}

في مديح القيلولة

بوعلام رمضاني 22 أغسطس 2023
استعادات في مديح القيلولة
"رجل نائم" للتشكيلي البريطاني جيمس كوتس

لا شك في أن الملايين من المصطافين وغير المصطافين في هذه اللحظة، وغيرهم من الذين يمارسون القيلولة في كل الفصول، يجدون أنفسهم في مضمون كتاب "مديح القيلولة: استعادة الاسترخاء والحيوية بفضل القيلولة" والذي اشتريته مؤخرًا من كشك الصحف والمجلات والكتب في مطار الجزائر الدولي.

القيلولة التي تقارب إسلاميًا كسنة نبوية، ليست كذلك إطلاقًا في هذا الكتاب، رغم تأكيده على الفوائد الصحية الجمة التي تنتج عنها على الصعيدين البدني والنفسي على السواء. ومؤلفه برونو كومبي لم يعلن عن ديانته، ولم يربط بين القيلولة وبين أديان معينة في الكتاب الصادر في سلسلة "قرأت" الصحية عام 1992، والذي أعيد طبعه عامي 2004 و2016، وراح يتحف القارئ بعشرات النظريات العلمية والتجارب الشخصية لقادة كبار حوّلوا القيلولة إلى طقس صحي أقرب إلى مفهوم التعاليم الدينية التي لا يمكن الاستغناء عنها في حياتهم اليومية وفي كل الفصول وفي أيام السلم والحرب على السواء. من بين هؤلاء الزعيم الإنكليزي ونستون تشرشل، ونابليون، والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك الذي كتب مقدمة الكتاب بالاشتراك مع البروفيسور ميشال بيار، الأستاذ بكلية الطب في مدينة مونبلييه.

برونو كومبي أستاذ محاضر في مجال الحيوية، ومدير علمي لمعهد يحمل اسم (إي بي سي)، وباحث في مجال الصحة الوقائية ومكافحة الإرهاق النفسي، وهو كاتب صاحب شهرة دولية.

القيلولة سعادة...

في بداية كتابه عرف المؤلف كيف يأسر القارئ في السطور الأولى بشهادات وتشجيعات علماء، وذلك بتمهيد جماعي يفتح شهية قراءة كتاب يجمع بين الجدية العلمية والصرامة المنهجية والطرافة في الوقت نفسه. فتح شهية القراء بكلمة الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك الذي كتب يقول: "إن الراحة مسألة جادّة تحدد نوعية الحياة التي نعيشها. عدة أديان قدست النوم، الأمر الذي جعل شارل بيغيه يكتب: النوم صديق الله والإنسان. القدامى عرفوا أن مفتاح الأحلام والتوازن والسعادة هو القيلولة، وكشاهد لا تفوته القيلولة، أؤكد أنها تضمن طاقة فكرية للعمل ليلًا. والكاتب أندريه جيد الذي يمارسها لمدة ساعتين وأكثر يوميًا، هو الآخر أكد صحة ما أقوله. خلافًا لما شاع، وكما فعل المؤلف كومبي علميًا في كتابه، القيلولة لا تؤثر على النوم حتمًا ليلًا، وهو يوصي الإنسان بضبط نسب النوم للاستجابة للإيقاعات الطبيعية للجسم حتى يستطيع الاكتفاء بساعات قليلة من النوم ليلًا. ربع ساعة قيلولة كافية لتجاوز تعب كبير، وكتاب كومبي لا يمدحها من أجل المدح، وهو دليل كل المتسرعين الذين يريدون التحرر من إيقاع الحياة العصرية السخية بالأمراض، ومن أجل ضمان أفق توازن واسترخاء حقيقيين".

البروفيسور ميشال بيار أكد من جهته أن "نوم القيلولة يجب أن يكون نوعيًا مثله مثل نوم الليل، والنوم لمدة طويلة ليس شرطًا حتمًا... كتاب كومبي عميق وجذاب وغني بالمصادر الأكيدة علميًا، وهو بذلك مقنع ونوعي بشكل مبهر".

جان كلود بوريه، النجم السابق للتلفزيون الفرنسي، شارك بدوره في مدح كتاب كومبي بقوله: "القيلولة بداية الحكمة، وهي تؤكد أن الوقت تسيير لإيقاع حياتنا البيولوجية قبل كل شيء، واستغلاله بفضلها دلالة توازن يضمن متعة كبيرة".

أمّا دانيال أملين، رجل الأعمال والمدير العام السابق لشركة "فيليبس" الشهيرة، فكتب يقول: "القيلولة المتاحة في كل الظروف كقطيعة إرادية ضرورة لكل رجال الأعمال، وباعتباري شخصًا لا ينام كثيرًا ليلًا، يمكنني التأكيد أنها تسمح باستعادة الطاقة والحيوية بشكل مدهش تمامًا كما نصحني رجل أعمال أميركي التقيته في أثناء أحد أسفاري العديدة. إنها بديلة لاستهلاك الحبوب المنومة والمهدئة، وتخدم ميزانية مصالح الضمان الاجتماعي على الصعيد الصحي وكل وزراء الصحة".

الكاتب جان جيرو كتب يقول: "كتاب كومبي يؤكد أن القيلولة جزء من الكون والحياة، وخلافًا لما يعتقد، فهي ليست مضيعة للوقت أو ممارسة دون فائدة. إنها نافعة، باعتبارها علامة انسجام وبرمجة لأفق إنتاجي".

بيار بونيه، رئيس فيدرالية نقابات رجال الأعمال في سويسرا، كتب تحت عنوان "تحيا القيلولة": "عدة بحوث علمية تمت في أميركا وألمانيا وإسرائيل تؤكد أن القيلولة مبرمجة بيولوجيا للنوم قليلًا في الظهيرة. بحوث تمت في بلدان تحرص على الفعالية والإنتاجية. القيلولة ليست فقط عادة أجداد سكان البلدان الحارة والإستوائية".

كتاب "مديح القيلولة: استعادة الاسترخاء والحيوية بفضل القيلولة" كما صدر بالفرنسية


لماذا الكتاب فريد من نوعه

في مقدمة بعنوان "مقدمة عن القيلولة"، عرف المؤلف برونو كومبي كيف يبرر أهمية كتابه الفريد من نوعه. جاءت فكرة تأليف كتاب عنها في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 حينما كان في جزر المارتينيك غارقًا في قيلولة تحت المظلة الشمسية قبالة بحر ساحر، وبعد أن استيقظ بطاقة مذهلة وفي لياقة بدنية ونفسية غير مسبوقة. تحت مقولة "القيلولة وردة يجب أن تقطف بسرعة باعتبارها أحد أهم أسباب السعادة على حد تعبير بيار دو رونسار" وتحت عنوان "العيش في جنة"، كتب صاحب الكتاب المثير والممتع شكلًا ومضمونًا يقول: "في مجتمعات أصبح الإرهاق فيها سيد الموقف، والعنف حاضرًا بقوة، والمنافسة محدّدة للعلاقات الإنسانية، القيلولة أضحت وسيلة بسيطة وفعالة لاستعادة الراحة النفسية والبدنية، وضمان إنتاجية مهنية قصوى في الوقت نفسه. القيلولة ليست خرافة، وهي أداة عملية لدخول جنة ساحرة نحلم بها جميعًا". كتابه فريد من نوعه، لأنه الوحيد المخصص كاملًا للقيلولة خلافًا لكتب سابقة تناولت فوائد النوم الجيد. وكتاب كومبي موجه للذين يحبون الجوانب الجيدة للأشياء، وموجه تحديدًا للطفل المتواجد فينا كلنا باعتباره الجزء العفوي الأكثر إبداعية وعمقًا في شخصيتنا.

تحت عنوان "الصحة والسعادة شيء سهل"، يقول الكاتب: "ليس بتناول الأدوية نضمن صحتنا، بل بمعرفة جسدنا وحاجاته وإيقاعاته، والقيلولة مفتاح هذه المعرفة الإبتدائية التي يطبقها الحيوانات حدسيًا". القيلولة سهلة للفهم وللتطبيق بشريًا وللتعليم. القيلولة المنحدرة من الكلمة اللاتينية "سيكيستا"، تعني الساعة السادسة لليوم، وساعة منتصف النهار عند الرومان، هي الراحة بالنوم أو دونه، وهي ساعة ما بعد غذاء منتصف النهار. النوم ليس ضررويًا في أثناء القيلولة، والاستلقاء أو الاسترخاء بشكل ما يعدّ قيلولة، لأنها تعبر عن الإيقاعات البيولوجية الأساسية، وكانت حاضرة في حياة الأجداد لدورها في القضاء على الضغط، وضمان الحيوية، والصحة، والمزاج الودي. ولقد أهملنا القيلولة التي كانت من قيم الأسلاف، وكما قال هوراس: "الكثير من الأشياء ستنبعث مجددًا رغم أنه تم نسيانها كاحترام الإنسان والطبيعة والقيم البسيطة التي كانت سائدة في الماضي".

في سبعة فصول جاءت ضمن منظور منهجي دقيق ومدروس، عالج برونو كومبي تباعًا بالتفصيل الإيقاعات البيولوجية، والكيفيات العديدة لممارسة القيلولة، والقيلولة كمصدر صحي عام، والقيلولة كمصدر إبداعي، والقيلولة كمصدر للفعالية، والقيلولة كمصدر روحاني، وطريقة التحول إلى بطل في القيلولة (الفصل الأول). وفيه راح يربط بيولوجيا بين إيقاعات الحياة بوجه عام وإيقاعات النوم في علاقاتها بتفسير أهمية ممارسة القيلولة مرة واحدة في اليوم، وتحدث عن الإيقاعات الكهربائية للمخ في أثناء القيلولة اعتمادًا على تجارب مخبرية، وعن محترفيها، وعن ممارستها عند الحيوانات وعند مختلف الشعوب. القيلولة هي مفتاح سعادة كاملة في تقديره، وعلاج صحي، وطريق للإنسجام، والنوم كحاجة وجودية ليس أمرًا اعتباطيًا. يمكن في تقدير المؤلف للإنسان أن يتعلم ممارسة القيلولة وتحسينها في كل الأحوال الاجتماعية، وهناك وضعيات متاحة لكبار وصغار القوم في كل الأماكن بكيفيات ونوعيات عديدة، ومن بينها القيلولة الملكية والقيلولة الاسترخائية والقيلولة الجزئية، وحتى يقدم شرحه بأسلوب بسيط ومفهوم، عززّ شرحه لما سبق بثمانية تمارين تسمح بممارسة القيلولة على وجه كامل يسمح بتجاوز ضغوطات العمل، ومختلف أنواع التعب البدني والنفسي (الفصل الثاني)، وأنهى جولته بنتائج وصفة علاجية تقوم على ممارسة القيلولة لثمانية أيام. العلاقة بين الإرهاق البدني والنفسي والصحة السيئة في عصر مرادف للتقدم والإنتاجية، وجهل الإنسان أو إهماله حاجته لنوم أغلى من كل ذهب العالم، والأقراص المنومة كحل غير نافع لمشاكل النوم، وكيفية قهره بفضل القيلولة، كلها حقائق علمية دامغة إضافية (الفصل الثالث) عززت بما لا يدع مجالًا للشك قوة مقاربة فكرية واجتماعية وسيكولوجية وأخلاقية وروحية. في الفصل الثالث نفسه، تحدّث كومبي عن أن القيلولة تضمن حلًا للأرق، وليس العكس كما يشاع، ما دامت ليست نوعًا واحدًا يفرض نومًا عميقًا وطويلًا حتمًا في النهار. القيلولة تدفع إلى ممارسة الحب بكافة أنواعه؛ الأمر الذي يتحول إلى مصدر إبداع (الفصل الرابع)، وذلك بتحريرها العبقرية الداخلية للإنسان والعقل الباطن باعتباره قاعدة كل نشاط إبداعي وتطوير شخصي على حد تعبيره. كما أن الإنسان يصبح قادرًا على التفكير في حلّ المشكلات الصعبة براحة نفسية ودون ضغط في أثناء القيلولة. في هذا الفصل الأكثر متعة من الفصول السابقة، والحافل بعلمية مصاغة بأسلوب في متناول كل القراء، عمقّ المؤلف قوة مقاربته بتقديمه جملة من تجارب أشهر الممارسين للقيلولة، من أمثال نيوتن الذي كان يقوم بها تحت شجرة زودته بنظريته الشهيرة، ونابليون وإديسون وفيكتور هوغو وبنيامين فرانكلين، وهؤلاء الذين كانوا ينامون أقل من خمس ساعات في الليل، غرفوا من منهل القيلولة، وعرفوا معنى السعادة في أسمى تجلياتها من خلالها، إضافة إلى الرئيس جاك شيراك الذي كتب مقدمة كتاب برونو كومبي كما مرّ معنا. القيلولة كمصدر للفعالية وللروحانية، وكيفية التحول إلى بطل في ممارستها (الفصول الخامس والسادس والسابع)، حقائق علمية دافع عنها المؤلف بأظافره وتحدّث عن فوائد القيلولة وعن تأثيرها الإيجابي على الصلاة والحالات الروحية المختلفة الأخرى في جوّ من الصمت والهدوء. وفي الخاتمة، أكد المؤلف أن القيلولة ليست مضيعة للوقت كما يدّعي البعض، وكل الناس بإمكانهم التحول إلى أبطال في ممارسة القيلولة، ولكن اليوم لا تتجاوز نسبة أبطالها 1 في المائة.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.