}

فرات إسبر: الشعر لا يصنّف بهوية

صدام الزيدي صدام الزيدي 19 مايو 2024
حوارات فرات إسبر: الشعر لا يصنّف بهوية
فرات إسبر
فرات إسبر شاعرة جاءت إلى الحياة يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثّاني 1958، في قرية قصّابين السورية، وتقيم منذ سنوات عدة في نيوزيلندا. يكشف شعرها عن رؤية سوداويّة للكون، وتطغى عليه نبرة عميقة من الكآبة، وفقًا لأحد النقاد العرب، الذي يضيف بالقول إن قصائدها تثير الإعجاب حيثما نشرت، سواءً أكانت في لغتها الأصليّة العربيّة، أم مترجمة، بفضل ما تتمتّع به من قدرات تخيّلية خارقة وحساسية مرهفة.
صدرت لها خمس مجموعات شعرية: "مثل الماء لا يمكن كسرها" (دار التّكوين، دمشق 2004)؛ "خدعة الغامض" (دار التّكوين، دمشق 2006)؛ "زهرة الجبال العارية" (دار بدايات، سورية 2009)؛ "نزهة بين السّماء والأرض" (دار بدايات، سورية 2011)؛ "أطلس امرأة برية" (دار التكوين، سورية، 2024).
أصدر عنها الناقد والأكاديمي التونسي، محمّد صالح بن عمر، كتابًا، تناول فيه تجربتها الشعرية، وهو الجزء الخامس من كتاب "وجوه شعريّة من العالم" (دار إشراق للنشر، تونس 2015).
هنا حوار معها:



(*) لماذا تُغلّف قصيدتك في المجمل بنبرة حزن؟
كثيرًا ما أُسأل هذا السؤال، لكن هل تُسأل الأشجار عن ثمارها. أنا من بَنَات المَجَرَّات الحزينة. لم أحقق أحلامي، وتحقق ما قالته لي العرافة ذات يوم: "ستعيشين غريبةً وتموتين غريبة"... وهكذا ينقضي الزمان وأذهبُ من حزن إلى حزن. وكما يقول البهاء زهير:
انقضى زمنُ الصبا
فخرَجتُ من حُزْنٍ لحُزْنِ.

(*) خمس مجموعات شعرية منجزة لك، منذ "مثل الماء لا يمكن كسرها، حتى "أطلس امرأة برية. أين تجد فرات إسبر نفسها؟
منذ مجموعتي الأولى إلى اليوم وأنا أعمل على أن يكون لي صوتي وذاتي وبصمتي. لا أريد أن أشبه أحدًا إلا نفسي وشعري.

(*) مضت فترة طويلة على اختيارك الإقامة في نيوزلندا، في أقصى جنوب شرق الكوكب. هذه المسافة الشاسعة، والانتقالة التي استمرت وما زالت، ما الذي قدمته لك شعريًا، وعلى صعيد اللغة والمثاقفات الأدبية؟
كما يقول أبو تمام: "اغترب تتجدد"، وهذا ما حدث لي، هنا تعلمت اللغة، هنا كتبت مجموعاتي الشعرية، بالإضافة إلى مشاركاتي في عدد من الكتب  الصادرة باللغتين الإنكليزية والعربية.
لم أشعر في أي يوم بأنني غريبة، مع إنني جئتُ لا أعرف الإنكليزية، ولكنني الآن أُجيدها، وأكتب بها.

(*) خصص الناقد والأكاديمي التونسي محمّد صالح بن عمر الجزء الخامس من كتابه "وجوه شعريّة من العالم" لتناول تجربتك الشعرية. حدثينا عن ظروف التواصل لإنجاز هذا الكتاب، وعن المحتوى، لا سيما أن بن عمر أصدر لك أيضًا مختارات بترجمته إلى الفرنسية.
أعتبر محمد صالح بن عمر شخصية نادرة في العالم العربي. ولا أبالغ إذا قلت هذا عنه لأسبابٍ سأذكرها لك، وهي لا تتوفر في غيره. ليس لأنه أنجز لي مشروع الترجمة. لقد كنت من ضمن 35 شاعرًا من العرب والفرنسيين، وأصدر لكل واحدٍ منا مختارات شعرية، بالإضافة إلى أنطولوجيا شعرية مشتركة بالعربية والفرنسية، وكل هذا على حسابه الشخصي/ ومن دون مساعدة مادية من أية جهة ثقافية أو إعلامية. حتى إنه خصص لكل شاعرٍ وشاعرة عشر نسخ، ووصلت نسخي بالبريد إلى نيوزلندا مجانًا، وعلى حسابه الشخصي، مع أن أجور الشحن مرتفعة جدًا. من هنا أقول إنه لا يوجد من قدم للشعر والشعراء مثل الدكتور محمد صالح بن عمر، في حين أن الشاعر يدفع ثمن كتبه ويرسلها للأصدقاء والنقّاد، ولا يلتفت إليه أحد كونه ليس من "جماعتهم". أومن تمامًا أن هنالك جيلًا رائعًا من الشعراء لا ينتبه إليه النّقاد.

عن قصيدة النثر السورية

(*) لنتحدث عن قصيدة النثر السورية. كيف ترين إليها الآن في ضوء ما تكتبه أصوات جديدة؟
أنا خارج قصيدة النثر السورية. لا أحب أن يصنف الشعر على أساس هوية ينتمي إليها، الشعر ينتمي إلى المطلق. قارئ وشاعر محب من اليمن، أو من السعودية، أو المغرب، أو أي بلاد كانت يعطي هوية كونية للشعر.




الشعر ينتمي إلى من يحبه... لا أصنف نفسي وشعري بحدود وبلاد، الشعر خارج الحدود.
يمكن أن أقول إن قصيدتي مغربية وليبية ويمنية وسعودية. ذات مرة أرسلتُ إلى مجلة سّورية تهتمُ بالشعر لنشر مجموعة قصائد، ولكنهم شوّهوا نصوصي، وبَتروا أطرافها، وغيَّروا عناوينها.

(*) احتفى الناقد الدكتور عبد العزيز المقالح بباكورتك الشعرية "مثل الماء لا تكسر"، الصادرة في 2004، ضمن قراءة نقدية منشورة حملت عنوان: "فرات إسبر ــ في خصوصية التعبير الشعري عن الذات النسوية". حدثينا عن شعور إنجاز باكورة شعرية، وهذا الاحتفاء من ناقد كالمقالح؟
تعرفتُ على الدكتور عبد العزيز المقالح في مكتبة بيتنا، قبل أن أكتبَ الشّعر، من خلال شعره وكتبه، وكنت أقرأ له ولغيره من الشعراء، وأرتب دواوينهم في المكتبة حسب محبتي لهم، إذ كنت أتقاضى خمس ليرات سورية مكأفاة لي على هذا الترتيب، وكنت أحب كتب ماركس وصوره التي تزين الأغلفة، كانت كُتبه في واجهة الكتب، ولكني دفعت ثمن هذا، بعدم قبولي في معهد إعداد المعلمين، عندما اتهموني بالشيوعية، وأنا إلى اليوم لم أقرأ البيان الشيوعي.
أن يكتب عني أستاذ وشاعر مثل الدكتور عبد العزيز المقالح، فهذا بالنسبة لي شهادة كبيرة، وكانت مفأجاة لي حقيقةً إلى اليوم. لا أعرف كيف وصله كتابي إلى اليمن، وعن أي طريق.
كانت فرحتي بمقالته كبيرة، إذ أعتبرها شهادة مهمة جدًا، وخاصة أن "مثل الماء لا يمكن كسرها" كانت تجربتي الأولى في كتابة الشعر.
أحب شعر المقالح كثيرًا، أقرأ في شعره البلاد والأماكن التي أفتقدها. وهل أجمل من هذا المقطع له:
لا بد من صنعاء وإن طال السفر
دائمًا إنَّا حملنا حزنها وجراحها
تحت الجفون فأورقت وزكا الثمر. "يرحمه الله".

"قصائد تجرح العين"

(*) تحت عنوان "قصائد تجرح العين"، كتب والدك الأكاديمي محمد سعيد إسبر، في منبر ثقافي سوري، عن تجربتك في بواكيرها. كيف ترين إلى هذا الاحتفاء، وما مدى التشجيع الذي حظيت به منه؟ ثم إن الوالد عمل لسنوات أستاذًا في جامعة صنعاء. فما الذي حملته أحاديثه معكم عن اليمن؟
والدي رجل لا تكفيه الصفات لأصفه. لقد عمل في جامعة صنعاء، التي أَحبها كثيرًا، وحملها تذكارًا في قلبه.
كان يحدثني عن كل شيء جميل فيها، عن البشر الأنقياء الأصفياء، عن تلامذته الذين أحبوه، عن عسل اليمن الذي كان يحمله إلينا، عن فضة اليمن التي تزين أعناقنا إلى اليوم.
لوالدي ذائقة خاصة في الغناء، وهو يحب الغناء الأصيل، لهذا فقد حمل إلينا كثيرًا من أغاني "أبو بكر سالم"، وصوته الشجي.
لقد حزن حزنًا عظيمًا على ما حلّ باليمن من خراب.
أبي يحب شعري كثيرًا، ويقول لي: جنونك في الشعر لا حدود له.
أحيانًا، يقترح عليّ بعض التغييرات في النصوص، ولكن أرفضُ تمامًا، وأقول له: أنت شاعر كلاسيكي، أنا فقط أريد تصحيحاتك في النحو إذا كان عندي خطأ ما.
دائمًا يقول لي: حسّني خطك يا فرات، الخط ظاهرة ذوقية وعقلية يا فرات. هذا من ضمن الرسائل التي كان يرسلها لي من اليمن السعيد.

(*) لا بد أن منصات التواصل وطفرة التكنولوجيا سهلت كثيرًا التواصل وقرّبت المسافات. حدثينا عن تجربتك في المنصات والتثاقف الذي ينجز على هامشها، وأيضًا عن التواصل ــ الذي وفّرته لك ــ بالأهل والأحباب في سورية؟
منصات التواصل فتحت لي آفاقًا واسعة أمام القصيدة، وأعتقد أن تجربتي تركت أثرًا طيبًا، بدليل أن كل مجموعاتي كُتب عنها في وكالة رويترز، من قبل القسم الثقافي والأستاذ جورج جحا، وأيضًا أساتذة في جامعات مغربية، منها جامعة محمد الخامس، وأيضًا أعتز جدًا بما كتبه عن تجربتي الشعرية الدكتور عبد الله أحمد الفيفي من جامعة الملك سعود، وصدر ضمن كتاب من جزأين بعنوان "الشعر والشعرية"، وكل ذلك بفضل وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضًا كان منها مشروع محمد صالح بن عمر في الترجمة.



وسائل التواصل مهمة جدًا في فتح الآفاق، وبناء جسور الثقافة. ومن خلالها أيضًا نشرت لي نصوص في صحف بلجيكية، ومشاركات في كتب عدة باللغتين الإنكليزية والعربية.

(*) لست ممن يهتم بالمهرجانات والملتقيات الشعرية ولا الجوائز. هل هي ظروف العزلة التي اخترتها، أم إنه بُعد البلد الذي تقيمين فيه؟
سأقول الحقيقة وبصدق، أنا لا أتلقى ولم أتلق أية دعوة لمهرجان عربي، باستثاء المغرب العربي، ومرة واحدة منذ زمن بعيد لمهرجان المربد. وعدم حضوري لا أستطيع أن أبرره، وهذا قرار يعود للقائمين على المهرجانات.

(*) ما جديدك؟
جديدي مجموعة "أطلس امرأة برية" (صدرت حديثًا، 2024)، وكانت المفاجاة الجميلة أن تصدر عن سلسلة إشراقات التي يشرف عليها الشاعر أدونيس.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.