}

طوفانُ السَّبع المَثاني

محمد جميل خضر محمد جميل خضر 17 فبراير 2024
آراء طوفانُ السَّبع المَثاني
أماط طوفان الأقصى اللثام عن إرادة شعب فلسطين(Getty)
بِلغةٍ بسيطة، واضحةٍ ومباشرة، غيرِ مثقّفة (ولا مُتثاقفة)، أقول إن طوفان 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023:
1 ــ سبق، بِمسافاتٍ، الإعلام الصاخب حول المقاومة والمُمانعة ومحاورِها وبطولاتِها، وعَلَيْه، لا داعي لأنْ يبالغ هذا الإعلام الآن بعد أن تَحَقَّقَ الطوفان، فَمهما بالغ الإعلام الشقيق، أو الصديق، أو الأخ، أو الرفيق، وَمهما أطلق من شظايا الكلام، وقذائفَ التهويل، وصواريخَ التحليل، ورصاصَ المقالات والأخبارِ والتّقارير، لن يبلغ ما بلغته نتائج طوفان الأقصى التي فاقت، وسوفَ تفوق، التوقّعات جميعها، ومهّدت، وبِما لم ولن تفعله ملايين الحُروف، والشِّعارات، والكلِمات، دروب التحرير بِمختلف ما تحتاجه تلك الدروب من تخطيطٍ وإعدادٍ وصبرٍ وحكمةٍ وبسالةٍ ومهارةٍ وشجاعةٍ وإرادةٍ وإقدامٍ وإيمانٍ ويقين.
2 ــ قَصمَ ظهرَ الإعلامِ المأجورِ المدجّجِ بالأجندات، المُباعِ (قَلَم قايم) لأجهزةِ مخابرات، ومنظماتٍ مشبوهات، وشركاتٍ عابرات، وتحالفاتٍ معاديات، وبالتالي، فمهما حاول هذا النوع من الإعلام المخزي الرخيص أن يمس الطوفان فهو في الحقيقة لن يمس شعرةً منه، ولن يعطّل ماكينة تقدّمه إلى الأمام، ولن يطاولَ ولن يطولَ مقام تفوّقه العالي، ولا رايتِهِ الخافقةَ بِالمعالي.
لعِب الإعلام المأجور على مقولةِ إن ما جرى في السابع من أكتوبر تهوّرٌ غيرُ مدروسِ النتائج، دمّر البنيان وقتل الناس وأهلك غزّة وأهل غزّة، ناسين، أو متناسين (وهي الأدق)، أنْ لا إنجاز من دون عمل، ولا مجد من دون بذْل... ولا نصر من دون ألم، ولا تحرير من دون تضحيات... حقائق يعرفها التاريخ. وتعرفها الأمم الحيّة والشعوب الأبيّة. يعرفها شعب فيتنام الذي قدّم ستة ملايين شهيد لينتصر على الإمبريالية العالمية ورأس حيّتها أميركا... ويعرفها الشعب الجزائري... وتعرفها شعوب أوروبا التي دفعت (نقدًا) أكثر من 60 مليون قتيل من أعراقِها (النقيّة) لتتخلّص من مأفونٍ أراد تطويعها، وفَرْضَ تفوّقه وتفوّق عِرْقِهِ عليها.
3 ــ كشفَ، إلى غير رجعةٍ، هشاشةَ الكيان الذي يرزحُ منذ قرنٍ من الزمان، فوق أرضنا، وحقّنا، وأحلامنا، ومقدّراتنا، ومَرابع وجودِنا، وذاكِرات جدّاتنا وأجْدادنا وآبائِنا وأمّهاتنا، وَعليه، وَمهما حاولت هذه العصابات المهزومةُ لَمْلَمة صورتَها، التي تعرّت، من جديد، وَمهما حاولت إعادة إنتاج نفسها بوصفِها عصاباتٍ متفوّقةً قادرةً على التمسّك بما سلبته يومًا ما، فهي لن تفلح في ذلك، وكل ما يمكنها فعله، هو تأخير انهيارها النهائيّ بضعة أعوام قليلات قادمات، على أمل أن يجد أفرادها أراضي جديدة قابلة للسرقة، أو بلدانًا متسامحةً في إمكانها أن تتجاوز عن جرائم تلك العصابات على امتداد مئة عام من الكراهية والانحراف الإنسانيّ والتوحّش اللا ـ حيوانيّ، فَالحيوانات في الغابة افتراسُها وظيفيّ غرائزيّ يشكّل جزءًا من ناموس الوجود وتوازناتِ الطبيعة، أمّا إجرامهم فهو ممّا لم تخبره حضارات، ولم تحبّرة كتبٌ لا مقدّسة ولا مدنّسة، رغم ما يدّعوه من وجود بعض الأسفار التي تبيح لهم كل ما يقترِفوه بحق الحياة وَالمعنى وَالقيم وَالكرامة الإنسانية، من جرائم ومذابحَ واستهتارٍ قبيح.




قد تجد تلك العصابات بعض الدول التي قد تقبل استقبال بعضهم ولكن بشروطها، وضمن محدداتها، فآفتهم الكبرى أنّهم لا يحفظون حقّ أيّ جِيرة، ولا يقبلون التّعايش مع أيّ مكوّنٍ إنسانيّ، وأنّهم غدّارون، والله يرحم أمّهاتنا وجداتنا كنّ يقلن لنا (كل عند اليهودي ونام عند المسيحي)، أي بمعنى: لا تأكل عند المسيحي ولا تنم عند اليهودي، والمقصود هنا ليس الإساءة إلى إخوتنا المسيحيين، ولكن لِما يتعلّق بإمكانية أن يحتوي الطعام على لحمٍ محرّمٍ عند المسلمين، والدليل على أن الأمر لا يحتوي على أي إساءة، أن في إمكانك، بحسب مقترحهنّ، أن تنام عند جارك، أو صديقك، أو مُجيرك المسيحي بأمنٍ وأمانٍ واطْمئنان، وهو ما لا يتوفّر عند اليهودي، الذي، ورغم أنه لا يأكل، بدوره، ما لا نأكله نحن، يتّصف بالغدر، كما يرَين، ولا يُؤتمن جانِبَه، فهل كنّ جميعهنّ معاديات للساميّة!؟
4 ــ عرّى أجهزة المخابرات جميعها. دمّر كل المنظومات الاستخباريّة والأمنيّة والجاسوسيّة. فضحَ تبجّحات المَنَعَةِ العسكرية الصهيونية، وكسر شوكة الردّع المدّعاة. وَعليه، لا داعي لأن يمطرنا كائنٌ من كان بِاللغط والهذْرفةِ حول مجد العسكرية الصهيونية، وَلا أن يظل أحدهم، بتكرارٍ لا يُعَلِّمُ أحدًا، يثرثر عن ترتيبهم بين جيوش العالم، فأيّ عالم، وأيّ جيش هذا الذي يقبل أن يكون جيش (المسهولين) في قائمة موجود فيها، حتى لو كان ترتيب جيش العدو الأخير في هذه القائمة؟ عليه أن لا يقبل وجود مرتزقتهم في القائمة من الأساس، ولا في أي قائمة تحتوي، ولو فقط، على واحد بالمليون من القيافة والجَدارة والاسْتحقاق.
5 ــ لقد أزال الطوفانُ القناعَ عن انحطاطِهم، فما إن انهزموا حتى ظهروا على حقيقتهم كَمجرمين يقتلون المدنيين، ويعرّونهم، ويَمنعون عنهم الماء والغذاء والدواء، ويُفرغون كل أمراضهم وانْحرافاتهم وَلا سويّتهم وشعورِهم بالهزيمة نحو من لا يحملون السلاح؛ السلاح الذي أذلّهم ومرّغ بشاعتهم وصَغارَهم وقذارتِهم بالتّراب، التراب الذي لن تكون ذرّة من ذرّاته لهم طال الزمان (لا لن يطول بإذن الله) أم قَصُر (نعم إنه قَصُر إن شاء الله).
أمّا استهداف الأطفال، على وجه الخصوص، فهو ما لم أجد له خانة أضعها هنا، ولا أعتقد أن إنسانًا بقي لديه همسةٌ من إنسانية سيجدُ لقتل الأطفال خانةً في موضوع، أو سطرًا في مقال، أو بندًا في أي قانونٍ من القوانين، أو شريعةٍ من الشّرائع. فأيّ محكمةٍ من محاكم العدل والحياة، تلك التي في إمكانها أن تسمع الشهود على الجريمة من دون أن تدمع عيون قُضاتها ومحكّميها وجُدرانها وشُرفات إطلالتِها على التاريخ والجُغرافيا والأرضِ والسّماء؟

كشفَ الطوفان، إلى غير رجعةٍ، هشاشةَ الكيان الصهيوني (Getty)

6 ــ إنها النقطةُ التي كنتُ أتمنّى أن لا أدرجها، ولكن لا بد لي من فعل ذلك، من أجل الحق وَالحقيقة، ومن أجل أطفالنا، ومُستقبل أيامنا: ضَرَبَ الطوفان، وفي العمق، المنظومة السياسية العربية. وضَعها عند مفترقٍ لم تكن تتخيّل لا في أبشع أحلامها، وَلا في أسوأ كَوابيسها، أنه سيأتي اليوم الذي ستقف فيه عنده. مفترقٌ وجوديٌّ أين منه المفترق الوجوديّ لدى العدوّ الصهيونيّ، فهو عدوّ، وليس هو المطلوب منه أن يفكّر في وجع شعب عربي، أو أنّات طفولة عربية، أو مظلومية أهل. الطوفان فعل، والأنظمة العربية فعلت؛ هو قام بفعْلِ الضربة القاصمة لتلك الأنظمة، وهي، بدورها، قامت بفعلِ الّلافعل، لم تقم بأي فعل من شأنه أن يمتصّ الصدمة، ويهضمَ الطوفان، ويقرأَ ما يحمله في طيّاته من فرصة تاريخية للخروج من وحْلِ التبعيّة، والخِيانة، والترهّل، والانْقياد، والعجْز، والوهْم، والّلامبالاة بحاجاتِ شعوبها وتطلّعاتهم ومشاعرهِم وإحساسهِم العميق برابطِ الدم العربي الذي يربط بينهم جميعهم كشعوبٍ عربية من الخليج إلى المحيط، ليست الوحدة الشعاراتية التي ظلّت بعض الأنظمة العربية الشّمولية تُمطرنا بها، وتُحاصر معنى وجودنا من خلال اللعب على مردودِها الفاقعِ الخالي من الدّسم، بل الوحدة الحقيقية التي تجعل الإنسان العربي يبكي حين تصيب شقيقه العربي في بلد شقيق كارثة، وتجعله يفرح حين يفوز منتخب عربي شقيق على منتخب غير عربي، يفرح من كل قلبه، ويخرج للهُتاف والتّعبير عن المسرّة الكبرى والفوزِ الكبير (فعلنا أكثر من ذلك حين وصل منتخب المغرب إلى الأدوار النهائية في كأس العالم الأخيرة، حتى أننا وجدنا بإقامة قطر لتلك التظاهرة العالمية الكبرى فرصة لنرفع كلنا، كل العرب، أعلام فلسطين، بوصفها الوحيدة من بيننا التي ما تزال ترزحُ تحت نِير الاحتلال).
نعم الطوفان هزّ أركان العروش القائمة على غير العُرْوة الوُثقى التي تربط أبناء الأمّة الواحدة صاحبة الرسالة الخالدة، تمامًا كما هزّ أركان الجيوش التي لم تُعد لمواجهة العدو المشترك؛ عدوّ الوطن والأمّة والدّين والأعْراف والسَّوادي... عدوّ اللقمة الواحدة... والأنّة الواحدة... واللغةِ الواحدة... والتاريخِ الواحد... والعاداتِ الواحدة... ورَمضان الواحد... والأقْصى الواحد... والقِيامة الواحدة... والمهْد الواحد... والأعْياد الواحدة... وسورةِ الفاتحة الواحدة... ونشيدِ الأنشادِ الواحد الذي لَنا... والجباهِ الواحدة... والملامحِ الواحدة... والشّهادة الواحدة... ومحمّد بن عبد الله الواحد... والمَسيح يَسوع، عيسى ابن مريم الواحد...




جيوشٌ، وَيا أسَفي وَيا عاري، أُعدّت لغير ذلك، لا أدري لماذا، هل لأيِّ حربٍ مفترضةٍ بين بلد عربي وبلد عربي آخر؟ هل لأيِّ حربٍ أهليةٍ مفترضةٍ بين مكوّنات بلد عربي واحد؟ حقيقة لا أدري، وأتعجّب لِما أُنفق ما أُنفق من أجل إعدادِها وتجهيزِها، هل للتباهي فقط؟ أَمِن أجل العروض العسكرية فقط في يوم الاستقلال (هل أضع مفردة استقلال بين هلاليْن متضادّيْن؛ هلالُ الدّين وهلالُ الغابِرين؟) وفي يوم التتْويج، وتولّي المسؤوليات (الجسام)، وَيوم انتصار الانْقلاب، وَيوم انْفطم الوريث المُنتظر، ويوم ألّف الحاكم المعصومُ كِتاب العِبَر، ويوم انْفلق لعينيهِ القمر؟
من أجل ماذا جُهّزِت كلُّ تلك الجيوش إنْ لم يكن ليومِ انتفاضِ النّعوش... وكتابةِ المجدِ بِأحلى النّقوش؟
7 ــ أمّا الإنجازُ السابع الذي حقّقه الطوفان فهو ما أجلاهُ لنا وبيّنه وأماطَ الّلثام عنه حول إرادةِ شعبٍ يأبى أن ينكسر... كلّ يومٍ يوثّق الموثّقون آياتٍ ساطعاتٍ من صمودِهِ فوق أرض أجداده... وصبرِهِ واحتسابِهِ وقوّةِ عزيمتِه، ووضوحِ بوصلتِه، وعميقِ إيمانِه.
طوفانٌ لم يُبقِ ولم يَذَر... وفي يومٍ نراه قريبًا... ويرونَه بعيدًا... سيأتي الباقونَ بِالخَبَر... وحينَها لن ينفع النّدم إلا من رَحِمَ ربي ومن عَذَر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.