}

نيكولاس كيج والحمار الوحشي في فيلم "سيناريو الحلم"

سمير رمان سمير رمان 25 مارس 2024
تغطيات نيكولاس كيج والحمار الوحشي في فيلم "سيناريو الحلم"
نيكولاس كيج في لقطة من فيلم "سيناريو الحلم"

بدأت دور السينما الألمانية في عرض الفيلم الأميركي "سيناريو الحلم/ Dream Scenario" من إخراج وسيناريو النرويجي كريستوفر بورغلي/ Kristoffer Borgli، وبطولة نيكولاس كيج، الذي يؤدي دور البروفيسور بول ماثيوس. الفيلم عرض للمرة الأولى في مهرجان تورونتو الكندي في أيلول/ سبتمبر 2023، وفي الولايات المتحدة الأميركية في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي.
الفيلم مرشح لنيل جائزة النقاد لعام 2024، وجائزة غولدن غلوب لأفضل فيلم، وأفضل موسيقى. وبطله، نيكولاس كيج، مرشّح لنيل جائزة أفضل ممثل في غولدن غلوب. كما رشح المخرج لجائزة البلاتفورم/ Platform Prize لعام 2024. من ناحية أُخرى، جاء تقييم النقاد إيجابيًا للفيلم بنسبة 91%، وحصل على 7.6 من 10 نقاط، وفق تقييم المشاهدين على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما هو معروف، تحوّل نيكولاس كيج من ممثلٍ بسيط، وإن كان مشهورًا بعض الشيء، إلى نجم متألق يمشي على قدمين. وبالطبع، سيبقى إلى الأبد الممثل الحائز على جائزة الأوسكار عن فيلم "Leaving Las Vegas" لعام 1995، والحائز على عددٍ آخر من الجوائز الأقل أهمية، وسيبقى أيضًا متميزًا بعشوائيته المذهلة في انتقاء أدواره، بعد أن شارك في عدد من الأفلام التي لا يمكن وصفها إلا بالقمامة. والأغرب من ذلك أنّ سلوكه الغريب خارج مواقع التصوير طغى على إنجازاته المهنية لفترةٍ طويلة. لقد أصبح نيكولاس كيج شيئًا ما في حدّ ذاته، أصبح شخصية عامّة اندمجت تمامًا مع حاملها، ولكنّه يستمر مع ذلك في إثارة اهتمام شديد لدى المشاهدين المهتمين.
بطبيعة الحال، لم يتجاهل منتجو الأفلام هذه الظاهرة، واستمروا بعرض أدوارٍ جديدة على كيج. على سبيل المثال، في فيلمه الأخير "عبء الموهبة العظيمة الذي لا يحتمل"، حيث تقمّص دور شخصية كيج نفسه، حرفيًا، أو بالأحرى دور نيكولاس كيج الذي نتخيله ونحن نقرأ الصحافة الصفراء التي تهتم بالإشاعات والأقاويل التي تدور حول المشاهير.
في فيلم Dream Scenario، حلّ نيكولاس كيج في اللحظة الأخيرة مكان الممثل آدم ساندلر، الذي كان من المفترض أن يلعب الدور الرئيسي. وكانت شهرة نيكولاس كيج على الشبكة العنكبوتية مهمة أيضًا لقبول المشاهدين الفيلم. يبدو للوهلة الأولى أنّه ما من قواسم مشتركة بين نيكولاس كيج الممثل وبطل الفيلم بول ماثيوس، أستاذ علم تطور الأحياء، ولكن الفنّان تقمص دور البروفيسور ببراعة فائقة.
في إحدى محاضراته، يشرح البروفيسور ماثيوس لطلابه أنّ التطور الطبيعي قد أكسب حُمُرَ الوحش تلك الألوان التي تبدو للوهلة الأولى وكأنّها مجرد خطوط سوداء وبيضاء لامعة لا تلائم البيئة التي ترتادها تلك المخلوقات الجميلة عادة. ولكنّ تلك الخطوط تنقذ في واقع الأمر كلّ فردٍ عندما يكون ضمن القطيع، فالمفترس لا يمكنه مهاجمة كلّ القطيع، لأنّه لا يميّز فريسته. يقوم ماثيوس بالأمر نفسه، فهو يندمج أيضًا مع حشد الطلاب في الحرم الجامعي: إنّه مدرّسٌ عادي تمامًا، يرتدي سترة فضفاضة، ونظاراتٍ، أصلع الرأس، أشعث اللحية. شخصٌ عاديّ لدرجةٍ أن زوجته التي تحبّه (جوليان نيكلسون)، وابنتاه (جيسيكا كليمنت، وليلي بيرد) لا يجدن في شخصه أيّ شيءٍ مثير للاهتمام. كلّ ذلك كان كذلك حتى اللحظة التي راح فيها البروفيسور، فجأةً، ولسببٍ غير مفهومٍ البتة يراود مجموعة متنوعة من الناس في أحلامهم.




كانت ابنة ماثيوس الصغرى أول من رآه في المنام، وهو أمرٌ معتاد، وليس بالغريب. ولكن الأمر بدأ يصبح غريبًا بعد أن رأته في منامها امرأة كان قد التقى بها وانفصل عنها منذ زمنٍ بعيدٍ جدًا يعود إلى ما قبل زواج البروفيسور. لاحقًا، انتقل ماثيوس إلى أحلام طلابه، وأصدقائه، وأصدقاء أصدقائه. في نهاية الأمر، اخترق البروفيسور أحلام أشخاصٍ لم يسبق له أن التقاهم يومًا، فهم يعيشون في مناطق متباعدة تغطي أصقاع الأرض كلّها. ما يميّز جميع هذه الأحلام هو أنّ ماثيوس كان يتصرف بطريقةٍ غير واضحة، كما هو واقع الحال في الحياة الحقيقية: يقف ماثيوس في الحلم يشاهد ويراقب ما يحدث، سواءً تعلّق الأمر بزلزال، أم بتمساح يهاجم أحد التلامذة. بمرور الوقت، بدأ الناس يتعرفون عليه في الشوارع، مما دفع إحدى القنوات التلفزيونية إلى إعداد تقريرٍ موسّع عنه، ليصبح البروفيسور بذلك مشهورًا على المستوى العالمي.
على عكس معظم قصص الشهرة التي يحظى بها بعض الناس العاديين، فجأةً، ومن دون سابق إنذار، فإنّ ماثيوس لم يخف من شهرته، على العكس، رأى فيها أمرًا حتميًا لا جدال فيه، ليس فقط لأنّه يأمل أن تساعده الشهرة في العثور على ناشرٍ لكتابه حول سلوك جماعات النمل، بل لأنّه، وقبل كلّ شيءٍ، طالما كان يرى نفسه شخصًا فريدًا من نوعه، ينتظر ببساطة الوقت الذي سيصبح محطّ أنظار الناس من حوله. في البداية، تجلب له الشهرة فرحًا خاصًا للغاية، فها هم الطلاب يتسابقون لحضور محاضراته، وها هي زوجته تستعيد اهتمامها به من جديد، كما أنّ صديقًا متغطرسًا من أصدقائه القدامى (ديلان بيكر) يدعوه أخيرًا وزوجته لتناول العشاء في منزله، وتقدّم له إحدى شركات العلاقات العامة العصرية المشهورة عرضًا للتعاقد مع شركة إعلانٍ تروّج لإحدى ماركات الصودا. يرفض البطل العرض لأنّه يعتقد أنّه يستحق أكثر من هذا بكثير.
ومع ذلك، وكما جاءت الشهرة فجأة، ينتهي كلّ شيءٍ فجأة، فتتحول الأحلام البريئة التي يشارك فيها ماثيوس إلى كوابيس تراود الناس، الذين يرجعون أسبابها إليه بالذات. بعد أن عرف بنفسه مدى السرعة التي يمكن للمرء بها في عصر شبكات التواصل الاجتماعي أن يصبح نجمًا من دون أن يقوم بأيّ جهدٍ من أجل ذلك، يواجه البروفيسور إلغاءً فوريًا غير معقول من ذاكرة الناس. وكما الحمار الوحشي الذي انفصل عن قطيعه، يجد البروفيسور نفسه فجأةً خارج الحشود، وبعيدًا عن الجمهور. انفصال البروفيسور عن الحشد جذب إليه انتباهًا واهتمامًا غير محبّذٍ من الناس حوله، سببه الاهتمام الذي يبديه المفترسون في الغابة بحمارٍ وحشيّ وجد نفسه وحيدًا بعيدًا عن القطيع. يبدأ الطلاب بإرسال شكاوى إلى الإدارة قالوا فيها إنهم يتأذّون نفسيًا لمجرد رؤية البروفيسور. حتى أنّ أصحاب العلاقات العامة يقترحون الآن إلغاء لقاءٍ مع أوباما (الذي أصبح الآن رئيسًا سابقًا) والاستعاضة عنها بمقابلة مع تاكر كارلسون (مقدّم العروض الشهير على قناة سي. إن. إن)، ويقترحون على أوباما أن يسافر إلى فرنسا، حيث يحب الناس هناك مشاهير الأميركيين.
كان كلّ هذا ذكيًا للغاية، كما كان الجزء الأول من الفيلم ذكيًّا بحبكته السوريالية، ولكنّ ولسوء الحظ يبدو أنّ الأفكار الجديدة بدأت بالنفاد من جعبة المؤلفين قبل نهاية الفيلم. الوحيد الذي يصمد حتى النهاية هو الممثل نيكولاس كيج، الذي يسمح لنا فجأةً أن نرى في شخصيته ليس مجرد نكتة غبية، بل نرى شخصًا حيًّا يعاني بالفعل شتّى أشكال المعاناة!

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.