}

رفاييل ليوجييه:ذعر كورونا يشبه ذعرنا من وهم خطر الإسلاموية

بوعلام رمضاني 28 مارس 2020
حوارات رفاييل ليوجييه:ذعر كورونا يشبه ذعرنا من وهم خطر الإسلاموية
رفاييل ليوجييه...علينا التفكير في كيفية مقاربة كارثة كورونا فلسفيا
تتجاوز أهمية هذا الحديث، الذي أدلى به الفيلسوف والباحث السياسي والاجتماعي رفاييل ليوجييه لـ"ضفة ثالثة"، بكثير الإثارة الصحافية التي تفرض نفسها على القنوات التلفزيونية تحت وطأة فيروس كورونا المستمر بتداعياته الكارثية على كافة الأصعدة. فليوجييه، المعروف بتحديه لكل تجار التخويف باسم "الإرهاب الإسلامي دون غيره من أنواع الإرهاب"، كان ولا يزال حتى ساعة تحرير هذا الحديث، الكاتب الأول الذي أصيب بكورونا في فرنسا وربما في العالم رفقة عائلته المكونة من زوجته الطبيبة ومن خمسة أبناء كلهم يخضعون لهشاشة الإنسان من خلال الحجر الصحي تطبيقا لفلسفة المفكر الكبير باسكال على حد تعبيره. و"ضفة ثالثة"، التي تنفرد بهذا الحديث عربيا وفرنسيا وعالميا، حاورت ليوجييه هاتفيا ظهر يوم الخميس من منظور فكري سريع وعميق في الوقت نفسه، لكن بطريقة تصب في صلب المقاربة الفلسفية الواجب انتهاجها حيال كورونا، باعتبارها تحديا وجوديا جديدا.
الحديث كان فرصة عملية كي نعود معه إلى قناعاته الخاصة بصراعه الفكري مع نخبة فرنسية تسيطر على المشهد الإعلامي الفرنسي، وترى "أنه متواطئ مع الإسلاميين المتطرفين"، على حد تعبير كارولين فوريست التي ليست لها علاقة بالفكر في نظره.
هنا نص الحديث:


(*) بداية، هل من جديد تضيفونه بعد حديثكم لقناة "فرانس أنفو" عن إصابتكم كأول كاتب في فرنسا وفي العالم بكورونا؟
ـ أولا لا أعرف إن كنت الأول أو الثاني الذي أصيب بكورونا.

(*) لا لا... (بعد مقاطعة إجبارية مؤدبة).. إلى حد الآن، تعتبرون الأول في نظري أنا المتابع للأخبار ليل نهار.
ـ رد ضاحكا: "أوكي.. أوكي، أنا لا أتابع مثلكم بحكم مهنتكم"، قبل أن يضيف: لم أكن على علم بإصابتي بحكم غياب علامات المرض، خلافا لفلورنس أم أطفالي الطبيبة التي تعمل مديرة مستشفى جنوب شرقي فرنسا، ولا شك أنها أصيبت بالفيروس في بداية الشهر الجاري خلال زيارتها للولايات المتحدة في إطار مهني.

خضعت فلورنس بعد عودتها لعلاج، وتحسنت حالتها في بداية الأمر بفضل دواء "كلوروكوفين" قبل أن تتبين عدم فعاليته لاحقا. في هذه اللحظة التي أتحدث فيها إليكم، يمكن القول إن حقيقة إصابتي، وإصابة زوجتي، وثلاثة من أبنائي الخمسة، قد أصبحت من الماضي، ونحن نخضع للحجر الصحي ككل الفرنسيين في بيت واسع لحسن الحظ.

(*) الحمد لله..
ـ فعلا الحمد لله كما تقولون.

بقيت أكتب
(*) نتجاوز الجانب الشخصي الذي كان ضروريا إعلاميا ومنهجيا، وأسألكم: كيف بقيتم تقومون بعملكم كمفكر، وهل يمكن الحديث عن تغيير ما أملته كورونا؟
ـ لا... لأنني بقيت أكتب، واقرأ كالعادة لكن بإيقاع أقوى، ونعم، لأنني أصبحت أفكر في كيفية مقاربة الكارثة فلسفيا كما يقتضيه الظرف، لكن من منطلق يفرض عدم التسرع كما تعرفون.

(*) ماذا كنتم تكتبون، حينما سقط عليكم وباء كورونا كالصاعقة، وهل من سبق يمكن لكم تزويدنا به في شكل مساهمات ونشاطات فكرية وعناوين كتب؟
ـ بكل سرور. كنت أشتغل على بحث حول الهويات الشاملة للمشاركة به في تظاهرة كان يفترض أن تنظم في مرسيليا هذا الشهر. في الوقت نفسه، كنت أعمل على إنهاء كتاب بعنوان "بعد الإنسان" يعالج إشكالات وتداعيات الروبوتية.

غلاف كتاب "عقدة السويس"  


















(*) هل راح هو الآخر ضحية كورونا، وتأجل نشره حتى تاريخ غير معلوم؟
ـ يجدر لفت انتباه قراء موقعكم أن الكتاب ضخم، وأشتغل عليه منذ عدة أعوام، وعدت إليه مؤخرا بعد أن تركته لمدة جانبا. بصراحة، لا أعرف متى سينشر في ظل الظروف الصعبة وغير المسبوقة التي يمر بها قطاع النشر والكتاب بوجه عام، ويكمن القول إن إمكانية النشر تتأرجح بين داري "ساي" و"لا ديكوفرت".

(*) كيف تفسرون عدم اهتمام الإعلام الفرنسي بكم بالقدر الكافي، كأول كاتب معروف أصيب مع زوجته وأبنائه، وشخصيا أستغرب عدم ظهوركم في القنوات التلفزيونية المعروفة منذ حواركم الذي استمعت إليه عبر أمواج "فرانس أنفو" الإذاعية التي تبث على مدار النهار والليل؟ وهل لذلك علاقة بمواقفكم المبدئية ضد الإسلاموفوبيين، كما سيأتي معنا بعد توقفنا عند منظوركم الفلسفي لمخلفات وماهية ومعاني كورونا؟
ـ لا أعتقد أنني رحت ضحية مواقفي المعادية للإسلاموفوبيين، كما تقولون، في الظرف العصيب الذي نمر فيه،

ولكنني لاحظت أن ذعرنا من كورونا يشبه ذعرنا من وهم خطر الإسلاموية الذي يروج له المثقفون الإعلاميون الذين تعرفهم بحكم عملكم في باريس. بطبيعة الحال، ما يحدث ليس له علاقة بالهلع الذي خلفته أوبئة عرفناها في القرون الوسطى، والطاعون الأسود في القرن الرابع عشر، والإنفلونزا الإسبانية التي خلفت حولي خمسين مليون ضحية.

(*) شخصيا ألح على القضية من وجهة نظر صحافية خالصة، وقناة مثل "بي أف أم تي في" ـ التي تتنافس بشراسة مع مثيلتها الأخت العدوة "سي نيوز" التي وظفت إريك زمور لرفع نسبة المشاهدة ـ من صالحها محاورتكم من منظور الإثارة التي تميزها.
ـ بصراحة لا أعرف، وشخصيا الأمر لا يعنيني، وخاصة إذا تبين أن محاورتي يمكن أن تدخل في صلب الإثارة كما تقولون.

غلاف كتاب "خرافة الإسلاموية" 


















(*) وماذا عن رأيكم في المعالجة الإعلامية والفكرية لكورونا بوجه عام؟
ـ بعد أن ضحك قال: لا أعرف إن كانت هناك معالجة فكرية جادة لكورونا، وكما قلت لكم سلفا، المعالجة الفكرية تتناقض مع التسرع، وللأسف نلاحظ جائحة كونية باسم الفكر تحت وطأة الذعر.

إعلاميا، يمكن قول الشيء نفسه تقريبا، ولكن لا يجب وضع الإعلام في كفة واحدة، وقناة مثل "فرانس كلتور" (فرنسا الثقافة) لا يمكن مقارنتها إعلاميا مع القناتين التلفزيونيتين المذكورتين مثلا.

(*) ألا تعتقدون أنه من الإجحاف القفز على ما قاله الفيلسوف الكبير إدغار موران بأن "كورونا تجبرنا على إيجاد فكر بديل يفتح لنا طريقا جديدا في المستقبل".
ـ أنا معكم، لكن موران راح ضحية الهوس العاطفي، والتغطية الخبرية الجنونية للظرف غير المسبوق، وموران سبق أن حذر من طريقة العيش التي فرضتها العولمة، ونحن كما تعلم في صلب نقده لها. ليس هناك إلا موران كمفكر في فرنسا، ويوجد كثر مثله، وللأسف لا يُستمع إليهم بغض النظر عن مستوياتهم مقارنة به.

الضجيج الإعلامي
(*) غياب أسماء كبيرة فكرية، مثل التي عرفتها فرنسا في عز تألق فلاسفة كونيين، ساهم في التسطيح باسم فكر أصبح يمثله مثقفون إعلاميون وصفهم باسكال بونيفاس بالمثقفين المزيفين. من جهة أخرى، تراجع دور المثقفين، وانحسار سلطة الفكر الذي مثله الكثيرون قبل أن تبرز تحديات جديدة، أصبحا يتطلبان مقاربات بديلة كما قال موران. ما رأيكم في سياق أزمة كورونا المتعددة الأوجه والأبعاد؟
ـ كل هذا صحيح نسبيا، ولكن يجب الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الظرف التي حتمت متابعة إعلامية لكورونا بإيقاع جنوني كما أسلفت الذكر، وهو الإيقاع الذي لا يترك مكانا كافيا للفكر الذي يحتاج إلى الوقت لضمان التأني والتبصر والتعمق والتجرد. اليوم تدفق الضجيج الإعلامي في ظل كورونا، أصبح أقوى من صوت المفكر العقلاني والمنظر.

(*) برنار هنري ليفي علق متحدثا لقناة "إ 24" الإسرائيلية قائلاً: "ستمر كورونا، كما مر الإرهاب في إسرائيل" دون التلفظ بكلمة الفلسطيني رغم أنه كان يقصده. ما تعليقكم على كلام من يعتبر نفسه مفكرا كبيرا؟
ـ لا جديد تحت شمس ما يسمى بفكر هذا الرجل. أراد أن يلبس ما سبق أن ذكرته لك باعتبار كورونا فيروسا لكن بخلفية لا معنى، ولا رأس، ولا ذيل لها. لا أصدم بكلام هذا الرجل الذي عرف بخطاب فاقد للإقناع.

غلاف كتاب "حرب الحضارات لن تكون" 
















(*) هل يحزنكم أمر رجل آخر يدعي أنه مفكر هو إريك زمور الذي برز مجددا بفضل كورونا ـ إن صح التعبير ـ بعد أن هاجم رئيس الجمهورية دون تردد بدعوى تقاعس فرنسا في اتخاذ الاحتياطات اللازمة؟
ـ أجهل بالضبط ماذا قال، لأنني لا أهتم بهذا الرجل الذي تخصص في المتاجرة بالإسلام والمسلمين.

رغم أنني لا أعرف ماذا قال بالضبط عن رئيس الجمهورية كما تقولون، أزعم أن من صالحه أن يصنع الإثارة كما تعود أن يفعل، خاصة أن كورونا لم تترك له فرصة البقاء في فلك هوسه الإسلاموفوبي غير المسبوق. ذعر كورونا أنساه تجارة التخويف من الإسلام والمسلمين باسم محاربة التطرف الديني الإسلامي فقط.

الإسلاموفوبيون في بطالة!
(*) ماذا لو نلطف الجو قليلا إذا سمحتم، لأطلب تعليقكم على قول "بوبا" مغني الراب الشهير مازحا: "زمور في بطالة مقنعة لأن كورونا حالت دون تواجده كمتخصص في مهاجمة المسلمين والإسلام فقط"...
ـ ليس هو فقط، وكارولين فوريست التي تخصصت في التهجم علي، هي الأخرى في بطالة تقنية. زمور أيديولوجي وله قناعات، أما كارولين فهي صنيعة إعلامية، ولا تعرف ما تقول، ومهما يكن من أمر، يمكن القول إن بوبا لم يخطئ.

كورونا والموت
(*) نعود للجدية الفكرية الخالصة لأسألكم باعتباركم فيلسوفا أيضا: إلى أي حد يمكن إعتبار كورونا امتحانا فلسفيا غير مسبوق في علاقته بالموت والتي يبدو أن نزعة فكرية حديثة طاغية ما قد نسيتها أو تناستها؟
ـ سؤالكم يسعدني أكثر من الأسئلة السابقة، لأنه يدخل في صلب ما قلته في فيديو لموقع "بروت" (خام) الشبابي قبل أيام.

نعم، كورونا سمحت للموت بالبروز في مجتمعات غربية حديثة فشلت في القضاء عليه، وها هو الموت يبرز مجددا بشكل فيروسي يمكن أن يصيب رؤساء الجمهوريات والملوك والوزراء والأغنياء والفقراء وكل الأجناس. من جهة أخرى، الحداثة الإعلامية تسببت في هلع غير مسبوق، بسبب تدفق خبري جنوني نتيجة مفعول الإنترنت، الأمر الذي يسمح بتداول أي تطور بسرعة فائقة تزيد من الشك والريبة، وتعمق الإرهاق النفسي والقلق بشكل لم نعرفه من قبل.

(*) هل تقصدون المجتمعات التي نسيت الله (نيتشه وموت الله).
ـ إذا كنت لا أعبر بصيغة النسيان، يمكن القول إنها بلغت مستوى الإنكار بمفهوم التحليل النفساني والفصل عن الضمير الفردي والجماعي، وبكورونا أصبحنا نراها في كل الأوقات، وفي كل الأماكن، وعلى مقابض أبوابنا، الشيء الذي لا يطاق، ويحدث هذا في مجتمعات أعتقدت أنها سلمت من الضعف والهشاشة.

(*) أخيرا... ماذا يجب أن يقرأ الفرنسيون وغير الفرنسيين اليوم في ظل كورونا وكل ما مرّ معنا، حتى يتم تصحيح النظرة الغربية للحياة وللموت، وخاصة للموت، التي تقولون إنها فُصلت عن الضمير؟
ـ للأسف، كلمة الغرب التي أصبحت تستعمل بشكل غير موفق في الكثير من الحالات، قد غطت على الفيلسوف إيمانويل كانط الذي يعد غربيا حداثيا. لكن كانط كان مؤمنا بالله، وكتب فصلا عن ذلك في كتاب "نقد العقل الخالص"، وكانط آمن بأنه من العقلانية الإيمان بالله من خلال وجود غير محسوس يفسر كينونة العالم. انطلاقا مما قلت، يصبح كانط جديرا بالقراءة اليوم، وكذلك باسكال الذي أكد قبل اليوم أن الإنسان هش مهما ادعى من قوة.

(*) ربما أحرجكم إذا قلت إن هذا ما يتضمنه القرآن الكريم..
ـ أبدا... أبدا، كيف تريدون إحراجي أنا الذي كتبت مقالا بعنوان "كانط والإسلام" في مجلة "لي دو موند" (العالمان).

رفاييل ليوجييه: محلل اجتماعي وفيلسوف من مواليد عام 1976، وبروفيسور جامعي في معهد الدراسات السياسية بإكس أو برافنس جنوب فرنسا. مدير المرصد الديني بين أعوام 2006 و2014، وخريج جامعة أدنبرة، ومدرس في كولاج الفلسفة الدولي، وباحث في جامعة باريس 10. من مؤلفاته: علمانية "شرعية": فرنسا وأديانها، خرافة الإسلاموية: بحث في هوس جماعي، هذه الشعبوية الزاحفة، عقدة السويس: الانهيار الفرنسي الحقيقي والأوروبي، حرب الحضارات لن تكون: التعايش والعنف في القرن الواحد والعشرين.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.