}

نحو مهرجان "ميزوبوتاميا" الثقافي في لاهاي.. منصة لأدب المنفى

بوعلام رمضاني 15 أكتوبر 2020
تغطيات نحو مهرجان "ميزوبوتاميا" الثقافي في لاهاي.. منصة لأدب المنفى
ملصق الدورة الرابعة لمهرجان "ميزوبوتاميا" الثقافي

تحتضن مدينة لاهاي في هولندا بين السادس عشر والثامن عشر من تشرين الأول/ أكتوبر الحالي الدورة الرابعة لمهرجان "ميزوبوتاميا" الثقافي الذي يشمل أيضًا فقرة معرض الكتاب. 
حول المهرجان تحدثنا هاتفيا مع الشاعر والصحافي والمترجم الهولندي العراقي الأصل محمد الأمين، الذي يتولى الإشراف عليه.
وتطرّق الحديث إلى تاريخ وسياق ولادة المهرجان، وكيفية تطوره من دورة لأخرى، وتأثيره عربيا وهولنديا.


(*) كيف تقدم نفسك شخصيا ومهنيا؟
ـ أنا عراقي من مواليد عام 1971 ببغداد، وفرض عليّ النفي كما فرض على الملايين من العراقيين الذين راحوا ضحية دكتاتورية وعنصرية صدام حسين بسبب أصولهم وانتماءاتهم الدينية والعرقية ومواقفهم السياسية المعارضة كما تعلم. دخلت هولندا كلاجئ سياسي، وما زلت أعاني حتى اليوم من كوابيس الإعدام الأكيد في حال العودة إلى شمال العراق والفشل في الحصول على حق اللجوء في بلد ينعم بالحرية والسلام والجمال.
لقد تم حبسي وتهجيري في سن الثانية عشرة وإعدام عدد كبير من أفراد عائلتي بسبب أصولها غير العربية، وكل ما قمت به كصحافي وشاعر ومترجم تم في المنفى بإيران والمهجر في هولندا التي أخوض فيها تجربة ثقافية تعد مبرر حياتي اليوم بكل المعايير والمقاييس والمواصفات. في إيران، تعلمت اللغة الفارسية، وترجمت الشعر منها إلى اللغة العربية وقمت بالعكس في الوقت نفسه، وساهمت في تأسيس مجلة "الهامشيون"، وفي رئاسة تحرير العدد الأول من مجلة "شيراز" المعنية بالحوار الثقافي العربي الفارسي. في قم المدينة المتشددة، اكتشفت طاقات شعرية فارسية وعربية كبيرة، وتعرفت على أصحابها واشتغلت على إبداعها مدة 15 عاما تقريبا.


(*) حدثني عن هذه التجربة غير المعروفة في العالم العربي حتما بحكم اللغة التي نطقت بها، وعن كيفية انعكاسها عليك صحافيا وأدبيا؟
ـ هذا صحيح جدا، وبفضل تعلمي اللغة الفارسية، تمكنت من التعريف بأسماء خارج ما يسمى "أدب المقاومة" فطوال الحرب العراقية الإيرانية كان الاهتمام منصبا على شعراء يطلق عليهم في إيران "تيار المقاومة"، توقف الحرب العراقية الإيرانية عام 1988، شكل تحولا خاصا في مسيرتي لأنني قدمت للقارئ العربي أسماء عربية جديدة. نشرت ترجماتي في مجلة "إطلاعات"، وتحديدا في صفحة كانت تحمل عنوان "أنصت للناي" المقتبس من إحدى قصائد جلال الدين الرومي. كنت أرسل قصائدي وترجماتي في المجلات الصادرة في الشتات العراقي مثل مجلة "الاغتراب الأدبي" ومجلة "عيون". للتاريخ، وإحقاقا للحق، أقول إنني لم أكن الوحيد الذي قام بالدور الذي ذكرته في مجال الترجمة، وإنما كنت ضمن مجموعة من المترجمين. وتكمن أهمية الدور الذي قمنا به في كسر النمط الدراسي والنقدي والتعريفي الأكاديمي، والذي اقتصر لوقت طويل على الرواد ومن سبقهم. لم أترجم الشعر الفارسي والعربي فقط، وكانت للشعر الأفغاني مساحة نوعية في اهتمامي، وكانت المهرجانات الأدبية التي أقيمت في إيران مكتظة بعدد كبير من الشعراء العرب والأفغان.



(*) متى وكيف برزت في الساحة الأدبية من خلال الصحافة والترجمة والشعر؟
ـ بدأت أكتب الشعر في مطلع التسعينيات، حينما كان عمري 21 عاما، ونشرت الكثير من القصائد انطلاقا من عام 1993 في مجلات كثيرة كانت تصدر في العالم العربي، وقدمت عشرات الأسماء الشعرية العراقية التي عرفت بشعراء الاغتراب الأدبي. في عام 1996، أصدرت ترجمة عربية لديوان "كل شيء أزرق" للشاعر الإيراني صادق رحماني الذي لم يكن معروفا عربيا من قبل، وكتب مقدمة الديوان المفكر العراقي الراحل هادي العلوي. في عام 1997، أصدرت العدد الأول من مجلة "شيراز"، وما زالت المجلة تصدر حتى يومنا هذا تحت إدارة الشاعر موسي بيزج. في التسعينيات أيضا، قدمت للقراء العرب العديد من الأسماء الشعرية الفارسية الهامة مثل سهراب سبهري وفروغ فرغزاد فروق وبيجن جلالي وأحمد رضا أحمدي وأخرى كثيرة، واللافت للانتباه في هذه الأسماء بعدها عن الهموم الاجتماعية والسياسية المعروفة، وتميزها بنزعات القلق الوجودي والأسئلة المصيرية للإنسان بوجه عام.


(*) كيف بدأ انخراطك في المجتمع الهولندي عن طريق الثقافة ومتى؟
ـ كما تتصور كمهاجر عربي جزائري في باريس، وكما هي حال العديد من الدول الأجنبية التي لجأ إليها ملايين المهاجرين العرب وغير العرب من شتى البلدان العربية والإسلامية، لم تمر فترة طويلة على إقامتي في لاهاي منذ عام 1977 حينما بدأت في نسج علاقات شخصية وثقافية مع مهاجرين من بلدان مشرقية مثل العراق وسورية والأردن ومغاربية مثل المغرب وتونس بحكم الاهتمامات والهواجس والتطلعات المشتركة، وخاصة تلك التي تدور حول فلك الأدب. ودخلت هذا الفلك بعد ربطي علاقات أمتن مع شعراء ومثقفين ومسؤولين محليين هولنديين وعرب وغير عرب، وشروعنا في تنظيم أول نشاط ثقافي بسيط تضمن فقرات للشعر والرسم والموسيقى. بعد تأثر الموسيقار ميخيل ده رو، مدير مؤسسة دي ريخيتش، بالشعر العربي الذي ألقي في أول مناسبة أدبية وفنية سريعة، تم اتفاقنا عام 2002 على تنظيم مهرجان شعري عربي في لاهاي، وحضر المهرجان بعض الشعراء الهولنديين الكبار مثل الراحل سيمون فينكن أوخ وبعض المثقفين والشعراء من أمثال فاضل العزاوي. بقيت أنظم نشاطات ثقافية على نطاق محلي ضيق، وأعمق احتكاكي بكل ما هو ثقافي في الأوساط العربية وغير العربية المهاجرة وبالأحرى المنفية وخاصة حينما نتحدث عن الجالية العراقية حتى غاية 2016 تاريخ إشرافي على الدورة الأولى لمهرجان "ميزوبوتاميا" الثقافي بالتعاون مع بلدية لاهاي. في الدورة الثالثة التي نظمت عام 2018، أدخلنا معرض الكتاب، وهو المعرض الذي أصبح أهم فقرة في المهرجان، وسيكرس بعد أيام قليلة تعميقا للمكانة التي أردناها للكتاب في تظاهرتنا.

(*) هل أفهم انطلاقا مما ذكرته عن أعمالك أنك دخلت هولندا غازيًا بالشعر؟
ـ بعد أن ضحك رد: لا يمكن لعربي مثلي أن يغزو هولندا شعريا، وهولندا غنية بشعرائها وكتابها، وكما قلت سلفا، فقد استهوتني الترجمة بشكل كبير، ورحت أكرس جل وقتي للترجمة الشعرية بسبب إجادتي للغتين العربية والفارسية، ثم تجرأت على ترجمة قصائد لشعراء هولنديين. الأهم من كل ذلك، هو اكتشاف أسماء شعرية كبيرة تكتب باللغة الهولندية، وأقصد هنا شعراء السورينام. ويهمني بالمناسبة أن أشير إلى اهتمامي بالشعراء المهمشين في ساحة شعرية تشبه أحيانا أروقة الحكم والدسائس والمؤامرات وأسواق ومراكز التجارة التي تروج لسلع فاسدة. لست أنا الوحيد الذي يسهر على تنظيم نشاطات ثقافية، ولكن للأسف الشديد هناك جاليات عربية وغير عربية تفعل الشيء نفسه بروح إثنية مقيتة في بلد يعد فيه الإنسان مواطنا قبل كل شيء أي أن المواطنة هي التي تجمع كل الناس.


(*) لكن هناك من باستطاعته تأويل تسمية مهرجان "ميزوبوتاميا" بمنظور وهدف ضيقين أنت تحاربهما؟
ـ أبدا... مهرجاننا مكسب هولندي وإنساني لكل من يهتم بالثقافة حتى إذا كان من جزر الكاريبي وأميركا اللاتينية ومن آسيا، ونهر الرافدين مهد حضارات إنسانية عديدة ومتنوعة، ولاهاي وحدها تضم أكثر من 500 هوية إثنية، ولتأكيد سلامة وصحة ما أقول أكتفي بأن أشير إلى فقرة اسمها "المنصة المفتوحة" تسمح بالحوار الإنساني الحر بين المبدعين والمتلقين من كل الإثنيات والتوجهات.

 

الجائحة فرضت على البشرية العودة إلى الأدب كصمام أمان، أما الأنظمة السلطوية فقد حولت الإنسان إلى كائن استهلاكي في الغرب، ومقاتل في حروب تضمن استمرار دوران عجلة مصانع الأسلحة. مهرجاننا هو منصة للأدب الإنساني الذي ينتصر للقضايا العادلة، الأدب الرافض للأنظمة القمعية والإيديولوجيات الظلامية، وشعراء السلطة

 

حضور الكتاب
(*) كيف أضحى حضور الكتاب كفقرة أساسية في المهرجان الثقافي ولماذا لم يكن فقرة مبدئية من البداية؟
ـ أنت فهمت أن النزعة الشعرية طغت في البداية على التظاهرة للاعتبارات السالفة الذكر، وفرض معرض الكتاب نفسه علينا بعد أن عرفت فقرة توقيع الكتب إقبالا كبيرا في الدورة الثالثة للمهرجان، وأصبح موقع الكتاب أمرا واقعا أعطى للتظاهرة ولادة ثانية، وخاصة بعد أن جاءت مؤسسة "صفحات" للنشر بحوالي 3500 كتاب الأمر الذي دفعنا أكثر إلى تكريس موقع الكتاب بمشاركة دور نشر هولندية بكتب مترجمة من اللغة العربية، واهتمام لاحق لدور نشر عربية أخرى مثل دور النهضة والدراويش والموجة الثقافية.



(*) ما هي درجة تأثير التظاهرة في لاهاي ثقافيا واجتماعيا منذ ولاتها قبل أربعة أعوام، وهل اهتم بها الإعلام الهولندي؟
ـ الحديث عن التأثير يخضع لاعتبارات كثيرة كما تعرف، وأنا لا أؤكد أنني قمت بثورة ثقافية في لاهاي رفقة أعضاء فريق التظاهرة، لكن أستطيع القول إن التظاهرة تجذب بشكل متزايد كل من يهتم بالثقافة في صفوف الجالية المقيمة في لاهاي، كما أن فضل المسؤولين الهولنديين المحليين عليها زاد من عزيمتنا على تكريسها وتطويرها من دورة إلى أخرى بدعم من الإعلام المحلي. في هذه الدورة حظينا بدعم مؤسسات هولندية مرموقة مثل مؤسسة "برينس برنار كلتور"، كما فتحنا بابا للتعاون مع مؤسسات أبدت استعدادها التام لترسيخ الحوار بين الثقافتين العربية والهولندية مثل مؤسسة "الآداب الهولندية". إلى جانب مهرجاننا الثقافي العام، ننظم أيضا مهرجانا للسينما وآخر للهايكو الذي كان نشاطه لا يتجاوز الحي، وتطور الأمر إلى استضافة شعراء وفنانين من أقصى نقاط العالم، وشارك في الدورة الماضية شعراء جاؤوا من إسبانيا وفرنسا، وافتتحها شاعر ومسرحي أرجنتيني.  



(*) ما هو جديد برنامج الدورة الرابعة، وما الذي يميزها كدليل على التطوير؟
ـ أعتقد أن إقامة المهرجان في زمن الجائحة هو الحدث الأبرز في هذه التظاهرة، ولقد دق الأدب نواقيس الخطر، وكشف مرارا عن المسالك التي تنتهجها البشرية نحو الهلاك. الجائحة فرضت على البشرية العودة إلى الأدب كصمام أمان، أما الأنظمة السلطوية فقد حولت الإنسان إلى كائن استهلاكي في الغرب، ومقاتل في حروب تضمن استمرار دوران عجلة مصانع الأسلحة. مهرجاننا هو منصة للأدب الإنساني الذي ينتصر للقضايا العادلة، الأدب الرافض للأنظمة القمعية والإيديولوجيات الظلامية، وشعراء السلطة والمليشيات الإرهابية لا يجدون مكانا لهم بيننا. من هذا المنظور، يحتفي المهرجان في دورته الرابعة بأدب المنفى عند عدد كبير من الأسماء الشعرية التي أرغمت على مغادرة بلدانها سواء من الشرق الأوسط ومن أميركا اللاتينية، إضافة إلى عروض فيلم عن معاناة اللاجئين الأفغان وفيلم من إيران وفيلم حميد بنعمرة "حزام" عن النظرة إلى الثقافات المغاربية والمشرقية في فرنسا، وذلك بتعقبه لمسار الراقصة الجزائرية آسيا قمرة. وموضوع المنفى ونظرة الأجنبي ستتجلى في فيلم الحوار مع السينمائي السوري محمد ملص. سيكون الافتتاح بمعرض المصور الفوتوغرافي إحسان الجيزاني الذي تناول في أعماله مأساة العراقيين الفرس كإبادة منسية وجريمة التهجير واستمرار معاناة الناجين إثر تغييبهم في المرحلة التي تلت سقوط صدام حسين. المهرجان يوجه تحية تكريمية خاصة للشاعر الراحل أمجد ناصر عبر أمسية شعرية تقدم فيها قصائده بعدة لغات، إضافة إلى إقامة معرض فني يتضمن رسومات مستوحاة من قصائد الشاعر والمترجم المغربي رشيد وحتي. ويشارك في هذه الدورة الشعراء زاهر الغافري من سلطنة عمان، وعبد الرحيم الخصار من السويد، وغادة الأعزاوي من المغرب، وآريان دانكر ويونيتا ده ياخر وناجي رحيم وموفق السواد وفينوس فائق من هولندا، وخوان تاخيس من الأورغواي، ووبرينو ميرسيه من سويسرا، وعبد الهادي سعدون، ولويس لونا، ولويس دي أباخو من إسبانيا، وحياة الريس من تونس، وزهير كريم ومهند يعقوب من العراق، وحسين بن حمزة وهلال كوتا من ألمانيا.

 # فيديو تعريفي بفعاليات مهرجان "ميزوبوتاميا" الثقافي: 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.