لا يعرف الكثيرون من إبداع بهجوري غير الكاريكاتور. فعدد رسامي هذا الفن كانوا قلة، وأندر منهم كان الفنانون الموهوبون اللاذعون الذي يصيبون من العالم والأحداث مقتلًا. رسومه التشكيلية كما أعماله الكاريكاتورية، تنبع من لمسة وخط، لا تثقل اللوحة بل تجعل منها مساحة خفيفة تبلور المعنى في كل شيء. عن ذلك يقول بهجوري: "الخط قيثارة لها نغمها الجميل في أذني، وأنا أحكي به وأبوح بما في داخلي من مشاعر، لذلك لا ينقطع الخط إلا نادراً. لا يتوقف عند نقطة ولا ينكسر عند زاوية، لكنه غالباً يتعرج ويتلوى في انحناءات كثيرة أو دوران للأقواس كما نداء المؤذن أو جرس الراهب". لعل هذا بالضبط هو ما يفسر استعمال الفنان للتداوير والدوائر. كل الكائنات تتحول إلى وجه مدور يوحي بالطيبوبة والحب والسكينة.
بهجوري فنان متعدد، فهو إن اكتوى بالكاريكاتور سنينًا طويلة، فقد أخرجه التشكيل والنحت من نمطية العلاقة مع العالم. وهو أيضا فنان غزير الإنتاج. لا تراه إلا وهو يتأبط كناشه، يترصد الحالات والوضْعات التي تحلو له، أو تمنح نفسها لمخيلته، يتصيّدها مثل طفل يتصيد فراشات الحياة. ولكون عينه اللاقطة تجتذب الجمّ الوفير من مكونات المرئي، فإنه حين يرسم بالزيت مشاهده - التي تضم في غالب الأحيان أناس الشعب من موسيقيين أو حمالين أو فلاحين أو بائعين - فإنه يراكب بينها أو يقاطع الأجساد وكأنه يرغب في أن يجمع في لوحة واحدة مجموع إحساساته البصرية. هكذا فإن خفة الكاريكاتور الإيحائية تنحو هنا لأن تتحول إلى نظرة بانورامية. ولا يبقى منها إلا لمسة تحويل الوجه والجسد. هذه التحولات في اللوحة التشكيلية تمنحها مشروعيتها، وفي الآن نفسه تربطها بعروة وثقى بالممارسة الكاريكاتورية، التي تُطرَد من الباب فتعود من النوافذ، كي تؤكد لنا أن فن بهجوري أشبه بالقبة المزخرفة، يمكن أن نرى في كل مرة جانبًا منها حسب رغبتنا.
أما اللوحات ذات الألوان المائية، فإن خفتها الأثيرية تبدو من خلال المساحات الفارغة، التي تترك الشخصية أو الشخصيات تتمرْأى أمامنا وكأنها تريد أن تحتل الواجهة. وحين تكون المرأة موضوعًا لهذه اللوحات، تبدو في شموخ يُبين عن قوة حضورها واستثنائية جمالها. حين يمر بهجوري إلى التشكيل بمختلف مناحيه، فإن تقنيته التدويرية تستحيل بشكل ضمني إلى جمالية تعبيرية حتى وهي تستوحي تكعيبية الوجوه والأجساد. هذا البرزخ الأسلوبي يمكنه من الحكي بشكل موارب، ويبعد فنه عن الحكائية ليزج به في تجربة تمزج بكل مركّب بين المشهدية التشخيصية وبين التسامي التعبيري، الرمزي والكنائي أيضًا.
إذا كان الرسم في الكاريكاتور يشكل عصب تملّك المرئي، فإن التشويش عليه وخلخلة معاييره وتحويل الخط إلى لطخة، هو ما يمكّن بهجوري باستمرار من الخروج من لحظية الكاريكاتور وطابع النكتة والكاريكاتور فيه، إلى أفق أرحب. يتمثل ذلك في تحول السخرية إلى نبرة مأساوية ومازحة في الآن نفسه، تلعب على عمق امتلاك العالم وحرية البسمة التي ترتسم على شفاهنا ونحن ندخل عالمه الشاسع، الغني والمرح، بطفولتنا، حاملين إياها في أعيننا.