}

عادل واسيلي: فلسطين تبقى حاضرة في وجدان الشعب المصري

مليحة مسلماني 22 يونيو 2024
حوارات عادل واسيلي: فلسطين تبقى حاضرة في وجدان الشعب المصري
عادل واسيلي
عادل واسيلي مهندس مدنيّ وناشط ومصوّر فوتوغرافي مصري يقيم في القاهرة، نشط على مدار سنوات طويلة في العمل الوطني والميداني في مصر، وذلك بالموازاة مع استمرار مسيرته الإبداعية كفنان فوتوغرافي أقام كثيرًا من المعارض في مصر وخارجها. نشط في الثورة المصرية ميدانيًا ووثّق أحداثها عبر كتابه الفوتوغرافي "حياة الميدان". وهو من مؤسّسي "اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني"، التي بدأت نشاطها بالتزامن مع اندلاع "انتفاضة الأقصى"، ثم عادت إلى العمل مباشرة بعد "طوفان الأقصى".
حول دور "اللجنة الشعبية" في إرسال قوافل إغاثية إلى غزة، والعوائق والتحديات، ومعبر رفح، وحول فلسطين وقضيتها في وجدان الشعب المصري، والموقف المصري الرسمي، كان هذا الحوار.

(*) بدايةً، كيف تشكّلت "اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني"، وما هي أهدافها وأنشطتها الرئيسية؟
تشكّلت "اللجنة الشعبية للتضامن مع الشعب الفلسطيني" على أيدي مجموعة من الناشطين من الشعب المصري المهتمّين بالقضية الفلسطينية، بهدف دعم الشعب الفلسطيني في مسيرة تحرّره من الاحتلال، وذلك ضمن الإمكانيات المتاحة في ظلّ الأوضاع الداخلية المصرية، الاقتصادية والأمنية. بدأت اللجنة نشاطها بالتزامن مع اندلاع الانتفاضة الثانية، وتحديدًا في عام 2001، واستمرت بالعمل حوالي خمس سنوات. كان يتم جمع التبرعات من الأغذية، كالطحين والسكر والأرز والأجبان، وكل أصناف الغذاء التي يمكن نقلها من دون أن تفسد خلال عملية النقل، إضافة إلى الأدوية، والملابس الجديدة لا المستعملة. ومن ثم يتم إرسال هذه التبرعات ضمن قوافل مساعدات تتجه إلى غزة من خلال معبر رفح. وعبر بعض الجمعيات الأهلية والجهات الشعبية في غزة، كان يتم إرسال بعض هذه المساعدات إلى الضفة الغربية. كما نشطت اللجنة آنذاك في مساعدة الجرحى الفلسطينيين الذين كانوا يتلقّون العلاج في المستشفيات المصرية، ومساندة مرافقيهم.
توقف العمل في اللجنة عام 2006، وذلك لأن نشاط اللجان الشعبية يبقى عادة مرتبطًا بالسياق السياسي العام، سواء داخل البلد أو خارجه؛ كانت هناك مرحلة فترة فتور سياسي، إضافة إلى توقيع بعض الاتفاقيات بين الأطراف المختلفة. ولكننا كنا نعود إلى العمل في فترات مختلفة، وخاصة خلال الحروب المتكررة على غزة؛ ففي عام 2008 أرسلنا قوافل إغاثية عدة، وقمنا بزيارة تضامنية لغزة لمدة ثلاثة أيام، بهدف التضامن الميداني المباشر مع الشعب الفلسطيني. غير أن حجم العمل لم يكن بذلك القدر الذي كان خلال السنوات الأولى من تشكّل اللجنة.

(*) كيف تفاعل الشعب المصري آنذاك مع أنشطتكم في دعم صمود الشعب الفلسطيني؟
في الفترة ما بين 2002 و2003 كنا نتحرك بسيارات نقل كبيرة بين كثير من القرى المصرية، لجمع التبرعات، وللحديث مع الناس حول القضية الفلسطينية. كان الناس يتبرعون مما لديهم من المواد التموينية، كالطحين، والأرز، والعدس، والفول، وغيرها. وما زلت أذكر بعض المواقف المؤثرة جدًا، من بينها أنه كانت هناك امرأة تبرّعت بحلقها الذهب، الذي كان ربما كل ما تملك، ووضعته في سيارة جمع التبرعات، وتبرّعت امرأة أخرى ببيضتيْن مما أنتجته دجاجةٌ تملكها، قمنا بعمل مزاد علني في القرية على الحلق والبيضتيْن، وجمعنا مبلغًا كبيرًا نسبيًا واشترينا به مواد غذائية. وهنالك كثير من الأمثلة والمواقف التي تدلل على أن أبناء الشعب المصري البسطاء والفقراء، وإن كانوا لا يملكون الأموال، إلا أنهم يملكون مشاعر جياشة تجاه القضية الفلسطينية ويحاولون تقديم الدعم والمساندة بقدر استطاعتهم.

قوافل اللجنة الشعبية 

في ذلك الوقت، كانت الأوضاع الأمنية أسهل نسبيًا مما هي عليه الآن، لذا كنا قادرين على العمل بصورة نشطة، فنحن لسنا منظمة رسمية، بل لجنة شعبية معظم أعضائها من اليسار المصري، والمشاركة فيها تكون بشكل فردي لا حزبي ولا أيديولوجي ولا عقائدي، وبالطبع، يبقى باب الانضمام إليها مفتوحًا للتيارات والانتماءات كافة. ولعدم صعوبة الأحوال الأمنية آنذاك، مقارَنةً باليوم، كنا قادرين على أن نجوب القرى والمحافظات، وبذلك، وبعد تأسيسها بشهر، أو شهرين، أصبح للجنة فروع في حوالي 17 محافظة، وتم هذا الانتشار بسرعة ويُسر.

(*) عادت اللجنة إلى نشاطها السابق بعد "طوفان الأقصى". ما هي التحديات التي تواجهكم؟ وهل هنالك جهات أخرى، لجان أو نقابات، تنشط في مسألة دعم صمود الشعب الفلسطيني في غزة؟
نعم، عادت اللجنة إلى نشاطها، ولكن في ظل قيود أمنية شديدة جدًا، فلا يمكننا تنظيم وقفات احتجاجية؛ نظّمنا في بداية الأحداث مظاهرة لم تكن كبيرة، ولم تنجح محاولاتنا بعد ذلك في تنظيم فعاليات أخرى. واستطعنا لغاية الآن إدخال ثلاث قوافل إغاثية من الأغذية، وثلاث قوافل أخرى من الدواء، وكل قافلة تضم خمس أو ست أو سبع شاحنات كبيرة.




وهنالك عوائق كثيرة جدًا تواجهنا، على سبيل المثال لدينا خيام لم نتمكن من إدخالها لأنها تحتوي على أوتاد حديدية، فنحاول أن نبحث عن حلول أخرى بديلة كأوتاد الخشب، كما نحاول الحصول على تصاريح من هيئات دولية، فلربما تساعد في دخول المواد الإغاثية. وأحيانًا يتم إرجاع المساعدات لمجرد التعنّت، كما يشترطون أن تحتوي الناقلة على مادة واحدة فقط كالأرز، فلو كان فيها ملابس، أو أي شيء آخر، يقومون بإرجاعه. ولكن وبشكل عام فإن معظم ما نرسله ننجح في إدخاله.
إن التضييقات الأمنية تصعّب وبشكل كبير مسألة التضامن بكل أشكاله؛ هنالك جمعيات أهلية مسجّلة ضمن وزارة الضمان الاجتماعي شكّلت تحالفًا تشرف عليه السلطات المصرية، ويقومون بإرسال قوافل إغاثة كثيرة. وللأسف لا يوجد خارج إطار الحكومة الرسمية جهات أخرى نشطة في هذا الصدد، سوى نقابة الصحافيين التي حاولت إرسال قافلة صغيرة. ونحن، كلجنة شعبية غير مسجلة رسميًا، ولسنا حزبًا ولا جمعية أهلية، نُعد الجهة الوحيدة التي تنشط خارج الإطار الحكومي الرسمي.
من المهم الإشارة هنا إلى المبادرات الفردية، فهنالك كثير من الناس توجهوا وبشكل فردي إلى الهلال الأحمر المصري والجميعات الأهلية التي تتبع السلطة، ليتبرعوا من أجل دعم غزة. ولغاية اليوم هنالك من يحاول زيارة الجرحى الفلسطينيين الموجودين في المستشفيات المصرية، وهذا أمر صعب للغاية، لأنه وللأسف هنالك حالة حصار على الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات هنا، لكن بعض المحاولات تنجح وتتم الزيارات التي تكون بهدف التكاتف والتضامن المعنوي والمباشر، وتمت زيارات مؤخرًا بمناسبة عيد الأضحى لتقديم بعض الهدايا، كالملابس، وغيرها.

(*) لماذا هناك حالة حصار على الجرحى الفلسطينيين في المستشفيات المصرية؟
بسبب الطبيعة القمعية للسلطة المصرية، فهي لا تريد أن تقوم أي جهة بأي نشاط خارج سلطتها، ولذلك هنالك حالة حصار شديدة مفروضة أيضًا على الأحزاب والنقابات، وليس في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية فحسب، بل في كل الأنشطة العامة. لقد أصبحت الأحزاب والنقابات غير قادرة على فعل أي شيء تقريبًا. وهنالك عدد كبير من المصريين الذين تم اعتقالهم بسبب مشاركتهم في مظاهرات تضامنية. قبل أيام، وخلال مباراة جرت في الدوري المصري، رفع أحد المشجّعين علم فلسطين فتم اعتقاله، انسحب بعض الجمهور من المدرّجات احتجاجًا على ذلك، فتم اعتقالهم هم أيضًا، ولكن السلطة تفادت الأمور وقامت بإطلاق سراحهم. لكن ولغاية الآن هناك عدد لا بأس به، يصل إلى بضع مئات، من الشبان الذين اعتقلوا منذ بداية أحداث "طوفان الأقصى"، لمجرد تضامنهم مع الشعب الفلسطيني.

(*) هل يمكن القول إذًا بأن فلسطين لا تزال حاضرة بقوة في وعي ووجدان الشعب المصري؟
على الرغم من أن السلطات المصرية تقيم منذ سنوات طويلة اتفاقيات سلام مع الكيان الصهيوني، لكن ذلك لم ينجح لغاية اليوم في كسر إرادة الشعب المصري وموقفه من التطبيع، فهو لا يزال يتخذ موقفًا مناهضًا للتطبيع وبشكل قاطع. ومهما حاولت السلطات المصرية والعربية والدولية إقامة علاقات رسمية تطبيعية مع هذا الكيان، إلا أن هذه العلاقات والاتفاقيات ليس لها قاعدة أو جذور في الشارع المصري.  وأرى أن القضية الفلسطينية تبقى، بالنسبة للشعب المصري، جزءًا لا يتجزأ من القضية المصرية.

مظاهرة تضامنية 

حارب المصريون ضد العدو الصهيوني في الأعوام 1956 و1967 و1973، وما زال الشعب المصري يرى أن العدو الرئيسي لمصر هو العدو الصهيوني. كما لم تؤثر الضعوط والأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية على موقف الشعب المصري، الذي لا يزال يرى فلسطين قضية رئيسية، ويرى، بانتماءاته وتياراته المختلفة، أن الأزمة في منطقة في الشرق الأوسط لن تحلّ من دون وجود حل عادل للقضية الفلسطينية.

(*) هنالك من ينشطون على مواقع التواصل الاجتماعي من المصريين والعرب، يستمرون في تخوين الفلسطينيين واتهامهم "ببيع أراضيهم إلى اليهود"، ويتخذون مواقف معادية للفلسطينيين، بل تعد مواقفهم صهيونية، كما يصفها كثير من النشطاء.
هؤلاء لا حجم لهم ولا تأثير. أقول إنه وعلى الرغم من أن الشعب المصري مقيّد بشكل كبير في ما يتعلق بمسألة التضامن مع الشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من قسوة الأوضاع السياسية والأمنية الداخلية، والظروف الاقتصادية الصعبة للغاية، إلا أنه يحاول تقديم ما يمكن من مساعدات غذائية وأدوية، وغيرها من أشكال التضامن، وستبقى القضية الفلسطينية تشكل جوهرًا أساسيًا في تكوين الشعب المصري بأغلبيته الساحقة، ولن تنتهي هذه القضية في وعي ووجدان المصريين.




أما الفئة القليلة التي ذكرتِ فهم لا يشكلون نسبة تذكر، بعضهم تابع للسلطة، أو يحاول التقرب لها، ولكن الروح المصرية العامة هي مع الحق الفلسطيني، ومع المقاومة الفلسطينية. كنت منذ أيام أمشي في حارة في باب الوزير القريب من القلعة وجامع السلطان حسن في القاهرة، ففوجئت بدرج حجريّ خارجيّ دُهن بألوان العلم الفلسطيني، هذه المظاهر التضامنية منتشرة في شوارع مصر.
في السابق، كان من المصريين من هو ضد المقاومة المسلحة، اليوم وبعد "طوفان الأقصى" أصبح هؤلاء يؤيدون المقاومة المسلّحة، لأن ما يحصل هو حرب إبادة، والجدل حول جدوى المقاومة المسلحة هو عبثي في رأيي، ولا معنى له؛ فالمقاومة المسلحة هي شكل أساسيّ من أشكال المقاومة الفلسطينية. كما كان هناك من المصريين من يختلف مع حركة حماس، وأنا من بينهم، ولكن لا أستطيع بعد "طوفان الأقصى" أن أقف معارضًا لحماس، رغم اختلافي الأيديولوجي معها، فهي حركة مقاومة أثبتت أنها جزء لا يتجزأ من النسيج الوطني الفلسطيني، وتقوم في غزة ببطولات، وتقدم تضحيات في مقاومة الاحتلال لا يمكن إنكارها، ولا يمكن كذلك إنكار بطولات وتضحيات الشعب الفلسطيني بعامة، وأهلنا في غزة بخاصة.

(*) كيف يمكن قراءة وتحليل الموقف الرسمي المصري الذي يتخذ مواقف معلَنة تبدو مؤيّدة للقضية الفلسطينية ويرسل مساعدات إلى غزة، ولكنه في الوقت ذاته يمنع ويقمع أشكال التضامن الشعبية؟ وماذا عن مسألة قبض مبلغ يصل إلى عشرة آلاف دولار أميركي من كل فلسطيني يريد الخروج عبر معبر رفح؟
كما ذكرتُ سابقًا، السلطة المصرية لا تريد من أي جهة أن تنشط خارج حدود سيطرتها؛ مصر تمر داخليًا بكثير من الأزمات الاقتصادية الصعبة للغاية، لذا يمكن القول إن النظام يخشى من أن يتحول النشاط التضامني مع القضية الفلسطينية باتجاه القضايا الداخلية، وهذا الخوف كان واضحًا أيضًا خلال فترة عملنا عام 2001 بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية. صحيح أن النظام المصري يتخذ موقفًا رسميًا يبدو مؤيدًا للقضية الفلسطينية، وأنه يرسل مساعدات عبر الجمعيات الأهلية التابعة له، ولكنه في الوقت ذاته يقابل أي نشاط أو فعالية تضامنية تقوم بها أي جهة خارج حدود سيطرته بقمع شديد، لأنه يخشى من انفلات الأمور، فلا يعود قادرًا على السيطرة عليها. أما الجمعيات الأهلية التابعة له فتبقى ضمن حدود سيطرته، ولكن كل نشاط خارج سلطته، فالنظام المصري ضده تمامًا حتى لو كان متفقًا معه. كما لا أرى أن هذه المساعدات التي يرسلها تساهم كثيرًا في حل الأزمة، ففي رأيي كانت هنالك دائمًا أوراق كثيرة بين أيدي السلطة تستطيع أن تستخدمها لحل الأزمة الفلسطينية، ولكنها لم تفعل.
كان لمصر سابقًا وزنها السياسي المؤثر، وبعدما كانت دولة قيادية لها دورها وتأثيرها في المنطقة، تراجع الدور الرسمي المصري بشكل كبير بسبب الأوضاع الاقتصادية والأزمات الداخلية. وأرى أن الموقف المصري الرسمي اليوم تجاه العدوان على غزة، والقضية الفلسطينية بعامة، متخاذل إلى حد ما، وفي يد السلطات المصرية أوراق كان يمكن أن تستخدمها ليكون موقفها داعمًا بشكل حقيقي للقضية والمقاومة الفلسطينيتيْن.
بخصوص ما يؤخذ من الخارجين عبر معبر رفح، يتحدث كثير من الناس عن الحاج إبراهيم العرجاني، الذي ظهر فجأة وبشكل غير مفهوم، وأصبح صاحب نفوذ وسلطة قوية تمكّنه من التحكم بشكل كبير في معبر رفح، ويتراوح ما يقبضه من أي شخص يريد أن يخرج من غزة عبر معبر رفح، بين 6000 و10000 دولار أميركي، وذلك في حال وافقت إسرائيل على خروجه. لقد تم للأسف استحداث منصب جديد اسمه "اتحاد قبائل مصر"، ولم نعرف في مصر من قبل هذا المنصب، وما زال غير مفهوم، ولماذا تم استحداثه، وتم تعيين العرجاني، وهو من إحدى القبائل الكبيرة في شمال سيناء، رئيسًا "لاتحاد قبائل مصر"، وذلك في احتفال ضخم. هنالك تجار حروب دائمًا. وهذا الموضوع معلن، والناس يتحدثون عنه باستمرار على مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن السلطات المصرية لا تعقّب على الموضوع.

(*) أليست السلطات المصرية هي من أوجدته، أو قامت بتعيينه؟ أقصد العرجاني.
غالبًا، نعم. ولكن حفظًا لماء الوجه على الأقل لم يحاولوا أن يجيبوا بأي ردّ ذي معنى أو قيمة على تساؤلات الناس، وتجاهلوا الموضوع تمامًا، وكأنه ليس مهمًا توضيح الأمور للشعب المصري.

(*) ماذا عن السيادة المصرية على معبر رفح، الذي بات يبدو وكأنه لاعب رئيسي في الحرب والحصار على غزة؟
منذ بداية العدوان على غزة ولغاية الآن فإن السلطات المصرية توافق تمامًا على ما تمليه سلطات الاحتلال من شروط على معبر رفح، من دون أي اعتراض، منها شروط تعبئة وتغليف ومرور البضائع، وكل شيء خاضع لإملاءات الاحتلال، وكذلك قرارات إغلاق وفتح المعبر. وبشكل عام، فإن التفتيش عملية معقدة تبدأ من الإسماعيلية، ثم في العريش، وعبر حواجز كثيرة. كما وافقت السلطات المصرية كذلك على حصول تفتيش إسرائيلي على معبر كرم أبو سالم، الذي كانت تدخل عبره طوال الوقت، وقبل "طوفان الأقصى"، البضائع والمواد والغذائية، وكان معبر رفح لمرور الأفراد فقط. وبعد الأحداث أصبح من الممكن إدخال البضائع عبر كليهما، ولكن يتم التفتيش في معبر كرم أبو سالم من خلال السلطات الإسرائيلية، وبعد ذلك تمر البضائع عبر معبر رفح.
مصر تدّعي بشكل رسمي أن معبر رفح مفتوح، لكن هذا غير صحيح. واختراق العدو الصهيوني لمحور فيلادلفيا ومعبر رفح مخالف للاتفاقيات، ومنها اتفاقية عام 2005 التي تنص على أن محور فيلادلفيا منطقة منزوعة السلاح وعلى عدم سيطرة الكيان الصهيوني على معبر رفح، ومع ذلك فإن إسرائيل تفعل ما تريد، والسلطات المصرية في حالة هدوء دومًا، مبرّرة هدوءها بادّعاءات غير مقبولة شعبيًا، ومن ذلك أنهم يحاولون عمل وساطة بين "الطرفين" مع التحفّظ على مصطلح "الطرفين". على سبيل المثال، أطلق الجيش الإسرائيلي مؤخرًا النار على جنديين مصريين على معبر رفح، فاستشهدا، ولم تقم لهما جنازة عسكرية.

(*) بصفتك فنانًا، ماذا عن الحراك الثقافي المصري في ما يتعلق بالحرب الإبادية على غزة؟
إن كوني مصورًا فوتوغرافيًا يجعلني قريبًا دائمًا من الميدان، فالتصوير مهنة إبداعية تدفعك إلى الوجود في الواقع ومعايشته والتفاعل معه. ونحاول مع بعض الفنانين والمثقفين، من كتّاب وأدباء ومبدعين، تنظيم ندوات وفعاليات تضامنية، ولكن كل ذلك يتم ضمن قاعات صغيرة، ويتم الدعوة لها عادة عبر العلاقات الشخصية، وليس عبر مواد إعلانية، أو دعائية، وذلك بسبب التقييد الأمني الشديد. هنالك فنانون أنجزوا أعمالًا عدة، كان من بينها عمل تفاعلي نُفّذ بكتابة أسماء شهداء فلسطينيين على قماش، وذلك بمشاركة الجمهور الذي كتب أيضًا جملًا وطنية وتضامنية، مثل "لن ننسى"، و"لن نركع". وبشكل عام، فإن الحراك الثقافي المصري لا يستطيع للأسف أن يكون على قدر المأساة الفلسطينية، من حيث حجم الإنتاج الثقافي ومدى انتشاره، وذلك بسبب القمع الأمني الشديد.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.