}

موسم الدراما القادم.. حين يفرض الجمهور المؤمن شروطه

رشا عمران رشا عمران 24 مارس 2022

 

بعد أيام قليلة سوف ندخل في شهر رمضان الكريم وسوف تبدأ معه القنوات التلفزيونية الترفيهية بعرض ما طرحته شركات الإنتاج الدرامي العربي من أعمال درامية وفنية تتنافس في المحتوى وفي أسماء المخرجين والنجوم المشاركين في الأعمال، كما تتنافس في النوعية وفي المواضيع التي تم اختيارها لهذا الموسم الدرامي الرمضاني، الذي ابتدأ بسحب بعض المسلسلات إلى ما بعد رمضان بسبب عدم صلاحية محتواها للعرض في الشهر الكريم حسب ما نقلته صفحات ومواقع فنية مختصة، ذلك أن هامش الحرية الذي تمتّع به صناع الدراما في سنوات ماضية بدأ يزداد ضيقًا مع فشل الربيع العربي وإحكام السيطرة الأمنية على كل مفاصل الإعلام في عالمنا بهدف إعادة تدجين المجتمعات والشعوب التي انفجر غضبها في ربيع 2011، مترافقًا مع تنامي المظلومية الدينية، المجتمعية والسياسية، بعد أن تحولت إلى ثورات مضادة فشلت في الوصول إلى مواقع السلطة، أو فشلت في الاستمرار فيها بعد أن وصلت إليها، فعادت للتغلغل في قلب المجتمعات العربية في محاولة لإعادة إنتاج نفسها عبر إلقاء اللوم فيما يحدث على الفن وصنّاعه باعتبارهم "يحاولون إلهاء الشعوب عن عبادتها". وهو مبرّر كافٍ، برأي هذه المظلومية، لما تعيشه الشعوب العربية من هزائم، محمّلين الفن وصنّاعه كل ما يجب أن تحمله الأنظمة المستبدة الحاكمة من مسؤولية عن ذلك، وكل ما يجب أن تتحمله المؤسسات الدينية المتحالفة مع الأنظمة ضد شعوبها.

ورغم الحرب الشعواء التي يشنها الجمهور العربي على الفنانين وعلى صناعة الفن عمومًا، والتي أصبحت السوشيال ميديا بمثابة (ساحة وغى) لها، حيث تتلقى مهنة الفن بكل ما يتعلق بها، سيلًا لا يتوقف ولا يكل ولا يمل من الشتائم التي تطال الصناعة والصناع، من جمهور عربي عريض (مؤمن بطبعه)، ويخشى على دينه من الفتنة التي تروّجها الفنون، إلا أن سوق الدراما التلفزيونية لا يبدو أنها تتأثر بكل هذا الفيض الغاضب، بل تواصل إنتاجها في كل العالم العربي، خصوصًا في الموسم الرمضاني الأكثر جذبًا للمعلنين، ولا يبدو، أساسًا، أن هذا الغضب هو غضب حقيقي أو، على الأقل، يعبّر عن الشريحة الأوسع من الجمهور العربي، ذلك أن للدراما الرمضانية جمهورها العريض والواسع الذي ينتظرها سنة وراء أخرى، ويتفاعل معها سلبًا أو إيجابًا، ويبدي رأيه بمستواها الفني والقيمي، ويخضع شركات الإنتاج الدرامي لشروطه الإجتماعية، ولما يقبله وما لا يقبله، وهو، كما أسلفنا، ما يجعل بعض شركات الإنتاج تؤجل عروض مسلسلاتها المنتجة لرمضان إلى ما بعد الموسم، إذ قد تتجاوز هذه الأعمال الحد المسموح به اجتماعيًا، كون شهر رمضان هو شهر العبادة والزهد، كما يفترض به أن يكون، ما قد يعرض هذه الأعمال إلى هجوم على وسائل التواصل يؤثر على مستوى مشاهداتها، ويؤثر بالتالي على مستوى مشاهدة الإعلانات المصاحبة لها، وهو السبب الأهم الذي يجعل صناع الدراما يؤجلون عروض بعض الأعمال إلى ما بعد الشهر الكريم، حيث يخف منسوب الفضيلة لدى الجمهور الذي سيتجاوز الجرأة المطروحة لصالح التسلية.

تشكّل ظاهرة مثل ظاهرة الممثل والمغني محمد رمضان مثالًا مهمًا عن العلاقة المضطربة بين الجمهور والنجم  



ثمة مفارقات مهولة في العلاقة بين الجمهور العربي وصناع الدراما التفلزيونية، خصوصًا النجوم، فالجمهور المتابع للدراما يضم مجموعات تنتمي إلى كل شرائح المجتمع وطبقاته، وغالبًا من يتابع دراما رمضان هي الطبقة الوسطى التي بدأت من أكثر من عقد من الزمن تتراجع شيئًا فشيئًا لتصبح أعلى قليلًا من خط الفقر أو على حدوده، ومع المتغيرات الإقتصادية العالمية خلال الأعوام القليلة الماضية والتي تأثرت بها الشعوب العربية أكثر من غيرها بسبب السياسات الإقتصادية والاجتماعية الفاشلة للمنظومات الحاكمة، تلهث بقايا الطبقة المتوسطة للحفاظ على بعض مكتسبات شحيحة احتفظت بها منذ العقود الذهبية للطبقة الوسطى (خمسينيات وستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي)، هذا التغير في بنية الطبقة الوسطى غيّر أيضًا في شكل علاقتها مع نجوم الدراما، حيث بدأ النجم يأخذ شكل المثال الذي يطمح الجميع أن يتحولوا إليه أو أن يحتلوا مكانه ومكانته.

يتقاضى النجوم العرب أجورًا عالية جدًا عن أدوارهم، بعضهم يصل أجره إلى ملايين الدولارات، ما يجعل منهم (شأن نجوم العالم) من الأثرياء الذين تتناقل مواقع السوشيال ميديا والإعلام المختص أخبارهم بشكل دائم: طريقة معيشتهم، أماكن سكنهم الفاخرة، رحلاتهم، أخبار أبنائهم، سياراتهم ويخوتهم وطائراتهم الخاصة، ملابسهم باهظة الثمن، مجوهراتهم، كل ما يتعلق بهم تلاحقه السوشيال ميديا وتعرضه لجمهورهم العريض الذي يكاد بعضه لا يجد لقمة عيش أبنائه ومع ذلك يتفاعل مع هذا الاستعراض المبهر مبديًا إعجابًا وتعلقًا مبهرًا بنجومه المحبوبين، وليس هذا التفاعل أمرًا افتراضيًا مختصًا بعالم افتراضي فقط، بل هو يحدث في الواقع أيضًا (رأيت بأم عيني كيف يتعامل المصريون والعرب مع نجوم مشهورين يرونهم صدفة في الشارع أو مكان عام مسببين حالة من الهياج في المكان)، وكلما ازداد وضع الجمهور الاقتصادي سوءًا كلما ازداد تعلّقه بهؤلاء النجوم، وتشكّل ظاهرة مثل ظاهرة الممثل والمغني محمد رمضان مثالًا مهمًا عن هذه العلاقة المضطربة بين الجمهور والنجم، إذ ينتمي رمضان أساسًا إلى الطبقة الشعبية الفقيرة، وتحوّل خلال سنوات قليلة إلى أحد أشهر النجوم المصريين الشباب وأغلاهم أجرًا وأكثرهم غنى، ولا يحاول إخفاء حالة الترف التي يعيش فيها، بل على العكس تمامًا، هو يبالغ في استعراض ثروته وأمواله، حيث يستخدم سيارة يقال إنها مصنوعة من الذهب ويعرض دائمًا إكسسوارات منزله المصنوعة من الذهب، وكان من أواخر استعراضاته صورة له وهو ينظف أسنانه بمعجون أسنان مصنوع من نترات الذهب، ورغم أن كل هذا التباهي الفج يفترض أن يرفع جدارًا من الرفض بين الجمهور وبينه، إلا أن ما يحدث هو العكس، يزداد تعلّق الجمهور المصري والعربي بمحمد رمضان وكأن الإعجاب المتزايد بما هو فيه وعليه يمكنه أن يتحول إلى عصا سحرية تغير قليلًا في الحياة البائسة لهذا الجمهور، وكأن بعضًا من ثروته سوف ينتقل بالإعجاب إلى جمهوره، وكأن الإعجاب والتعلق به سوف يكون طريق الآخرين للنجومية والشهرة والثروة. يتحول محمد رمضان عبر معجبيه إلى رمز لا يجوز انتقاده مهما تصرّف برعونة أو بصفاقة، فالرغبة في تقليده يلزمها أسطرة وتبريرًا لسلوكه كي لا يشوب المثل شائبة، وهو يدرك هذا بذكائه الفطري فلا يجد حرجًا من التمادي في استعراضاته الفجة ويختار أدواره بعناية، فهو البطل الإيجابي دائمًا، المكافح والعصامي والغيور على أهل بيته والفتوة الطيب الذي يخدم الخير والخيرين وينتصر للضعفاء ضد الفاسدين، لكنه في الواقع يتحالف مع الفاسدين متباهيًا بذلك ومتأكدًا أن لا شيء سيمنع جمهوره من الاستمرار في محبته ومتابعته.

ليس محمد رمضان سوى أحد الأمثلة على العلاقة الملتبسة بين الجمهور والنجوم، وهو نفس الالتباس في العلاقة مع الفن عمومًا (خصوصًا في رمضان) لدى الجماهير العربية المؤمنة والملتزمة بدينها، الجماهير التي تحرّم الفن وتحمّله المسؤولية عمّا وصلت إليه حال العرب، ومع ذلك تنتظر الموسم الرمضاني الدرامي بفارغ الصبر فارضة شروطها على شركات الإنتاج لتحوّل الفن الدرامي إلى حالة ترفيه فارغة لا تقدّم ما يمكنه أن يغيّر من حال الجماهير المتسمّرة أمام الشاشات السوداء بعد وجبات الإفطار. 

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.