}

آمنة محمود: رائدة التعليم في قطر

سعيد نجدي 11 سبتمبر 2024
استعادات آمنة محمود: رائدة التعليم في قطر
افتتحت آمنة محمود الجيدة كُتّابًا لتعليم القراءة والقرآن الكريم

كانت البدايات الأولى الحقيقية للمرأة في التعليم عام 1938م، عندما افتتحت السيدة آمنة محمود الجيدة كُتّابًا لتعليم القراءة والقرآن الكريم، وقد سبقتها موزة صليبيخ في إنشاء أول كُتّاب، إلا أن كُتّاب السيدة آمنة كان ذا أبعاد لها علاقة باستشراف للمستقبل، أشبه بثورة معرفية من خلال الدور الجبّار الذي قامت به؛ من هنا تعتبر آمنة محمود أول رائدة مدشّنة لحصون جديدة في قطاع التعليم في قطر ونهضة المرأة.

بلغ عدد الكتاتيب في الدوحة آنذاك، سنة 1938م، اثني عشر كُتّابًا شاملًا للأولاد والبنات، بالإضافة إلى بعض الكتاتيب في القرى، والتي كانت الغاية منها تعلّم القراءة بدون الكتابة في البداية، لأن المطاوعة، أي الذين يعلّمون، كن أنفسهن يفتقرن إلى الكتابة في أغلب الأحيان، وكانت أهم الكتاتيب الخاصة بتعليم البنات في قطر هي:

كُتّاب موزة صليبيخ، كُتّاب آمنة محمود الجيدة، كُتّاب سكينة وآمنة المطاوعة، كُتّاب البحارنة، كُتّاب آمنة جاسم المسعود، وكُتّاب هيا الزمامي .

أما بالنسبة للتعليم المهني، فقد بدأت قطر بإرساء قواعده في بداية العقد الخامس من القرن العشرين، وتحديدًا في عام 1954-1955م، حيث إن دائرة المعارف جعلت التعليم متساويًا للصبيان والبنات وبشكل مجاني، وسرعان ما ظهرت نتائج ذلك بعدما كان وضع المرأة كغيره في دول المنطقة يقتصر على تعليم القرآن وإعداد النساء للزواج، حيث بلغ عدد البنات المتعلمات عام 1957م، 122 فتاة.

في العام الدراسي 1957-1958م، أصبح عدد المدارس 11 مدرسة ابتدائية، اثنتان منها للبنات فقط، لكن هذه الحال تغيّرت مع التقدّم بالسنوات اللاحقة. ففي العام الدراسي 1959-1960م، أصبح عدد المدارس 31 مدرسة، 11 منها للفتيات، وكلما تقدّم الوقت كلما بدأ الأهالي بالاقتناع من جدوى تعليم بناتهم؛ أي أن العقلية بدأت تختلف إلى ناحية دور المرأة كصانعة للمجتمع بمعنى أنها إذا كانت متعلمة ومثقفة فسوف تنتج مجتمعًا بعقلية واعية ومنتجة.

افتتحت أول مدرسة ثانوية للبنات في قطر، وألحقت بها دار المعلمات، في العام الدراسي 1969-1970م، واستمرت أعداد المدارس في الازدياد حتى عام الاستقلال في مطلع العام الدراسي 1970-1971م.

ازداد نمو تعليم البنات، ما جعل عدد الموظفات في هذا القطاع في سوق العمل يزداد ما بين المدة الممتدة ما بين عامي 1983 و 1990م، حتى وصل عددهن إلى 5092 موظفة في كافة المجالات. وهذا العدد يبرز الطموح الكبير للمرأة القطرية في غضون فترة قصيرة، وكانت النسبة الأعلى للموظفات موجودة في قطاع التعليم أي في وزارة التربية والتعليم العالي القطرية، إذ بلغ عددهن 2084 موظفة في سنة 1983 م بنسبة بلغت 91% من إجمالي عدد النساء العاملات في البلاد، ليرتفع العدد إلى 92% عام 1985م، ثم إلى 93% عام 1986م، وعددهن 2934 امرأة في كافة مفاصل وزارة التربية والتعليم العالي. ثم وصل إلى 4688 امرأة في عام 1990م، أي بنسبة بلغت 39%، من القوى العاملة في البلاد. هذه المؤشرات لعمل المرأة تدلّل على أن المرأة انخرطت بقوة في مجال التعليم، وقامت بتحطيم الجهل والقيود والأنماط التي كانت تعيق وصولها إلى المعرفة والعلم، بوصفها إنسانًا منتجًا فاعلًا في المجتمع.

أصدر محمد بن عبد العزيز المانع فتوى دينية متوجهة إلى حاكم قطر الشيخ علي عبدالله آل ثاني يؤيد فيها بشدة قضية تعليم البنات المسلمات


وقع الاختيار، سنة 1954م، على كُتّاب المطوعة آمنة المحمود ليكون نواة لمدرسة شبه رسمية للبنات، ولذلك تحول كُتّابها الذي كان في منزلها سنة 1955م، إلى مدرسة نظامية عرفت فيما بعد باسم "مدرسة بنات الدوحة"، ثم عملت الحكومة على توسيعها وتطويرها سنة 1956م، وكان هذا إيذانًا ببداية التعليم الحديث للبنات.

ورغم أن تعليم البنات في بلدان الخليج قد بدأ في وقت لاحق لتعليم البنين، إلا أن فكرة إنشاء مدارس تعليم البنات لقيت في البداية معارضة شديدة في قطر ولم تقبلها الكثير من العائلات، مما اضطر آمنة المحمود إلى الذهاب إلى بيوت الناس لإقناعهم بضرورة إرسال بناتهم للمدرسة، وهذا كان يعتبر عملًا مهمًا، لأن فعل آمنة هو فعل ثورة يحرّض على التعليم والتفكير ويدشّن لشيء مهم للمستقبل كفعل للنهضة، لهذا تعتبر آمنة من أهم أسباب نهضة العلم للفتيات في قطر .

إلى جانب آمنة والجهود الجبّارة التي قامت بها، كذلك لعب محمد بن عبد العزيز المانع دورًا كبيرًا، وأظهر حكمة وشجاعة ملفتة، كونه مؤسّس المدرسة الأثرية في قطر عام 1913م، وذلك من خلال إصدار فتوى دينية متوجهة إلى حاكم قطر، الشيخ علي عبدالله آل ثاني، يؤيد فيها بشدة قضية تعليم البنات المسلمات موضحًا أن تعليم البنات لا يتناقض مع تعاليم القرآن الكريم، لتكون هذه الفتوى هي التي مهّدت الطريق نحو تعليم الفتيات، وهنا يبرز عالم الدين ذو الرؤية التنويرية للمجتمع، والذي بعقله ينقل الدين من أفق مظلم إلى أفق تنويري، أي من فهم مغلق متزمّت، إلى فهم منفتح، قائم على التنوع والتقدم والقبول والتفتح على مجريات العصر.

وكمؤشّر على التقدّم الملحوظ والأدوار التي ساهمت فيها آمنة المحمود، ودور الفتوى التي أصدرها محمد بن عبد العزيز المانع، ودور الحكومة القطرية، نرى أن النسب زادت لأعداد الإناث إلى عدد الذكور في المدارس الإبتدائية في قطر من 8.4%، إلى 32%، ثم إلى 48%، في أعوام 1956-1957م، 1964-1965م، 1972-1973م على التوالي، إلى أن وصلنا إلى يومنا هذا وما تحمله قطر من مؤشرات على تقدّم المرأة في كافة المستويات، والمراكز التي تحتلها في ميادين المجتمع، والتي تحققت من خلال مفتاح التعليم والجهود التي بذلها الرواد السابقة ذكرهم.

واليوم بالرغم من هذا المستوى المتقدّم في التعليم، إلا أننا نتساءل عن الأدوار التي تلعبها المرأة في المجتمع القطري على المستوى المؤسساتي والبيروقراطي والسياسي، خصوصًا أنه موضوع ما يزال يُطرح حتى في الغرب، أي أن التعليم ليس هو المهم فقط بالنسبة للمرأة، إنما الأهم هو الأدوار القيادية المتاحة لها مقارنة بما يُتاح للرجال.

إن هذا الموضوع شائك نظرًا إلى أنه مرتبط بموضوع الجنوسة وعلاقتها بالتعليم، وهو بُعد عالمي ملاحظ. فرغم الارتفاع النسبي الذي حقّقته الإناث في مجال التعليم والالتحاق بالمدارس والجامعات الغربية وفي بعض المجتمعات "النامية"، فإن المنظمات النسوية ما زالت تشير إلى التفاوت الواضح بين النساء والرجال على الصعيد التربوي، وفي المؤسسات التعليمية بصورة خاصة، ويصدق ذلك، بصورة خاصة، على مؤسسات التعليم العالي والجامعات أيضًا، إذ أن الرجال كما يشير عالم الاجتماع أنتوني غيدنز Anthony Giddens، ما زالوا يستحوذون على هيئات التدريس الأكاديمية في جميع المجتمعات، وتشير دراسة له إلى أن هناك 120 أستاذة جامعية/ بروفيسورة في جميع الجامعات والكليات البريطانية، ما يمثّل 40% من مجموع العاملين في قطاع التدريس الجامعي على هذا المستوى. كما أن هناك دراسة حديثة أجريت من خلال صحيفة "الغارديان" نقلًا عن غيدنز، تشير إلى أن النساء في المناصب الأكاديمية على مختلف درجاتها يتقاضين دخلًا أقل من نظرائهن الرجال بما يتراوح بين 2000 و4000 باوند سنويًا، بينما في لبنان الأجر متساوٍ. وهذه الدراسات مهمة لأنها تعطينا أدوات في الكشف عن البنية الثقافية كما أشار عالم الاجتماع بول ويليس Paul Willis، وكذلك بيرنستين Bernstein الذي كشف من خلال النظام الخبيء لمناهج التعليم المدرسي النظامي كيف أنها تعمل على عملية أكبر وهي إعادة إنتاج الثقافة، وهذا ما يمكن أن تكشفه لنا الكتب المدرسية إن كانت ما تزال تعزّز وتكرّس النزعة المغيّبة للمرأة ودورها وعدم المساواة والتفاوت من خلال ليس الصور وحسب إنما أيضًا من خلال الرموز اللغوية، وغير ذلك.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.