرة عام 1994 بروايته "أيام الاثنين الزرقاء"، والتي فازت بجائزة "أنطون فاختر" لأفضل رواية، وفي عام 2000 كان أول من فاز بالجائزة نفسها مرتين، بعد أن شارك بروايته "تاريخ صلعتي" باسمه المستعار "ماريك فان در جاغت". وقد أسس غرونبيرغ بين 1990 و1993 دار نشر خاصة باسم "كاسيمير"، لكنها لم تحقق نجاحًا ماليًا، ما أدى إلى إغلاقها.
- يعيش غرونبيرغ في نيويورك ويعمل بالصحافة، وبالإضافة إلى رواياته العديدة، فقد نشرت كتاباته التي ساهم من خلالها في النقاش العام حول قضايا شائكة مثل سياسة الهجرة والتمييز والعنصرية والاتجار بالبشر، في صحف دولية عدة من بينها نيويورك تايمز ولوموند وليبراسيون والتايمز ونيوي تسورشر تسايتونغ وكورييه إنترناشيونال وريفيستا كونكستو وزود دويتشه تسايتونغ.
- تُرجمت أعمال غرونبيرغ إلى 30 لغة، وحصل عام 2022 على جائزة "بي سي هوفت" الرفيعة، والتي تمنح عن مجمل الإنجاز الأدبي الهولندي مدى الحياة، ومن أهم أعماله الروائية أيضًا روايته اللافتة "تيرزا"، التي وصفتها "نيويورك تايمز" بأنها "هزلية ومتجهمة وقاسية، ورغم أنها ليست ممتعة دائمًا، إلا أنها ليست أقل من آسرة"، وبالفعل فازت الرواية بجائزة "ليبريس" الهولندية عام 2007، والتي تعد أرفع جائزة تمنح للأدب الهولندي، ما عجّل بتحويلها إلى فيلم سينمائي ناجح في هولندا عام 2010.