}

معرض المصور باومان في متحف كولن: الابتعاد عن النمطيّة

سمير رمان سمير رمان 28 أكتوبر 2023
تغطيات معرض المصور باومان في متحف كولن: الابتعاد عن النمطيّة
من المعرض
يستضيف متحف مدينة كولن الألمانية (كولونيا) معرضًا للفنّ الزخرفي تعرض فيه صور التقطها هورست باومان/ Horst Bauman، أحد أشهر المصورين في ألمانيا خلال حقبة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. صوَّر باومان عمال سكب الفولاذ، وسائقي السيارات، وصولًا إلى نجوم السينما والفنّ. ولكنّ أهميته في تاريخ التصوير لا تعود إلى اختياره المميّز للنماذج، ولا إلى سيكولوجية وديناميكية الصورة، بل إلى مقارباته الثورية في اختيار الألوان. ولهذا، يبدو معرض كولن محاولة لإعادة النظر كليًّا في ماضي وتاريخ فنّ التصوير الفوتوغرافي.
ما يميّز أعمال باومان عن أعمال زملائه ليس فقط تركيزه على الناحية الاجتماعية، ولكن أيضًا ابتعاده عن النمطية، الأمر الذي يظهر ذلك جليًّا في أعماله، كما في عمله المسمّى "من دون عنوان" على سبيل المثال.
يقال إنّ المصورين يشبهون الأطفال. وبالفعل، يعبّر كلّ واحدٍ منهم عن فرحه وابتهاجه على طريقته. فعلى سبيل المثال، يحبّ ليف بوردلين، الذي يقام معرضه حاليًا في المتحف الأوروبي، الرياضة. أمّا فاليري بلوتنيكوف فيحب التقاط الصور في الاستديو. وإذا ما قرر المصور تجاوز الأطر المعتادة، فإنّه قد يصاب، في بعض الأحيان، بفشلٍ ذريع، أو يكون حظّه من النجاح ضئيلًا.
كان هورست باومان (1934 ـ 2019) يحب كلّ شيء والجميع، واستطاع تحقيق النجاح في كلّ ما تناوله. يظهر معرض كولن تعدد وتنوّع جوانب الإبداع في لقطات باومان، إذ تمكّن من التقاط صورٍ في الشوارع في أوقاتٍ كان فيها "التصوير في الشوارع" قد بلغ درجةً من الإتقان يخيّل للمرء عندها أنّه لن يتمكن أحدٌ من ابتكار شيءٍ جديد في هذا المجال. بعد أن صدر كتاب باومان المكرّس لعمال الحديد والصلب، رأى الخبراء فيه اختراقًا في لقطاته الريبورتاجية. لم يقتصر عمل باومان على مجال التصوير بالأبيض والأسود، بل اشتغل أيضًا في مجال الصور الملّونة، التي حقق فيه اختراقًا مشهودًا، استمر عقدًا كاملًا قبل أن تطغى عليه أعمال "أبو التصوير"، المصور الأميركي الشهير ويليام إيفلستوغ، وكذلك حتى ظهور الحركة المرتبطة به والمسمّاة "Neu Color". ولذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن يكون في أرشيفه قرابة 3500 صورة بالأبيض والأسود، يقابلها 750 صورة فقط بالألوان.
ولد باومان في مدينة آخن، وعاش معظم حياته في دوسلدورف القريبة منها. لم يدرس فن التصوير في أكاديمية، أو معهد، بل تعلّم بنفسه، واكتسب خبراته كلّها من خلال مشاركته في نادي هواة التصوير. ولكنّ ذلك لم يمنعه من لفت انتباه المحترفين، حيث نشر في عمر 19 عامًا أعماله الأولى في Leica Fotografie، ليبرهن بشكلٍ جليّ أنّ المهارة أهمّ من الدبلوم، وليثبت مرّةً أُخرى أنّ مهمة الصحافة لا تقتصر على كونها وسيلةً لالتقاط الحدث.
تميزت نظرة باومان عن نظرة زملائه، فعندما يصوّر الأطفال كانت الابتسامة الرائعة والوجه البشوش آخر ما يشغل باله، لأنّه كان يولي اهتمامًا كبيرًا بنظراتهم، أو حتى لجزماتهم البالية. وهكذا، أصبحت الصورة التي التقطها للسوق، بأراجيحها الدوارة ومهرجيها، لوحةّ فنيّة من لوحات العصر.




شكّل عالم السينما والاستعراض مجالًا رئيسيًا من مجالات عمل باومان، فكانت الصور التي التقطها للمشاهير صورًا غير تقليدية البتّة. على سبيل المثال، التقط باومان صورًا للمغنية الفرنسية الشهيرة جولييت غريكو، التي نظم مشاهير مثل جان بول سارتر، ورايمون كينو، الأشعار والقصائد لها. بالإضافة إلى ذلك، التقط الفنان صورًا للممثلة العالمية الشهيرة جين فوندا، التي كانت وقتها أيقونة الجنس والإغراء (قبل أن تغدو مناضلةً في سبيل قضايا عدة)، بالإضافة بالطبع، إلى أورسولا أندروس، فتاة "جيمس بوند" من فيلم" دكتور نو". في حين لم تول صحافة باومان الصورية دور المؤرّخ سوى القليل من الاهتمام، فإنّ الاهتمام الأكبر كان يولى لدور الفنان، الباحث والمنقِّب في حياة المناطق العمالية المهمّشة على أطراف المدن. ينطبق الأمر نفسه على واقع عمال استخراج النفط، الذي حظي بمكانةٍ خاصّة في أعمال باومان. أمّا السياسة الكبيرة، فلم تحظ باهتمام باومان سوى مرة واحدة، قام خلالها بتوثيق الحملة الانتخابية لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، فكانت استثناءً في سيرته الذاتية القائمة على مبدأ "أعمل ما يروق لي".
بصفته مصورًا صحافيًا يعمل لصالح أكبر الصحف، مثل صحيفة "شتيرن/Stern"، أو المجلة الشهرية "Twen"، جاب باومان أرجاء ألمانيا كلّها، وزار نصف دول العالم، بما في ذلك الاتحاد السوفياتي، الذي زاره باومان لتغطية فعاليات مهرجان موسكو العالمي للشباب والطلبة (عام 1957).
قد تكون أفضل الصور التي التقطها باومان مرتبطة بسباقات "الفورمولا-1"، التي جرت في ألمانيا، وفي إنكلترا. لا تظهر الصور التي التقطها باومان في المجال الرياضي الرياضة عملًا جنونيًا برّاقًا، بل عملًا شاقًا يؤديه أناسٌ أذكياء. وحتى الصورة التي التقطها باومان في سباق الفورمولا، والتي أسماها "جيم كلارك مرتديًا لوتس أخضر في السباق الكبير عام 1963"، تعمّد باومان فيها عدم إظهار بطل السباقات الشهير. وفي عام 1965، صدر ألبوم صور باومان: "مصارعو الثيران الجدد"، ليصبح الحدث الفني للعام، وليصبح نموذجًا يقتدى به. واليوم، يعرض معرض كولن هذا الألبوم كاملًا، ويتضمّن الصورة الملتقطة في سباق الفورمولا المذكور آنفًا.
على الرغم من عدم مشاركته إطلاقًا في معرض الصور الذي يقام بانتظامٍ في مدينة كولن، فقد نال باومان جوائز هذا المعرض، إلى جانب جوائز كثيرة أُخرى كانت تتدفق على الفنان من كلّ حدبٍ وصوب. ولا عجب في ذلك، ففي الثلاثين من عمر باومان، استضاف متحف نيويورك للفنّ المعاصر معرضًا لصوره (أدرج المتحف مؤخرًا هذه التشكيلة في قائمة أهم 52 عرضًا في تاريخه)، تلته معارض وجوائز من باريس.
مع نهاية عقد الستينيات، قرر باومان تغيير قدره، فتحول من التصوير الفوتوغرافي إلى الفنّ والتصميم. لقد أحبّ باومان تجارب حياته الخاصّة، فالتحق، وهو في الستين من عمره، متسلحًا بتجربة عمله كأستاذ مساعد في المدرسة العليا للتصميم في أولما، بكلية الفلسفة والإعلام في دوسلدورف، التي بقي فيها تلميذًا عشر سنواتٍ كاملة.
بمرور الوقت، ومع التطور السريع في استخدام ودمج وسائل متعددة مختلفة، مثل: النص، الصوت، الرسومات والصور المتحركة، وكذلك التطبيقات التفاعلية والفنون التي أوجدها الليزر، والهندسة المعمارية المؤقتة، لم يتخلّف باومان في هذا المجال عن الآخرين، فشارك عام 1977 في فعاليات النسخة السادسة من المعرض العالمي للفنون الحديثة (DOCUMENTA)، الذي انعقد في مدينة كاسيل الألمانية. وهنا يحالفه النجاح أيضًا: حيث استخدمت أشعة الليزر في تشكيل، ربما، أوّل مثالٍ للنصب التذكارية الليزرية في تاريخ الفنّ، والذي لا يزال شعاعه يخترق سماء مدينة كاسيل حتى اليوم.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.