}

الذاكرة الشفهية والمكتوبة معبر مهم إلى التاريخ

رباب دبس رباب دبس 28 سبتمبر 2022
آراء الذاكرة الشفهية والمكتوبة معبر مهم إلى التاريخ
(Getty)

 


حل مفهوم الذاكرة، منذ منتصف القرن العشرين، في طليعة الدراسات والكتابات والأبحاث، وأصبح ركيزة أساسية للمشتغلين والباحثين في العلوم الاجتماعية والأنثروبولوجية، لأهميته في كشف أوجه من تاريخ الصراعات والنزاعات والهويات، التي تتغذى من التاريخ وإشكالياته المتعددة والمتنوعة، ومن بينها صعوبة الوصول إلى ذاكرة فعلية وحقيقية واضحة كلما توغل الباحث في الزمن.

يردنا ما ذكر إلى الفيلسوف الفرنسي بول ريكور (2005‪-‬ 1913) الذي اعتبر أن الذاكرة تشكل المادة الخام لعلم التاريخ، فيما لا يرقى التاريخ الرسمي برأيه، إلى التنظير المجرد، ولا ينزل إلى مرتبة السرد. 

نشير في هذا الإطار، إلى أهمية أعمال الذاكرة، كالمرويات والمقابلات الشفهية والمذكرات الشخصية، والوثائق والمؤلفات التوثيقية والسير الذاتية المكتوبة بأقلام أصحابها وبأقلام الغير، التي يحضر فيها التاريخ كخلفية موازية للحدث المدون فيها. نستحضر منها نماذج بحثية ودراسات ومنهجيات حول الذاكرة بشقيها الشفهي والمكتوب.

المرويات الشفهية والمكتوبة..

لكشف تاريخ الشعوب المقهورة والجغرافيا المستلبة

شهد التاريخ الشفوي منذ ظهوره، إشكاليات منهجية وموضوعية عديدة، كما شكلت استخداماته في عدد من المدارس الاجتماعية والأنثروبولوجية مصدرًا من مصادر توسيع المعرفة بالتاريخ، من هنا نعطي مثلًا مدرسة شيكاغو التي تأسست بين عامي (‬1890-‬ 1892) ‬والتي طورت نموذجًا للبحث التاريخي والميداني قائمًا على المقابلات والروايات التي تحكي تاريخ حياة الأفراد، باستخدام جمع المعطيات والسير الذاتية وسيلة لمعرفة معمقة للواقع الاجتماعي، وذلك في سبيل فهم أفضل لمحيط وتفاصيل مجموعة محددة من السكان والأفراد في سبيل الكشف عن تاريخهم الاجتماعي، ولا سيما الكشف عن تاريخ الفلاحين البولنديين الذين هاجروا إلى أميركا.

نستحضر هنا الذاكرة الشفهية والمكتوبة كمرجع للذاكرة الوطنية، والتي استعيدت على نحو كثيف، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وقد تصدرت مواضيع كالقومية والهوية والشعوب المقهورة، والجغرافيا بما هي أرض مستلبة، أولوية فيها، كما تداخل في عدد منها التاريخ الشخصي للأفراد مع الأحداث الوطنية والعسكرية والسياسية، وقد صنّف الكثير من تلك الأعمال مصدرًا من مصادر قراءة التاريخ.

في هذا الإطار، نذكر تجربة "مركز المعلومات العربي للفنون الشعبية"، "الجنى"، الرائدة بتوثيق تاريخ اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات لبنان، ولاحقًا "أرشيف النكبة" حيث بادرت إلى جمع الروايات قبل ضياعها، وذلك من خلال الاستبيانات والمقابلات والعمل اللصيق بالمجتمعات المراد أرشفة قصصها. ويشير الموقع الرسمي للأرشيف إلى أن الهدف الرئيسي له هو: "تسهيل إمكانية الوصول إلى الشهادات التاريخية الشفوية بكل ما فيها من غنى ودلالات متعددة، مع الحفاظ على شفويتها وتجسيدها وسياقها. وعليه فإن الهدف هو تأسيس مبادرة حول أي أرشيف تتداخل فيه الأكاديميا مع المجتمعات المحلية، وتحسين استخدام مصادر التاريخ الشفوي ونشر المعرفة والتجربة المتراكمة، وهذا من شأنه أن يفتح زوايا وآفاقًا جديدة في علم التأريخ وتاريخ فلسطين الحديث".

اعتبر بول ريكور أن الذاكرة تشكل المادة الخام لعلم التاريخ  



وتتعدد ورش العمل حول مفهوم الذاكرة الوطنية، ومنها ما قامت بها جمعية "الشباب والذاكرات الفرنسية الجزائرية" التي أسسها فرنسيون من أصول جزائرية، على خلفية افتقاد البلاد إلى مؤسسة تمثل تاريخ فرنسا الاستعماري في الجزائر، وقد ضمت هذه المؤسسات طلابًا وموظفين من مشارب مختلفة جمعهم قاسم مشترك، هو أنهم أحفاد عائلات عاشت فترة الاحتلال الفرنسي. قام ‪كثير‬ من الشباب والشابات المنضمين إلى تلك المؤسسات بنقل ذاكرة أسرهم، كما تم إنشاء أماكن لإحياء الذاكرة، كالمتاحف والنصب والصور، ونظمت ورش عمل لجمع شهادات حية هدفها إتاحة الحوار بين الشباب.

نظمت الجمعيات المذكورة أيضًا نشاطات هادفة ركزت فيها على أدوار شخصيات تاريخية، من شأنها أن تساعد في تقريب وجهات النظر، ولمّ الشمل وكسر الحواجز بين الأجيال، خصوصًا في المجتمعات التي تسكنها الصراعات.

التاريخ الشفوي.. حقول معرفية أغفلها التاريخ الرسمي

حضر الاهتمام بالذاكرة أيضًا، على المستوى البحثي والعلمي والمنهجي في العالم العربي. نستحضر في هذا السياق العمل البحثي الضخم عن التاريخ الشفوي الذي صدر عام 2015 تحت عنوان "التاريخ الشفوي" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في ثلاثة مجلدات، وقد تضمن عددًا كبيرًا من المداخلات التي انعقدت حول هذا التاريخ وإشكالياته ومناهجه واستخداماته وتصنيفاته وأنواعه. اعتمد الكثير من الأوراق على هذا التاريخ، باعتباره مرجعًا لكتابة الذاكرة على أنواعها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية. في المقدمة التي تصدرت المجلد الثاني من التاريخ الشفوي، ربط المؤرخ اللبناني وجيه كوثراني أهمية "اعتماد الشفوية كمصدر في الكتابة التاريخية العلمية الحديثة والمعاصرة، بالمستجدات الذهنية والفكرية والمعرفية وباستحقاقات حقوقية وسياسية وإنسانية أدركها وعي إنساني جديد للتاريخ ولمعنى التاريخ، كما أدركتها استعدادات معرفية جديدة تبحث في ما يختزنه الإنسان من عواطف وذاكرة وقدرات، وكذلك في احتمالات عزل أو طمس أو إلغاء أو نسيان". فبرأيه أن "ثمة دوائر كثيرة قد لا ينطق بها المكتوب"، مستحضرًا في السياق "الذاكرة المقموعة الفردية والجماعية، ذاكرة مناضلين سياسيين ومقاومين طواهم النسيان، ذاكرة معذبين ومستضعفين، في حروب أهلية استعمارية أو فترات اضطهاد".

صدر عام 2015 كتاب تحت عنوان "التاريخ الشفوي" عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، في ثلاثة مجلدات، وقد تضمن عددًا كبيرًا من المداخلات التي انعقدت حول هذا التاريخ وإشكالياته ومناهجه واستخداماته وتصنيفاته وأنواعه



في الإطار نفسه، نظم المركز الفرنسي للشرق الأدنى ifpo في عام 2007 ندوة صدرت في مؤلف حمل عنوان: "السير الذاتية في بلاد الشام، 2009"، وقد دارت معظم الأبحاث والقراءات في المؤلف المذكور حول أعمال الذاكرة، بشقيها المكتوب والشفهي بوصفها مصدرًا من مصادر التاريخ، والبحث في العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

نشير مثلًا إلى دراسة وردت في المؤلف المذكور تحت عنوان: "مذكرات أحمد الشقيري موضوعًا للدراسة ومصدرًا تاريخيًا"، أعدها ماهر الشريف اعتبر فيها أن مذكرات الشقيري تعد مصدرًا لدراسة تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية، كما حوى المؤلف دراسة أعدها وليم نصار تحت عنوان "المذكرات والسير الذاتية مصدرًا لدراسة القدس في أواخر العهد العثماني"، اعتبر فيها أن مذكرات الناس العاديين وليس القادة السياسيين هي مصدر مهم من مصادر دراسة تاريخ القدس الحديث.

نستحضر أيضًا من الأبحاث، ما كتبه قيس الزرلي تحت عنوان: "التحليل السردي لنصوص السير ذاتية في خدمة التأويلات التاريخية الجديدة"، وقد استخدم فيه مذكرات محمد كرد علي كمصدر تاريخي، مستدخلًا آراء عدد من الباحثين، وثمة من اعتبر منهم أنها تشكل منجمًا للمعلومات حول الأشخاص والأحداث التي عاصرها كرد علي، ومن الآراء من اعتبر مذكراته منطلقًا ومصدرًا رئيسيًا  لدراسة  الولاء السياسي لدى المثقفين. وغيرها من الآراء التي تستحضر التاريخ كخلفية.

أعمال الذاكرة مصدرًا لقراءة تحولات بيروت

ننأى في هذا البحث عن التطرق إلى السير الذاتية وأجناسها وأنواعها، بل نستدخلها، بما هي عمل ذاكراتي تتداخل فيه وقائع التاريخ الشخصي للأفراد، مع التاريخ  الرسمي المدون، ومن بينها مثلًا مادة الذاكرة الكثيفة التي تكونت بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية في تسعينيات القرن المنصرم، وتعود لمثقفين وسياسيين وباحثين ورؤساء جمعيات ومسرحيين ومنهم أيضًا من لم يكن له في مجال الكتابة أي سابق من قبل، وقد عكس فيها المؤلفون تحولات مختلفة ومتنوعة عن تاريخ لبنان وخصوصًا مدينة بيروت في حقبات زمنية متفاوتة، وكثر منهم من كانت حقبة ستينيات القرن العشرين المنصرم نقطة أساسية في عمله، فحضر النشاط الثقافي والأكاديمي والحراك السياسي للأحزاب والنمو الاقتصادي والتجاري الذي شهدته المدينة آنذاك. تخص هذه الأعمال عددًا من اللبنانيين والفلسطينيين والسوريين، ومن بينهم على سبيل المثل: قسطنطين زريق، كمال صليبي، نقولا زيادة، محمد كريم، عبيدو باشا، محمد سويد، منى بارودي، جورج حبش، هشام شرابي، حليم بركات وغيرهم. وما يلفت في سير المذكورين آنفًا تنوع التاريخ، بأحداثه، تبعًا لتعدد الكتاب وتنوع حيواتهم، فهم إما مشاركون في صنعه أو شهود عليه.

مذكرات السياسيين اللبنانيين

ضمن الحقول المتعددة للذاكرة، نشير إلى أهمية الإرث الذاكراتي التاريخي الضخم الذي تركته شخصيات لبنانية، شغلت مناصب رئاسية ووزارية وإدارية واقتصادية وسياسية، ومنها من كان له دور على مستوى لبنان والعالم العربي والغربي، وصدر كمذكرات شخصية، وسير ذاتية، وغيرها، منها بأقلام أصحابها ومنها ما كتب بأقلام أخرى، نذكر مثلًا مذكرات كل من: بشارة الخوري، وشارل حلو، وكميل شمعون، وأمين الجميل، وسليم الحص، وصائب سلام، وشفيق الوزان، وكريم بقرادوني، وعبد المجيد الرافعي، وكمال جنبلاط، وفؤاد شهاب، والبطريرك مار نصر الله بطرس صفير وغيرهم.

تعود أهمية هذه المذكرات إلى أنها تبرز في خلفية كل منها حقبة من تاريخ لبنان، وتغطي في مجموعها سلسلة تاريخية تمتد من حقبة الانتداب الفرنسي إلى الاستقلال مرورًا بالحرب الأهلية اللبنانية، بكل ما فيها من أحداث وحروب وهجرات وتحولات، وفق ما عاشها كتاب السير، هذا التاريخ الذي لا يزال الجدل قائمًا حوله حتى يومنا هذا، لا سيما ما يخص إنجاز كتاب تاريخ مدرسي موحد.

في مؤلف "السير الذاتية في بلاد الشام" اعتبرت مذكرات الشقيري مصدرًا لدراسة تاريخ منظمة التحرير الفلسطينية



في إطار السير التاريخية، المتحققة بأقلام الغير، نضيء على "أفندي الغلغول شاهد على تحولات بيروت خلال قرن" (2013) للباحث الألسني الدكتور نادر سراج، نموذجًا عن الذاكرة التي شكلت فيها الوثائق والصور والمرويات الشفهية وغيرها مادة ومصدرًا تاريخيًا لانعقاد السيرة المذكورة، التي عكست بدورها تحولات مدينة بيروت على مدى قرن من الزمن.

تلفتنا في هذه السيرة المادة الذاكراتية التي عمل عليها الباحث، الذي تربطه بصاحب السيرة هاشم علي الجمال (1854 - 1940)، صلة قربى (جده لأمه). وهي مادة يصفها سراج بأنها كانت متذررة ومشتتة: "إرث عائلي منسي، مدونات قليلة نادرة ومراسلات ووثائق أحوال شخصية وبطاقات رسمية وجوازات سفر وشهادات مدرسية وجامعية"، تعكس في مجموعها وتذررها الزمن الطويل الذي استغرقه إنجازها (خمس سنوات). ابتداء من رصد الباحث لمرويات شفهية وشهادات حية وتسجيلات سردية وانطباعية لثلاثة أجيال انتشرت على وجه البسيطة من أحفاد هاشم الجمال، الذين فاق عددهم العشرين وربما الثلاثين، هذا بالإضافة إلى اعتماد الباحث مراجع تاريخية متنوعة أدرجها مع كل واقعة من السيرة، منها مباحث ومعاجم وصحف ومجلات وصور عائلية، وسالنامات عثمانية سنوية (كتاب سنوي كانت تصدره الدولة العثمانية في أواخر العام ويذكر أحوال وأحداث السنة)، إضافة إلى صفحات خطّها صاحب السيرة منذ أواخر القرن التاسع عشر.  وقد سعى الباحث إلى تتبّعها وتوليفها وجمعها وربط ما انقطع منها عبر تقنيات أنثروبولوجية ألسنية، مستخلصًا ما يمكن أن يشكل سيرة متسلسلة، في إطار زمني وموضوعي.

تعود أهمية هذا النوع من الإرث الذاكراتي، بصيغته المنجزة على شكل سيرة، إلى ما يتداخل فيه من حراك الأفراد والجماعات وما يتخلله من أحداث من التاريخ  الرسمي، وهو ما يمكن أن نصفه بالتاريخ المؤنسن، الذي تفرده أمامنا الوثائق الشخصية والعائلية الممهورة بتواقيع الأفراد، كما في الصور العائلية  والفردية، والمرويات الشفهية، والوثائق الثبوتية للأملاك، وتاريخ الولادات والأفراح والوفيات والأسفار والزيارات، هذا التداخل الفردي مع الحدث العام، ليس إلا تلك الأنسنة بصيغتها القريبة التي أملتها علينا أنواع من هذه الذاكرة التي نكاد نحسها ونتلمسها ونعيش زمنها.

لقد شكل مثيل الإرث المذكور، مادة أساسية، لا غنى عنها للأنثروبولوجيين في أبحاثهم، لمعرفة حياة الجماعات ونشاطها وطقوسها ضمن إطار جغرافي وزمني محدد، ومنهم الأنثروبولوجي الألسني متتبع هذه السيرة، الذي سعى من خلالها لـ"التفلت من الموروث التقليدي الحكائي لتصبح كتابًا موثقًا انطلق في أسلوبه ومقاربته التاريخية والاجتماعية من مواصفات السيرة الذاتية، لا بل المدينية الجماعية، ليلامس فن السرد الروائي". كما هدفت إحدى مرامي هذه السيرة إلى "رأب القطيعة بين التاريخ والعلوم الاجتماعية"، من خلال ما اختزنته من خرائط وصور وطوابع بريدية وغيرها، إضافة إلى ما عكسته من أحداث تاريخية في زمن حياة صاحبها.

عكست سيرة "أفندي الغلغول" للباحث نادر سراج الحراك الاجتماعي والإداري والثقافي لمدينة بيروت في حقبة زمنية امتدت لقرن من الزمن



وثائق عائلية تتقاطع مع تاريخ المدينة وجغرافيتها وتحولاتها

عكست سيرة "أفندي الغلغول" الحراك الاجتماعي والإداري والثقافي لمدينة بيروت في حقبة زمنية امتدت لقرن من الزمن، ابتداء من نمط عيش أسرة بيروتية ممتدة انفتح أبناؤها باكرًا على العلم والثقافة والحرية، فتولى عدد منهم مناصب ووظائف مهمة إبان حقبة الحكم التركي، وتوضح وقائع السيرة حراك الأبناء اللافت، وقد توزعوا في أسفارهم بين عدد من البلدان، تركيا وسورية وفلسطين وليبيا، وكانت النتيجة زيجات من جنسيات مختلفة باختلاف البلدان المذكورة، ومنها زيجات من غير طائفة.

تأخذنا خارطة السكن العائلية في سيرة "أفندي الغلغول" إلى التعرف على الحيز الجغرافي لمدينة بيروت في منتصف القرن التاسع عشر، فترتسم أمامنا البساتين المحيطة بها وسورها، وباطنها حيث يتقصى الباحث أملاك بطل السيرة هاشم الجمال، أي أملاك أجداده، فمنها ما كان يقع قرب زاوية الحمرا الملاصقة  للجامع العمري الكبير، ثم ينقلنا إلى حيز جغرافي آخر حيث كان يقع المنزل العائلي في زاروب الجمال، وقد عكس في وصفه له نمط العمارة وأسماء العائلات المالكة لها، كما عكست خارطة السكن في السيرة التدرج الوظيفي لهاشم الجمال، إذ تولى في عام 1885 منصب مدير المال في صيدا الذي اختار أن يمضي فيها تقاعده.

تمكننا الوثائق والخرائط والتواريخ التي يرفقها سراج مع كل معلومة، من التعرف على تاريخ التحولات التي طرأت على مدينة بيروت، وهو أمر يرتبط بالحكومات التي توالت عليها في حقبة الحكم التركي، ومنها مثلًا تاريخ المباشرة بالإصلاحات، وشق الطرقات وإنشاء المرافق التي تعكس بدورها تحول وظائف مدينة بيروت التجارية والاقتصادية في التاريخ المذكور. وقد انخرط صاحب السيرة هاشم علي الجمال في الأعمال الإصلاحية فيها، إذ ساهم في إطلاق جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية في رحلتها العلمية، فهذا الرجل كما ورد التعريف عنه في إحدى الوثائق المدرجة في السيرة هو: "واحد من الأعيان البيارتة الخمسة عشر، من تجار وشيوخ وعطارين وموظفين كبار، الذين اجتمعوا في دارة الشيخ عبد القادر القباني، في منطقة زقاق البلاط، بعد صلاة المغرب من يوم الأربعاء ليلة غرة شعبان المعظم سنة 1295 هـ الموافق 31 تموز (يوليو) 1878، لإطلاق هذه الجمعية".

على النحو المذكور، تعتبر سيرة "أفندي الغلغول"، هاشم علي الجمال، بما تحويه، مصدرًا ذاكراتيًا للتاريخ، والتاريخ بهذا المعنى هو تاريخ الثقافة والاجتماع والجغرافيا والسياسة، وكلها أحداث تكمن في مفاصل سيرة هذا الرجل البيروتي.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.