}

الكرسي في رمزيته التاريخية

وارد بدر السالم وارد بدر السالم 23 فبراير 2023
استعادات الكرسي في رمزيته التاريخية
الكرسي وجه مباشر للحكم (الصورة: داريوس الكبير على عرشه)

الكرسي صانع حضارات سياسية على مدار التاريخ، فهو بوصلة السلطة والتسلط أيضًا، لعبة قديمة متجددة تعاني منها الشعوب، ووجهٌ مباشر للحكم وتشكيل المجتمعات كيفما يريد. لكن يقتضي وجودُهُ وجودَ مَن يمثل رمزيته الحاكمية والسلطوية من مسميات متغيرة في التراث السياسي البشري. ولا شك في أن وجوده ثابت لا يزول مهما تعاقبت الحقبُ عليه وتغيرت وتداخلت وتطورت. ويقينًا أن الكرسي تمت أنسنتهُ - أو حيْوَنَتُهُ بشكلٍ أدق- ليكون الخصم الخالد للشعوب. وبذلك يكون أحد الألعاب التاريخية التي عاشتها شعوب الأرض، حينما كرّس ثقافة الحاكم والمتسلط والمستبد والطاغية. 

من المؤكد أن الكرسي خرج من وجوده المادي في الطبيعة إلى رمزيته التاريخية التي تمثل السلطة القاهرة بمعانيها كلها، والذين أحكموا الجلوس عليه على مرّ التاريخ الإنساني وثّقهم التاريخ ذاته بالأسود والأبيض، والقليل منهم توارى في طيّات الأزمان التعيسة. ولذا يُعدّ أرشيفًا جيليًا سميكًا ليس من السهل تصفّحه وتوصيف أزمانه المتلاحقة في السياسة على وجه الخصوص. فقد تحول من معناه الوظيفي- الخدمي إلى معنى سياسي على مر الوقت والحقب الزمنية المتناوبة. فاكتسب أهميته التاريخية، كونه مؤسسًا لحضارة السلطة على مدار وجودها بين الشعوب في العالم، ولاعبًا حضاريًا لا يمكن تجاوز وجوده العيني في سلسلة السلطات البشرية المتعاقبة؛ مثلما حوّله الدينيون إلى معنى طقسي في معانيه المباشرة، وعظيات وأكاذيب تُرسّخ- بمبالغة- فكرة الخوف من السماء، والخوف من الحاضر والمستقبل على حد سواء؛ بمعنى مساهمته في تكريس السلطات السياسية على نحوٍ معروف على مدار الزمن البشري الذي عرف الملوكية والحاكمية وسواهما من الألقاب لقوته السحرية في تشكيل حركة الشعوب سياسيًا واجتماعيًا.

قد يعكس هذا الكثير من الفوضى في الحياة بأن تتحوّل الخشبة/ الكرسي إلى رمز سياسي وسلطوي عنيف، وتحيل الزمن النفسي إلى صراع زمني وجودي لا ينتهي، كما هو واقع الحال في الحياة بشكل عام. لذلك في السرد السياسي نصِف عبيد الكراسي بأنهم طغاة، منذ الحضارات الأولى التي جعلت من السياسة بدايات قمع واستلاب في المجتمعات، ابتداءً من القبيلة والعشيرة (الإقطاع وسواه) حتى الأنظمة الحاكمة في كل مكان، ليكون الكرسي رمزًا لا زمنيًا، وتكييفه بالشكل المطلوب يعني تكييفًا إلى سلطة وعرش بدلالاته المَرضية والنفسية التي يراها مؤرخو ثقافة الكرسي على مدى ابتكاره وصناعته، التي تتقادم في الزمن السياسي التعيس في الأحوال كلها. ولا يخرج من تلك الرمزية إلا بغطائه الديني، ليكون رمزًا آخر من رموز القمع والاستبداد للشعوب، وحجب الأصوات المتحضرة التي ترى في الحياة لونًا آخر من الحرية، ضد هذه الثقافة الكرسوية العنيفة.

أخذ الكرسي يتحوّل إلى وحش بري أسطوري في إمبراطوريته الواسعة، مالئًا الفراغ النفسي بفراغ آخر- فراغ الحاكم، الملك، الرئيس، الوزير، وما دون ذلك حتى الموظف البسيط الذي علّمه الكرسي أن يتمسك به ويملأ به فراغه الروحي والشخصي
الكرسي: الوحش البري الأسطوري

قد نرى في مستقبل هذه القراءة تحولات الكرسي إلى مستبد وطاغية وشخصية مخيفة، بفخامته الأسطورية والتاريخية منذ عهد الإغريق، أو حتى قبل ذلك؛ عندما أخذ يتحول إلى وحش بري أسطوري في إمبراطوريته الواسعة، مالئًا الفراغ النفسي بفراغ آخر- فراغ الحاكم، الملك، الرئيس، الوزير، وما دون ذلك حتى الموظف البسيط الذي علّمه الكرسي أن يتمسك به ويملأ به فراغه الروحي والشخصي، ليكون بديلًا عنه وعما يفكر به. وفي هذه النمطية المفروضة، تَحيْوَنَ الكرسي بروح شريرة، وأصبحت له أنياب نمرية ومخالب قط بري وأسنان تمساح، ليكتب الجالسون عليه مآثر مزورة كثيرة في العدالة والقانون وحرية التعبير والرأي المضاد. حتى أخذ مكانته الفعلية بين الشعوب كرمز يشير إلى الخوف أكثر مما يشير إلى الطمأنينة، وإلى الحرب أكثر من السلام، وإلى اليأس أكثر من التفاؤل. فكان اسمه ملهمًا في السرديات القديمة والحديثة كدال أضحى مفهومًا بين الجماهير بفرادته بأن تكون الشعوب تحت هيمنته المطلقة وبالتالي يمكن أن نتابع الحروب في القديم والجديد، لنجد أنّ الكرسي قد تمت خيانتهُ بطريقة شريرة، ومنها صارت سجلات التاريخ لا تُكتب إلا باللون الأحمر.

وعندما نتابع سيرته المخترَعَة سنجد أنها بمنزلة الاكتشاف؛ اكتشاف لون السلطة وشكلها وجبروتها وغطرستها ومن ثم خيالها الجامح. لا نقول منذ بداية اختراعه وتصنيعه الأولي حين وجد الإنسان القديم بأن الحجر يقيه ملوثات الأرض وبللها، لكن التطور السلبي في زمنيته الطويلة، نجد فيها بأن إنسان الكرسي كأنما يريد أن يصل إلى السماء بواسطته، ويزاحم النجوم والكواكب والمجرات. وسنجد بأنه اتخذ تسميات ودلالات توصيفية تلائم المبتغى الشخصي لأصحاب الكراسي. فالعرش هو التجلي المُحكم للكرسي، الصعود إلى ما بعد الغيوم، العرش هو الكرسي، ولكنه تمدد برمزية أكثر هالةً وسِعةً، وصارت التسمية منافسة له. تمدد فيها الملك والسلطان والإمبراطور المُهاب على سرير هو عرش، في معادلة غير متكافئة تمثّل الوضع الفوقي على الشعب في حالته الشخصية التحتية.

إذًا أصبح الكرسي متاحًا، يجلس عليه الوزير ونائبه ومن هو دونه؛ الموظف والحاجب وسواهما؛ بل أصبح متاحًا للغني والفقير والزاهد والعابد والمتسول وعابر السبيل وصاحب الدكان والمشتري منه. ورمزية الجلوس على الكرسي أصبحت شائعة بمرور الوقت، ارتفاعًا عن أرض فيها تلويث وملوثات من التراب والطين والريش والقش، وربما عن الشعوب أيضًا، وهذا واقع معروف في أبجديات السياسة الأحادية، مما يعني أن شيوع الكرسي كتتويج لبريق السلطة، وبالتالي فالصعود إلى السماء تتويج لرحلته إلى مديات رمزية أكثر عنجهية وغرورًا في تجليات السلطة إلى أبعد ما يمكن إليه وهو السماء، حتى أخذ الكرسي تصاميمه الحديثة، مثلما أخذ أصحاب الكراسي مواقعهم المهمة في السلطة الباثّة للخوف من هذه المساند الخشبية المزينة برسومات وطواطم لها رمزيتها الدالّة عبر عصور تصنيعه.

مسرحية "الكراسي" (1952) ليونيسكو مرموزة بشخصيتين تنتظران ضيفًا، وقد يكون الرمز مثارًا على شكل أسئلة 


الفخامة الأسطورية لكرسي السياسة

الإنسان القديم كان يجلس/ يقعد/ يستريح على حجر قذفته الطبيعة في مكانٍ ما، يريد أن يرتفع قليلًا عن الأرض. فطرة طبيعية أن يرى الإنسان نفسه قد (طال) قليلًا على غيره من دون أن يعي ويقصد ذلك. والتطاول هنا حجمي، والحجوم عادةً لا تقاس بالدكات الحجرية والترابية، كون الإنسان في بدائياته لم يكن باحثًا عن السلطة، لأنه لا يعرفها، ولأنه منغمس في مشروع حياتي جماعي مشترك في الزراعة والصيد. غير أن مفهوم السلطة الذي ارتبط بالكرسي جاء فيما بعد، عندما تطورت حضارة الإنسان قليلًا، ووجد حمايته في شيخ القبيلة ورئيس الجماعة. والسلطة بتعقيدها وجبروتها وقسوتها تسلسلت مع مفهوم الجماعة السياسية التي أوجدت الكرسي بشخصه، تلك الظروف التي حتّمتها منقلبات الحياة الكثيرة، السياسية والاجتماعية. وتحت هذا الغطاء الانقلابي الذي يشير إلى تغيرات الحال الجماعية واكتساب معرفتها الحضارية الأولى، وُجد الكرسي، ووجدت معه أسبابه، وتعددت صفاته، وانتشر في المجتمعات، حتى قعد عليه الجميع بلا استثناء؛ لكن سيبدو الكرسي السياسي ثابتًا في قصور السلطة. بينما تتغير وتتآكل كراسي الموظفين والجالسين في المقهى، وكراسي السينما المتلاصقة، وكراسي الحافلات العمومية. إلا أن كرسي السلطة ليس كذلك في الزمن. الآخرون يتبدلون ويتغيرون حتى لو بقي ثابتًا تأكله العثّة وترسم عليه هجرات الزمن المفقود، فإنه ذو فخامة مهيبة، يملأ المكان برمزيته العليا.

لقد انتقل غصن الشجرة إلى كيان قائم له أبجدياته التي علينا أن ندركها بوعي خالص. وصنّع الصانعون من الخشب الميت روحًا مسكونة بالأبهة والعجرفة والاستبداد والغطرسة، ليكون الكرسي- الملوكي الذي بقي يحتفظ بطوطمه منذ عصر الحضارات الأولى حتى اليوم. وإن تغير مفهوم الطوطم والتعويذة والطقس الديني، بتغير الزمن والسلطات والأسلحة، وتغيُّر الأبجديات الحكومية والسلطوية، مثلما تغيرت تلوينات وإكسسوارات الكرسي بالذهب الخالص والأحجار الثمينة، لتزداد أهميته المعنوية، لا بجلوس الشخص عليه، إنما التراث النفسي المُكتسب يوحي بأبهته وفخامته الأسطورية، كما توحي به شروره وقواعده التي لا تتغير، بل تزداد تكريسًا له.

48 اشتقاقًا عربيًا لفخامة الكرسي

لعل العرب أكثر شغفًا بالكرسي ومشتقاته والتي يقال بأنها وصلت إلى 48 اشتقاقًا لغويًا في التسميات والأفعال، وفي هذا تفصيل لا مناص من أن نتجاوزه عن عمومية المعنى. ولو تتبعنا تاريخية الكرسي لوجدنا القتال والحروب والانتهاكات على أشدها من أجل الإشارة الصريحة إليه بأنه ذو أهمية استثنائية كركيزة أساسية في الثبات السلطوي الأسطوري، لنعرف الهوس والجنون في البقاء على هذا العنصر الذي دخل التاريخ من أبوابه الدينية والسياسية القديمة، فتخطى الزمن وأحدث انقلابًا في المنظومات الاجتماعية والسياسية والنفسية والمصيرية أيضًا. وليس العرب وحدهم اختصوا برمزيته المعقودة على الشر والتعنّت، إنما كل الشعوب على الأرض التي طالتها يد السياسة والقوانين البشرية الموضوعة، عندما يكتبها رعية السلطان والحاكم ومرجعياته البشرية المتعددة بما تمثل تآزرًا واضحًا في إدامة الكرسي السلطوي له.

هذا التحول المتتالي في الإمساك بالكرسي بشموليته الرمزية والاعتبارية، أوحى بسرديات مسرحية وروائية وقصصية وشعرية. وربما الاشتقاق السردي له من كونه أكثر حركة من غيره من تصنيعات الإنسان، لنقل اكتشافاته البَصرية التي غذّت فيه صلة الوصل بين ما كان وما صار إليه في طفرة بدأت منذ العصر الحجري القديم حتى يومنا هذا. والحركة المقصودة هي حركة الشخصيات المتنافذة عليه في ظروف مختلفة من واقع السياسة وتحالفاتها المضنية.

صناعة الملوك وشيوخ العشائر

الكرسي صنع ويصنع أحيانًا الملك والرئيس والإمبراطور وشيخ العشيرة والقبيلة والمتنفذ والمستبد والطاغية، مثلما يصنع الموظف المتعالي ورجل الدين الذي لا يفقه من الدين إلا قشوره على المنبر. لكن رمز الكرسي أخذ ظروفًا زمنية متعاقبة، فشيخ العشيرة كان يستعيض عنه؛ قبل انتشار صناعته؛ بالمخدة الصوفية المرتفعة أو المخدتين أو حتى الثلاث، ليكون أعلى قامة من الآخرين، بما يشكّل كرسيًا من القماش أو الصوف... العلو هو الأساس في تثمين المسؤول وأهميته الرمزية... الارتقاء الشكلي... وكرسي رجل الدين على منبره المعتاد، فهو الأعلى والأسمى من الرعاع. والأكثر تعاليًا يميّز كرسيه بالنقوش والطواطم، ومن ثم حديثًا بالرسوم والنحت والحفر لأشكال تاريخية تشي بالجاه والسمو والرفعة. والمستبد يفوق هؤلاء بالعظمة والجبروت، حتى أن كرسيه يصنّع من أبنوس فخم يُطلى بالذهب والأحجار النادرة. ويُباعد المسافات بينه وبين أقرب كرسي له من وزرائه ومقرّبيه، ليكون المبرّز في سلسلة الكراسي المتباعدة عنه.

الكرسي الذي يصنع الملوك والجبابرة يشعل الحروب أيضًا، وثبت هذا منذ أقدم العصور الإنسانية وحتى اليوم. فالزر النووي لا يُضغط إلا بمشورة الكرسي لا الشخص الجالس عليه. فالشخص المعني هو روبوت رئاسي، لقد تحول المسؤول إلى واجهة للكرسي. مأمور وليس آمرًا. استبدال نفسي تتحكم فيه ظروف ما بعد المسؤولية الجسيمة. عقل مُفرّغ من الهواء النقي. لذلك تنظر الجماهير إلى الكرسي بوصفه كارثة يدّعي مُحدثوها بأنهم اختيار إلهي، وبالتالي فـإن الأحكام التي يصدرها الكرسي هي أحكام إلهية.

جنكيزخان كان يعتبر المياه كائنات حية لا يجوز تلويثها أو التبول فيها، وصدام حسين يعاقب بالإعدام لمجرد النكتة التي توحي رعيته له بأنها تمس سلطته بكرسيه الواحد الوحيد. وعُدّ فرعون إلهًا يتوجب عبادته لمكانته السامية في البلاد. ومن الدين لبس الفراعنة لبوس الآلهة، بينما بعض ملوك وادي الرافدين عدّوا أنفسهم بشرًا وآلهة في آن واحد، فاختلطت الحقائق بسرديات الأساطير الكثيرة في حقب تاريخية كثيرة. وبالتالي ذهب الجميع وبقيت ثقافة الكرسي تسجّل سِير أشرار آخرين يفوقون أسلافهم بالقوة والابتزاز وإشاعة الرعب والخوف.

يميل فان غوخ إلى تصوير المظاهر الخادعة في لوحته الشهيرة (الكرسي) 


شواهد معاصرة

نتذكر أنه في أثناء احتلال بغداد من قبل المارينز الأميركان عام 2003 وشيوع الفوضى والسرقات التي طالت مؤسسات الدولة، كان أحد المواطنين يحمل كرسي صدام حسين المطعّم بالذهب، والتقط صورًا تذكارية له عندما جلس عليه مثل الرئيس، مستعيرًا الدور الرئاسي بطريقة متهكمة وساخرة. ولا بد أن تلك اللحظة منحته، وهو المواطن البسيط، أهمية ذاتية حينما وجد نفسه جالسًا على مقعد الرئيس وكرسيه المذهّب في سعادة شخصية لا تتكرر في حياته، ولكنه وجد بأنه مجرد كرسي. ذهب الذي كان يجلس عليه يعد أن حكم البلاد والعباد بالقوة المفرطة وبقي الخشب المطلي بالذهب تتناوشه الأقدام والأيدي في سوق البالات.

هذا المواطن لخّص سيرة صدام الطويلة بهذا الكرسي الرئاسي، وأوحى للناس بطريقة بسيطة بأن الموضوع والأحداث والحروب والانتهاكات كلها جلبها الكرسي الذي يجلس عليه الآن، في تبادل موضعي بأن ينتهك السلطة من خلال الرمز- الكرسي، الذي استحال إلى تراث سلبي طويل المدى، اتخذ أشكالًا مهيبة في تحول ليس بطيئًا، إنما رافقته أحداث وحوادث مُهينة عانى الشعب منها طويلًا.

الأمر ذاته تكرر في نيسان/ أبريل عام 2016 عندما اقتحم متظاهرون عراقيون مبنى البرلمان. وكانت الأوضاع مهينة للبرلمان والحكومة والأحزاب الحاكمة، عندما انقلب رمز الكرسي البرلماني إلى مسرحية هزلية شاهدناها بوضوح تام، فذلك الحدث (يرينا الرغبة الدفينة في كسر النمذجة  التي فرضتها السلطة) وهو فرض قسري سياسي له من الأبعاد الكثيرة ما جعل شبابًا ثائرين وهائجين يصلون إلى الكرسي البرلماني برمزيته المعروفة ليهينوا المؤسسة الحزبية والبرلمانية والحكومية برمتها عبر هذا الأنموذج الخشبي. وهكذا يأخذ الرمز أبعادًا تالية في كسر هيمنته الرمزية على الجماهير.

حدث هذا في سرديات أميركا اللاتينية، لا سيما عند ماركيز ويوسا وإيزابيل الليندي، الذين استنطقوا التاريخ المحلي السياسي وثوراته الجماهيرية، وفضحوا رمزية الكرسي من خلال رموزه السياسيين. فسردية ماركيز في "خريف البطريرك" تضج بهذه الثورات والاحتدامات الشعبية في تصديها للديكتاتور الذي يتجاوز الوجود الاجتماعي والديني (من الأطفال إلى الكرسي البابوي في روما) وما صرخته الفظيعة (عاش أنا) إلا صرخة الكرسي الساند لبقائه الاستبدادي طويل المدى. كذلك حاول مسرح العبث؛ عند بيكيت ويونيسكو؛ الوصول إلى ما يمكن الإشارة إلى أنه قصدية تعرية بعض عناصر الحياة التي تبدو في ظاهرها ذات رمزية قيمية، فمسرحية "الكراسي" (1952) ليونيسكو مرموزة بشخصيتين تنتظران ضيفًا، وقد يكون الرمز مثارًا على شكل أسئلة ليس مهمًا أن تكون هناك أجوبة لها، فانشغالات مسرح العبث لا ترتجي انتظار الإجابة الوجودية، فيما يميل الفنان التشكيلي فان غوخ إلى تصوير المظاهر الخادعة في لوحته الشهيرة "الكرسي"، مع أنها لا تحفل بالمعنى السياسي، بل مضت إلى الخيال في تجسيد الواقع الريفي.

الكرسي إذًا سلطة مهيبة ترافقنا على مدار الحياة.


المصادر:

  • سيرة المستبد: من الحواسم إلى المافيات المسلحة، زهير الجزائري - دار سطور- بغداد  2023
  • عصر المغول، جورج لاين، ت: تغريد الغضبان- منشورات كلمة- أبو ظبي - 2011
  • جريدة عُمان- 28 يناير 2023
  • الميادين نت- 4 تشرين الثاني 2018
  • موقع إيلاف- عدنان أبو زيد - 7 أكتوبر 2010
  • مدخل إلى حضارات الشرق القديم، ف. فون زودن- منشورات المدى- سورية- 2003
  • مصر القديمة (تاريخ الفراعنة على ضوء علم الدلالة الحديث)، يان اسمان - منشورات دار الجمل 2005

مقالات اخرى للكاتب

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.