}

عن مكافأة الصيام

فيصل خرتش 27 مارس 2024
سير عن مكافأة الصيام
(غيلان الصفدي)

 

لا يوجد شيء عند الناس يماثل صومهم، ويمتنعون عن الأكل والشراب، وهم يغيّرون عاداتهم في تناول الطعام من النهار إلى الليل. والصيام مفروض على الجميع، يمكن عدم التقيّد به في حالات المرض أو حدوث أي عائق آخر شريطة صوم عدد مماثل من الأيام في وقت لاحق عندما تسمح الظروف بذلك، وهم لا يأكلون طعامًا ولا يشربون ماء ويمتنعون عن التدخين، وذلك من الفجر حتى الغروب خلال شهر رمضان كلّه. وبما أنّ هذه الفترة مخصصة للعبادة فإنهم يمتنعون عن عقد صفقات قبل الظهر، ولا تفتح المحلات في الأسواق إلا في وقت متأخر من النهار، والأشخاص المعتبرون لا يخرجون من بيوتهم في معظم الوقت، وهم يعانون من عدم احتساء القهوة والتدخين. أما الأشخاص الذين يتطلب عملهم التجوال والعمّال فإنهم يتعرضون للحرارة والبرد فيعاني كثير منهم من الجفاف أو الجوع لذلك عندما يأتي رمضان في الشتاء فإنّه يكون قاسيًا على الفقراء، ويأتي بشكل متعاقب من السنة ويحسب وفق الأشهر القمرية.

خلال الشهر يحتسون كوبًا من القهوة أو جرعة من الماء البارد عند الغروب ثمّ يجلسون لتناول طعام الإفطار، ويوجد فاصل من ساعتين إلى ثلاث بين الغروب والعشاء، وفاصل آخر بين العشاء والسحور. يتجوّل الحرّاس في الشوارع يعلمون الناس بانتهاء الليل، وهناك رجل يطوف على البيوت، ويقرع الأبواب (المسحراتي)، إنه يقول: اصح يا نايم وحّد الدايم، ويمضي وهو يدق بطبلته الصغيرة، عندما يتأكد أنّ أهل الدار قد استيقظ أحد منهم، يمضي إلى بيت آخر وهو يدق على طبلته.

تضاء الأسواق بعدد لا يحصى من المصابيح وتبقى المحلات مفتوحة إلى وقت متأخر من الليل، ولا تغلق المقاهي والحمامات إلا مع طلوع الفجر، وبالاختصار ينقلب الليل إلى نهار، يتبادل الناس الزيارات وكذلك فإنهم يصرفون كثيرًا من النقود، وتعاني النساء في هذا الشهر كثيرًا، بسبب عدم خروجهنّ في الليل، ولا يستطعن التجوّل نهارًا.

والصوم يبدأ عند المسيحيين يوم الاثنين وجرت العادة أن يأتي راهب من لبنان في بداية فترة الصيام لكي يلقي المواعظ على الشعب للإقلاع عن المعاصي والرجوع إلى الله، وكانوا يخرجون إلى خارج المدينة للقائه، إذا كان المسافر القادم يأتي راكبًا على الخيل أو المركبة، ثمّ تطوّر الاستقبال سنة بعد سنة فأخذ الناس يتجمهرون وهم في هرج ومرج ويخرجون بالطبول، وهم يجلسون على الأرض فيكثر الازدحام والشغب.

وهو مفتتح الصيام الأربعيني عند المسيحيين، يبدأ بحضور صلاة (الشويقونو) وهي كلمة سريانية تعني (المسامحة)  فتتلى صلاة طقس المسامحة، وهي كلمات توبة لله داخل الكنيسة وتنتهي بأن يتقدّم رئيس الكهنة والكهنة بتقديم أنفسهم وبطلب المغفرة والمسامحة من الحاضرين في الكنيسة، وبعدها يتقدّم الحضور لطلب المسامحة بحسب التقليد السرياني. وبعد الخروج من الكنيسة يتناول الجميع طعام المحبة، ثمّ ينصرفون إلى بيوتهم مرتاحين ومسرورين في بدء الصوم ومدته 48 يومًا ينتهي باحتفالات خميس الفصح المجيد والجمعة العظيمة وسبت النور، ويتوّج بعيد القيامة المجيدة، وهو العيد الكبير لدى جميع المسيحيين.

يعقب رمضان عيد يتألف من ثلاثة أيام متواصلة، ويعلن عن بدئه بواسطة مدفع القلعة لدى رؤية القمر الجديد، وغالبًا ما يأتي من إحدى القرى ويحصل على مكافأة هي عبارة عن ثوب من القماش. وتبقى معظم المحلات مغلقة أيام العيد الثلاثة وتتوقف الأعمال خلاله، وتنصب عند بوابات المدينة قلابات وخيول، وتقام دكاكين صغيرة خشبية تباع فيها الألعاب والفاكهة، ويقوم الراقصون على الحبال والمصارعون والحواة بأداء عروضهم، ويدهن المصارعون أجسادهم بالزيت، وهم لا يرتدون إلا سروالًا رقيقًا، ويختالون في مشيتهم أمام الناس قبل بدء الاشتباك، ويصفقون ويطلقون عبارات التهديد والوعيد، ولكن سرعان ما يبدون أسفهم عندما تبدأ المصارعة.

أما الحواة، فهم أكثر خبرة في عملهم ويرافقهم صبي يقوم بدور المهرّج أو البهلول ويؤدي مقاطع بين فترات العرض لتسلية الجمهور، وهم يجلسون على الأرض، وتكون أذرعهم عارية، وهم حاذقون في لعبة الفناجين والكرات، ويؤدون حيلًا بارعة بالثعابين الحية، الموسيقى تصدح، والجميع في ثياب جديدة، وتحتشد الشوارع بشكل غير اعتيادي بأعداد غفيرة من كلا الجنسين وهم يتجولون من مكان إلى آخر.

أمّا علية القوم فيلزمون بيوتهم لاستقبال الزوّار معظم اليوم الأوّل للعيد، وتقدّم لهم القهوة والشراب. التابعون لا يجلسون في حضرة سيدهم، بل يقبلون يده أو كمّه وينسحبون إلى السلاملك يحتسون القهوة، وتتمثل التهنئة بقولهم: (عيد مبارك، وكلُ عام وأنتم بخير) ويحيي الناس بعضهم في الشارع، وإذا كانت علاقتهم حميمة فإنهم يتعانقون بشكل يلامس أحدهم بذقنه رقبة الآخر.

وفي الأيام التالية يقوم عليّة القوم بزيارة بعضهم ويظهرون في أبهى حلّة عندما يخرجون، ويرتدي أفراد الحاشية ثيابًا جديدة، وتزدان خيولهم بصورة فاخرة، وتتوصل الأفراح والمهرجانات في السراي، وتطلق الألعاب النارية كي تدخل البهجة إلى قلوب الناس، وتبقى بيوت الأغوات مفتوحة خلال أيام العيد، ويقدّمون هدايا إلى أتباعهم، ويوزعون أمولًا وأقواتًا على الفقراء. ويتصرف الناس بحرية أكبر في هذا الموسم الاحتفالي، كما تحتفل النساء بهذه المناسبة فيرسلن تهانيهن إلى قريباتهن ويتبادلن الزيارات ويقدّمن الهدايا إلى الأطفال.

وبعد شهرين وعشرة أيام يحلٌ عيد آخر يسمّى "عيد الأضحى" ويدوم أربعة أيام، من اليوم العاشر من ذي الحجة، وهو اليوم الذي يقدّم فيه الحجاج أضحياتهم في مكة، في جبل منى. وفي الصباح الباكر من أوّل أيام العيد تذبح خراف كثيرة عند السراي وتوزع اللحوم على الفقراء والأهالي، وقبل أسبوع من العيد يمكن مشاهدة الأطفال وهم يسوقون الحملان في الشوارع لبيعها في البيوت الخاصة، إلا أنه لا يقدّم جميع الأهالي الأضاحي، أما في مكة فيعتبر ذلك من أكثر شعائر الحج أهمية.

وفي أماكن أخرى يكون هذا العيد أقل على عامّة الناس من العيد السابق، لأنه يحتاج إلى تحضيرات أقل، إذ يكون الناس قد تزوّدوا بثياب العيد، وتكون التغيرات في المناصب الكبيرة التي تحدث سنويًا بعد رمضان قد تمت، ولا ينتظر الناس هذا العيد بفارغ الصبر ولا يحتفلون به بنفس البهجة والبهاء الذي يبدونه تجاه العيد الصغير. ويسمّي الناس العيد الذي يلي رمضان "العيد الصغير" والعيد الثاني "العيد الكبير"  أو "عيد الأضحى"...

مقالات اخرى للكاتب

سير
27 مارس 2024
سير
10 مارس 2024
يوميات
7 مايو 2023

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.