}

ملتقى جامعة حلب

فيصل خرتش 10 مارس 2024
سير ملتقى جامعة حلب
(فاتح المدرس)
مع منتصف السبعينيات من القرن الماضي، برز في جامعة حلب أدباء كثر لم يتجاوزوا عمر الزهور، استطاعوا أن يحققوا وجودًا مهمًا في الأدب، ولا سيما في الشعر والقصة والرواية، ساعدهم على ذلك وجود مناخ متفهم لأمثالهم، فقد توافرت لهم البيئة الحاضنة التي تستوعب طموحاتهم وإنتاجهم الذي بدأوا به، وقد كنت أقدم هؤلاء الشبان في الأماسي الأدبية في ذلك الحين، ثم شاركت معهم. من هؤلاء كان خليل الرز القادم من الرقّة ليدرس في جامعة حلب، كان يقول الشعر في كل مكان، في الجامعة، وفي بيوت الأصدقاء، ولم تهمّه الجامعة، بقدر ما كان يهمّه أن يلقي هذا الشعر بيننا، ثمّ ذهب إلى موسكو، ليتابع دراساته العليا، وليعود بعدها روائيًا ممتازًا، وصلت روايته للقائمة القصيرة لجائزة البوكر العربية، وهي أبرز جائزة عربية في الرواية.
ثمّ كانت الفنانة رغدة، واسمها رغدة نعناع، التي كانت تضج جمالًا، وعندما كانت في السنة الرابعة ذهبت إلى مصر، وتعرّفت على الوسط الفني، واشتغلت في التمثيل، ولمع اسمها لتكون من الممثلات الأوائل.
ونذير جعفر، الذي كان يكتب القصة، ويشارك في الأمسيات، ذهب إلى الكويت وعمل في مجلة البيان رئيسًا للتحرير، فكانت المجلة في عهده تعيش فترتها الذهبية، ثمّ عاد من هناك ليترأس فرع اتحاد الكتاب العرب، وقد نشر روايتين ثمّ اشتغل في النقد، فأصدر عددًا كبيرًا من الكتب فيه.
في هذه الفترة صعد اسم جمال باروت، الذي كان في اتحاد الطلبة، وكان هنالك الدكتور فؤاد المرعي القادم من موسكو أيضًا، الذي يحمل رسالة أدبية تقدمية، وقد عيّن في كلية الآداب، فتعاون الاثنان لإنتاج القصيدة الجديدة، وبذلك تعرّضا لهجوم واسع من الدكاترة الذين كانوا يرسفون في شدّ كلٌ شيء إلى الماضي، بما في ذلك القصيدة، لكنهما أثبتا أنهما قادران على ذلك، فنشأ صراع بين القديم والجديد استمر لسنوات استطاعا فيه أن يثبتا الجديد وما يلوذ به، واستقطبا جمهورًا كبيرًا من الطلاب الشعراء، وقد ساعدهما على ذلك، الأديب وليد إخلاصي، الذي كان رئيس اتحاد الكتاب العرب، فرع حلب. ألّف جمال باروت كتابًا في نقد الشعر "الشعر يكتب اسمه"، واستشهد بأولئك الشباب في جامعة حلب.
كان من أبرز هؤلاء الشعراء: بشير البكر، الذي برز في منابر الجامعة، واستطاع أن يثبت حضورًا مدهشًا، وفي ما بعد غادر إلى دمشق، ومن ثم ّ انخرط مع المقاومة الفلسطينية أثناء اجتياح بيروت، رابطًا القول بالفعل، ثمّ رحل مع الذين رحلوا. أصدر البكر مجموعات شعرية عدة تعبّر عن تجربته الشخصية. كذلك برز نجم الدين سمان، الذي يكتب القصة القصيرة، ونال جوائز عدة، منها جائزة سعاد الصباح. في دمشق، أدار تحرير مجلة شرفات الشام، وطاف دولًا عدة في ما بعد، واستقر في فرنسا، نتيجة معارضته النظام.
حسين درويش، الذي برز اسمه على منابر جامعة حلب استطاع أن يحدث حضورًا لافتًا. هاجر إلى دبي، وعمل في صحيفة البيان لمدة عشرين عامًا، وبشّر بولادة شاعر ممتاز من الطراز الأوّل. كذلك برز الشاعر لقمان ديركي، الذي ظهر على منابر كلية الآداب، ثمّ تصعلك فترة، وأصدر ديوانًا عن دار الريس، وهو مقيم الآن في فرنسا، على ما أعتقد. وبرز اسم خالد خليفة كشاعر في البداية، وتوجه بعد ذلك إلى كتابة المسلسلات التلفزيونية، ثمّ أصدر عددًا من الروايات، ونال جوائز عدة عن أعماله، وترجمت أعماله إلى اللغات الحية.
وفي هذه الفترة ظهر اسم محمد أبو معتوق، في البداية كشاعر، ثمّ كقاص وروائي، وشارك في المسابقة التي أجرتها دار الريس، وطبع عمله الروائي الأوّل، ثمّ طبعت له وزارة الثقافة مسرحيات عدة، ومجموعات قصصية، وأخيرًا حصل على جائزة الدولة التقديرية، وهو الآن يبحث عمن يطبع له الأعمال الكاملة، لأنها كثيرة.
الدكتور محمد فؤاد، وهو طبيب جرّاح، وكان من بين الأبرز على منبر الجامعة، إنه مسكون بالشعر، بالإضافة إلى عمله الجراحي. صدرت له أربعة دواوين، وفيها يتغنى بحلب وبالأصدقاء والأحبة، ويمجد الآلام التي يعيشونها، وهو الآن في بيروت بسبب الحرب الظالمة. وكذلك الطبيب بسّام حسين، الذي غادرنا إلى الصومال بحثًا عن الأمان. يضاف إليهم الطبيب مسلّم الزيبق، الذي أصدر ديوانًا واحدًا، ثمّ غادر إلى دولة الإمارات للعمل، وهناك عمل في جمع المخطوطات والوثائق. كان مسلّم يقدّم هؤلاء الشعراء والقصاصين، وله اليد الطولى في ترتيب الأسماء وتقديمها في منابر الجامعة. ولا ننسى عبد الرحمن حلاق، الروائي الجميل الذي كان يكتب القصة القصيرة، ثمّ تحوّل إلى الرواية. صدرت له خمس روايات تتحدّث عن تجربته أيام الجامعة، بالإضافة إلى الأيام الخوالي. يقيم اليوم في الكويت، وهناك أصدر جلّ أعماله. وأحمد عمر "القاص القصير جدّا"، وقد صدرت له ثلاث مجموعات قصصية، يستمد من المحيطين به مادته الأساسية. يضاف إليهم عمر قدور، الشاعر الرهيف، الذي ضحّى بعمره وهو جالس ينتظر. وعندما وقعت الحرب، هاجر مع من هاجر، وهو الآن مستقر في فرنسا، ويكتب في السياسة التي تخصُ سورية، وصدر له ديوانان، لا ثالث لهما، قبل أن ينتقل إلى كتابة الرواية.
ولا ننسى عبد اللطيف خطاب، القادم من الرقة، والذي استولى على منابر الجامعة، فأدهش الحضور بالمعاني التي يطرحها، وبالأسلوب الشعري المتميز. صدر ديوانه الأول عن دار الريس، وكان له صدى في المنطقة.
ومن الفتيات اللاتي كان لهنّ دور في هذا المنتدى ندى الدانا، التي ساهمت بقصصها في الصعود إلى القمّة. صدرت لها ثلاث مجموعات قصصية، وكان لها دور في أماسي الجامعة، وتعد الأشهر في تاريخ القصة، وأليس إلياس، التي كان لها دور كبير في أمسيات الجامعة. وهناك واكيم أونجي، الذي كان يشارك في كلّ الأمسيات، بالإضافة إلى عبد الحليم يوسف، الذي صدرت له أربع مجموعات قصصية، وذهب للعمل في إحدى القنوات التركية كمترجم من اللغة الكردية، وكذلك بشار خليلي، الذي عمل مدرسًا في حلب، وأصدر ثلاث مجموعات قصصية، ويوسف إسماعيل، الذي نال درجة الدكتوراة، وأصدر مجموعتين قصصيتين، وعدد من الكتب في الدراسات، ثمّ رحل إلى المغرب، وتزوج من مغربية، ويدرّس هناك في الجامعة، وأمان أبو دان، التي صدرت لها مجموعة واحدة، وتعمل في التدريس في حلب، وحسين بن حمزة القادم من الجزيرة، والذي يتمتع بأفق شعري لا محدود، انتقل للعمل في بيروت، رئيسًا للقسم الثقافي في صحيفة الأخبار. وأصدر مجموعات شعرية عدة، ويقيم الآن في ألمانيا، وفريد ناظاريان، الشاب الأرمني الذي درس اللغة العربية، ويكتب الشعر الجميل، ويعمل في التدريس في حلب. وهناك مها بكر، وصلاح داوود، وبسام سرميني.
لا يمكن أن نتذكر جميع الأسماء في هذه العجالة، لكن يكفي أن نذكر أنّ هذه الأمسيات كان لها دور في تنشيط جامعة حلب، وأنّها كانت توزّع الجوائز القيمة، وكان لها لجان تحكيم خاصة، بعض أفرادها من الشعراء الفلسطينيين الذين يعيشون في المغترب، ومنهم: عصام ترشحاني، ومحمود علي السعيد، ونظيم أبو حسّان.
هؤلاء الشعراء والقصاصون كان لهم دور في تنشيط الثقافة والأدب في جامعة حلب، وبعد أن تخرّجوا تفرّقوا في البلدان، منهم من مات، ومنهم من استشهد، ومنهم من بقي، وبعضهم ظلّ يكتب متابعًا رسالته.

مقالات اخرى للكاتب

سير
27 مارس 2024
سير
10 مارس 2024
يوميات
7 مايو 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.