}

"عوالم صغيرة" تفوز بجائزة ديلان توماس: سيمفونية غانا

سناء عبد العزيز 26 مايو 2024
تغطيات "عوالم صغيرة" تفوز بجائزة ديلان توماس: سيمفونية غانا
كاليب أزوماه نيلسون (Getty)

في حفل أقيم في سوانزي مساء 16 مايو/ أيار الحالي، تم الإعلان عن فوز الكاتب البريطاني الغاني كاليب أزوماه نيلسون بجائزة ديلان توماس لعام 2024 عن روايته "عوالم صغيرة/ Small Worlds"، التي وصفتها لجنة التحكيم بأنها "سيمفونية".
وتعد جائزة ديلان من أهم الجوائز التي تمنحها جامعة سوانزي سنويًا لأفضل عمل أدبي مكتوب باللغة الإنكليزية، بما في ذلك الشعر، والنثر، والدراما، والقصة، والرواية، والسيناريو، منذ أن تأسست في عام 2006، تيمنًا بالكاتب الويلزي الذي آثر التجريب في مختلف الأنواع، واستطاعت كلماته المموسقة أن تغزو العالم وتحرك القلوب والأجساد على وقعها المدهش. مات ديلان في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1953، وهو في التاسعة والثلاثين من عمره، ولهذا تمنح الجائزة للمبدعين الشباب تحت سن الأربعين.

الحب في زمن الهجرة
برز اسم كاليب أزوماه نيلسون مع فوز روايته "مياه مفتوحة/ Open Water" بجائزة كوستا للرواية الأولى عام 2021، والتي أدرجت أيضًا في قوائم عدد من الجوائز، منها جائزة صنداي تايمز للكاتب الشاب، جائزة جوردون بيرن، وجائزة ديزموند إليوت، وكذلك ديلان توماس. وعلى الرغم من إجماع هيئة التحكيم هذه المرة برئاسة ناميتا جوخالي، على فوز روايته الثانية "عوالم صغيرة" بالجائزة البالغ قيمتها 20 ألف جنيها استرليني، إلا أن نيلسون الشاب أحس بما يشبه الصدمة، كما يظهر من كلماته لدى تلقيه الجائزة: "من المثير حقًا أن أكون هنا... إنه أكبر شيء حدث لي في ما يتعلق بمسيرتي في الكتابة، ومن المذهل أن أكون جزءًا من هذه التجربة".
مع قصر تجربته الإبداعية، لفت نيلسون الانتباه إلى براعته في دمج الفنون البصرية والسمعية في الرواية، ما جعل نصوصه تمور بالصوت والحركة، إلى درجة تدفع القارئ إلى الدندنة بكلماته المنغومة، وهو ما يذكرنا بتأثير قصائد ديلان على جمهوره، حيث كانوا يدقون الأرض بكعوب أحذيتهم لا إراديًا حتى تضج القاعة بالموسيقى.
ويمكن استشفاف عدد من القواسم المشتركة بين تجربتي نيلسون الأولى والثانية، لعل أولها هو البطل صاحب البشرة الداكنة في بلد أوروبي، وتجربة الحب الأول في بلد المهجر، كذلك اختيار فصل الصيف كزمن للأحداث، واشتعال جذوة الحب، حيث تطول الأيام وتقل مسؤوليات الدراسة والعمل، مفسحة مجالًا للإطلال على حياة الملونين المبهجة للغاية، والمهددة دائمًا بالخطر. أضف إلى ذلك أسلوب الكاتب نفسه في رسم عوالم تغمرها الشمس والموسيقى.
غير أن روايته الثانية تختلف عن سابقتها في توسيع حدود المكان، فلم يقتصر هذه المرة على حي بيكهام الواقع شرق لندن، بل امتد ليشمل غانا بلد الأجداد، وكذلك الطريق من لندن إلى غانا، الذي تم تجسيده على نحو مثالي عبر ثلاثة فصول صيف.




تتبع الرواية شابًا يدعى ستيفن من الجيل الثاني من سكان لندن، ولد لأبوين مهاجرين من غانا، وحال خوف والديه من أن يجرب حياتهما، من دون تحقيق حلمه في الالتحاق بجامعة تدرس الموسيقى. بدلًا من ذلك، درس ما يضمن له حياة مستقرة وهو الآن يمر بمرحلة انتقالية في حياته تكاد تدمر خططه كلها كما يحدث عادة نتيجة لتقلبات الحياة والحب، ويصبح لزامًا عليه البحث عن خطط أخرى.
نتعرف أيضًا على قصة والديه وأصدقائهما الذين يمثلون الجيل الأول من الغانيين، وكيف كانوا يتضورون جوعًا في شوارع لندن غير المضيافة، ويتعرضون لعنت الشرطة. يصف نيلسون كيف تتقلص المدينة أمامهم "في محاولة لإبعادنا عنها، وتشجيع اختفائنا"، ليكشف عن مدى عداء بريطانيا للمهاجرين، الذين يراودهم حلم آخر بالهجرة مرة أخرى بحثًا عن مساحة آمنة، وهو ما يشعرهم بالابتعاد أكثر فأكثر عن موطنهم الأصلي، ولكنهم في الوقت نفسه يرتبطون به بعمق، ويتخذون من تلك الروابط مساحات إضافية لتوسيع عوالمهم الضيقة المحدودة.

موسيقى من القارة السمراء
يسكن عالم العائلة الصغير مجموعة من الغانيين المميزين، بمن في ذلك العم تي، صاحب الفم "المملوء بالذهب مثل أشعة الشمس"، وصاحبة المقهى العمة يا، التي تمتلك مخزونًا من البطاطا والموز والبطاطس. وذات أصيل يجلس ستيفن معها أمام متجرها بعد أن أغلقته مبكرًا، ليصور مباهج الصيف في المدينة في مشهد يجمع أطفالًا يركبون الدراجات، وعجائز يتبادلون الأحاديث والنكات وهم يشربون البيرة، كما يرصد السرد دور العمة في تشتيت انتباه الشرطة حين يتسلل إلى متجرها أحد الشبان يطلب حمايتها، ليصل إلى نقطة تحول في نسيج المجتمع حين تضطر العمة إلى إغلاق أكبر متجر أفريقي كاريبي في بيكهام، لأن إيجاره تضاعف فجأة ثلاث مرات، جراء التنمية غير المدروسة. لقد كانت بيكهام منطقة شعبية فقيرة تعج بالجريمة والفوضى وفي ظرف عقد واحد، حققت صعودًا ملحوظًا، وأصبحت بذلك موقعًا لإلهام الفنانين.
تتسع عوالم نيلسون الصغيرة أيضًا بدخول مختلف الروائح والطعوم، حيث تحتل الأطباق التي يقوم عادة بإعدادها، أو تقوم والدته بتجهيزها، مساحة كبيرة من السرد تتحرك فيها الحلل والأغطية لتتسلل إلى القارئ رائحة البهارات وأصوات تقليب الطعام في كتابة حسية على نحو مذهل.

برز اسم كاليب أزوماه نيلسون مع فوز روايته "مياه مفتوحة/ Open Water" بجائزة كوستا للرواية الأولى عام 2021 (Getty)


كما تتسع عوالمه بدخول موسيقى الجاز والهيب هوب وموسيقى السول طوال الوقت، لتصنع حوارًا مع اللغة بما يتيح فهم أغنية، أو استكشاف تجربة فنان ما من خلال سرد بعض المقطوعات الموسيقية والألبومات. ومع تقديمها عددًا من التجارب الموسيقية والتعليقات الثاقبة، ترصد استجابة جمهور المستمعين وتأثرهم بمقطوعة ما وكيف يمكن لهذه الاستجابة أن تؤثر على عالمنا. إن بطل ستيفن المغرم بالموسيقى يتخذ منها وسيلة مدهشة للتعبير عن نفسه والتواصل مع عائلته وأصدقائه، وكذلك ليعبد طريقًا مفروشًا بأغانيهما المفضلة بينه وبين حبيبته. وهكذا تتسرب الموسيقى إلى الكتاب بأكمله، وتتحرك أمامنا عبر فصول الصيف في لندن وغانا مغلفة الأجواء بأنغامها العذبة.
أيضًا تخرج الموسيقى من الكلمات، وهو ما تصفه ناميتا جوخالي، رئيسة لجنة التحكيم، في بيان لها: "هنالك طابع موسيقي في كتابات كاليب أزوما نيلسون، إنه كتاب مصمم لقراءته بهدوء والاستماع إليه بصوت عالٍ... حيث تتكرر الصور والأفكار على نحو رائع، مما يضفي على الطبيعة السيمفونية للعوالم الصغيرة ضربًا من الغنائية، يشعر معها القارئ بأنه ينجرف مع الشخصيات أثناء عبورها بين غانا وجنوب لندن، في محاولة للعثور على ما يشبه الوطن".
تعكس رواية نيلسون، بأقسامها الثلاثة، فكرة الصدمة بين جيلين، أحدهما قدم تضحيات هائلة تتمثل في الهجرة ومحاولة تمهيد طريق للأبناء، والآخر دفع ثمنًا باهظًا باعتباره فردًا في أقلية ليست موضع احترام وتقدير. ولهذا يشعر ستيفن بإحساس غريب حين يعود إلى غانا ويجرب الحياة وسط الأغلبية. وبرغم أهمية ما يكابده المهاجرون حتى يومنا هذا في بلاد أوروبا، فإن نيلسون يقرن هذه المكابدة بفكرة أكثر إزعاجًا، هي عجز اللغة عن الوفاء بمشاعرنا، كما سبق وطرحها في روايته الأولى "مياه مفتوحة". حيث يتضح من خلال تأكيداته المستمرة عبر الفصول الكثيرة، مدى عدم كفاية اللغة لفهم تجربة والدته كمهاجرة من غانا، وكذلك للتعبير عن غضبه من الظلم العنصري، ولتصوير مشاعره الفوارة تجاه الحب الذي يعده محور كتاباته كلها، فهو يصنفها قصة عن الحب بغض النظر عما علق بها من قضايا شائكة.
تقول جوخالي: "وسط قائمة قصيرة مثيرة للإعجاب للغاية، والتي عرضت مجموعة واسعة من الأنواع والأصوات الجديدة المثيرة، اجتمعنا على حب هذه الرواية المؤثرة والعاطفية".
انضم إلى جوخالي في لجنة التحكيم هذا العام كل من الكتاب تايس سين، جون جاور، شون هيويت، وجوليا ويلر.

الدخول

سجل عن طريق

هل نسيت كلمة المرور؟

أدخل عنوان بريدك الإلكتروني المستخدم للتسجيل معنا و سنقوم بإرسال بريد إلكتروني يحتوي على رابط لإعادة ضبط كلمة المرور.

شكرا

الرجاء مراجعة بريدك الالكتروني. تمّ إرسال بريد إلكتروني يوضّح الخطوات اللّازمة لإنشاء كلمة المرور الجديدة.