}

الفرنسيون يختارون كتابهم المفضل

بوعلام رمضاني 1 ديسمبر 2022



رغم كل ما يقال عن تراجع القراءة في العالم بشكل مؤسس ومبرر علميًا على الصعيدين الثقافي والسوسيولوجي، لا شيء يقضي على سعادة يضمنها قلب صفحات كتاب ورقي في المجتمعات التي جعلت من القراءة حقا يناله كل المواطنين بدرجات متفاوتة. ومدينة ستراسبورغ الفرنسية، التي تقام فيها سوق دورية للكتاب القديم والتي سمحت لمشرد بشراء كتاب بيورو واحد كما كتبت قبل سنوات، هي نفسها المدينة التي تعود إلى واجهة الحدث الثقافي الفرنسي بعد أسبوعين.  

"ضفة ثالثة" التي تناولت مؤخرًا هذه المدينة الفرنسية الألزاسية في سياق اختيار اليونسكو لها كمدينة عالمية للثقافة لعام 2024، تقف مجددًا عندها لأنها هي التي ستصنع الحدث الثقافي بعد أسبوعين استنادًا للبيان الصحافي الذي تلقاه كاتب هذه السطور. تعزيزًا لصحة حسّنا الصحافي الذي سمح لنا بتكريم هذه المدينة ثقافيًا قبل اليوم، قال ميشال فيلد، أحد أشهر الصحافيين الثقافيين الفرنسيين، والذي سينشط الحصة إلى جانب زميلته كاميه دياوو: "اختيار ستراسبورغ يستجيب لرمزيتها التي أكدتها اليونسكو باختيارها عاصمة للثقافة العالمية لعام 2024، فضلًا عن عامل أهمية إخراج الثقافة من باريس الأمر الذي يفسر تصوير وبث الحصة من العاصمة الألزاسية". والحث على القراءة، وإيصال الكتاب للجميع من دون تمييز هو هدف الحصة في تقدير زميلته كاميه، والتي أضافت تقول: "بهذا الشكل، لم نقدم الكتاب بشكل نخبوي وضيق، والتصويت على كل أنواعه يسمح بالحديث عن أنواع وضروب فنية وفكرية وأدبية متنوعة بالشكل الذي يؤكد أن كل الكتب هامة بغض النظر عن أنواعها ومستوياتها وتوجهاتها، أي أن القراءة هي الوسيلة الأنجع والأشمل للتواصل مع الآخر في كل الحالات، وعليه تعد الوسيلة الأقوى للتواصل مع الجميع عبر أصناف كثيرة من الإبداع الإنساني".  ستتكفل بتجسيد الإحتفاء بالكتاب قناة فرانس تلفزيون العمومية التي تولي أهمية خاصة للكتاب باعتباره ملك الثقافة، وذلك يوم الخامس عشر من الشهر القادم في سياق زمني مبرمج بدقة محسوبة لضمان أكبر نسبة من المشاهدة انطلاقا من الساعة التاسعة وعشر دقائق.

نقلًا عن تجربة بريطانية

ستضم الكتب المفضلة التي سيصوت عليها الفرنسيون قريبًا كل أصناف الكتابات الأدبية التي تعني كل الفئات الاجتماعية التي تتراوح أعمارها بين الخامسة عشرة والثمانين عامًا بدون تحديد مسبق لعناوين معينة. بهكذا منظور تعد الحصة التلفزيونية الفرنسية نموذجًا ثقافيًا شعبيًا يخترق الطبقات الاجتماعية والفوارق العمرية والجنسية، ويعزز المكانة الإستثنائية التي يحتلها الكتاب في قناة كانت للكتاب فيها وما تزال خصوصية تقضي على الفكرة المسبقة الرائجة حول الكتاب كوسيلة تثقيفية نخبوية حتمًا، وحول التلفزيون باعتباره منبرًا أيديولوجيًا ودعائيًا في كل الحالات وبصفة مطلقة، وكثيرة هي البرامج التي تحتفي بالكتاب في القنوات العمومية الفرنسية بعيدًا عن الروح الماركنتيلية المحضة والشوفينية والترفيهية التي تميز قنوات خاصة أخرى في إطار الوفرة والتنوع والتعددية على أكثر من صعيد ثقافي وغير ثقافي.

من الكتب التي أعلن عنها قبل التصويت النهائي


تعزيزًا لما قاله ميشال فيلد وزميلته كاميه دياوو عن الحصة التلفزيونية التي تعد تقليدًا ثقافيًا للجارة الشكسبيرية التي عرفت بحصة "القارئ الكبير" التي تبث على قناة "بي بي سي تو" (الثانية)، أضافت سولان سان جول، مسؤولة البرامج، تقول: "إن التصويت على الكتاب المفضل لدى الفرنسيين، تم بشكل حر ومفتوح بدون تحديد مسبق لعناوين، وإلى حد الآن تلقينا قائمة مكونة تتضمن خمسين عنوانًا، وهي القائمة التي أخضعناها لتصويت جديد للخروج بقائمة تتضمن 25 كتابًا فقط قبل موعد الحصة بقليل". استطردت المسؤولة المذكورة مؤكدة على إمكانية تعايش الكتاب مع التسلية الهادفة والمدروسة سيكولوجيًا وسوسيولوجيًا وإعلاميًا: "الحصة نموذج تواصل تلفزيوني وثقافي يضمن الترفيه في الوقت نفسه، ويسمح بالتربية الاجتماعية الخارقة للحواجز الطبقية، وبذلك تعد وسيلة لتكريس أهمية الكتاب في حياة النخبة والشعب العادي في الوقت نفسه، وهكذا نساهم في زرع المعرفة والأدب عبر الكتاب على أوسع نطاق في قالب غير جاد وتقليدي يتوجه لفئة معينة دون أخرى تتمتع بمستويات فكرية متقدمة". استطردت المسؤولة الثقافية المذكورة تقول: "كما نساهم في إخراج مفهوم التسلية من نطاقه الضيق الذي يتوجه هو الآخر لفئات يقال إنها غير مثقفة، وسيكون ضيوف الحصة من عوالم متنوعة وليس من عالم الكتاب والثقافة حتمًا، الأمر الذي يضمن تواصلًا بين الممثلين والموسيقيين والرسامين والكتاب والناشرين والفنانين من عدة قطاعات متنوعة، وكل ذلك لمناقشة أهمية القراءة في الحياة العامة بوجه عام والإبداعية بوجه خاص".

من بين الكتب التي أعلن عنها قبل التصويت النهائي، نذكر "1984" لجورج أورويل صاحب الرواية العالمية الآنية أكثر من أي وقت مضى، و"سيرانو دي برجراك" المسرحية الشهيرة لإدمون رستان، و"لسعادة السيدات " لإميل زولا، و"هاري بوتر" للبريطانية جي كي رولينغ، و"الغريب" لألبير كامو، و"الأمير الصغير" لأنطوان سان أكزوبيري، و"البؤساء" لفيكتور هوغو.

قبل تنظيم المسابقة بأسبوعين، تجاوب الفرنسيون مع تصويت فرنسيين آخرين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، و"تشاجروا" بطريقة راقية تؤكد مكانة القراءة في المجتمع. كثيرون تعجبوا لعدم بروز عناوين تاريخية في القائمة الأولى المشكلة لخمسين عنوانًا مثل "البحث عن الزمن المفقود" لمارسيل بروست، و"مدام بوفاري" لفلوبير. لفت انتباهي شجار فرنسيين حول عدم ظهور عنوان رواية سيلين "سفر حتى حافة الليل". وأكثر ما لفت انتباهي في عناوين الروايات التي صوت عليها الفرنسيون في مرحلة التصويت كتاب يحمل عنوانًا معبرًا وطريفًا لكاتبة غير معروفة تاريخيًا مقارنة بالأسماء المذكورة؛ إنها آنياس مارتان لوغو صاحبة كتاب "الناس السعداء يقرأون ويشربون القهوة"!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.