تقول مورين فيرلي، الكاتبة والمترجمة وعضو لجنة تحكيم الجائزة: "بشكل إجمالي، مثلت العناوين الواردة في القائمة تسع لغات مختلفة من 12 دولة عبر ثلاث قارات. وعلى الناشرين الكبار بذل مزيد من الجهود، بعد أن أصبحت دور النشر المستقلة بمثابة المكتشف الحقيقي للمواهب الثقافية".
ما يمكن أن يفعله الأدب
ربما يكون الخروج بالأدب من نطاقه المحلي إلى نطاق عالمي هو المطمح الأكثر إلحاحا بالنسبة للكتاب في الذيوع والانتشار. لكن الحوار الدائر بين الثقافات عبر الترجمة وتداعيات هذا الحوار على كل من المترجم منه والمترجم إليه، هو ما يتوخاه الأدب بالفعل حتى لا يقع في فخ المحلية، فلا يعود بعدها كلٌ في موضعه على أي حال. وهو ما تؤكده فيرلي في صحيفة الغارديان بقولها: "يمكن أن يصبح أدب الدول الناطقة بالإنكليزية على اتساعها ذا مظهر داخلي. فما الذي يدفع أدبا ما لمواصلة التلاقح والفوران والتنافس والتحدي والإلهام، إن الأمر لا يتعلق فقط بأصوات من عالم آخر، على الرغم من أن الكثير من هذه الكتب كشفت بالتأكيد أجزاء من العالم لم أكن أفكر فيها بشكل صحيح. إنه يتعلق كذلك بمستوى الجملة؛ طرائق تفكيرها التي أظنها أكثر إثارة للاهتمام من طرائق تفكيري الخاصة، أو التي تجعل من طريقة تفكيري الخاصة أكثر مرونة".
ورد أيضا في كلام رئيسة التحكيم، المؤلفة بيتاني هيوز، إن الكتب الثلاثة عشر "تمثل عامًا
استلب فيه الكتاب السجلات، الشخصية والسياسية" للوصول إلى قائمة طويلة "تثري فكرتنا حول ما يمكن أن يفعله الأدب".
ففي الكوميديا السوداء "الحب في الألفية الجديدة" للكاتبة الصينية كان شوا، ترجمة أنيليس فاينجان واسموين، تعيش مجموعة من النساء في عالم من المراقبة المستمرة، فيه المخبرون كامنون حتى في أحواض الزهور وبسرعة البرق تُطيّر التقارير الخاطئة.
وتمثل الرواية العمل الأكثر طموحًا لكاتبة من أهم الكتاب على الساحة الصينية اليوم، بعد أن صدرت لها العديد من الروايات والروايات القصيرة والمجموعات القصصية، تُرجم معظمها إلى الإنكليزية، منها "حوارات في الجنة"، 1989؛ "الحذاء المطرز"، 1997؛ "ضوء أزرق في السماء"، 2016. وهي الحائزة على جائزة أفضل كتاب مترجم لعام 2015، عن روايتها "المحب الأخير". وفي "الحب في الألفية الجديدة" تحدثنا شوا عن مجتمع تسوده المؤامرات وقد طبعته بجنون العظمة والارتياب. وعن محاولة البعض الفرار، سواء إلى المواخير أو إلى بيوت الأسلاف، حيث الوصول إليها غير ممكن إلا من تحت الأرض عبر الكهوف الموحلة والمجاري والأنفاق، بينما يلوذ الآخرون بمقاطعة نست للتداوي بالأطباء العشبية الصينية الموروثة لإعادة تشكيل الذات، وكل حياة محاطة بالأسرار الدفينة والأوهام التي تتجاوز الحد.
ولا يختلف الأمر كثيرا مع رواية "انطلق بجرافتك عبر عظام الموتى" للبولندية أولغا توكشوك، الكاتبة التي سبق أن نالت روايتها "رحلات الطيران" الجائزة نفسها عام 2018، والشخصية ذات المكانة والجدل الواسع في بلدها بولندا. وروايتها الجديدة يستحيل تقريبا تصنيفها، فهي عبارة عن لغز جريمة قتل: في منتصف شتاء بولندي بارد، يُقتل الرجال في قرية نائية في جنوب غربي بولندا، وتُترك لجانينا دوسيجكو، وهي امرأة غريبة الأطوار في الستينات من عمرها، مهمة التعرف على القاتل. وتطرح فيها أفكارًا مثيرة حول تصورات الجنون والظلم الاجتماعي ضد الأشخاص المهمشين وحقوق الحيوان ورياء الموروث الديني والإيمان بالأقدار. ونشرت توكشوك أول أعمالها في عام 1989، وكان ديوان شعر بعنوان "مدن في المرايا"، وروايتها الأولى كانت "رحلة في كتاب الناس"، 1993، ومن أعمالها أيضا "خزانة الملابس" و"رحلات الطيران".
مان بوكر حول العالم
تمتد القائمة الطويلة إلى جميع أنحاء العالم: من كوريا الجنوبية (رواية هوانغ سوك يونغ "في الغسق"، التي أشاد المحكمون بأنها "مرسومة بدقة، مليئة بشخوص قوية ومخططة بحذق ومهارة"، وفيها يواصل هوانغ، أحد الكتاب الكوريين الأكثر شهرةً وتقديرا، مشروعه لتقييم ماضي كوريا)، إلى الكولومبي خوان غابرييل فاسكويز في "شكل الأطلال"، والأرجنتينية سامانتا شويبلين في "لقمة الطير"، وفرنسا: "أربعة جنود" لهوبرت مينجاريلي، و"الأعوام" لآني أرنو، الكاتبة التي تتأرجح نصوصها بين القصة والرواية وكذلك بين العائلة والمحيط الخارجي وتتخذ طابع السيرة الذاتية. ونشرت أرنو روايتها الأولى "الأدراج الفارغة" عام 1974، ثم توالت رواياتها ومنها "العودة إلى إيفتوت"، "المكان"، "لم أخرج من ليلتي"، "المرأة المتجمدة". وهناك "جزر الصنوبر" للألمانية ماريون بوشمان، و"قوة الأحلام" للسويدية سارة ستراسبيرج، و"وفاة مراد إدريسي" للهولندي تومي ويرينغا، و"البقية" للكاتبة الإيطالية من أصول تشيلية عليا ترابوكو زيران.
كاتبان عربيان
حدث في العام السابق أن استطاعت الترجمة التي أنجزها جوناثان رايت لرواية العراقي أحمد سعداوي "فرانكشتاين في بغداد"، المنافسة على الجائزة ووصلت إلى قائمتها القصيرة، الأمر الذي تكرر هذا العام في القائمة باسمين عربيين: العُمانية جوخة الحارثي والفلسطيني مازن معروف، من ترجمة جونثان رايت أيضا. وكلاهما من مواليد 1978. وتشغل الحارثي منصب أستاذة الأدب العربي في كلية الآداب بجامعة السلطان قابوس بعد أن حصلت على درجة الدكتوراه في الأدب العربي من جامعة إدنبره باسكتلندا. تُرجمت بعض قصصها إلى الإنكليزية، والألمانية، والصربية، والإيطالية، والكورية، وصدرت أول أعمالها الروائية "منامات" عام 2004، كما حصلت على جائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب عن روايتها
"نارينجا"- "البرتقال المر"- عام 2016. ورُشحت روايتها "سيدة القمر" لجائزة زايد عام 2011، وهي الرواية التي أدرجت في قائمة البوكر هذا العام بعنوان "الأجرام السماوية" ترجمة مارلين بوث.
أما معروف فهو كاتب وشاعر ومترجم وصحافي من مواليد بيروت، له 3 مجموعات شعرية ومجموعتان قصيرتان وحائز على ماجستير في الكيمياء من الجامعة اللبنانية - كلية العلوم. تدور أحداث مجموعته القصصية "نكات للمسلحين" في منطقة حرب. وتروى من منظور طفل. سبق أن فازت بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية في الكويت، حيث تكفلت الجامعة الأميركية في الكويت بترجمتها إلى الإنكليزية، وتكفل معهد العالم العربي في باريس بترجمتها إلى الفرنسية.
ارتفاع مبيعات الأدب المترجم
تألفت لجنة التحكيم من خمس شخصيات برئاسة المؤرخة البريطانية بيتاني هيوز وعضوية الصحافية والمترجمة الأميركية مورين فيرلي، وأستاذة الفلسفة البريطانية أنجي هوبز، والروائي النيجيري إلناثان جون، والكاتب الهندي بانكاج ميشر.
وبعد قراءة أكثر من 100 كتاب للتوصل إلى القائمة الطويلة، أكدت فيرلي أن المؤلفين من جميع أنحاء العالم حاولوا، بطرق مختلفة، معالجة مشكلات الهجرة والكوارث البيئية. وأضافت: "لقد انتبهنا لصوت قرع مخيف بدلا من عالم طبيعي، بدا وكأنه على استعداد للحرب مرة أخرى، في هذه اللحظة الكارثية البيئية". "كما رأينا الجانب المظلم للهجرة، وفي كثير من الأحيان رأينا الأجيال الشابة تتصارع مع الموروثات السياسية لآبائها، غير قادرة على التخلص منها".
وللجائزة دور كبير في ارتفاع مبيعات الكتب الفائزة، ففي العام الماضي بعد أسبوع واحد من إعلان القائمة الطويلة ارتفعت المبيعات بنسبة هائلة، أدت إلى إعادة الطبع عشر مرات من قبل دور النشر، بسبب طلب المستهلكين. وهو ما تلفت هيوز الانتباه إليه قائلة: "ربما نرى هذا التغيير الآن، لأنه بفضل هذه الجائزة على وجه الخصوص، ترتفع مبيعات الأدب المترجم". ففي العام الماضي شهدت الرواية الفائزة "رحلات الطيران" عن دار نشر "فيتزكارالدو إديشنز"، ارتفاعًا في المبيعات بنسبة 692% في الشهر الذي أعقب الإعلان. وهي الآن في طبعتها العاشرة. وصرح نيلسن مراقب مبيعات الكتب أن مبيعات الأدب المترجم وصلت إلى أعلى مستوياتها منذ أن بدأ في تتبعها عام 2001.
وسوف تُعلن القائمة القصيرة المؤلفة من ستة كتب يوم التاسع من نيسان/أبريل القادم، ويُعلن اسم الفائز النهائي يوم 21 أيار/مايو. واعتبارًا من حزيران/يونيو ستُعرف الجائزة باسم "جائزة البوكر العالمية"، بمجرد انتهاء رعاية مان جروب، وتتولى المؤسسة الخيرية كرانكستارت Crankstart دور الراعي الرسمي للجائزة.