}

كيف حولت إسرائيل فلسطين كمختبر لكل أنواع الأسلحة؟

ناصر السهلي ناصر السهلي 9 أبريل 2024


في كتابه المعنون: "مختبر فلسطين: كيف تصدّر إسرائيل تكنولوجيا الاحتلال حول العالم" (2023)، قدّم الكاتب الكاتب والصحافي أنتوني ليفنشتاين، الذي عمل صحافيًا لنحو عقدين في المنطقة العربية، وقدّم إصدارات متعددة عن دولة الاحتلال الإسرائيلي، ما يشبه لوائح اتهام ضد تل أبيب عن جرائم حرب سابقة للحرب الأخيرة المستمرة منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول ضد قطاع غزة.

الكاتب نشأ بنفسه في منزل صهيوني ليبرالي في ملبورن، أستراليا، التي فرّ إليها أجداده من ألمانيا النازية والنمسا في عام 1939، حيث لم يكن دعم إسرائيل متوقعًا، كما ذهب بنفسه في مقدمة كتابه، التي اختار عنونتها باقتباس عن ناثان ثرال، في "لندن ريفيو أوف بوكس" عام 2021 :"الفصل العنصري في جنوب أفريقيا استمر لـ46 سنة، أما في إسرائيل فيستمر منذ 72 سنة".

قدّم الكاتب ما ساد بين يهود العالم وفي أسرته "حيث من المنطقي النظر إلى إسرائيل كملاذ آمن في حالة نشوب صراع مستقبلي للشعب اليهودي"، ليضيف سريعًا أنه "ببساطة سرعان ما أصبحت غير مرتاح لكل من العنصرية الصريحة ضد الفلسطينيين والدعم غير المحسوب لجميع الإجراءات الإسرائيلية". معتبرًا أن ما ساد بين يهود الخارج "كان أشبه بعبادة، حيث تمت إدانة الأصوات المعارضة وطردها (في بيئات الصهيونية المنتشرة حول العالم)"، كما ساق في مقدمة كتابه "مختبر فلسطين". عاش لفينشتاين بنفسه في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، حيث ساد عنده "الشعور بالخجل والعار، أن تجري الممارسات باسمي كيهودي، فخلال 20 سنة أجريت مراجعات، وسط وعي عالمي يتشكل حول إسرائيل"، مستخلصا أن ما يجري على أرض فلسطين هو الأبارتهايد بعينه، رابطا بينه وبين استيراده من جنوب أفريقيا سابقا.

قسم المؤلف كتابه "مختبر فلسطين" إلى سبعة فصول: بيع السلاح لمن يريده، 11 سبتمبر/ أيلول (2001) كان جيدًا، منع اندلاع السلام، بيع الاحتلال الإسرائيلي إلى العالم، فرض الخطاب الدائم للهيمنة الإسرائيلية، المراقبة الجماعية الإسرائيلية في دماغ هاتفك، شركات وسائل التواصل الاجتماعي لا تحب الفلسطينيين.

عاش أنتوني ليفنشتاين بنفسه في حي الشيخ جراح بالقدس المحتلة، حيث ساد عنده "الشعور بالخجل والعار، أن تجري الممارسات باسمي كيهودي" 

(Credit: Wolter Peeters)


فلسطين كمختبر لكل أنواع الأسلحة

قد لا يكون جديدًا لبعض القراء العرب أن تل أبيب ظلت لعقود في أفضل علاقاتها مع الأنظمة الديكتاتورية، سواء في أميركا اللاتينية وآسيا أو أفريقيا وغيرها، لكن أن يكشف كاتب خارج من بيئة صهيونية أسترالية تحويل فلسطين إلى مختبر بشري لتطوير الأسلحة والتكنولوجيا، والتي يتم بيعها بعد ذلك للدول الدكتاتورية، هو أمر مختلف للمتلقين غير العرب، وخاصة إذا أخذ البعض بمجريات رفع القضية أمام محكمة العدل الدولية، وكذلك التقارير الصادرة عن عدد من المنظمات الحقوقية الدولية، خلال حرب الإبادة في غزة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، ودخولها الشهر السابع في ربيع هذا العام.

اعتبر ليفنشتاين في فصول كتابه أنه برغم صغر حجم إسرائيل فهي "تعتبر من بين أكبر عشرة منتجين ومصدرين للأسلحة في العالم". موضحًا في السياق أن دولة الاحتلال تجتذب مختلف الدول لشراء ما تصنعه، ومستشهدًا بإقامة أكبر معرض للأسلحة في تل أبيب "بينالي آي أس دي إي أف" في مارس/ آذار 2022، حيث اجتذب أكثر من 12 ألف زائر من 90 بلدًا، ومن مختلف القطاعات العسكرية والشرطية والأمنية. فشركات، مثل إلبيت وأني فيجين، يتراوح تسويقها بين الغاز المسيل للدموع إلى المسدسات والقنابل والقذائف وطائرات بدون طيار وألغام، إلى جانب كل شيء في مجال الأمن المدعوم بالذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا مكافحة الإرهاب، بما في ذلك برامج القياسات الحيوية للتسجيل التلقائي والتعرف على وجوه الأفراد وبصمات الأصابع وبصمات الأيدي، والقزحية وشكل الجسم ووضعيته.

يرى الكاتب أن "ما اعتبرته إسرائيل مهما في إنتاجها العسكري لأجل البقاء هو في نفس الوقت وسيلة للتدمير والقمع في أماكن أخرى. ليس فقط في فلسطين، بل في العديد من دول العالم".

ويشدد على أن حلقات ردود الفعل العنيفة ضد الفلسطينيين "تعني استخدام فلسطين كنوع من المختبر البشري لتطوير الأسلحة والتكنولوجيا، التي يتم بيعها إلى دول مثل البحرين وبيلاروسيا والفليبين وأوغندا والمغرب ونيجيريا، ودول أخرى تظهر بشكل متكرر على القوائم السوداء للمنظمات غير الحكومية ومنظمات حقوق الإنسان".

بكلمات أخرى يقول ليفنشتاين: "لقد طورت إسرائيل صناعة أسلحة ذات مستوى عالمي بمعدات تم اختبارها بشكل ملائم على الفلسطينيين المُحتلين، ثم تم تسويقها على أنها ’تم اختبارها قتاليا’".

الاحتلال الإسرائيلي كمزود الأنظمة الديكتاتورية

وفي "مختبر فلسطين"، يشرح ليفنشتاين كيف أن إسرائيل، "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط"، ليس لديها على ما يبدو مشكلة في بيع الأسلحة والتكنولوجيا للأنظمة القمعية في جميع أنحاء العالم. على العكس تمامًا، فمنذ ستينيات القرن، شاركت إسرائيل، بشكل مباشر أو غير مباشر، في عدد من الصراعات الأكثر دموية في أنحاء العالم.

ويشرح كيف أن جهاز المخابرات الإسرائيلي الموساد، بالتعاون مع وكالة المخابرات المركزية الأميركية سي آي إيه، طوّر علاقات وثيقة مع عدد من الأنظمة الديكتاتورية كجزء من أجندة الحرب الباردة المناهضة للشيوعية.

يقدم إيران زمن الشاه مثلًا على كيفية دخول إسرائيل في تعاون وثيق مع طهران في ستينيات القرن الماضي، حيث جرى تدريب الشرطة الإيرانية وتزويد النظام بالأسلحة مقابل أسعار النفط المواتية. وخلال الفترة نفسها "عمل الموساد سرًا لتأمين صفقات تجارية مع نظام الجنرال سوهارتو في إندونيسيا، مع العلم أنه قتل ما يصل إلى نصف مليون شخص بين عامي 1965 و1966، وهي واحدة من أكثر عمليات الإبادة الجماعية دموية في القرن العشرين".

كما أقامت إسرائيل علاقات وثيقة مع بابا دوك في هايتي، ونيكولاي تشاوشيسكو في رومانيا، والانقلابي أوغستو بينوشيه في تشيلي، فضلًا عن عائلة سوموزا الوحشية في نيكاراغوا، التي زودتها إسرائيل بالسلاح حتى سقوط النظام عام 1979.

تلك العلاقات بالنسبة لليفنشتاين لا ترتبط فقط بظاهرة الحرب الباردة، بل باعتبارها جزءًا من طبيعة إسرائيل. فتصدير السلاح وأدوات القمع استمرت بعد نهاية الحرب الباردة (بين الغرب والاتحاد السوفياتي السابق 1949-1992). ويقدم مثلًا على ذلك في مواصلة تل أبيب تصدير الأسلحة إلى نظام الهوتو في رواندا حتى، بعد أبريل/ نيسان 1994، عندما اتخذت المذابح ضد السكان التوتسي طابع الإبادة الجماعية، وقُتل ما يصل إلى مليون شخص في ذلك العام. ويشير في ذات الاتجاه إلى علاقات إسرائيل مع نظام ميانمار (بورما)، التي اتهمتها الأمم المتحدة بارتكاب جرائم إبادة جماعية في عام 2018، لكنها مع ذلك تمت دعوتها إلى معرض الأسلحة الإسرائيلي في عام 2019.

يرى ليفنشتاين أيضًا أن إسرائيل تسهّل عنف الدول التي تتعامل معها، للقضاء على المعارضين السياسيين، واضطهاد الأقليات، والتطهير العرقي. إسرائيل بحد نفسها يراها لفينشتاين "قوة احتلال غير شرعية ودولة فصل عنصري".

من كتب أنتوني ليفنشتاين 


دليل أبارتهايد من جنوب أفريقيا سابقًا

بحسب ليفنشتاين في "مختبر فلسطين" فإن "إسرائيل حصلت على دليل اضطهاد الفلسطينيين، نتيجة تعاونها الوثيق مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا". واقتبس الكاتب من  خطاب ألقاه نيلسون مانديلا عام 1993، قبل وقت قصير من نهاية الأبارتهايد رسميًا في العام التالي: "إن شعب جنوب أفريقيا لن ينسى أبدًا دعم إسرائيل لنظام الفصل العنصري".

ومع أن الكتاب نشر قبل الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة بأشهر إلا أن المثير فيه تقاطع ما يقدمه حول الإبادة ودولة الأبارتهايد مع بعض الاتهامات التي رفعتها بحقها جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية.

ومن المهم أيضًا الإشارة إلى أن الكاتب تطرق أيضًا إلى نظريات "المؤامرة المعادية للسامية"، كوسيلة صهيونية للابتزاز، بل ويشير إلى أن الصهيونية بحد ذاتها "كانت نوعًا من  الدمار الجهنمي".

ويعتبر أن "ولادة دولة إسرائيل كانت في عام 1948 بمثابة معجزة بالنسبة إلى العديد من اليهود في جميع أنحاء العالم، ولكنها كانت بمثابة كارثة على الشعب الفلسطيني"؛ مضيفًا: "وكانت الكارثة هي ما يسمى بالنكبة، حيث قام المستوطنون المؤيدون لإسرائيل، بين عامي 1947 و1949، بمسح 531 قرية من الخريطة، وطردوا ما يصل إلى 750 ألف فلسطيني من منازلهم وقتلوا أكثر من 15 ألف شخص". واستخلص الكاتب أن "دولة إسرائيل كانت مشروعًا سياسيًا لم يكن يتعلق بضمان بقاء اليهود بقدر ما يتعلق بتأمين الهيمنة العالمية للغرب: استمرار للمشروع الاستعماري تحت ستار حل المشكلة، أو ما يسمى المسألة اليهودية".

الكتاب:

Antony Loewenstein. The Palestine Laboratory: How Israel Exports the Technology of Occupation around the World.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.