}

روني برومان: تأييد معظم المثقفين الفرنسيين لإسرائيل ليس مفاجأة

بوعلام رمضاني 27 أغسطس 2024
حوارات روني برومان: تأييد معظم المثقفين الفرنسيين لإسرائيل ليس مفاجأة
روني برومان بعدسة الكاتب

روني برومان واحد من أشهر الفاعلين الإنسانيين والخّيريين الكبار الذين يزعجون صحافيي الدعاية الصهيونية المنظّمة والمنتظمة منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر باسم تأديب حماس "الإرهابية" وحدها في تقدير بنيامين نتنياهو. خلافًا لمثقفين وكتّاب فرنسيين وعرب لم يتجاوبوا مع دعواتنا المتكّررة لمحاورتهم منذ بروز "مكارثية" فرنسية أصبحت حقيقة شامخة، بحسب المفكر العربي عزمي بشارة، ردّ برومان على أسئلة "ضفة ثالثة" بعد انتظار وإلحاح طويلين بشجاعة قد تتسبّب في ملاحقته إعلاميًا من منطلق معاداته السامية رغم يهوديته التي لا تشبه في شيء يهودية برنار هنري ليفي.

وتكمن أهمية ردوده المثيرة في عدم صمته أو خوفه من تحمّل مسؤوليته التاريخية قبل أن تتخذ إبادة غزة منعرجًا أكثر مأساوية، بعد أن أصبح الفلسطينيون يموتون أشلاء لا تسمح لأصحابها بدفن يشهد على كرامتهم كبشر.

روني برومان الطبيب في الأمراض الاستوائية، من مواليد القدس عام 1950، واشتهر بقيادته الفرق الطبية التابعة لمنظمة "أطباء بلا حدود" التي ترأسها لمدة اثنتي عشرة سنة. يظهر إعلاميًا باحتشام لافت مناهضًا حصار أمثاله النادرين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي مندّدًا بالإبادة الإسرائيلية لغزة، وفاضحًا الصحافيين والمثقفين الصهاينة الماضين في تشويه السياق التاريخي لنضال الشعب الفلسطيني الأبيّ.

هنا نص الحديث الذي سيبقى شهادة شجاعة واستثنائية لمثقف فرنسي يستحق التنويه والتقدير في زمن فرنسي يرفض ويلفظ أمثاله. الحديث الذي جمعنا به قبل اقتحام رفح، ما زال طازجًا سياسيًا، كما لو أجري أمس، حديث يتضمن جوانب تحاليل قد لا نتفق مع صاحبها، وأخرى لا يجهر بها معظم المثقفين الفرنسيين المنحازين لإسرائيل كعميان يذكّروننا برواية "العمى" لجوزريف ساراماغو، الروائي البرتغالي الراحل الشهير.

(*) إسرائيل تستعد لدخول رفح للقضاء على حماس باعتبارها "حركة إرهابية" تهّدد أمن إسرائيل حسب زعم نتنياهو. سبق أن قلتم قبل شهور إن دخول غزة سيكون انتحارًا. هل يمكن القول إن كلامكم قد أصبح حقيقة في ظل المستجدات الأخيرة؟

لم أغيّر رأيي، وأعتقد جازما أن العنف الذي مارسته إسرائيل قبل وبعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر وحتى هذه اللحظة، سينقلب حتمًا على المجتمع الإسرائيلي. إصرار نتنياهو على دخول رفح ليس أمرًا جديدًا، بالنظر إلى الراديكالية السياسية التي يجسّدها المتطرفون وقتلة رابين. هؤلاء الذين يمسكون بالسلطة في إسرائيل، يعملون على إحداث كارثة حقيقية غير مسبوقة، وهي الكارثة التي ستطاول إسرائيل على كافة المستويات النخبوية الخاصة والاجتماعية العامة. العمليات العسكرية التي تشنّها إسرائيل ضد الفلسطينيين في شكل انتقام تقليدي في غزة وفي الضفة الغربية، غير منفصلة عن احتلال عانى وما زال يعاني منه الشعب الفلسطيني في سياق تاريخي معروف قائم على العنف الكولونيالي. المجتمع الذي يأتي منه هذا العنف يتعرّض للعنف أيضًا الأمر الذي يحدث في أماكن أخرى، وليس في إسرائيل فقط.

(*) هل تشاطرون رأي آلان غريش (1) الذي قال لـ"ضفة ثالثة" في حديث سابق "إذا كانت إسرائيل تعتبر حركة حماس حركة إرهابية، فأنا أعتبر إسرائيل دولة إرهابية". بالنسبة له حماس "ليست حركة إرهابية" مثله مثل المقاوم اليهودي الشهير الراحل ستيفان هيسيل، واليهودي مثلكم؟

يمكننا وصف العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تحدثت عنها ردًا عن سؤالكم الأول، والآلاف من القنابل التي تم رميها على الشعب الفلسطيني في غزة بالإرهابية، مثلها مثل عمليات حماس الانتحارية خلال الانتفاضة الثانية، والاعتداء الأخير على "الكيبوتسات" الإسرائيلية والحفل الفني يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي. في الوقت نفسه، يجب الإشارة إلى أن استعمال تعبير الإرهاب موجّه في أغلب الأحيان نحو الخصم بغرض الإقصاء، وتحويله إلى عدو كما كان يتم مع القراصنة في وقت سابق، الأمر الذي يسمح بإضفاء الشرعية على كل ممارسات العنف ضده. ميليشيات حماس التي هاجمت المواقع العسكرية والأمنية يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر عبرّت عن مقاومة ضد المحتل تمامًا كما يتم في الضفة الغربية ضد العساكر الإسرائيليين، إلا أنهم اعتُبروا مجرمين مثلهم مثل الإسرائيليين الذين يمارسون الرعب والقتل ضد مدنيين. أقول هذا الكلام معتبرًا الجهة المستهدفة من الاعتداء بغرض القتل معيارًا لتحديد مفهوم الإرهاب، وليس هوية المعتدين. من جهتي، تحدثت وما زلت أتحدث عن أفعال إرهابية ضد مدنيين إسرائليين بالشكل الذي يشوّه المقاومة الفلسطينية. في الوقت نفسه أرفض وصف حماس بالمنظمة الإرهابية، كما أرفض وصف الدولة الإسرائيلية بالإرهابية. نستطيع تعريف الفعل الإرهابي، لكن لا نستطيع تعريف الإرهاب.



(*) كيف ترون مستقبل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في ظل معطيات وتداعيات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وهل أنتم من الذين يؤمنون بأنه سيعرف حلا بطريقة ما وكيف؟

إنها مسألة تتراوح بين التعقيد واليأس، بحكم قربنا من التفاقم الأسوأ والأشنع، وارتفاع منسوب الحقد والخوف والحذر إلى أعلى درجة من الجهتين، وتفسير الأمر سهل وواضح، نتيجة تكريس إبادة الفلسطينيين باسم محاربة الإرهاب الإسلامي. الولايات المتحدة الأميركية أخرجت حلّ الدولتين التقليدي بشكل يكشف عن اعتراف بأصل انفجار العنف السياسي، والأمر لا يعدّ تفصيلًا ما دام يفنّد موقف الذين يحاولون الخلط بين حماس والدولة الإسلامية، وعلى رأسهم نتنياهو وعدد كبير من السياسيين والمثقفين الفرنسيين. حلّ الدولتين ينسجم مع القانون الدولي ومقرّرات الأمم المتحدة والشرعية القانونية، لكنه الحلّ غير القابل للتطبيق. هذا الحلّ كان ممكنًا وواقعيًا حتى فترة تسعينيات اتفاق أوسلو، لكن تكثيف إسرائيل لاحتلالها العسكري والمدني في العقود الثلاثة الأخيرة، ألغى تمامًا هذه الإمكانية، وما عدا رئيس الوزراء السابق إسحاق رابين، لا أحد من رفقاء دربه، سعى لتوقيف مسار الاستيطان في الضفة الغربية. والعكس هو الذي حدث.

(*) هل أنتم متأكدون مما تقولون أم أن الإبادة القائمة يمكن أن تتوقف تحت ضغط دولي يتزايد من يوم لآخر، ما ترك برنار هنري ليفي ـ عدوكم اللدود ـ يتحدث عن عزلة إسرائيل في كتابة الجديد "عزلة إسرائيل"؟

تفاقم الوضع وارد في ظل هروب نتنياهو نحو الأمام، وذلك باتساع رقعة الحرب نحو الشرق الأوسط، وطرد الفلسطينيين من الضفة الغربية وغزة إلى بلدان عربية مجاورة مرفوقًا بنتائج كارثية عل الصعيدين الإنساني والسياسي. خلافًا لذلك، يمكن لهذه الإبادة أن تتوقف تحت الضغط الدولي في ظل تنامي تحدث المحكمة الدولية عن "فرضيات" وقوعها، وعزلة إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية. إسرائيل أصبحت عبئًا حتى على حلفائها المقربين، والكثير من الإسرائيليين يريدون هجرة بلدهم بسبب انحسار آفاق المستقبل. هذه الوضعية يمكن أن تتسبّب في بروز وعي بالانسداد السياسي القائم على العنف بدعوى ضمان الأمن الإسرائيلي. في كل الأحوال، التعايش في الأرض الفلسطينية لا يمكن أن يتحقق بشكل دائم إلا بتوقف الاحتلال، والاعتراف بالحقوق الشرعية لكل السكان.


(*) مقاربتي الصحافية للحديث الذي أريده فكريًا وليس سياسيًا فقط، تفرض معرفة رأيكم في انحياز معظم المثقفين الفرنسيين للسردية الإسرائيلية، وهو الانحياز الذي اخترق الصراع الأيديولوجي بين اليمين واليسار بشكل غير مسبوق (و لو أن ذلك حدث بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر). ما هو تعليقكم؟

لم يكن تأييد معظم المثقفين الفرنسيين لإسرائيل مفاجأة لي رغم أنه صدمني، وموقفهم ليس جديدًا، ويعزّز دعمهم التقليدي لإسرائيل بغض النظر عن التغييرات السياسية التي عرفتها على مستوى الحكومات التي تعاقبت على السلطة. يبدو لي أن الخلاف أو الاتفاق "يسار يمين" لم يحصل تمامًا حيال الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بصفة عملية. تأييد الاستعمار ومعاداته ثنائية متنافرة، وهناك يسار استعماري، كما هناك يميني ليبرالي غير استعماري والعكس صحيح.

(*) هل من أمثلة عن مواقف مثقفين يمكن القول إنهم تسبّبوا في صدمتكم من اليسار أو اليمين؟

صدمني جاك عتالي (أتالي) ـ المحسوب على اليسار ـ بمقارنته في حوار مع قناة "تي في 5" العمومية ردّ فعل فرنسا على هجوم مفترض تشنه لوكسمبورغ عليها بهجوم حماس على إسرائيل. قال "إنه من الطبيعي أن ترد فرنسا على هجوم لوكسمبورغ بقوة كما فعلت إسرائيل". مقارنته غير المنطقية صعقتني، كما صعقني غياب ردّ فعل الصحافي الذي كان يحاوره. حتى أكون منصفًا ورغم أنه لم يغيّر من جوهر كلامه، أضيف أنه اتخذ موقفًا أكثر توازنًا بوصفه لاحقًا نتنياهو بمجرم حرب، وبدعوته إلى وقف الحرب (قال العداء وليس الإبادة إذا استندنا إلى ترجمة حرفية). مقارنة جاك عتالي تبّين في تقديري اللبس الذهني الذي يمكن أن يتسبّب به هذا الصراع.

(*) ما هي الفروقات التي تبدو لكم واضحة في سياق الإبادة بين مثقفين وآخرين من اليسار واليمين، مثلا لوك فيري وجاك عتالي ودنيال كوهين بنديت وأشهرهم إعلاميا برنار هنري ليفي؟

نعم هناك فروقات... لوك فيري يتبنى دائمًا أطروحات اليمين الإسرائيلي في حدود علمي منذ توقيعه عام 2021 مساهمة كتابية تؤكد ذلك. دنيال كوهين بنديت المناصر الشرس والتقليدي لحل الدولتين، يتحدث في تصريحاته عن طموحات وحق الفلسطينيين في وجود مستقل. برنار هنري ليفي يرفض استعمال كلمتي الاحتلال والمستوطنة، لتشخيص واقع الحال في الضفة الغربية. يساوي لوك فيري مثل برنار هنري ليفي بين حماس وداعش. بعضهم يبدون مستعدين دائمًا لمباركة إسرائيل حتى النهاية، خلافًا لآخرين ينتابهم القلق بسبب تطور الوضع، ويبدون مصدومين بعنف الجيش الإسرائيلي المتطرف. 

(*) تداخل مفهومي اليهودية والصهيونية وخاصة في ظل حكم نتنياهو، حوّل التفريق بينهما إلى قضية في منتهى الصعوبة والحساسية والتعقيد. ما رأيكم أولًا في ذلك، كأحد أشهر اليهود المؤمنين بالإبادة التي تقوم بها إسرائيل في غزة مثل المؤرخ الشهير إيلان بابيه، وما ردّكم على برنار هنري ليفي الصهيوني وفق منظوركم الذي يؤثر في معظم المثقفين الفرنسيين المؤيدين لمقاربات نتنياهو بالكامل، وحامل مشعل وصف كل من يتحدث عن الإبادة بالمعادي للسامية؟

عدم التفريق خطأ مبدئي. أنا لست صهيونيًا انطلاقًا من عدم إيماني بفكرة الأمة الترابية اليهودية، ويمكن أن أكون كذلك بمعنى دولة وأرض مقتسمتين. الفيلسوفة حنه أرندت هي مرجعي ردًا على سؤالكم، باعتبارها المفكّرة التي آمنت بالمشروع الذي حملته منظمة "بريت شالوم" في العشرينيات. أريد التأكيد من خلال كلامي أن الحضور اليهودي في فلسطين مطبوع بشرعية، ولا تُختصر في الاستعمار والإمبريالية، وهنا تتضح حدود المقارنة مع الاحتلال الفرنسي للجزائر. الرهان الحقيقي في سياق ردّي، هو الاعتراف بحقوق متساوية للجميع، والقضاء على الامتياز اليهودي بتوقيف الاحتلال الإسرائيلي. إسرائيل لن تتمكن من العيش طويلًا بشكلها الحالي كمحتشد عسكري وعنيف.



(*) رأيتكم تعانون للتعبير عن آرائكم في بعض الشاشات التلفزيونية الفرنسية التي تريد من ضيوفها وصف حركة حماس بالإرهابية خارج السياق التاريخي للصراع العربي الإسرائيلي بأسلوب مكارثي يكشف عن منع مباشر لحرية التعبير وليس منعًا ناعمًا أو شفافًا. ما رأيكم؟

إنه جو مكارثي فعلًا. الطرح الإسرائيلي هو المهيمن في الإعلام السمعي البصري الفرنسي، ولدى الطبقة السياسية، وويل للذي يخرج عن إطاره. سؤالكم يتعلق بحقيقة تحيلنا على محاكم التفتيش والمطاردة الستالينية الأمر الذي يبعدنا عن مفهوم الحديث الصحافي، ومن هذا المنطلق، لم يعد التعبير عن التعاطف مع الضحايا الفلسطينيين ممكنًا كما يتم مع الضحايا الإسرائيليين، والشيء نفسه ينطبق على التنديد بدون تحفظ بالقمع الوحشي الإسرائيلي.

(*) دوام الحال من المحال، كما يقول المثل. إلى متى سيدوم ذلك في ظل استمرار إبادة غزة في رأيكم من منظور هويتكم ومعرفتكم للصراع ومتابعتكم الحثيثة له استنادا لتاريخكم الشخصي والإنساني؟

الأمر يثير التمرد حتمًا ولا يمكن أن يدوم، وأمام الكارثة الممتدة دون حدود، لا يمكن استمرار احتضان الدعاية الإسرائيلية سياسيًا وإعلاميًا. شخصيًا أتمنى ذلك، وأؤمن أن ذلك ممكن المنال. إن القول "بأن كل شيء بدأ يوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر كعاصفة رعدية تحت سماء صافية ومطمئنة كلام غير معقول. فظائعه لا تغتفر، لكنها لم تحدث دون سبب"، على حدّ قول النائب الوسطي جان لوييه بورلانج في الجمعية الوطنية. هذه الجملة الشفافة تجّسد جوهر قصدي.

*آلان غريش: كاتب وصحافي فرنسي شهير أصدر مؤخرًا كتابًا جديدًا بعنوان "لماذا لا يمكن للشعب الفلسطيني أن يموت؟". وهو مؤسس موقع "أوريان 21".

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.