}

عن الكتابة الإبداعية للطفل.. لنحرّر خيالنا

آمال مختار 19 أغسطس 2022
آراء عن الكتابة الإبداعية للطفل.. لنحرّر خيالنا
(Getty Images)



نتقدم في الزمن ونكبر حتى الطعن في السن غير أنّ الطفل داخل كل فرد فينا يظل مختبئًا في الأعماق في شرنقة ما: خائفًا، خجولًا، معقدًا، مرتبكًا، مثقلًا بذاكرة فيها ما فيها من ظروف التربية التي تلقاها وهو يتلمّس العتبات لارتقاء سلّم الحياة. 

هذا الطفل المعتقل في الذاكرة بحكم التقاليد والأعراف والعقلية المستبدة التي تحكم نظام الحياة نسترق النظر إليه وهو ينمو في أطفالنا وفلذات أكبادنا. 

يندفع البعض منّا إلى الانتقام من ظروف طفولته التي رآها سيئة فيهيئ لأطفاله عكسها بينما يندفع الفريق الآخر إلى المحافظة على نفس السياق الذي تربى عليه في طفولته فيعيد نسخ نفس الطفل. 

وفي خضمّ ذلك كله لا وجود للطفل أصلًا فهو بمثابة العجينة التي تلوكها أيادي الأولياء والمدرسين في إطار قوانين مجحفة وصارمة لتكون مدرسة الشارع في مرحلة أخرى هي الملاذ أو هي فضاء الانعتاق من كل تلك القوانين التي يرى فيها الطفل سجنًا حتى وإن كانت قضبانه من محبة وحنان. 

يبدأ هذا الطفل حياته محاصرًا بالحب الذي يلامس القسوة وبالاهتمام الذي يصل إلى الحصار وبالدلال الذي يبلغ الانحلال وبالإهمال الذي يتحول الى لامبالاة، هذا طفل كتب عليه أن يعيش مشرّدًا بين براثن المبالغة سواء في الاهتمام والمحبة أو في الإهمال والقسوة سيواصل تشرّده بعد ذلك في الصمت والكبت داخل كل شخصية لأنّه سيصبح من العار على الشخص العاقل الواعي أن يطلق العنان لهذا الطفل داخله ليعيش بوعيه ما لم يكن قادرًا على عيشه وهو أخضر العود. 

قد تختلف ظروف هذا الطفل وتتمايز حسب الأجيال، حسب ظروف العائلة تاريخيًا وجغرافيًا لكنها تظل في العموم متشابهة بحكم تشابه العمود الفقري في نظام تربية الأطفال مهما اختلفت الثقافات والحضارات.

ليظل هذا الطفل بمثابة أقليّة مستضعفة بالرغم من أنّه يمثّل في حقيقة الواقع المستقبل والأمل.

على هذا الأساس وجب علينا كأشخاص واعين وفاعلين أن نغيّر من نظرتنا للطفل ومن أسلوب معاملته ونظام تربيته، وأول ما يجب أن نبدأ به هو أن نعتق الطفل الخانس في أعماق ذواتنا، الطفل المثقل بالأساطير والخرافات، ونحرّر خياله ليتفتق انطلاقًا من واقعه المعيش حيث وقعت ثورة حداثية فارقة في تاريخ البشرية أثّرت فينا خارجيًا ولم تفعل فعلها من الداخل، أي في العقلية المتحررة التي تمنح الخيال الحريّة الكاملة المنطلقة على أساسات العلم والمعرفة. 

قديمًا كانت الجدات تتحمل مسؤولية بناء الخيال عند الأطفال فتنمّي آلة الخيال لديه المبنية أساسًا على الانطلاق في براري الحريّة الذهنية غير أنّها تظل حرية مرتبطة بالأساس بمعطيات الواقع المعيش فإما أنّها تنطلق منه وتضخّم عيوبه مثلما يفعل فن الكاريكاتور، وإمّا أنّها تهرب من هذا الواقع وتطلق عنان الخيال ليجنح في أرض الخرافة والأسطورة المنطلقة أساسًا من سلطتين تحكمان الحياة البشرية هما سلطان الحكم وسلطان الدين. 

الآن وقد انفتحت نوافذ الجغرافيا الكونية على بعضها البعض بفضل تلك الثورة الرقمية فبات العالم كله منحصرًا في شاشة كبيرة أو صغيرة يتلاعب بها الأطفال مثلما كانوا في عهد غير بعيد يلعبون بالقطار والسيارة في مجسدات صغيرة - وكان يبدو ذلك عجيبًا؛ الآن وقد باتت هذه الشاشات تحوي كل ما قد يتفتق عنه الخيال الإنساني  من أفكار مهما كانت عجيبة أو مستحيلة في أي مكان على وجه البسيطة،  لم يعد أمام من يكتب أدبًا للطفل أن يعتمد على خياله المجرّد المزوّد بموهبة في السرد وببعض من معرفة علمية بل بات من الضروري على هذا الكاتب أن يتزوّد بآخر الأدوات والمعلومات العلمية المتوفرة على الساحة الاستهلاكية ليتجاوزها بخياله  الذي يجب أن يستشرف المستقبل لينتصر على كل نقاط الضعف البشري من خلال حرية الخيال المبني أساسا على المعرفة العلمية الصحيحة التي تتحوّل بين يدي الكاتب صاحب الموهبة السردية مثل الأدوات السحرية فتمكن خيال الطفل الساكن في أعماقه  من التحرّر ومن ركوب تلك الأدوات ليبدع حكايا وقصصًا تحرّض خيال الطفل في هذا العصر وهذه الظروف وهو يكاد يكون بمثابة الطفل الأعجوبة في عهد غير بعيد. 

إنّ الإبداع للطفل في مجال القص العلمي هو من أصعب ما يمكن أن يقدّمه المبدع في ظل هذه التحوّلات العلمية الكبرى التي عاشها ويعيشها العالم الآن وقد أثبت الخيال البشري العلمي في فنون أخرى مثل السينما وفن الصور المتحركة صدق استشرافه المستقبلي. 

يبقى السؤال: هل يقدر الكاتب المبدع في هذا المجال أن يتجاوز قدرة هذه الآلة العلمية الخيالية العالمية المنتشرة في كل زاوية من زوايا العالم عبر أدوات الثورة الرقمية، بخياله الشخصي؟ 

رغم ما يبدو من صعوبة أعتقد أن ذلك ممكن ما دام العقل البشري هو الأساس والمنبع لكل ابتكار علمي معرفي يعتمد في حد ذاته على توظيف المعرفة.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.