}

بدرو مونتابيث: فكرة العلو الأخلاقي على العرب سائدة بالغرب

ضفة ثالثة ـ خاص 24 مارس 2022

 

ترجمة: أحمد عبد اللطيف


يعتبر بدرو مارتينيث مونتابيث آخر الكبار في الاستعراب الإسباني. ولقد رسم لنفسه طريقًا علميًا عظيمًا محاطًا بالجوائز والتكريمات. وهو رائد ترجمة الشعر العربي الحديث، ومن خلاله فتح الطريق للالتفات للعالم العربي المعاصر بالإضافة لدراسات الأندلس. وفتح أعين الاستعراب على واقع حالي لعالم عربي معقد ومضطرب وكرّس مقالات علمية وأبحاثًا لتحليل هذا العالم.

هنا ترجمة لحوار أجري معه حديثًا في جريدة "الكورّيو" الإسبانية.

(*) عشت في مصر في الفترة بين 1957 إلى 1962، لحظة زعامة جمال عبد الناصر وازدهار القومية العربية. لقد تغيّر هذا العالم بشكل جذري.

أتأمل ذلك بكثير من الأسى. ما يهم في التاريخ هو الحركة، والحركة بطيئة جدًا وطويلة جدًا وقابلة للتغيير. أشتاق بشدة لتلك السنوات التي كنت فيها في مرحلة تكويني غير الأكاديمي، ولديّ شعور بأني لم أتعلم ما كان يجب تعلّمه. من بين ما تعلّمته أن أحد معوقات العالم العربي الكبيرة هو محاولة التحرك بتضامن فيما بينهم، لا أقول الوحدة، لأن الوحدة مستحيلة، لكن يمكن التحرك بشكل أكثر تنسيقًا وقربًا.

(*) كيف غيّرك الاحتكاك المباشر بالعالم العربي؟

اكتشفت عالمًا مجهولًا لي بالكامل. كنت درست نظريًا وبطريقة حرة، وهو نوع من الدراسة بعيد عن الواقع وينتمي للماضي، وفجأة وجدت نفسي أمام شعب يعاني مثل الشعوب الأخرى، يحب، ويحاول فعل الأشياء بمهارة. عثرت على أدب في مرحلة تجديد كاملة، ولا أحد في العالم يعرفه، ورغم أن الثقافة العربية والإسلام متصلان، إلا أنهما ليسا نفس الشيء. ويجب التمييز بينهما. يجب معرفة متى يتحركان معًا ومتى يختلفان في رؤيتهما للعالم.


(*) هل حلت الإسلاموية محل القومية العربية لتعيد تأكيد هويتها؟

لم تحل محلها فحسب، وإنما قضت عليها. لم يعد للقومية العربية وجود الآن. يجب الاعتراف بأنها ارتكبت أخطاءً فادحة يمكن أن تفسر سبب اختفائها الكامل.

(*) وما سبب ظاهرة ازدهار الإسلاموية مع غروب القومية؟

من بين أسباب أخرى، نتيجة حدث لا شك فيه: القومية تحتاج إلى بلد زعيم وهذا البلد كان مصر. حينما فقد وزنه وزعامته، عانت القومية من التآكل. من جانب آخر، ظهرت جيوسياسية مختلفة في العالم العربي. وبدلًا مما نسميه "مشكلة السويس" ظهرت "مشكلة الخليج" المسمى خطأ بالفارسي، لأنه يجب تسميته بالخليج العربي.

(*) هل اندفاع الإسلام السياسي في العقود الأخيرة حمى أم التهاب رئوي؟

أنظر: لا يمكن فهم العالم الإسلامي بدون الإسلام. أنا لست رجلًا مؤمنًا وأحب أن أوضح ذلك من البداية. لكن الإسلام دين يلمس بعمق قلوب المؤمنين به. لم تحدث في العالم الإسلامي عملية مديَنة secularización مثل تلك التي حدثت في العالم الغربي. ولن أدخل الآن في نقاش حول هل هذا خير أم شر. كل ذلك، بالإضافة إلى قوى معوقة بعمق في العالم الإسلامي، يجعل ظاهرة روحية ومفهومة بالأساس، داخل سياق النضال ضد الاستعمار، تحدث بشكل مضر للإسلام ذاته وللآخرين.

(*) سورية والعراق وليبيا، ثلاث مرجعيات أخرى للقومية العربية، والآن ثلاث دول مهزومة.

ليبيا ليست مرجعية للقومية للعربية مثل سورية والعراق. على الإطلاق. ليبيا كانت مهمّشة بالكامل، وعلى الهامش كان السيد القذافي يمثلها مؤقتًا. القلب الحقيقي للقومية كان سورية. ثم أنظمة أخرى كثيرة أُضيفت لتحاكي شخصية مثّلت هذه القومية، مثل جمال عبد الناصر الذي، رغم الكثير من أخطائه التكتيكية والاستراتيجية، كان الشخصية السياسية العظيمة الوحيدة في هذا العالم.





(*) أي دلالة يحملها الربيع العربي؟

كانت ظاهرة ضرورية تمامًا ويمكن إرجاعها إلى غياب الحرية. لم يتمتع العالم العربي بالحرية التي يحتاج إليها والشعوب تحتاج إلى التعبير عن فقدان هذه الحرية المطلق. إنها حركات ضرورية بالكامل ويمكن تفسيرها تمامًا، وإن كانت في داخلها تعقيدات هائلة. التقى هذا الحراك المختلف جدًا في أصوله وتوقعاته مع هذه التمردات، التي افتقدت لعناصر قائدة لتوجهه. لكنها لم تنته. النضال من أجل الحرية سيظل أولوية للشعوب العربية.

(*) هل كان الربيع العربي فرصة ضائعة؟

بلا شك. لكنها ليست ضائعة تمامًا، أمكن استغلال القليل منها.

(*) لماذا لا تعمل الديمقراطية في العالم العربي؟

في المقام الأول، لأن الديمقراطية ليست كاملة. ثانيًا، لأن شكل الديمقراطية الذي وصل تاريخيًا إلى العالم العربي في القرن التاسع عشر مع الحركات الكولونيالية كان شكلًا للديمقراطية مطبقًا في أوروبا ولم يطبق عند العنصر المتلقي، وكان بالتحديد العالم العربي. لو لم يتمتع المرء برؤية واضحة ليفهم، من بين أشكال أخرى، أن العالم العربي عالم رافض للظاهرة الكولونيالية ثم رافض للظاهرة الإمبريالية الجديدة، فمن الصعب أن يرى أشياءً أخرى.


(*) ما هو الكليشيه السائد في الغرب حول العالم العربي؟

الجهل به. عدم معرفته. فكرة وجود علو أخلاقي غربي، ليس على العالم العربي فحسب، وإنما على عوالم أخرى كثيرة. وواقع أننا نفهم الديمقراطية والحكومة الحكيمة بطريقة تصلح للداخل، أما في الخارج فنطبقها بطريقة مختلفة.

(*) وما ظنك بما أفاد به المستعربون لتحييد أحكام الاستشراق القديم المتعسفة؟

الاستعراب تاريخيًا كان حركة علماء. يمكن رؤية ذلك من البداية. الاستعراب لم يبدأ في القرن العشرين. إنما منذ قرون سابقة وبعيدة جدًا يمكن أن نطلق عليها عمل الاستعراب الاجتماعي، الاستعراب ذي الهموم المستعجلة، ولابد أنه علمي مثل الآخر.

(*) هل كنت مثقفًا ملتزمًا بالقضية الفلسطينية؟

بلا شك.

(*) هل ترى حل الدولتين ممكنًا للقضية الفلسطينية؟

لا يروق لي حل الدولتين نظريًا، لأنه لا يفعل سوى تشظي الواقع السياسي، لكنه أفضل من الحل الوحيد الممكن في مقابله، وهو حل دولة واحدة لا أعرف كيف يمكن أن أسميها.

(*) ألا تقيّم اقتراح الدولة الواحدة ثنائية القومية كاقتراح ممكن؟

نظريًا ممكن. ماذا أتمنى أكثر من ذلك! لكني لا أرى وجود العناصر ولا الظروف المناسبة لتحقيق ذلك. ربما سيكون ظاهريًا دولة ثنائية القومية لكنها ذات ميل بلا شك للمكون الإسرائيلي.

(*) بماذا تنصح أصدقاءك الفلسطينيين؟

أولًا ألا يرتكبوا خطأ الصراع فيما بينهم. إن الصراع الداخلي على كل المستويات أفقد القضية الفلسطينية الكثير. هذا ما أوصيهم به: من فضلكم! كفوا عن الصراعات الداخلية.

(*) هل نعرف في إسبانيا أدبًا عربيًا بالإضافة لنجيب محفوظ وأمين معلوف؟

أولًا، لا أعرف إن كان يمكن تصنيف أدب أمين معلوف كأدب عربي، لكن هذه مسألة أخرى. أعتقد أننا في إسبانيا نحاول منذ فترة طويلة تسليط الضوء على حاضر هذا الأدب. ولا يمكن أن أنسى أن أول كتاب ظهر في أوروبا الغربية حول شعر المقاومة الفلسطيني كان كتاب الدكتور محمود صبح، وكنا أعددناه معًا. شعراء لم يكن لهم معنى بالنسبة لأوروبا في السبعينيات، مثل نزار قباني وعبد الوهاب البياتي وأدونيس، ومن خلالي وُجِدوا في الإسبانية منذ تلك السنوات البعيدة وقبل أن يوجدوا في أي لغة غربية أخرى. بعدها ظهرت لهم ترجمات أوروبية لكن إسبانيا كانت قائد تلك اللحظة. ويسيئني أن أقول ذلك، لكن بدرو مارتينيث مونتابيث كان شخصية سبقت زمنها.

(*) هل هناك غياب لدور نشر تتجرأ وتنشر لمؤلفين عرب؟

بالطبع. ولهذا أسبابه، لأن الشخص الذي يقامر بأمواله يحتاج إلى تعويض. ثمة عناصر مثل وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيونات تفرض نفسها، وفي نهاية المطاف، تقول لماذا هناك عالم وكتب يتحدثون عنها وعالم آخر وكتب يتجاهلونها.

(*) هل ثمة جدار زجاجي يعوق الأدب العربي في إسبانيا؟

ما من اقتناع كافٍ بالأدب العربي، ثمة اعتقاد بأنه يمر بفترة أزمة طويلة أو يحتاج إلى فترة ليعيد تكييف نفسه على الواقع الجديد. ثمة عدم تقدير كأنه ظاهرة مكمّلة. وبالطبع، ما يثير الاهتمام نوع من الاستشراق الأدبي الجديد الذي لم يهمني ذات يوم.

(*) في إسبانيا ثمة ظهور جديد لتيار قومي كاثوليكي يرفع علم الهوية الإسبانية في مواجهة الأندلس. ما رأيك؟

أتتبع هذه الظاهرة قدر استطاعتي وأنا على وشك التسعين وتقلقني جدًا. إنها واحدة من همومي الكبرى: يرعبني كل ما يسمى "هوية" لأنه شعور قابل للتزييف مثل مشاعر أخرى قليلة جدًا. وباسم الهوية تُرتكب جرائم ثقافية وإنسانية كثيرة.

 

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.