}

كمال أبو النور: ضعاف الموهبة استغلّوا قصيدة النثر

صدام الزيدي صدام الزيدي 29 يوليه 2024
حوارات كمال أبو النور: ضعاف الموهبة استغلّوا قصيدة النثر
كمال أبو النور

كمال أبو النور واحد من كتّاب قصيدة النثر المصرية من جيل التسعينيات، تخرج في كلية دار العلوم في جامعة القاهرة، ويعمل كبير معلمين في وزارة التربية والتعليم المصرية. تنشر قصائده في عدد من المجلات ومنابر النشر الثقافي المصرية والعربية.
صدرت له ثلاث مجموعات شعرية، هي: "موجات من الفوبيا" عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (2017)؛ "قفزة أخيرة لسمكة ميتة" عن دار العين للنشر (2018)؛ "شجرة في قلب ذئب"، عن الهيئة المصرية العامة للكتاب (2022). هنا، حوار معه:



(*) بعد قرابة عشرين عامًا من البواكير الشعرية (القصائد) التي وجدت طريقها للنشر في دوريات ومجلات مصرية، عدت في عام 2017 بإصدار شعري أول حمل عنوان: "موجات من الفوبيا". وفي أتون ذلك، كانت هنالك قطيعة وغياب عن التفاعل والنشر لفترة ممتدة من السنوات. حدثنا عن هذه الفترة تحديدًا، وعن مغامرة الإصدار الأول؟
بعد التخرج في الجامعة، كأي رجل عادي يبحث عن الاستقرار من خلال الزاوج والأبناء والنجاح في العمل؛ أخذتني مطحنة الحياة، وتوارى الشعر تمامًا. وبعد مرور ما يقرب من ربع قرن، شعرت بأن شيئًا ما ينقصني؛ لتحقيق السعادة الكاملة؛ فذهبت إلى معرض القاهرة الدولي عام 2014، واشتريت مرة واحدة 350 كتابًا من الشعر والروايات والقصة القصيرة، ووصلت ساعات القراءة في اليوم الواحد إلى حوالي اثنتي عشرة ساعة، ولم أجد في ما قرأته فجوة كبيرة بين ما كنت أكتبه في بدايات التسعينيات، وما كُتب في فترة غيابي؛ فبدأت أكتب بغزارة، وأمحو أحيانًا كثيرة ما كتبته إلى أن استقرت في عقلي ووجداني قصائد الديوان الأول. وبعد عام واحد شعرت بأنني غير راضٍ عن بعض القصائد في الديوان الأول، فبدأت كتابة الديوان الثاني، وبدأت آليات قصيدة النثر تتطور عندي من ديوان إلى آخر.

(*) تنتمي إلى جيل التسعينيات من كتاب قصيدة النثر المصرية. هذا الجيل كيف جاءت فتوحاته الشعرية، وأين يتموضع الآن؟
لا أعرف أي فتوحات تقصد، فكل من تحدَّث عن جيل التسعينيات يغفل تمامًا حركة قصيدة النثر في العالم العربي منذ الخمسينيات، كل ما فعله أبناء هذا الجيل في مصر أنهم اطلعوا جيدًا على شعر رواد قصيدة النثر مثل: أنسي الحاج، ويوسف الخال، ومحمد الماغوط. وفي الستينيات، وديع سعادة، وصلاح فائق، وسركون بولص، وفاضل العزاوي، وجان دمو. وفي السبعينيات، عباس بيضون، وسليم بركات، وبول شاؤول، وبسام حجار. وفي الثمانينيات قاسم حداد، وسيف الرحبي، وأمجد ناصر، ونوري الجراح، ووليد خازندار، وزكريا محمد. لم يطلعوا فحسب، بل انضموا إلى كل هؤلاء الكبار بقصائدهم التي كتبوها في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات. سأقول لك شيئًا: ألم يكن كل هؤلاء متاحين لشعراء السبعينيات والثمانينيات في مصر؟




كانوا متاحين؛ ولكنهم مروا عليهم مرور الكرام، ولم يتوقفوا عند التطور المذهل في قصائد كل هؤلاء الكبار في العالم العربي. لقد وصلنا في مصر متأخرين جدًا عما كان يحدث في لبنان وسورية والعراق منذ الخمسينيات وحتى الثمانينيات. وسأقول لك بكل صراحة: إن جيل التسعينيات مثل فرع صغير في شجرة ضخمة، ولكننا في مصر اعتبرناهم من المبتكرين، وبرغم أنني من هذا الجيل أقول لك: لسنا مبتكرين، ولكننا مجتهدون في حركة الشعر المصرية التي انحرفت كثيرًا عما كتبه صلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، فقد كان من الطبيعي أن يكتب الشعراء المصريون قصيدة النثر منذ السبعينيات على الأقل كتطور طبيعي للقصيدة العربية، والذي حدث أن الشعر تراجع، ثم قام شعراء التسعينيات بتعديل المسار، وهذا الجيل ما زال هو الأهم في حركة الشعر المصرية إلى الآن.

عن قصيدة النثر المصرية
(*) ومن هنا نسأل عن رأيك في قصيدة النثر المصرية التي تكتب اليوم في ظل الانفتاح على الآخر، وقراءته عبر السوشيال ميديا؟
ما زال شعراء جيلي، وجيل الثمانينيات، وبعض جيل السبعينيات، يبدعون ويقدمون الجديد، وكذلك توجد أجيال بعدنا يكتبون بشكل رائع، وهم كثيرون، ولكن يوجد كثير من الشباب من ضعاف الموهبة استغلوا بعض آليات قصيدة النثر، ورأوا أن هذا بمثابة عرس، ولا مانع من الرقص فيه بطريقة عشوائية. لكن مصفاة التاريخ لا ترحم أحدًا، وخاصة قصيدة النثر، فهي إما أن تكون صاحب مشروع في الكتابة، وإما أن تبحث عن نوع آخر في الكتابة بعيدًا عن قصيدة النثر.

في السوشيال ميديا
(*) بمناسبة الحديث عن السوشيال ميديا، ما هي تجربتك مع هذه النوافذ المفتوحة على التواصل والتثاقف والنقاشات الأدبية؟
أعترف بالفضل الكبير للسوشيال ميديا، ففي وقت قصير استعدت اسمي من قاع النسيان، واستعدت أصدقائي الذين بدأو معي في فترة الجامعة، وتعرفت على كتابات الأجيال اللاحقة لنا، وتعرفوا على كتاباتي، وكذلك شعراء العالم العربي منذ الستينيات، الذين لم تربطني بهم صداقات وهم متواجدون على فيسبوك، ولكن كما قلت لك لقد امتلأ فيسبوك بكثيرين أغرتهم قصيدة النثر واستسهلوها، وهم بعيدون تمامًا عن قواعد اللغة من إملاء ونحو وصرف، بالإضافة إلى فقر خيالهم، وانعدام موهبتهم، ولكنهم قدموا خدمة من دون قصد، وهي الدعاية المجانية لقصيدة النثر لمن حولهم من الشباب؛ فبدأت الأجيال الجديدة تتعرف عليها، ومع مرور الزمن ونضج المتلقي منهم؛ سيعرفون الجيد من الرديء.

(*) لنتحدث عن المشهد الثقافي العام في مصر الآن، من دون أن نغفل الإضاءة الثقافية الممتدة منذ عقود لهذا المشهد الذي مثّل يومًا مركز إشعاع حضاري وثقافي. هل المثقفون والثقافة هناك بخير، وما الذي يؤرقهم؟
مصر ستظل بخير، بمفكريها وشعرائها وروائييها ومثقفيها. ما زالت مصر، من دون تعصب، الرئة الأم لكل البلدان العربية. ولو تأملت جيدًا برغم الحالة الاقتصادية التي تمر بها، ما زالت الهيئة المصرية العامة للكتاب، وغيرها من المؤسسات الثقافية الحكومية، تطبع لكل الكُتَّاب العرب مؤلفاتهم بلا مقابل، بينما لا يتاح للكتاب المصريين طبع مؤلفاتهم في أغلبية البلدان العربية، برغم اقتصادياتها الأعلى بكثير من مصر.




وكل الذي أحلم به أنا وغيري هو النزاهة في اختيار المواقع الثقافية التي تُمنَح غالبًا لضعاف الكتاب وعديمي الموهبة لقربهم من مراكز اتخاذ القرار، وكذلك جوائز الدولة، ومعظمها غير نزيهة وتُعطَى لمن لا يستحق، وكذلك جوائز معرض الكتاب التي تنحاز غالبًا إلى الكتابة الكلاسيكية؛ لأن المحكمين غير جديرين بهذه المكانة، وهم أيضًا ينتمون لكتابات قديمة تم تجاوزها منذ زمن بعيد. وأحلم كذلك بألا يظل أي رئيس تحرير لمجلة ثقافية مصرية أكثر من ثلاث سنوات، فهو ليس إرثًا لكي يظل سنوات طويلة على رأس المجلة؛ وهذا أدى إلى إحجام الكُتَّاب عن شراء هذه المجلَّات؛ لأنها أصبحت نمطية، ولا تقدم الجديد، ولا توجد الجرأة لاستبعاد مواد ضعيفة لا تستحق القراءة لكتاب كثيرين لمجرد المجاملة فقط.

(*) بين هموم الشعر والكتابة والعمل في وظيفة كبير معلمين في التربية والتعليم، أين تجد نفسك؟
عملي كمدرس في وزارة التربية والتعليم أخذ من عمري كثيرًا على حساب الشعر، ولكنني منذ تسع سنوات استطعت المواءمة بين عملي كمدرس وكتابة الشعر. ويبدو أنني حينما شعرت بأن بناتي قد كبرن، ولسن بحاجة كبيرة إلى متابعتي لدراستهن وتنظيم حياتهن؛ نجحت في هذه المواءمة. وسأحدثك عن شيء إيجابي في تلك السنوات التي ابتعدت فيها عن الكتابة: اكتشفت مواهب كثيرة في تلامذتي في المرحلة الإعدادية، وهي مرحلة بدء الكتابة كما حدث معنا. كنت أمدهم بمجموعات شعرية وقصصية وروائية؛ لكي أساعدهم على تشكيل وجدانهم، وكنت أتابع ما يكتبونه، وأدير معهم حوارات كثيرة من أجل توجيه أفكارهم في الاتجاه الصحيح، وهذا سبب لي سعادة ما بعدها سعادة.

(*) هنالك إشراقات شعرية جديدة في طريقها للمطبعة كما أخبرتني. فما الذي ننتظره من جديد شعري، وكيف يمكن للمبدع أن يستفيد من تجاربه السابقة للخروج بأعمال أفضل، في رأيك؟
نعم، عندي ديوان رابع انتهيت منه منذ عام، وحاليًا أكتب في ديواني الخامس. وكلما يخرج كتاب لي إلى النور أبدأ في مراجعة ما كتبته، وأتحوَّل إلى ناقد لكتاباتي. أنا في حوار مع نفسي من خلال تساؤلات كثيرة حول الآليات التي أكتب بها، ودائم البحث عن تطويرها، وكذلك الرؤية التي أحاول أن أجدّدها من كتاب إلى آخر، وكذلك اللغة التي تؤرقني كثيرًا، وهي من أصعب القضايا في الشعر.

البدايات
(*) عد بنا إلى المحاولات الأولى في القراءة والكتابة: كيف تشكلت الدهشة الأولى للقارئ والشاعر أبو النور، في الطفولة وما بعدها؟
بدأتُ مرحلة الكتابة في المرحلة الإعدادية، حيث كتبت الشعر، والقصة القصيرة، وكان الشعر عموديًا وغير موزون، والفضل بالتأكيد لمغامرات الحب، وبداية المراهقة. وفي المرحلة الثانوية، تعلمت أوزان بحور الشعر العربي على يد مدرس اللغة العربية الذي أحبّني كثيرًا، وكنت ألقي قصائدي في طابور الصباح. وفي مكتبة خالي، مدرّس اللغة العربية، بدأت مرحلة القراءة، وكذلك مكتبة المدرسة، وكانت كل القراءات في الشعر العمودي إلى أن وقعت عيني على أعمال شعراء الرومانسية في مصر، والأعمال الكاملة لأبي القاسم الشابي، فلاحظت تطورًا كبيرًا على مستوى الصورة والمجاز في أعمال هؤلاء الشعراء، وعندما ذهبت لكلية دار العلوم قرأت للبياتي، ونازك الملائكة، وصلاح عبد الصبور، وأحمد عبد المعطي حجازي، ومحمد عفيفي مطر، وأمل دنقل، ثم شعراء السبعينيات، كل ذلك أفضى إلى كتابة قصيدة التفعيلة، ولم أتوقف عندها كثيرًا؛ فتحولت إلى كتابة قصيدة النثر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.