}

ذكرى 220 عامًا على مولده.. ألكسندر دوما ونبش التاريخ

سمير رمان سمير رمان 6 أغسطس 2022
استعادات ذكرى 220 عامًا على مولده.. ألكسندر دوما ونبش التاريخ
ألكسندر دوما- الأب

في مقالٍ مقتضب نشر عام 1845، قدم الناقد والصحافي دي ميركوري لقرائه الكاتب الفرنسي الجديد ألكسندر دوما ـ الأب/ Alexandre Dumas (1870 ـ 1802): "يبدو مثل طبل كتيبة عسكرية: بنية هرقلية، شفاهٌ مقلوبة إلى أعلى بعض الشيء، أنفّ أفريقي مسطح نوعًا ما، شعر مجعد غزير، ووجهٌ لوحته الشمس". وجاء هذا الوصف الساخر لدوما الأب لوحةً موفقة على صفحات "قاموس الكتاب الفرنسيين"، لتصبّ في صالح الكاتب الشابّ.
عندما وصل جدّ ألكسندر دوما إلى مدينة ساندومينو، اضطر للمكوث بضعة أيامٍ هناك، ليقع على الفور في حبّ ماري، وهي خادمة داكنة البشرة لقِّبت بماري المنزل (دو ما)، ومنها أخذ الكاتب اسمه الشهير. كان والد ألكسندر دوما، ابن المركيز دي لابيتري، ابنًا غير شرعيّ (الأمر الذي لم يكن ذا أهميةٍ في المرحلة النابليونية)، حتى أنه وصل رغم منبته المتواضع إلى مرتبة جنرال في جيش نابليون الذي عامله بصورةٍ جيدة، ولكنّه رأى في الوقت نفسه أنّه شخص "شريف أكثر من اللزوم ليصبح ذكيًا حقًّا". بفضل الوالد الجنرال، الذي فارق الحياة مبكرًا، تمتّع ألكسندر دوما طوال حياته بعلاقاتٍ جيدة في أوساط الطبقة الراقية: من وزراء ومن الشخصيات النافذة المقرّبة من السلطة. كانت هذه العلاقات ضرورية في وقتٍ لم يكن فيه بعض أدباء تلك الفترة يأخذونه على محمل الجدّ، إذ لم يكونوا يؤمنون حقًّا بموهبته الطبيعية، زارعين الشكوك حول استغلاله "الأدباء السود" في محاولاتٍ مستمرة لتشويه سمعته. ومع ذلك، لا بدّ من التنويه، وقبل كلّ شيءٍ، بالنظرة الرائعة التي حظي بها أدبه من قبل كتاب فرنسيين عظماء عاصروه، أمثال: رينيه دي شاتوبريان، أونوريه دي بلزاك، فيكتور هوغو، وغيرهم.




في بداية مسيرته المهنية، كرّس دوما جلّ وقته لكتابة مواضيع درامية مرتبطة بالتاريخ الأوروبي والفرنسي، كان منها: "هنري الثالث وحاشيته"، و"كريستينا"، و"أنطوني"، و"العِرْق"، و"العبقرية والفجور"، و"برج نيسكايا".
كان دوما الأب يمضي ساعاتٍ طويلة في مطالعة الكتب النادرة، باحثًا في السجلات التاريخية، منقّبًا عن نسخٍ طبق الأصل واضحة ومقنعة من الشخصيات الملكية. وبهذا، أصبح توصيفه لحياة الملك لودفيغ الرابع عشر لوحةً رائعة تعكس حياة القصر الملكي في القرن السابع عشر. تطرّق دوما في كتاباته إلى مواضيع ملحّة: الولادة والموت؛ الحرب والانتفاضات الشعبية؛ الأعراس والأمراض؛ العلاقات الغرامية، الألبسة التي كان الناس يرتدونها في حياتهم اليومية العادية، في مختلف المناسبات. ووصف ببراعةٍ المفروشات التي كانت تزيّن المنازل والقصور وديكوراتها الداخلية. يؤكّد دوما، وهو محقٌّ في ذلك، على القاعدة العامّة التي تقول بوجود رأيين متناقضين حول الشخصيات العظيمة، الرأي الأول ينسب إلى معاصري الكاتب، بينما تتبنى الأجيال اللاحقة الرأي الآخر. فعلى سبيل المثال، شخصية الكاردينال ريشيلو، التي يعتبر معاصروه أنّه لم يكن "أكثر ذكاءٍ من كثيرٍ من الناس". وفي حين لم يكن الكاردينال يشيد بهذا الأديب أو ذاك، ربما لأنّه لم ير أحدًا منهم، ولكنّه كان يحسد بشدّة مشاهير الكتّاب والمسرحيين الذين حظوا بالشهرة والمجد. كان الكاردينال قاسيًا في معاقبة من يشارك في مؤامرة ضدّه، حتى وإن كان الملك نفسه أحدهم، مما جعل الأجيال التالية تنظر إليه كرجلٍ يتمتّع بإرادة حديدية. كان الكاردينال واثقًا أنّه يقاتل ليس لذاته نفسها، بل من أجل فرنسا العظيمة. صحيحٌ أنّ أساليبه كانت مروّعة، ولكن الأجيال اللاحقة ترى أنّ النتائج كانت رائعة. ومع أنّ الكاردينال كان في البداية رجل دينٍ بسيط، إلا أنّه تمكّن بفضل عبقريته أن يصبح ليس فقط سياسيًّا عظيمًا، وإنّما قائدًا عسكرياُ فذًّا أيضًا. جميع توقعاته تحققت، ولهذا كان الملك لودفيغ يتبع نصائحه وارشاداته.
في روايات دوما التاريخية، تتجلّى بوضوح قوانين التاريخ القاسية. كما تظهر هذه القوانين في تصرفات أبطاله الذين حدّدوا مصائر الناس. من بين تلك الشخصيات: الكاردينال ريشيليو المثير للجدل (فقد حلّ محلّ الملك عمليًا)، والملك هنري الثالث (الذي تمكن من تفادي الحرب الأهلية على مدار 15 عامًا من حكمه)، والملك هنري الرابع (الذي أصدر مرسوم نانت بشأن التسامح الديني)، وأخيرًا قسم المثقفين (الذين حرّضوا الناس على الحرب من أجل أهدافٍ شخصية).




من أعماله المشهورة المرتبطة بالموضوع نفسه: "الفرسان الثلاثة"، و"بعد عشرين عامًا"، و"الكونت دي برازيلون"، و"خمسة وأربعون"، و"كونتيسة دي مونسورو"... إلخ.
قام دوما خلال حياته بكثير من الرحلات، ليس في أرجاء وطنه فحسب، بل إلى بلدانٍ أوروبية، وإلى أفريقيا أيضًا. ليكتب قائلًا: "السفر يعني أن تعيش بكلّ ما للكلمة من معنى، فتنسى الماضي والمستقبل باسم الحاضر. الترحال هو التنفس ملء رئتيك، إنّه التمتّع بما خلق الله وكأنك تمتلكه فعلًا". خلال ترحاله، كان دوما يهتم بالأماكن الحضرية الكبرى، كما بالمناطق الريفية الصغيرة، مركزًا اهتمامه على الشخصيات النافذة. وخلال رحلته إلى روسيا، حرص على زيارة موسكو وبطرسبورغ، وكذلك موقع معركة بورودينو، التي شكّلت منعطفًا حاسمًا في حملة نابليون على روسيا.
ارتبطت حياته الخاصّة بعددٍ كبير من النساء، غالبًا من الوسط الفنّي: مدموزيا مارس، وميلاني فالدر، وإميليا كورديه. وتحت عبء الديون التي تراكمت عليه، تزوج من الممثلة الثرية إيدي فيريه، وحصل على صداقٍ بلغ 120 ألف فرنك فرنسي. وجاء ابنه ألكسندر دوما ـ الابن من علاقةٍ بين الأب وجارته الخياطة كاثرين لابيه، التي تعرّف عليها في السكن الذي عرف بداية إبداعه الأدبي. اعترف الاب بابنه غير الشرعي، ولكنّه قام على الفور بفصله عن والدته ليضعه في نُزُلٍ خاصّ. أصبح دوما الابن كاتبًا أيضًا، وألّف رواية "غادة الكاميليا"، التي حولت في ما بعد إلى مسرحية ستصبح حجر الأساس لأوبرا الموسيقار فيردي الشهيرة "ترافياتا".
بقيت شهرة دوما ـ الأب متقدةً على مرّ الزمن بفضل تحويل أعماله إلى أفلامٍ سينمائية لاقت نجاحًا مستمرًا، نذكر منها: "الفرسان الثلاثة"، و"كونتيسة دي مونسورو"، و"الكونت دي مونت كريستو"، وغيرها.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.