}

"زمن الخيول المخمورة": الحياة اليومية للشعب الكردي الإيراني

عزيز تبسي 29 مايو 2023
استعادات "زمن الخيول المخمورة": الحياة اليومية للشعب الكردي الإيراني
لقطة من فيلم "زمن الخيول المخمورة"

بصوت طفولي، على خلفية سوداء ثابتة، يعرفنا فيلم "زمن الخيول المخمورة" للمخرج الإيراني ـ الكردي بهمان قبادي (أنتج عام 2000) بأسئلة استفسارية تتناسل من بعضها، على آمنة، وعلى إخوتها، مهدي المريض، وأيوب طالب المدرسة الذي يتشارك مع آمنة بتغليف البضائع بالأوراق لحمايتها من الكسر، وتحضير بضائع أخرى لنقلها إلى العراق، بينما تبقى الأخت الكبرى روجين، لتقوم بمقام أمهم، التي توفيت في أثناء ولادتها، لتعتني بأختهم الأصغر كلثوم، بينما يعمل والدهم بالتهريب بين إيران والعراق، إذ يعيشون في قرية سرداب القريبة من الحدود الإيرانية ـ العراقية. حاول المخرج، بهذا المدخل، الإيحاء أن فيلمه تسجيلي، كدليل على حيادية سرد وقائعه، وغلبة قوة الوقائع على وقائع القوة.
ينقلنا بعدها إلى سوق المدينة، حيث حركة حزم البضائع وإعادة ترتيبها وفرزها في صناديق وأكياس. نعلم في أثناء عودة أيوب وآمنة إلى قريتهما على ظهر شاحنة صغيرة، أن بينهم أطفال أكراد من العراق يعملون معهما ويتسللون بعد إنهاء أعمالهم إلى الطرف الآخر من الحدود. ويعلمان من أطفال آخرين أن مجموعة من المهربين لقوا حتفهم برصاص حرس الحدود، تخبرنا آمنة بصوتها الذي يرافق الشريط السينمائي أن والدها كان معهم، وأنها حلمت به في الليلة الماضية.
يفرض مهرب آخر على سائق الشاحنة إما دفع كل طفل 150 تومان أجرة نقلهم إلى قريتهم، أو تحميلهم كيس من الدفاتر يتوزعونه ويخفي كل منهم مجموعة منها تحت ملابسه، كشف حراس الحدود الدفاتر بعد تساقطها من حزام أحدهم، وحين يعثرون على بقية الدفاتر، يصادرون الشاحنة، ويضطر الأولاد للعودة إلى قريتهم سيرًا بين الطرق الجبلية الوعرة التي تكسوها الثلوج. يصادفون قبل وصولهم إلى قريتهم قافلة المهربين تحمل قتلى، وأهالي القرية يخرجون لملاقاتهم ومعهم أختهم روجين، التي أتت لتتفقد أباها. علموا أن الرجل المسجى على البغل هو والدهم... يحضر عمهم في الأيام التالية، ليبلغ أيوب بضرورة ترك المدرسة للاعتناء بأخوته، لأن أسرته كبيرة، ولا يستطيع الاهتمام بهم.
أبلغ الطبيب الذي يشرف على صحة مهدي وتلقيحه، أيوب بحالة أخيه الصحية، وعدم التمكن من الاستمرار بحقنه، فحالته تسوء من يوم لآخر، ويجب خضوعه لعملية جراحية خلال الأسابيع المقبلة، وإلا فمصيره الموت، وأن العملية الجراحية لا يمكن إجراؤها إلا في العراق. يبلغه في النهاية، كأنما يعطيه سرًا أن الجراحة لن تطيل في عمر مهدي إلا بضعة أشهر، لأن مرضه غير قابل للشفاء.
يجد العم لأيوب عملًا عند قافلة مهربين على البغال، ولأنه لا يملك بغلًا، عليه حمل كيس المهربات على ظهره.
يذكرهم حين طلب منهم إعداد القافلة بضرورة إضافة الخمور إلى المياه، لتعين البغال على احتمال البرد. يتعرف أيوب على أجواء المهربين ومشاجراتهم، والخلافات التي تحصل بنهاية عملهم اليومي على من يتوجب عليه دفع أجور الحمولة؛ من أرسلها، أم من سيستلمها. يشتري في استراحة المقهى صورة لرياضي مفتول العضلات هدية لمهدي، لغاية رفع معنوياته وتشجيعه على احتمال أوجاع مرضه، وحين طلب شراءها من نادل المقهى الذي سارع بإحضاره إليه، اكتشف أنه لا يملك ثمنها، فسأله النادل وهو فتى في مثل عمره، إن كان قد تقاضى أجرته، وحين يجيبه أيوب لا، يعلمه بألا يثق بالمهربين، وأن عليه الحصول على أجرته قبل نقل الحمولة، لأن المهربين لا يثبتون بمكان واحد، ولن يجدهم في رحلته التالية.




يوقظ مهدي بعد عودته للبيت، ليعلمه بالهدية التي جلبها اليه وثبتها بمسامير على الجدار. وحينها يجلس مهدي أمام صورة الرياضي الأميركي مفتول العضلات، بمشهد حمل قوة دلالية، تبرز التناقض بين عالمين بينهما فجوة لا تردمها الأمنيات، عالم رجل ممتلئ الجسم بارز العضلات مقابل قزم ضامر العضلات، يعيش حياته كاحتضار.
يعيدنا المخرج إلى صوت آمنة التي تقوم بدور الراوي، الذي يتزامن مع سير قافلة المهربين، أنه بعد شهرين على عمل أيوب، لم يستطع توفير المال لجراحة مهدي، لقد أنفق كل أجرته على أخوته. ينتقل أيوب بعدها للعمل على بغل عمه، الذي كسرت ذراعه بعد عراك مع مهرب آخر، لتعود عائدات عمله عليهما معًا، وكيلا يفقد عمه عمله.
يلتقي أيوب في استراحة اضطرارية بين الصخور الفتى ريبر، وهو فتى في مثل عمره يحمل المهربات على ظهره، فقد والده وبغله بانفجار لغم. ويسأله:
هل عندكم أراضٍ؟ فيجيبه: عندنا أراض كثيرة.
ـ لماذا لا تزرعونها؟
ـ لأنها مزروعة بالألغام.
يصادف أيوب بعد عودته من عمله حضور زائرين إلى بيتهم، وحين يستفسر عن الأمر من أخته روجين تبلغه أنها لا تعرف سبب وجودهم، وأن عليه الاستفسار من عمه الذي يجالسهم، الذي يبلغه أنهم أتوا من العراق لطلب الزواج من روجين. وقد قطعوا وعدًا بحمل مهدي معهم لإجراء الجراحة له.
يتلقى صفعة من عمه حين اعترض على فعله متجاهلًا كونه أخاها الأكبر. وتمضي الأمور إلى يوم انتقال روجين إلى زوجها في الإقليم العراقي من كردستان.
نرى قافلة العروس كأنما قافلة تهريب جديدة، تتصاعد الأصوات بعد انتقالها إلى الجهة الأخرى، ويبرز منها صوت أم العريس التي تعترض على وجود مهدي، تخرجه بقوة من الجيب الذي أنزل فيه، وتحمله لتعيده إلى عمه وأخيه. يعترض العم على إعادته، لكونه بمثابة مهر لروجين، لكن هذا لا يقنع أم العريس، مصرحة أنه عندها أولاد كثر، ولا تحتاج ابنًا آخر.
تسوى المشكلة بإعادة مهدي مع بغل، كبدل عن مهر روجين.
يرضى أيوب بحمولة مجانية ليسمح له المهرب بمرافقة قافلته إلى العراق، لبيع البغل هناك، حيث أسعار البغال أعلى، ويجري العملية لأخيه مهدي.
يواجههم في أثناء رحلتهم كمين، وتعجز البغال عن السير لأنهم سقوها كمية مضاعفة من الخمور، وعلق رجال القافلة بين رصاص كمين حرس الحدود وبين خيولهم المخمورة. يصل أيوب ومهدي إلى الحدود، بعد تجاوزهما الصعاب، ويعبران الأسلاك الشائكة على أصوات عواء الذئاب، وكأنها أول من يرحب بهم ويترصدهم كوليمة.
مشهدًا بعد مشهد فكك المخرج بهمان قبادي الميتافيزيقية السلطوية الإيرانية المتدثرة بأزياء ازدهار ما بعد الثورة.
نحَّى الواقع الافتراضي بوصفه غنائية، أو نثرية ثورية، وأظهره تسجيليًا ككابوس ذل وخوف دائم على مصير بلا أمل، ورصد الكفاح الملحمي للشعب الكردي ـ الإيراني، مشتبكًا بحميمية مع حياته اليومية، محاولًا الخروج ـ التحرر من الشرط الذي وضعهم أمام صراع يومي، وشرط إنساني، حوله الاستبداد والتخلف والقهر إلى قدر تاريخي.
أضفت موسيقى حسين علي زاده، والغناء الشعبي الكردي، على الفيلم عمقًا تعبيريًا، دفع الصورة بسرد متقن إلى عناق مصيري بين الانفعالية العاطفية والواقعية.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.