}

حكاياتُ الصَّوْلجان

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 22 سبتمبر 2022
قص حكاياتُ الصَّوْلجان
جزء من عمل للفنان التشكيلي مهنا الدرة (الأردن)

(1)

- من أيِّ الخشب مصنوعٌ أيها الصَّوْلجان؟

- من خشب الحكايات القديمة، المحفورة فوق ورق الشجر المسروق من غابة الوجود.

- من أي الشجر أنت؟

- "شجري أعلى"؛ يُنْبِتُ العروش، وشجر الناس يُنْبِتُ ورقَ القات والحشيش ولقيمات الكفاف.

- ما نوع الماء الذي يسري في عروقك؟

- أشربُ ماءَ الياقوت، ويشربُ الناسُ مَنْقوعَ التابوت.

-  متى تموت؟

- عندما يعرف العباد أن الّلمعان في عيونهم وليس في خدعتي.

- هل قلتَ العباد أم قلتَ العبيد؟

- عليّ أنْ أقول ما أقول.. وعليك أن تفهمَ ما تريد.

- متى تعود من جديد؟

- عندما يحنّ الخَلْقُ إلى زمنِ العبوديةِ من جديد.



(2)

تقول الأسطورة الشعبية إن امبراطورية (بيب) اندحرت لأنّ عرشَها صُنِعَ من شجرة كان محفورًا على ساقها الذي قُطِعَ دون رأفةٍ، قلب حُبٍّ، عند أطراف سهمِهِ حرفان عاشقان.

تردّ الأسطورة الرسمية على هذه الافتراءات قائلة إن الأميرة فلانة عشقت سايس خيل، والأمير علّان وقع في فتنةِ عارضة أزياء، حتى الملك "مهطوان" تخلّى عن العرش من أجل محبوبته.

غاضبةً توضح الأسطورة الشعبية سرديّتها: ثمة فرق بين الحب العذريّ النقيّ، وبين اندفاع الغرائز المحصّن بالألقاب. ثم تشرع بسرد أسطورة جديدة عن بلادٍ سعيدة.. ربما قصدت بلادًا كانت سعيدة..


(3)

طفلٌ مثابرٌ على الذهابِ الصباحيِّ للكتاتيب، سأل المعلمة الضحوكة عن حكاية "إليزابيث في بلاد العجائب"، فأوضحت له طفلةٌ نبيهة: لعلّك تقصد "أليس في بلاد العجائب"؟ فرد عليها مصرًا على حكايته: وهل من فرقٍ بين (أل) اثنتيْن؟ ثم إن ما أرمي إليه من وراء سؤالي هو بلاد العجائب.. لا إليزابيث تعنيني ولا أليس. أريد أن أعرف كيف أُرغمت بلاد الأرض جميعها، أن تحتفي بِكلِّ هذه المصائب؟!


(4)

اندلعتْ في غابةِ المعنى ثورةٌ عارمة.. على عجلٍ توافد رجال الدين إلى بيت الحصانة المطلقة. تدارسوا الأمر.. دبّجوا للأشجار الهاتفة في الميادين خطبة عصماء: نحن نقتلكم كي ترتقوا في الحضور.. تصيرون أعمدة عروش.. مقاعد في بيوت التسليم.. تذكارًا في مواسم الرضا والقبول.. سيوفًا في حروب الخاسرين.. لعنة من بقٍّ وقرّاد خشبٍ في ظهور النائمين.. صلبانًا في حملات التطهير.. بيلسانًا في مِهرجان الصولجان.. انكفأت الغابة على أعقابها مغمورةً بالخنوع.

ضحك الخشب الذي صار مقاعد في صفوف العلم ومواكب المعرفة، فمنذ الأزل كان يسكنه شعورٌ عميقٌ بالأسف على أمّه الشجرة، رغم مشروعية ما صاره، وما آل إليه. هتف بسخريةٍ دامعة: المجد للتنمية المستدامة.


(5)

رفسَ الحصانُ النَّعشَ فاهتزّت أركان الكون.. أطلقوا عليه 21 قذيفةَ مدفعية، دون أن يفكّر أحدهم لحظةَ تعقّل، أنه قد يكون أصيب بالضّجر من كل تلك المراسم المنقرضة.


(6)

القرد المشاغب يهمس في أذن خطيبته وهما يتسامران فوق شجرة سنديان: أفهم أن تلدَ الأَمَةُ ربّتها.. أن نغوصَ في ثلج آب.. أن تطلَّ العنقاء برقبتها الطويلة مثل زرافة المستحيل.. أن أتعثّرَ يومًا بخلٍّ وفيّ.. أن يصعد إلى سنديانتنا بعد قليلٍ غولٌ لطيف.. لكن ما لا يقوى عقلي اللحوح على فهمه هو أن تستمرئ الضحيةُ الجَلْدَ.. وتهتف يوميًا للجلاد.. وتنحني لتتويجه ورحيله وما بينهما. أن يجمّل المستعمر بفتح الميم، قبح المستعمر بكسرها. أن يساعد المستعمرون بفتح الميم، بإعادة تدوير الاستعمار كلما اقترب هذا اللعين من توصيف: "آيل للسقوط". أن تصبح وصمةُ العار إكليلَ غار. أن تنشلّ الكفُّ، وتتحنّط الأطرافُ، ويتعطّل العقلُ، وتترحّل حياة مئات ملايين البشر إلى أجلٍ غيرِ مُسمّى.

القردة الخطيبة دعت لخطيبها المسحور أن يحرسه اسم الله من كل شر، خصوصًا شرّ بني آدم. تساءلت هل هما حقًا فوق شجرة سنديان؟ أم لعلها شجرة ماريغوانا متينة الأصول!

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.