}

جاك لانغ: "معهد العالم العربي" الوحيد الذي يهتم بفلسطين

بوعلام رمضاني 15 مارس 2023
حوارات جاك لانغ: "معهد العالم العربي" الوحيد الذي يهتم بفلسطين
لانغ: أعملُ بلا هوادة لتطوير معهد العالم العربي

يحارب جاك لانغ (83 عامًا) زحف الشيخوخة بنشاط ثقافي محموم ولافت. يمشي من بيته في حي "لو ماري" (باريس) حتى معهد العالم العربي، ليدخل مكتبه البديع المطل على نهر السين البديع، وجزيرة القديس لوييه، وكنيسة سيدتنا. هذا الرجل المحبوب والمكروه، والخارج من تاريخ ثقافي استثنائي، "يصنع" الحدث هذه الأيام بمعنويات مرتفعة مبهرة أكدتها روحه النفسية العالية عشية تحدث بعض الجهات الإعلامية عن احتمال رحيله من معهد العالم العربي الذي ضخّ فيه دمًا جديدًا باعتراف أعدائه. يفعل ذلك الوزير السابق الذي ارتبط تاريخيًا وفكريًا وشخصيًا بالراحل فرانسوا ميتران الشغوف بالقراءة والأدب، رغم كل ما يقال عن فرضية نهاية تربعه على المؤسسة الثقافية التي أسسها عام 1987 والفريدة من نوعها من العالم، كما كرّر لنا ذلك مساء الخميس الماضي في حوار هاتفي تم بين مواعيد سابقة، وأخرى لاحقة، في ساعة متأخرة جدًا من اليوم. لانغ شاغل دنيا الثقافة والفنون على مدار الأوقات والفصول، والمؤمن بقضيته، كما نؤمن بالله، والعاشق الأبدي لمهمة روحية ليست ككل المهمات، كما قال مؤخرًا، فرض نفسه على الإعلام الفرنسي بشقيه المناصر والمعادي له، في عز تداعيات الإضرابات العمالية، والحرب المستمرة في أوكرانيا. لانغ يعمل غير متأثر نفسيًا بما يقال، وغير عابئ بحرب باردة يشنها ضده من يرون أن نجاحه في تطوير معهد العالم العربي ليس مبررًا كافيًا ومقنعًا لترشحه لعهدة رابعة، خلافًا لما يراه آخرون يؤمنون أنه من الصعب، وربما المستحيل، تعويض رجل مثله. وزير الثقافة (1981 ـ 1986)، (1988 ـ 1993)، ووزير التربية (2000 ـ 2002)، ردّ على أسئلة "ضفة ثالثة" الخميس الماضي، بعد أن ألغى مراسلها موعد يوم ثلاثاء الإضرابات بسبب عجزه عن الخروج من ازدحام مروري خانق، رغم صغر سيارته.
كما جرت العادة، تحدث لانغ ضاحكًا، ومعبرًا عن قدرة نفسية وجسدية، ومهنية عجيبة، وكأنه يبدأ صباح يوم عمل في ساعة مبكرة. الرجل المثير للإعجاب والنفور، وللحب والكره في الوقت نفسه، ردّ على الأسئلة بدبلوماسية، وبثقافة، لصيقتين بطبيعة وماهية المؤسسة التي يريد أن يفتكها منه جان إيف لودريان (75 عامًا)، وزير الخارجية السابق للرئيس الحالي، إيمانويل ماكرون، ووزير دفاع الرئيس الاشتراكي السابق، فرنسوا أولاند، كما تردد أشهر وأوسع الصحف والمجلات والقنوات الإذاعية والتلفزيونية.



دائمًا في لياقة جيدة
بدأت حديثي معه بملاحظة تضرب في صلب السيكولوجيا ضاحكًا: تبدون في قمة السعادة واللياقة البدينة والنفسية، رغم كل ما يشن ضدكم إعلاميًا بحجة إصراركم على خوض معركة عهدة رابعة ضد مرشح يقود حملته من جهته لخلافتكم على رأس معهد العالم العربي، ألا وهو جان إيف لودريان.
قاطعني ضاحكًا، في دوره، وبحماسة لافتة: "أنا دائمًا في لياقة جيدة بدنيًا ونفسيًا، ولا شيء يمكن أن يعكر صفو حياتي المهنية التي أعيشها مسكونًا بمهمة ثقافية ليست ككل المهمات، وليست في متناول أيًّا كان".
تقصدون جان إيف لودريان الذي أصبح اسمه متداولًا على ألسنة المتابعين للشأن الثقافي العام، ولشؤون معهد العالم العربي في وجه خاص.
قاطعني مجددَا، لكن بود ولطف، قائلًا: "أنا لا أفهم ماذا تقولون، ولا أتابع ما يكتب على شخصي، ومنشغل بمهمتي، كما تعرفون، بحكم متابعتكم عن قرب أحداث وتطورات ونشاطات المعهد، ولست معنيًا بما يكتب عن مستقبل رئاسة معهد العالم العربي، في خلط واضح بين الجانبين الخاص والمهني. كل ما أعرفه يتمثل في استمراري في تطوير المؤسسة، ولا ألتفت لمن يحاول الطعن في مكتسبات عشتم فصولها منذ أعوام عدة، وسبق أن حدثتكم عنها في مناسبات سابقة".
أضاف لانغ: "لا داعي للتركيز على حديث إعلامي قد يحجب الأهمية التي تكتسيها نشاطات المعهد الذي يتقدم بشهادة مناصرين وخصوم، ومن أختلف معهم، وأتفق معهم في بعض الرؤى، ومنهم أنتم. تعرفون أنني معجب بتغطيتكم نشاطات المعهد بعين نقدية وموضوعية وغير مجاملة. ويهمني أن نتحدث عن جديد المعهد، وما حققه من مكاسب جديدة، ومن بينها الأخيرة التي لا يعرفها كثيرون".
قاطعته بدوري بود قائلًا: أشكركم على كلامكم، وأنا في دوري معجب بمساركم الثقافي المبهر الذي أعرفه جيدًا، والذي أفكر في التعريف به من خلال كتاب يتضمن قضايا تعنى، عامة وخاصة، بالناس من الفرنسيين والأجانب والعرب، وهي القضايا التي اختلفنا واتفقنا حولها انطلاقًا من إثارتي خلفيات ونقائص جديرة بالنقاش رغم كل الطابع الإيجابي لمكاسب اعترف بها كثير من أعدائكم الأيديولوجيين. إعجابي بها، وكما تعرفون، سيدي الرئيس، لا يتنافى مع أدائي عملي كمحترف، والصحافي المحترف يقف عند المطّبات والعيوب أيضًا تجسيدًا لمهنية تخدم الصالح العام أولًا وأخيرًا، ولا يقفز على الآنية، حتى وإن كانت لا تهمكم ولا تعنيكم كما قلتم. أنا في دوري، وأنتم في دوركم.
ـ هذا صحيح، أشكركم على ذلك، ولكن ما هي أسئلتكم الأهم المرتبطة بالآنية، كما تقولون؟شكرًا، وها هو الرد في شكل سؤال: صرّحتم يوم الثاني من الشهر الماضي لوكالة الأنباء الفرنسية: سيعرف معهد العالم العربي عهدًا جديدًا هذه السنة بتحوله إلى أحد أهم المراكز العالمية للفن العربي الحديث والمعاصر تاركًا فنون الإسلام لمتحف اللوفر، أو للمتحف البريطاني. لماذا هذا الخيار، وكيف سيتم ذلك؟



ـ قبل الرد على سؤالكم، اسمحوا لي أن أتحدث عن المعارض الهامة الحالية التي تؤكد صحة مراهنتي عليها كوسيلة تتماشى مع مهام معهد العالم العربي، ومع هدف توسيع وتنويع رقعة جمهور نخبوي وشعبي محب للفنون وللثقافات والحضارات العربية. من بينها، معرض الفنانة التشكيلية الجزائرية الراحلة، باية، التي أبهرت بجمال لوحاتها الآلاف من الزوار، ومعرض "حديدي"، الذي جمع عددًا من الفنانين التشكيليين العرب. المعهد ليس متحفًا فقط، كما هي حال المتاحف الشهيرة المعروفة، وكما تعلمون هو أيضًا معهد المحاضرات، واللقاءات الفكرية والأدبية الهامة جدًا، والتكريمات لشخصيات فاعلة في الإبداع، وأنتم شخصيًا حضرتم كثيرًا منها، ومن بينها تكريم الكبير الراحل، أندريه ميكيل. مشروع متحف الفن العربي الحديث والمعاصر لبنة جديدة في صرح توجه ثقافي يعّزز ويوازي معارض فنية سابقة عرفت نجاحًا منقطع النظير كما تعرفون، وعليه يمكن التحدث عن مقاربة استراتيجية أتت أكلها، وأعطت لمعهد العالم العربي ديمومة غير مسبوقة. في ضوء ذلك، يمكن القول إن الفن المعاصر قد أصبح ميزة لم يعرفها معهد العالم العربي من قبل، وخاصة بنجاح معرض "الجزائر حبي"، الذي تألق فيه الفنان عبد الله بن عنتر. تكريس الفن المعاصر يعد عملية مستمرة ومتجددة بقديمه، إذا استندنا إلى متحفه الذي ما زال يجلب الآلاف من الزوار يوميًا، وبجديده الذي يعبر عن إصرار وتوقيع يؤكدان سلامة توجه مرتبط بالتصور الذي أتيت به للمعهد بغرض تطويره وتجديد روحه باستمرار وتقديم طاقات فنية عربية كانت غير معروفة قبل اليوم.

(*) لم أسمع ردكم عن سؤالي الأول، وأفهم حرصكم على الحديث عن استراتيجية المعارض، فهل من رد مباشر وواضح؟
نعم، نعم، وشكرًا على إتاحة فرصة الحديث عن الأهمية الاستراتيجية للمعارض، والتي تكللت بإقبال هو الأول من نوعه في تاريخ معهد العالم العربي، ولا أدل على صحة ذلك من توافد جمهور كبير بلغ تعداده خلال شهرين ما عادل جمهور العام الماضي.


 
 

(*) ومتى تردون على سؤالي الأول؟
نعم، نعم، سأرد حالًا، لأقول إن هدف تحويل معهد العالم العربي إلى أحد أهم المراكز العالمية للفن المعاصر والحديث ليس خيارًا، وهو أمر فرض نفسه نتيجة نجاح توجه ثقافي سبق أن حدثتكم عنه في بداية الحديث. ويجدر بالذكر أن الانطلاق في المشروع المذكور جاء بعد حصول المعهد على دعم مالي كنا ننتظره منذ سنوات من وزارة الثقافة للقيام بإصلاحات هامة.

(*) كم هو مبلغ الدعم؟
6 ملايين يورو على امتداد ثلاثة أعوام، علمًا أن الحكومة الفرنسية تمول المعهد بما يقدر بـ12 مليون يورو سنويًا. لقد أصبح مشروع تحويل معهد العالم العربي إلى مركز عالمي للفن المعاصر والحديث بفضل هبة السيد كلود لومان وزوجته، وهي الهبة التي حظينا بها عام 2018، ومن بين 1800 تحفة التي شكّلتها، نجد لوحات مبدعين مبهرين، من أمثال السوري يوسف عبدلكي، واللبنانية الأميركية إيتيل عدنان، والجزائري عبد الله بن عنتر، وآخرين كثر لا يسمح المقام بذكرهم جميعًا. باقة اللوحات التي ستجعل من معهد العالم العربي المصدر الأول للفن التشكيلي المعاصر والحديث في الغرب، لا تتجاوزها إلا باقة متحفي الدوحة في قطر، والشارقة في الإمارات العربية المتحدة، والسيدة ناتالي بونديل، مديرة قسم المتحف والمعارض ساهرة على قدم وساق لتكريس هذا التوجه الفني غير المسبوق. وفي ظل سهرها، سنمزج بين الفن القديم والفن الحديث من منطلق الاستمرارية لفن عربي ضارب بجذوره في التاريخ.

(*) يبدو لي أن هدف منافسة المتاحف الشهيرة، مثل اللوفر، الأشهر على الإطلاق، واضح في خطتكم الاستراتيجية (لوفر أبو ظبي، ومدينة لينس الفرنسية). وفي هذا السياق، يأتي اختيار السيدة بونديل لقيادة هذه المعركة بعد أن كانت مديرة متحف الفنون الجميلة في مونتريال، ويبدو أنكم تطمحون إلى فتح فرع لمعهد العالم العربي في نيويورك، وهذا ما كتبت عنه وكالة الأنباء الفرنسية، وتناقلته إذاعة "فرانس أنفو". أليس كذلك؟
نعم. معلوماتكم صحيحة جدًا. ولهذا قلت لكم إن هدف تطوير المعهد همي الأول والأخير. لا ننافس أي متحف، بل نعمل على تطوير المعهد على كافة الأصعدة، والمعارض الظرفية أحدثت نقلة نوعية في مساره بتوافد جماهير من كل الفئات العمرية، ومعرض "أوريان إكسبرس"، الذي احتضنه معهد العالم عام 2014 انتقل إلى سنغافورة عام 2020، وأتذكر جيدًا تغطيتكم الرائعة لهذا المعرض الذي خلّد الكاتبة أغاثا كريستي.



 

(*) لماذا كان المغرب، تحديدًا، أول بلد عربي لعرض باقة الفن العربي الحديث والمعاصر مباشرة بعد الإنطلاق في الترويج إليه كما مرّ معنا؟
الرد بسيط. أجبت بالإيجاب وبسرعة على طلب مسؤولي مؤسسة متاحف المغرب، وكان من الطبيعي أن أرحب بطلبهم، كما فعلت مع أطراف خارجية أخرى في وقت سابق. بالمناسبة، أزودكم بسبق صحافي يتمثل في تقديم معرض "المغنيات العربيات الشهيرات" (أم كلثوم، فيروز، وردة، وأخريات أقل شهرة من الثلاثي المذكور) قريبًا في أمستردام. هذه المعلومات هامة، ويفترض أن تسعدكم بدل التوجه لي بسؤال لم أفهم جدوى طرحه.

(*) سؤال تفرضه المهنية لا أكثر ولا أقل، وليست هنالك خلفية تركتكم تبدون انزعاجًا غير مبرر.
أوكي... أوكي، استمروا في طرح الأسئلة التي تريدون.

(*) أتذكر أنكم قلتم لي بعد تزكيتكم لعهدة ثانية على رأس معهد العالم العربي إنكم ستقومون بجولة عبر البلدان العربية لتحميل المسؤولية لبعض الأطراف المترددة في القيام بواجبها حياله. أتذكر جيدًا أنني طرحت معكم إشكال التمويل، علمًا أن المعهد كان يعاني يومها من أزمة مالية. ماذا عن ذلك عشية ضجة الحديث الإعلامي الفرنسي عن ترشحكم لعهدة رابعة، وترشح جان إيف لودريان وزير الخارجية السابق لعهدة أولى؟
أكرر لكم مجددًا. لست معنيًا بهذه الأخبار، أو الضجة، على حد تعبيركم، وأنتم ترون أنني أعمل بلا هوادة لتطوير المعهد. للرد على سؤالكم، أقول (وكما تعرفون)، أنا رجل إيجابي، وأعرف كيف أذّلل المصاعب، واستطعت حل ما كان عالقًا، ولا أدل على ذلك من النتائج التي تحدثنا عنها. أعتذر لكم لضيق الوقت، أنا مضطر لأن أترككم بسبب موعد مع البروفيسور المكلف بإعطاء دروس في الفلسفة في إطار لقاءات الفلسفة التي تقدم مرة في الأسبوع، وهي الدروس التي ستبث إلى دول عربية عدة. أخيرًا (وهذا سبق آخر تحظون به)، سننظم في شهر مايو/ أيار المقبل معرضًا عن فلسطين المهملة ثقافيًا في فرنسا، ومعهد العالم العربي هو الوحيد الذي يهتم بها. سيشرف على المعرض إلياس صنبر، الكاتب المعروف، والسفير السابق في اليونسكو، وسيدوم المعرض خمسة أشهر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.